بحث

السبت، 19 أبريل 2014

االقابعون في الظلام : الحلقة التاسعة عشرة

إنهم ينفذون مهمات "مُـقنّعة" تخفي أهدافنا الحقيقية ليس فقط من العامة والمجموعات المستهدفة، بل أيضاً من
العملاء أنفسهم. 

فمثلاً، الكثير من العملاء الذين يعملون تحت "غطاء يساري" يقودوهم إلى الاعتقاد بأن الوكالة الاستخبارية المسئولة عنهم، أو حتى القِسم الذي ينتمون إليه، يخضع سرياً، أو يُحرّك بصِدق من قبل أيديولوجيا اشتراكية. 

وبالتالي، يفترضون بأن الهدف النهائي لوكالته الاستخبارية يتمثّل بإرشاد المجموعات اليسارية نحو توجّهات إيجابية مُنتجة، رغم أنهم يعجزون عن رؤية توافق مهمتهم السرّية مع هذا الهدف المُفترض.

أما العُملاء الآخرين الذين يعملون تحت "غطاء يساري"، لكنهم متعاطفون مع جناح اليمين، فيتم تشجيعهم على الاعتقاد بأن الوكالة المسئولة عنهم تقوم ببساطة بمراقبة ومتابعة تلك المجموعات المخرّبة الميالة للعنف بهدف حماية العامة منهم. 

عندما يُطلب من هكذا عملاء أن يشاركوا في، أو حتى يقودوا نشاطات راديكالية، سوف يعتقدون بأن الهدف النهائي هو اختراق وتدمير المنظمة لمصلحة الوطن. 

وهذه تُعتبر من الحالات النادرة، حيث لا نضيّع وقتنا وأموالنا لحماية العامة أو الدفاع عن الوطن.

أما العملاء الذين يعملون تحت "غطاء يميني" فنعاملهم بنفس الطريقة لكن بالعكس. 

فالعملاء الميالون للجناح اليميني يُقادون للاعتقاد بأن الوكالة المسؤولة عنهم تنتمي لليمين. 

ويُطلب من العملاء الميالون لجناح اليسار لأن يعملوا تحت "غطاء يميني" لكي يراقبوا المنظمات اليمينية الخطرة. 

معظم عملاء الاستخبارات يبقون جاهلون تماماً للصورة الكبرى والتي هي واضحة فقط بالنسبة لنا بفضل الزاوية العُليا التي ننظر منها. 

القليلون فقط لديهم المعلومات الكافية أو التقارير الكافية لاستنتاج كيف تساهم عملياتهم الجزئية، وأحياناً المعقدة جداً، في تعزيز الحاجات التشريعية والقانونية والعملياتية والتسويقية التي تتطلبها استمرارية قوتنا المالية. 

معظمهم لا يحاول، أو يتجرّأ على فعل ذلك. إنهم يتقاضون الكثير من الأموال بحيث لا يخاطرون في التفكير بأمور لا تخصّهم.

أما العملاء الذين يعملون تحت غطاء "عضو عصابة"، فهم نوعين. 

أولاً، هناك عضو العصابة الحقيقي الذي يتعامل مع الوكالة الأمنية ويتقاضى راتبه منها. 

يقودونه إلى الاعتقاد بأن "الأب الروحي" لعصابته هو الذي يتحكّم بالوكالة لغاياته الخاصة. وفي الحقيقة، فإن الأمر بالعكس تماماً. 

الوكالة هي التي تسيطر على رئيس العصابة لغايات أخرى لا أحد يفهمها سوانا. 

ثانياً، هناك محارب الجريمة الحقيقي الذي يقودونه للاعتقاد بأن الوكالة تهدف إلى اختراق ومراقبة العصابات كخطوة أولى لتدمير الجريمة المنظّمة. 

لكن في الحقيقة، فإن هكذا عملاء شرفاء يجهلون بأنهم يقترفون الكثير من الجرائم الجانبية خلال مسيرتهم المتحمّسة لتخليص بلدهم من الجريمة المنظّمة!

من أجل استيعاب كيف نعمل في هذا المجال المربح جداً، دعنا ننظر باختصار إلى ميكانيكية تهريب المخدرات. 

يُؤمر ضباط الشرطة والجمارك بأن يتركوا بعض عناصر العصابات في سبيلهم، حتى لو كانوا يشحنون حمولات مشكوك بأمرها. 

سوف تبدو هذه العملية صالحة تماماً حيث معروف مسبقاً أن الشرطة السرّية التي تخترق عصابات الجريمة المنظمة لا بد من أن تشارك في الجريمة عبر تهريب المخدرات من أجل كسب ثقة العصابة. 

وبالتالي الكثير من عمليات التهريب تمرّ تحت أنوف الجمارك والشرطة دون أي تذمّر أو شكوى لأنهم يأخذون السيناريو السابق في الحسبان. 

لماذا يريد ضابط جمارك أن يخرّب عملية استخباراتية موضوعة بحنكة وإتقان للإيقاع بإحدى العصابات المهرّبة للمخدرات؟

هناك الكثير من عمليات التهريب التي يشارك فيها أفراد الجمارك والشرطة ظناً منهم بأنها خطّة مبيّنة للإيقاع بإحدى كُبرى عصابات الجريمة المنظّمة. 

لكن لو استطاع العميل الأمني أن يرى الصورة الكبرى كما نراها نحن، فسوف يكتشف بأن كل المخدرات المُهرّبة إلى أسواق البلد هي بمشاركة فعلية من عملاء فدراليين وعناصر الشرطة السرّية!

الإستراتيجية التي تعمل وفقها الجريمة المنظّمة التي نديرها في البلاد هي كما يلي: 

من جهة أولى نعمل على تمرير قوانين تحرص على أن تُعتبر مجالات "التسلية" المفضّلة لدى الكائن البشري هي مجالات غير قانونية. ومن جهة ثانية، ندير السوق السوداء التي توفّر هذه المجالات غير القانونية ونحصد الأرباح الخيالية، وكل ذلك مع حصانة مطلقة من الملاحقة القانونية. 

أما المنع القانوني لشرب الكحول الذي ساد في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي في أمريكا، فكان مجرّد تجربة اختبارية ناجحة لإطلاق هذه الإستراتيجية.

هناك منهج جديد ومتنامي في مجتمعنا الاستخباراتي، ويتمثّل بالعملاء الخاضعين للسيطرة السايكولوجية أو الأدوية التخديرية. ويُشار إلى هؤلاء اصطلاحياً بـ"العملاء المُعدلون سلوكياً" behavior modified agents، أو باللغة العامية التي نستخدمها نحن، نسميهم "زومبي" zombies. من خلال استخدام مخدرات منومة مغناطيسياً hypnotic drugs، وتقنية غسيل الأدمغة brain washing، والتجريد الحسّي sensory deprivation، وغيرها من تقنيات "تعديل للسلوك" behavior modification techniques، يمكننا تكوين وصناعة شخصيات وهمية من لاشيء داخل عقل "الزومبي". 

كما يمكننا تحديد المواصفات التفصيلية للشخصية المُصطنعة المُصممة خصيصاً لتناسب المهمة المنشودة، كل ذلك بواسطة برنامج كمبيوتر. 

إن هكذا شخصيات (ملعوب بعقولها) تصبح عصبية وغير مستقرّة نفسياً أو عقلياً، ذلك بفعل الارتدادات العكسية التي تسببها تقنياتنا السيكولوجية التي لم يكتمل تطورها النهائي بعد، لكنها على أي حال تبقى مفيدة لغايات كثيرة.

طبعاً، إن الفضيلة الوحيدة لعناصر "الزومبي" تتمثّل بكلمة واحدة: "الولاء المطلق". 

فالعملاء الذين يتم برمجة عقلهم الباطني لتنفيذ مهمة معيّنة لا يمكنهم أن يكونوا خونة في حالتهم الواعية، لأنهم بكل بساطة لا يتذكرون شيئاً. 

كل ما يستطيع "الزومبي" فعله هو إظهار حالة الذهان الإجباري والهوس لتحقيق هدفه المُبرمج. 

حتى بالنسبة لعالم النفس المتمرّس، سيظهر ببساطة مجرّد "معتوه" لا جدوى منه. 

رغم أن "الزومبي" قد يحفظ بذاكرته بقايا تفصيلية لعملية إخضاعه للبرمجة السيكولوجية/العقلية في إحدى الوكالات الأمنية الحكومية، حيث يمكنه الإفصاح عنها خلال جلسات التحقيق الخاصة (تحت التنويم المغناطيسي)، لكن هذا لن يثير أي شكوك في خاطر الطبيب النفسي المُعيّن من قبل محكمة التحقيق. 

لكن في النهاية، وجب على "المعتوهين" أن يبقوا محبوسين في منفردات المجانين حيث يتم إخضاعهم للعلاج النفسي! 

ومن المفروض أن تمنع المستشفيات العقلية إخلاء سبيل أي من مرضاها المجانين قبل معالجته بالكامل، وإلا سوف يحاسبها القانون بشدة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق