بحث

السبت، 19 أبريل 2014

القابعون في الظلام : الحلقة الثامنة

البروفيسور (M) عن اقتصاديات البنك المركزي :

ON THE ECONOMICS OF CENTRAL BANKING

".. يستطيع (البنك) أن يأخذ فوائد المودعين، وفوائد المدخرات المالية المودعة فيه، ويقرضها للناس في السوق. يستطيع كسب الفائدة من هذه القروض، وطالما أن هناك نسبة قليلة من المودعين يطلبون استرداد ودائعهم أو سنداتهم، فلا أحد يمكنه كشف اللعبة... أو، من جهة أخرى، يمكنه إصدار وصول استلام receipts مقابل ودائع لا وجود لها أصلاً، ومن ثم طرحها في السوق كقروض. وهذه العملية الأخيرة تعتبر الأكثر حذاقة ودهاء. فوصول الاستلام الزائفة هذه، سوف يتم تبادلها في السوق على أساس أنها وصول حقيقية لها قيمة، ذلك طالما أنه لا يوجد عليها أي كتابة أو علامة تشير إلى كونها وهمية أو أصلية. وجب أن يكون الأمر واضحاً وجلياً بأن هذا العمل برمته هو خداع واحتيال واضح وصريح..."
موراي روثبارد Murray Rothbard
من كتابه: الإنسان، الاقتصاد والدولة

".. إن المجهود الجريء الذي قام به المصرف الحالي بهدف السيطرة على الحكومة، بالإضافة إلى الضائقة المالية التي صنعها بأساليب خليعة وفاجرة،...، هي مجرّد نذائر منبئة بالمصير الذي ينتظر الشعب الأمريكي إذا استمروا مخدوعين في تخليد هذه المؤسسة (مصرف الولايات المتحدة)، أو أي مؤسسة مشابهة لها.."
أندرو جاكسون Andrew Jackson
الرئيس السابع للولايات المتحدة، 1834

بما أنك حائز على شهادة دكتوراه في علم الاقتصاد من أعظم الجامعات في العالم، سوف أتطرّق بسرعة، وبقدر ما تسمح لي مساحة الإسهاب هنا، إلى حقائق مقبولة ومألوفة في علم الاقتصاد الرسمي، ثم أدخل إلى الموضوع الأهم وهو المظاهر الخفية للمصرفية المركزية CENTRAL BANKING.

بما أن توزيع العمل (مِهن وحِرف مختلفة) يمثّل المفتاح لكافة الإنجازات البشرية وسد حاجاتها، فمن الضروري وجود نظام تبادل للمنتجات والخدمات المختلفة، خاصة بعد أن أثبت نظام مقايضة السِلع (المعقدّ) عدم جدواه، كما أن اقتصاداً حاكماً حيث كل فرد يعمل ويتلقى ما أُمر به، أثبت عدم واقعيته إطلاقاً لأنه فشل في الاستفادة من المبادرات والمواهب الفردية المميزة. 

وأخيراً، جاء الوسيط البديل للمقايضة، وهو المال، كحل مناسب جداً. 

(حتى أن الاقتصاديات الأكثر مركزية، أي على الطريقة الاشتراكية، تتحمّس للمال وتعتبره الوسيلة الأبسط، وحتى الأكثر ضرورية، في مزاولة التخطيط الاقتصادي بنجاح).

حتى في الحالة الطبيعية، عندما تستقرّ مجموعة بشرية في مساحة جغرافية معيّنة، يتفق أفرادها بشكل تلقائي على سلعة ثمينة ثابتة، غالباً ما تمثّل الذهب أو الفضة، لاستخدامها كوسيط لمقايضة السلع فيما بينهم. 

ومن هنا جاء مفهوم المال. 

ولأن هذا المال يحوز على قيمة معيّنة، بالإضافة إلى كونه يمثّل وسيط للتبادل التجاري، راح الناس يدخرون جزءاً من مدخول الذهب لديهم بدلاً من صرفه بالكامل. 

وعندما يتراكم بكميات كبيرة عند الشخص، غالباً ما كان هذا الذهب يُدّخر في مخازن (أقبية مجهّزة جيداً للحماية) .

الصائغ (صانع الأدوات والحُلي الذهبية)، وهو السلف الأوّل للمصرفي العصري، ذلك من أجل التأمين عليها من النهب أو الضياع. 

كان المودعين يستلمون "وصل أمانة" receipt يضمن له استرداد ذات الكمية والجودة من الذهب عندما يطلبه من الصائغ.  

في مرحلة معيّنة، أدرك الصائغ بأنه ما من سبب يمنعه من إقراض بعض من الذهب المودع لديه مقابل فائدة طالما أبقى على كمية معيّنة من مخزون الذهب متوفراً لديه بحيث يغطّي نسبة طلبات الاستردادات التي يجريها أصحاب الودائع الحقيقيين. 

وفي الواقع، كان بكل بساطة يوعد كل مودع بأنه سيدفع على الموعد، رغم أنه لا يملك مدخرات تغطي كافة وعوده لكافة المودعين. 

والأمر الأفضل الذي اكتشفه مع الوقت، هو أنه يستطيع إصدار كميات كبيرة من "وصول الاستلام" receipts مقابل الذهب بحيث تكون قيمتها النقدية أكبر من الذهب الموجود لديه أصلاً. 

ووصول الاستلام هذه، التي هي عبارة عن أوراق عادية مكتوب عليها كلام فارغ، يمكن مداولتها بحريّة بين العامة بصفتها مالاً ذات قيمة نقدية حقيقية.

ولكن في النهاية اكتشف الصائغ بأن هناك حدوداً معيّنة لهذه العملية التي اتبعها. 

فليس كل سندات الاستلام التي أصدرها تستمر في التداول بين العامة إلى الأبد. 

لقد بدأ معدل طلبات استرجاع المدخرات الذهبية يزداد باطراد بعدما تقع تلك السندات في يد أشخاص لا يؤمنون بالسمعة الحسنة التي يتمتع بها الصائغ. 

والأمر يزداد سوءاً عندما تقع تلك السندات في أيدي صائغين منافسين للصائغ الأوّل وطامعين بمدخراته من الذهب. 

لكي يتجنّب الكارثة المتمثلة بنفاذ كامل مدخراته من الذهب، تعلّم الصائغ، من خلال الخبرة المريرة، أنه وجب إبقاء تداول سندات الأمانة التي يصدرها ضمن نطاق محدود. 

ومع ذلك، كانت القوة التي تجسّدها عملية إصدار سندات الأمانة الخالية من الرصيد إغراءاً كبيراً لا يمكن مقاومته. 

خاصة بعد أن جعلت للصائغين الدائنين لهذه السندات نفوذاً هائلاً على الحكومات، والصناعيين، والتجار. 

الكثير من الصائغين استسلموا بشكل غير عقلاني للإغراء، فتمادوا كثيراً بهذه العملية (إدانة السندات دون رصيد) فجلبوا لنفسهم وللمودعين عندهم الدمار الكامل، بينما الآخرون الذين كانوا يجرون عملية الدين هذه ببطء وتعقّل، ووفق سياسات حكيمة بعيدة النظر، أصبحوا مصرفيين أثرياء ونافذين جداً.

عند هذه النقطة، ووفق علم الاقتصاد الرسمي، يمكن اعتبار "المصرف المركزي" مؤسسة وُجدت أساساً لحماية العامة من الكوارث المالية الدورية التي يسببها المصرفيين المودعين المجردين من الضمير، والمبعثرين دون تنظيم في كافة أنحاء البلد. 

مع أنه في الحقيقة، هذا التعريف الرسمي للمصرف المركزي هو بعيد جداً عن الواقع الحقيقي. 

لقد وُجد المصرف المركزي أصلاً من أجل إزالة الحدود التي تحد من تداول السندات الخالية من الرصيد، والتي واجه المصرفيون الصغار (الصائغ) مشكلة في تجاوزها. 

منذ أيام حضارة بابل والحضارة الهندية القديمة، تم إنشاء "المصرف المركزي"، الذي يعتمد أساساً على فن التحكم بإصدار الأموال، وتطوّر هذا الصرح إلى مستويات راقية جداً بحيث اتبع الكهنة (المصرفيون) سياسات ذكية جداً لنهب الناس دون أي معرفة أو إدراك منهم بذلك. 

وحتى اليوم، لازال الكثير من المصرفيين العصريين يتبعون التقاليد ذاتها التي اتبعها الكهنة المصرفيون في تلك العصور الغابرة، لدرجة أنهم بنوا مصارفهم الحديثة لتظهر على شكل معابد مشابهة لتلك التي كانت قائمة في ذلك الزمن البعيد! 

إن مظهر التحصين المنيع للمصرف المركزي يشكّل جزءاً أساسياً من الخداع الذي تستند عليه النخب المالية النافذة.

دعونا ننظر إلى الطريقة التي يتأسس من خلالها مصرفاً مركزياً في بلد جديد لم يشهد مثل هذه المؤسسة المالية سابقاً. 

نتقدم نحن المصرفيون من الأمير أو النخبة الحاكمة (ومهما كان نوع الحكام، فجميعهم بحاجة دائمة للمال لتمويل صراعاتهم وحروبهم، أو إرضاء شعوبهم بإصلاحات آنية، وجميعهم بشكل عام جاهلون تماماً في علم الاقتصاد)، نقترح عليه ما يلي:

"..امنح مصرفنا امتيازات حصرية على المستوى الوطني من أجل ضبط وتنظيم معاملات المصارف الخاصة في البلاد، ذلك عن طريق السماح لنا بإصدار سندات مالية قانونية مفروضة على الجميع، أي، اجعل سنداتنا مفروضة قسراً على سوق التداول بحيث تُقبل كسندات مالية قابلة لأن تُستخدم لسد الديون، العامة والرسمية. 

وفي المقابل، سوف نزوّد الحكومة بكل السندات التي تتطلبها، مقابل فوائد معيّنة سهلة الدفع من خلال الضرائب المُستحقة التي تجمعها الحكومة. 

إن ازدياد القوة الشرائية للحكومة، بعد تعاقدها مع مصرفنا المركزي، سوف يزيد حتماً من قوة هذه الدولة (المزعزعة سابقاً) وهيبتها، كما أن هذا الوضع ينشّط اقتصادها المتثاقل والمكسور أصلاً، فيرفعها إلى حالات ازدهار غير مسبوقة. 

والأمر الأكثر أهمية هو أن حالات الذعر العنيفة التي تسببها المصارف الصغيرة من خلال الانهيارات المالية التي تنتجها بشكل دوري في البلاد، سوف يتم استبدالها بمصارفنا العادلة وأموالنا النظيفة التي تخضع لإدارة علمية وراكزة. 

وسيبقى خبرائنا "الميالون لخدمة المصلحة العامة أولاً" في خدمة الدولة وتحت تصرفها، بينما نحن نبقى مستقلون إلى حد ما من أي ضغوط سياسية آنية تفرض علينا سياسات إدارية معيّنة.."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق