بحث

السبت، 19 أبريل 2014

القابعون في الظلام : الحلقة التاسعة

لبعض الوقت، يبدو بأن هذا النظام يسير بشكل جيد جداً، حيث
ازدهرت البلاد وتوفرت فرص العمل للجميع. 

لكن الحكومة وعامة الشعب لا يفطنون أبداً إلى أننا، الذين أصدرنا السندات المالية الجديدة، نستخدم هذه السندات الزائفة المخلوقة من لا شيء، لقيامنا، وبشكل سرّي، ببناء إمبراطوريات اقتصادية على حساب الفوائد المالية الملموسة (أي لها قيمة حقيقية) المُستبدلة بالديون الممنوحة على شكل سندات مزيّفة (ليس لها أي قيمة). 

وبسبب القوانين الصادرة من الحكومة والتي تفرض على السوق التعامل بسنداتنا المالية حصراً، فبالتالي، القليل من هذه السندات التي يصدرها المصرف المركزي تُسترجع إليه طلباً باستبدالها بقيمتها من الذهب. 

وفي الحقيقة، قد تبدأ كافة المصارف الخاصة المحلية، وحتى بعض المصارف الخارجية، باستخدام السندات الصادرة من المصرف المركزي كودائع مالية لها قيمة حقيقية، وبالتالي تبدأ بإصدار سندات أمانة تستند على مخزونها من سندات المصرف المركزي وليس الذهب. 

لكن رغم ذلك، وبعد فترة من الوقت، تبدأ الأسعار بالارتفاع لأن إصدار السندات الزائدة ترفع معدل الطلب المتعلق بكمية السلع والخدمات. 

مع انخفاض قيمة مدخراتهم أكثر وأكثر، يبدأ الأجانب (المودعين من خارج البلاد) بشكل أخص، بالتساؤل عن قيمة السندات التي يصدرها المصرف المركزي ومن ثم يباشروا فوراً بطلب استعادة المدخرات الذهبية التي تمثّل قيمة هذه السندات. نحن طبعاً لا نتحمّل مسئولية هذا التضخّم المالي الهائج عند حصوله. 

فنحمّل المسئولية على المضاربين الأشرار الذين يرفعون الأسعار لغاياتهم الشخصية، وبالإضافة إلى رمي المسئولية على الشريحة العمالية المنظّمة (الاتحادات العمالية) وكذلك على أصحاب المؤسسات والمنشآت التجارية/الصناعية الذين أساءوا التحكم بمعدلات الرواتب وأسعار المنتجات والخدمات. 

حتى المستهلك يُجعل مذنباً لأنه قبل بالأسعار المرتفعة دون أي شكوى! 

خلال حالة الإرباك والفوضى التي تصيب الحكومة اليائسة، تقبل بالتحاليل الزائفة التي يقدمها خبرائنا المصرفيون لهذه المسألة الطارئة، فتستمر في منح المصرف حرية التحكم والتصرّف بالسياسة المالية للبلاد أملاً بإصلاح الوضع.

من خلال إبطاء معدل إصدار السندات دورياً، يمكن حينها تأجيل المرحلة القصوى للأزمة المالية لفترة عشرات السنين بعد منح المصرف المركزي امتياز الحكومة لحصرية استخدام سنداته المالية. 

قبل النفاذ السريع لمخزون الذهب الذي يعتمد عليه مصرفنا لنيل الثقة، نقوم فوراً بتقليص حجم قروضنا الممنوحة للصناعات الخاصة وكذلك للحكومة. 

ونتيجة لهذا التقليص في إمداد المال، تتجسّد حالة إنكماش كُبرى ويحصل الانهيار الكبير بكل ما يلازمه من حالات بطالة، إفلاس، وبلبلة شعبية عارمة. 

وفي هذه الحالة أيضاً، نحن لا نتحمّل مسئولية هذه النكبة الاقتصادية الحاصلة. 

فنلقي اللوم على المحتكرين الذين يرفضون صرف أموالهم، وكذلك على أنبياء الشؤم الذين يخرّبون الثقة التجارية والأعمال.

وكما هي الحال دائماً، تتقبل الحكومة هذه التحليلات التي يقدمها خبرائنا المصرفيين وتستمر في إبقاء السياسة المالية بين أيدينا الأمينة والحكيمة. 

وإذا سارت الأمور جيداً فيما بعد، نبدأ (نحن المصرفيون) بنفخ الأفكار المتمرّدة والثائرة في أوساط الحركات الشعبية العميلة لنا وبالإضافة إلى مجموعات الضغط الخاضعة لسيطرتنا، فتطلق هذه الحركات انتفاضة كبيرة غالباً ما تتخذ مظهر جماهيري عارم، حيث تدفع بقيادات سياسية عميلة لنا إلى مراكز السيطرة في الحكومة. 

بعد تولّي القيادة، نعمل على خفض قيمة سنداتنا المالية وفق معيار الذهب ونجعلها غير قابلة للتحويل لعملة أجنبية، باستثناء حالة التعامل مع مصارف مركزية أجنبية، ثم نبدأ برسم الخطط لاستعادة الازدهار في البلد، لكنه هذه المرّة يكون ملكنا تماماً وتحت سيطرتنا المطلقة.

عندما نكون محظوظين، بإمكاننا مصادرة الذهب العائد للمواطنين كملكية خاصة، ذلك كعقوبة على تخزينه وإخفائه خلال حالة النكبة الاقتصادية الكبرى التي عمّت البلاد.

بعد قهر المنظومة الاقتصادية القائمة سابقاً أثناء الفوضى الناتجة من الانهيار والركود الذي سببته النكسة الاقتصادية، يصبح المجال مفتوحاً أمام تحقيق منظومتنا الرأسمالية التمويلية المتكاملة. 

إذا استطاع أباطرة المال وراء المصرف المركزي أن يتجنبوا دخولهم في منافسات سياسية واقتصادية فيما بينهم، فسوف ننجح بتأسيس نظام جديد قابل لأن يستمر إلى الأبد. يمكن لحالة حرب، يتم توقيتها مع هذه الفترة الانتقالية/الترسيخية، أن تشكّل حجّة مناسبة لتجنيد قوى ضاربة مطلوبة لسحق أي معارضة لنظامنا الناشئ حديثاً.

البروفيسور B ، وهو رئيس مجلس إدارة سابق لأحد المصارف المركزية، سوف يشرح لك عن آلية عمل المصرف المركزي في الأنظمة الرأسمالية المتطورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق