بحث

السبت، 19 أبريل 2014

القابعون في الظلام : الحلقة الخامسة

البروفيسور(Q)  عن المعرفة السرّية كمفتاح للقوة
:
ON OCCULT KNOWLEDGE AS THE KEY TO POWER

".. إن نظرية الإنتاج الإجمالي التي هي موضوع الكتاب التالي، يمكنها على أي حال أن تكون أكثر سهولة إذا تم تكيّفها مع ظروف دولة توتاليتارية بدلاً من كونها نظرية إنتاج وتوزيع لمنتج معيّن تم تقديمه في ظروف المنافسة الحرّة.."
جون منيارد كينز John Maynard Keynes
مقدمة الإصدار الألماني من كتاب "النظرية العامة" 1936

ملاحظة: سوف تتعرفون على حقيقة جون منيارد كينز لاحقاً في الفقرات القادمة

على مدى التاريخ، برزت النخبة الحاكمة بالاستناد على المعارف السرّية (أو السحرية) التي كانت بحوزتها والمحروسة بعناية من قبلها.

كانت قوة هذه النخبة الحاكمة، أو المجموعة الكهنوتية إذا صحّ التعبير، تتقلّص مباشرة بعد أن تتحوّل معارفهم السرّية إلى "علوم" تُدرّس للنخب المثقفة. 

وكانت هذه القوة تتلاشى وتختفي تماماً بعد أن تصبح تلك المعارف السرّية "منطقاً مألوفاً" أو معلومات عامة يألفها الجميع.

قبل الدخول إلى الطقوس الخفية للرأسمالية المصرفية، سوف نلقي نظرة سريعة على تاريخ استخدام أجدادنا المسيطرون للمعرفة السرية في حكم الشعوب. 

في الحقيقة، هذا الموضوع يتطلّب مساحة كبيرة جداً لكنني سأبسّط الأمر من خلال مثال واحد وهو استخدام علم الفلك الذي كان يمثّل إحدى أقدم المعارف السرية للنخبة الحاكمة عبر التاريخ.

بعد تخلي البشرية عن حياة التنقّل وصيد الطرائد، استقرّت في مستوطنات دائمة لتبدأ الحياة الزراعية. 

ومن أجل تيسير أمورهم الزراعية، وجب أن يتنبؤا بالمواعيد المناسبة لكافة تفاصيل هذه المهنة الجديدة التي اتبعوها. 

كانت هذه المعرفة ضرورية من أجل تحديد موعد الفلاحة، وموعد الزراعة وموعد الفيضانات في الوديان الخصبة، وموعد المواسم الممطرة،... وهكذا. 

ففي غياب الروزنامة الفلكية، كان الفلاحون يستنزفون شهوراً طويلة من العمل المضني وأحياناً كثيرة كانت جهودهم تذهب هباءً. 

وهذا مثال على الحالات التي يقوم أجدانا باستغلالها بشكل حاسم ومناسب. 

لقد أصبح لعلماء الفلك بضاعة ثمينة للبيع، وقد استخدموها لاستغلال الرعايا البائسين إلى أقصى الحدود. 

لقد أقنع الفلكيون (الكهنة)، الحاجبين لهذه المعرفة السرّية عن الجميع، الرعايا البائسين بأنهم الوحيدون الذين يستطيعون التواصل مع الآلهة، وبالتالي، هم الوحيدون الذين يمكنهم ضمان العودة الدورية للمواسم الزراعية الجيدة وتوفير الأجواء المناسبة التي تنتج المحاصيل الفائضة. 

أما قدرتهم على التنبؤ بمواعيد الكسوف والخسوف للشمس والقمر مثلاً، والتي قدموها على شكل مسرحيات يتظاهرون خلالها بأنهم يطلبون من الآلهة إخفاء الشمس أو القمر، فقد أثبتت تأثيرها في عملية إخضاع الرعايا الجاهلة لسلطتهم المقدّسة التي تباركها الآلهة. 

أما نجاحهم الحاسم، فكان في تأثيرهم على كافة جوانب حياة الرعايا، حيث أصبحوا يحددون المواعيد المناسبة لكل شيء، ويتم استشارتهم بكل شيء، وبالتالي، أصبح مصير الجميع في أيدي هذه المجموعة الكهنوتية الصغيرة التي لم تكن تملك سوى بضعة جداول سرية تحتوي على مواعيد فلكية متعلقة بعدة جوانب من نشاطات الطبيعة. 

 اليوم مثلاً، لازال عيد الميلاد Christmas يمثّل أقدم تقليد شعبي عرفه التاريخ، هذا التقليد لم يكن يمثّل عيد مولد المسيح، بل وجده الكهنة أصلاً للاحتفال بإحدى المواقع الفلكية التي تتخذها الشمس. 

كانوا يقيمون الطقوس السحرية، بحجة التخاطب مع الآلهة، طالبين عودة الشمس التي ماتت (في موعد الانقلاب الشمسي الشتوي) في 22 كانون أوّل، وبعد ثلاثة أيام (أي في 25 كانون الأول)، كانت الشمس تعود من جديد (تخلق من جديد)، وبعدها يقيم الرعايا احتفالات صاخبة لهذه المناسبة المباركة وابتهاجاً بنجاح الكهنة في استعادة الشمس. 

ولازال الناس يحتفلون بهذه المناسبة حتى اليوم، لكن تحت مسميات مختلفة ووفق طقوس دينية مختلفة (مولد المسيح).

أي معرفة شعبية عن الطبيعة الفلكية للفصول والمواسم تظهر في مكان ما خارج دائرة سيطرة الكهنة كانت تتعرّض فوراً للقمع الحاسم والجذري. 

وقد ظهر التحريم والتكفير منذ تلك الأيام، حيث اعتُبر أي خروج عن سلطة الكهنة خروجاً عن طاعة الآلهة، وبالتالي فإن مجرّد تهمة أحدهم بأنه كافراً مهرطقاً يكفي لأن تجعل حياته مُباحة (ذبحه حلال) ولابد من أن يواجه مصيره البائس على يد أحد الرعايا المتعصبين في أي وقت وأي مكان.

خلال حصول أي خطأ أو فشل في التنبؤ الفلكي من قبل الكهنة، كان اللوم يقع على الخطايا التي يقترفها الرعايا، وبالتالي، وجب أن يتحملوا عقاب الآلهة. 

كانت هذه الحجة تُستخدم أيضاً لتبرير عمليات القمع المُكثّفة التي قام بها الكهنة لتقوية نفوذهم وسلطانهم. 

لمدة قرون طويلة، كان الناس الذين لم يكن لديهم أي فكرة عن عدد الأيام التي تفصل بين المواسم والمواعيد الدورية، حتى أنهم كانوا يعجزون عن التعداد أصلاً، يقدمون العطايا والقرابين بكل سرور للكهنة المقدسين، وبالإضافة إلى إهداء أجمل بناتهم، تعبيراً عن شكرهم وامتنانهم لهذه النخبة المباركة.

إن قوة طقوسنا التمويلية/الرأسمالية/المصرفية تستند على معرفة سرّية مشابهة تماماً، خاصة في مجال الاقتصاد. 

هذه القوة سوف تضعف، وحتى تتلاشى، إذا حصل تقدم حقيقي في علم الاقتصاد، لكن لحسن الحظ، فإن أغلبية الناس ومعظم القيادات الثورية هي جاهلة تماماً في مجال الاقتصاد. 

ومع ذلك، كنا، نحن الأباطرة الماليين النافذين، ولازلنا، ننجح في تمديد فترة سيطرتنا الاقتصادية، وحتى إعادة إنعاشها من جديد، عبر الإفساد المُمنهج لعلم الاقتصاد عن طريق حقنه بتعاليم مُخادعة ومزيّفة. 

فمن خلال نفوذنا في المؤسسات التعليمية، والإعلامية، ومجال الطباعة والنشر، تمكنا من دعم ومكافأة الأساتذة والمفكرين المنافقين، لكنهم أوفياء لنا، والذين كانت تعاليمهم المُلفّقة تُفرض قسراً على السياسات الحكومية ومؤسساتها تحت العنوان الوطني الكبير المتمثّل بـ"المصلحة العامة" أو "الحل المناسب للأزمة الحالية"، ثم تأخذ بها المؤسسات الدستورية، ثم تتحوّل إلى إجراءات تطبيقية على الأرض الواقع، وهذا التجديد الدوري في علم الاقتصاد يساهم في زيادة عمر إمبراطورياتنا المالية حتى إشعار آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق