بحث

السبت، 19 أبريل 2014

القابعون في الظلام : الحلقة السابعة عشرة

يمثّل هذا المجلس أداة أساسية لترويج قراراتنا السياسية عبر شبكتنا الكبرى من
الأتباع والتوابع دون حاجة للكشف عن دوافعنا وإستراتيجيتنا الحقيقية. 

السياسة التي نقرّها في أحد اجتماعات هذا المجلس، المؤلف من عدة أشخاص، تُسوّق لحاشيتنا وأتباعنا، ومن ثم تنتشر إلى الملايين على شكل أفكار عقلانية تخفي دوافعنا الحقيقية. 

تكمن القوة الخفية الحقيقية لمجلسنا السرّي في الطريقة السلسة واللطيفة التي نسوّق عبرها سياسات التحكّم والسيطرة، دون حاجة لممارسة القوة والشدّة التي يبديها المهيمنون المباشرون المتعطشون للسلطة. 

هذا المجلس يقبع في قلب شبكة المنظمات السرّية العالمية، ونحن نحتلّ قلب هذا المجلس.

في بدايات تشكيل هذا المجلس، عملنا جاهدين لجذب الشخصيات الأكثر الكفاءة ونجاحاً في كافة المجالات، مستخدمين كل النفوذ الذي يمكن لأموالنا شراءه. 

لقد بذلنا جهود كبيرة في إقناع أعضاء المجالس المستقلة والمتشكلة ذاتياً، بأن يسيروا بتوافق وانسجام مع أهداف سياساتنا. 

لقد واجهنا الكثير من الفشل. 

لكن الآن، كل شيء تغيّر. لم تعُد تُعتبر العضوية في منظمتنا مكافأة للنجاح أكثر من كونها شرط أساسي للنجاح العظيم. 

من دون عضوية في منظمتنا، فقط الشخصيات المرموقة واللامعة تستطيع البروز على المستوى الوطني أو العالمي. 

أما من خلال العضوية في منظمتنا، يمكن حتى لشخصيات ذوات جودة متوسطة، والميول المناسبة طبعاً، أن يلمعوا ويبرزوا.

وفي الحقيقة، فإن المتوسطين (الجودة المتوسطة) هم أكثر ميلاً وتأقلماً مع ترويج سياساتنا وأقل قابلية لأن يكشفوا ويعارضوا دوافعنا الكامنة وراء تلك السياسات. 

إن المتوسّط المتعطّش للسلطة لا يرى صالحاً في الحكم على أولياء نعمته أو التساؤل عن طبيعة وبنية القوة التي جلبت له النجاح الباهر الذي يعرف في قرارة نفسه بأنه لا يستحقه. 

أما بخصوص الأشخاص ذوات الجودة الرفيعة، فإن عزّة النفس التي يتحلى بها هؤلاء المثاليون المنصفون الذين يكرّسون أنفسهم لخدمة البشرية بصدق وإخلاص، تمنعهم من التورّط في هذا النوع من التواطؤ، كما أنهم يثورون ضدّ هذا الوضع مجرّد أن شعروا به. 

لهذا السبب لا نجرؤ في المخاطرة بالتعامل مع هكذا نوعية من الأشخاص.

أصبح المجلس الآن وكالة عملاقة لتوظيف المخلصين الحاضرين دائماً لتسويق أفكارنا كالببغاوات (جمع ببغاء) في كافة المواقع والمناصب الرفيعة، إن كانت في الحكومات، أو المؤسسات والجمعيات، أو الإذاعات المرئية والمسموعة، أو في مجال الصناعة، أو المصرفية، أو الصحافة، أو الطباعة والنشر. 

رغم أننا نشجّع أعضاء المجلس على اتخاذ مواقع متناقضة في كافة الجهات المتصارعة والمتخاصمة، والمشاركة بكل ما عندهم في الشجارات والجدالات القائمة بين الأطراف، والتي نصنعها من أجل تسلية وضعضعة الجماهير، إلا أن هؤلاء الأعضاء المزروعين في طرفي النزاع يتوحدون بشكل لا يوصف عندما تتعلق المسألة بالدفاع عن منظمتنا، وبنية قوتنا ونفوذنا. 

الكثير منهم يعتبرون أنفسهم مدافعون صالحون عن مصلحة الجماهير، لكنهم بنفس الوقت، مستعدون لتكذيب أي إشاعة أو رواية تفضح حقيقة قوتنا الخفية القابعة وراء الستار، فيستبعدون الفكرة من خلال اعتبارها إحدى نظريات المؤامرة السخيفة التي لا يأخذ بها سوى المهووسين المجانين.

في هذا العصر الذي تسوده السيطرة الرأسمالية ومنظومتها المصرفية المعقّدة، لم يعد للمجتمعات السرية (قديمة الطراز) أي دور رئيسي لتلعبه. 

معظم تلك المنظمات السرّية انحدرت إلى مستوى نوادي اجتماعية يلتقي فيها الرجال مرة كل شهر هرباً من الزوجة والأولاد. 

لكن من الواجب الاعتراف بأن لهذه المنظمات السرية تاريخ مجيد وحافل، حيث كانت تمثّل السلاح الرئيسي بيد أسلافنا البرجوازيين خلال سيطرتهم أو تآمرهم على الملوك والأمراء. 

في وسط الأجواء الدموية الاستبدادية التي سادت تلك العصور المظلمة، وخوفاً من اكتشاف أمر هذه الجمعيات السرية، كان يُتخذ إجراءات احترازية كثيرة مثل: التعهّدات (قسم اليمين)، المناصرة، الخداع، المكافأة.. وغيرها من أساليب تُستخدم للمحافظة على إخلاص الأعضاء وسرّية المنظمة. 

وفي الحقيقة، كل هذه العوامل ساهمت في تحويل الجمعيات السرية إلى مصدر قوة هائلة لصناعة الثورات والانقلابات العظيمة عبر التاريخ. 

أما الطريقة التنظيمية المعقّدة لهذه الجمعيات السرية، مثل تقسيمها إلى درجات تراتبية يحتلها الأعضاء، والطقوس الاحتفالية للمنتسبين الجدد، والأهداف الإنسانية المخادعة التي تنطلي على الأعضاء في المستوى الأدنى، جميعها ساهمت في حجب وإخفاء الأهداف الحقيقية لهذه الجمعيات، والتي لا يعرفها سوى قياداتها الخفية... الأسياد المحجوبين. 

وجب الاعتراف بحقيقة أن الدور الحاسم الذي لعبته المحافل الماسونية المتنوّرة في الثورات الأوروبية خلال القرون الماضية كان له فضل كبير في انتصارنا على النظام العالمي القديم (الإقطاع)، وإفساح المجال لنشوء منظومتنا الرأسمالية الحالية.

سوف أترك الآن الساحة للبروفيسورY الذي سيتحدث عن المجتمعات السرّية الحقيقية للدولة الرأسمالية العصرية: 

مؤسسات الأمن الوطني، ووكالات المخابرات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق