بحث

السبت، 19 أبريل 2014

القابعون في الظلام : الحلقة الأولى



لا بد من أن معظمكم شاهد فيلم العــرّاب THE GODFATHER الذي
فتن قلوب الملايين حول العالم حيث أدهشهم ذلك العالم الخفي القابع وراء كواليس الحياة اليومية للمجتمع الأمريكي.

لقد تمكّن الإخراج البارع لهذا الفيلم من تهييج أشجان الكثير من المشاهدين بحيث استطاع تحريك الجانب العاطفي لديهم بدلاً من إثارة الرعب في نفوسهم من مدى الخطر الذي يخفيه الواقع الحقيقي الذي عبّر عنه، وبالإضافة إلى مجموعة أخرى من الرسائل الخفية التي حاول إيصالها للمشاهد بطريقة ذكية.


 



حتى في عالم الجريمة المنظمة، تبيّن أن هناك أعراف وتقاليد وجب احترامها والالتزام بها.


جميع العائلات تخضع لقانون عام ينظّم المنافسة، وحتى الحروب الشرسة، التي تنشب فيما بينها..

وكل شيء قابل للتفاوض، حتى المسائل المستعصية والأكثر تعقيداً.

حتى في ذلك العالم الدموي الذي لا يعرف الرحمة، نجد الدبلوماسية الراقية ذات المستوى الرفيع، والتخطيط العبقري، والتنفيذ المحترف، والحكمة العالية...

والكثير الكثير من القسوة والبطش. 



وعندما تجتمع هذه العوامل، لا بدّ من أن تتجسّد القوة النافذة والسيطرة المطلقة. 

وقد استنتجنا حقيقة مهمة جداً، هي أن السيطرة ليست مجرّد نزوة قدرية عابرة، أي صعود عفوي لأحد الأشخاص إلى القمة حيث ينتظره في المقابل هبوط محتوم يقرره القدر أيضاً.


بل يبدو أن السيطرة مهنة كما باقي المِهن الأخرى، لها أسرارها ومجموعة من العوامل التي تساهم في استمراريتها وازدهارها.

وطالما بقيت تلك العوامل، وخاصة المحافظة على سرّية المهنة، فسوف تستمر السيطرة، وربما إلى الأبد. 

وبما أن السيطرة تُعتبر مهنة كما باقي المِهن الأخرى، فهي إذاً قابلة للتوريث من الأب للإبن من أجل المحافظة على استمراريتها كما باقي المِهن أيضاً. 


وربما نجح الفيلم السينمائي الذي نحن بصدده في إظهار هذا الجانب، حيث صوّر الطريقة التي يكشف فيها العرّاب العجوز عن بعض الحقائق والأسرار التي أدهشت ابنه الوريث الذي واجه صعوبة في استيعابها بالبداية، لأنها تناقض كافة المفاهيم الاجتماعية والأخلاقية التي نشأ عليها... 

الحياة التي يفرضها هذا المنصب الرفيع ليست سهلة كما كان يعتقد: 

".. يمكن لخنجر الغدر أن يأتي من أقرب المقرّبين! وفي أي وقت! الحذر ثم الحذر من كل من تكنّ له عاطفة أو احترام... فهذه تُعتبر أدوات الموت في عالم الجريمة المنظّمة. 

وجب أن تكون ابتسامتك مزيّفة... وعاطفتك المتأججة ظاهرياً تكون مجرّد مكيدة مخادعة يقع في شباكها الغافلون...."

 


هناك الكثير من القصص والروايات التي تتحدث عن عائلات مختلفة تنتمي لهذا العالم الإجرامي الذي لا يرحم. 

لكن مهما بلغ هول الحقيقة المرعبة التي تكشفها هذه الروايات، إلا أنها تبقى حقيقة مجزّئة لا تعبّر عن الصورة الشاملة للواقع. فهذه العائلات المافياوية (المافيا)، مهما بلغ جبروتها، إلا أنه يبقى منحصراً في مقاطعة صغيرة أو مدينة أو ولاية... 

أي كل عائلة من هذه العائلات العديدة تسيطر على مساحة معيّنة من جغرافيا البلد وليس كل البلد. 

وجميع هذه العائلات تخضع بدورها لسلطة واحدة تقبع في مكان ما، بحيث تنظّم الأمور وتديرها بشكل أوسع. 

وهذه السلطة العليا الخفية تخضع لسلطة أعلى، وهكذا إلى أن تنتهي السلطة بيد مجموعة صغيرة جداً تقبع على قمة الهرم التراتبي الذي يشمل كافة شبكات الجريمة المنظمة حول العالم. 


إذاً، فالصورة التي تتكوّن لدى القابعين في القمة هي أرحب وأشمل من تلك التي يراها عرّاب عائلة مافياوية تسيطر على إحدى المقاطعات الصغيرة في إحدى الدول. 

لكن السؤال هو: هل تسود الأجواء الإجرامية ذاتها في ذلك المستوى العالي جداً من السيطرة؟ 

كيف يفكرون هناك؟ 

ما هي الإجراءات التي يتخذونها للمحافظة على استمرارية السيطرة على العالم؟ 

ما هي المعلومات التي بحوزتهم؟ 

كيف ينظرون إلى العالم؟ 

كيف ينظرون للإنسان.. والحياة بشكل عام؟

هذا ما سوف نتعرّف عليه في هذا الموضوع الذي يصوّر لنا عملية توريث تجري في إحدى عائلات النخبة القابعة في قمة الهرم العالمي. 


قد تكون أي من العائلات المالية المعروفة مثل: 

"بارينغ" Baring، "لازارد" Lazard، "أرلانغر" Erlanger، "واربورغ" Warburg، "شرودر" Schroder، "سليغمان" Seligman، "سبيارز" Speyers، "ميرابود" Mirabaud، "ماليت" Mallet، "فولد" Fould، و"مورغان" Morgan... وعلى رأسهم طبعاً عائلات "روثتشايلد" Rothschild، و"روكفيللر" Rockefeller .. 

وعلى رأس هؤلاء.. لا أحد يعلم، حتى العائلات المقرّبة من النخبة تجهل هويتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق