بحث

السبت، 19 أبريل 2014

القابعون في الظلام : الحلقة السادسة



تُعتبر النظرية الكينزية Keynesianism (نظرية اقتصادية أوجدها جون منيارد كينز) من أكبر البرامج الاقتصادية خداعاً وتضليلاً التي
تم تصميمها وتطويرها لصالحنا. 

إن الاقتصاد المختلط، المركزي جداً، الذي رسخه اللورد "كينز" بحجة تعزيز الازدهار يحمل كل الخواص والميزات المطلوبة لجعل سيطرتنا منيعة جداً ضد الغريمين اللدودين: 

[1] المنافسة الحرة الحقيقية في الحلبة الاقتصادية، [2] العملية الديمقراطية الحقيقية في الحلبة السياسية. 

إن المبادئ الاقتصادية الكلاسيكية المتمثلة بـ"السوق الحرّة" free market، و"عدم التدخّل الحكومي في الشئون الاقتصادية الفردية والجماعية" Laissez-faire، كانت تمثّل محاولاتنا الأولى لإفساد علم الاقتصاد. 

لقد ساهمت حبكتها المتماسكة في إعماء الاقتصاديين لسنوات طويلة، مع أنها في الحقيقة ليس لها أي صلة بالواقع الحقيقي. 

لكن في جميع الأحوال، لقد أصبحنا أقوياء جداً اليوم لدرجة أنه لم يعد من الممكن إخفاء مؤسساتنا المهيبة وراء المظهر المخادع المُسمى بـ"المنافسة الحرّة".

ما تفعله النظرية الكينزية Keynesianism هو أنها تُعقلن (تجعله معقولاً) حالة "القدرة المطلقة" التي نظهرها، بينما تحافظ بنفس الوقت على امتيازات الملكية الخاصة والتي تعتمد عليها قوتنا بشكل أساسي. 

رغم أن الإصلاحات المؤقتة التي سوّق لها كارل ماركس في البيان الشيوعي Communist Manifesto، مثل المصرفية المركزية، ضريبة الدخل، وغيرها من إجراءات ذات طبيعة سلطوية مركزية، قد صًممت أصلاً لأن تكون قابلة للإفساد والتحريف من قبلنا ولصالحنا، إلا أننا لم نعد نسمح بظهور حركات ماركسية نافذة في الدول المتقدمة. 

لقد أصبحت مؤسسات السيطرة لدينا جاهزة للعمل ولم يعد هناك حاجة لنشر هذه الأيديولوجيا أكثر من الحدود التي توقفت عندها. 

صحيح أن الشيوعية قد صُممت أصلاً من قبل الرأسمالية العالمية، إلا أنها تمثّل جهاز خطير جداً وبالتالي وجب التعامل معه بحذر شديد، لأن ظهور خطوات حقيقية نحو تحقيق الشيوعية بشكل فعلي وسليم قد يؤدي إلى نهايتنا حتماً. وطبعاً، فالشيوعية المزيّفة هي هدفنا المنشود، حيث تمثّل حجاب أيديولوجي ممتاز لإخفاء الدكتاتوريات الخاضعة لنا تماماً في الدول النامية والمتقدمة على حدٍ سواء.

وبالإضافة، فإن قوة أسياد المال تستند على المعرفة السرّية في مجال السياسة والتاريخ أيضاً. 

كما أننا نجحنا في إفساد هذه العلوم. 

صحيح أن الكثير من الناس أصبحوا يألفون أسرارنا من خلال قراءة كتب منشورة مثل كتاب "1984" لمؤلفه المتحرر "جورج أورويل"، لكن القليلون فقط يأخذون هذه المعلومات على محمل الجد، وعادةً ما يستبعدون هذه الأفكار بصفتها نوع من البارانويا.

بما أن الجوهر الحقيقي للسياسة مبني على اجتهادات ومصالح فردية، فبالتالي، التاريخ الحقيقي هو عبارة عن صراع لنيل السلطة والنفوذ والثروة. 

لكننا نبذل كل ما عندنا لتحريف وإخفاء هذه الحقيقة الواضحة جداً، ذلك من خلال تسويق وتكريس النظرية القائلة بأن التاريخ يُصنع من صراعات فكرية محقّة وموضوعية وليست فردية، أي صراع أنظمة سياسية، أيديولوجيات، أديان، طبقات اجتماعية، أعراق.. وهكذا. 

من خلال الاختراق المنظّم لكافة المنظمات الكبرى، إن كانت فكرية، سياسية، أو أيديولوجية، أو دينية، مستخدمين الدعم المالي والإعلامي الهائل، استطعنا قولبة التوجه الفكري العام، مهما كان توجهه وأيديولوجيته، ليتماشى مع مصالحنا ومتطلباتنا الخاصة.

نحن الذين خلقنا دائرة الصراع السياسي بين اليمين واليسار. 

وفي الحقيقة، هذا الصراع يعكس طريقة عبقرية لاستقطاب الجماهير وجعلهم يوجهون انتباههم واهتماماتهم إلى مسائل مزيّفة بعيدة كل البعد عن المشكلة الحقيقية في هذا العالم وهي نفوذنا المالي الهائل في كافة جوانب الحياة البشرية، وبهذه الطريقة سنبقى في منأى عن الصراع وبعيدون كل البعد عن الاستهداف المباشر من قبل العقول الثائرة والمتمرّدة.

الفكر اليساري يدعم الحريات المدنية ويعارض الحريات الاقتصادية والتجارية. 

بينما الفكر اليميني يدعم الحريات الاقتصادية والتجارية ويعارض الحريات المدنية. 

وطبعاً، لا يمكن لأي من هذه الحريات التي ينادي بها الطرفين أن تتحقق دون الأخرى، وهذا هو هدفنا أصلاً من إنشاء حركتين تناديان بأهداف ناقصة. 

نتحكم بصراع اليمين/اليسار بحيث يبقى شكلي الحريات اللذان ينادي بهما الطرفان مقموعان بدرجات معيّنة نحددها نحن. 

أما حريتنا نحن، فلا تستند على الحقوق القانونية والمعنوية التي تُقرّ جهاراً لصالحنا، بل نستمد حرّية تصرفنا من خلال سيطرتنا على البيروقراطية الحكومية وكذلك المحاكم التي تطبّق، وبكل سرور، القوانين المعقّدة التي كانت من تصميمنا أساساً ولازالت الجماهير مخدوعة بعدالتها وأنها وجدت للمصلحة العامة.

الصراعات الفارغة العديدة التي تهدف فقط إلى تحريف انتباه الجماهير عن عملياتنا السرية تجد أرضاً خصبة في الخصومة المحتدمة بين اليمين واليسار. 

فهناك مسائل كثيرة لا يتفق عليها هذان التياران السياسيان، مثل السياسات العنصرية والعرقية، معاملة المجرمين، تطبيق القوانين، الجوانب الإباحية، السياسات الخارجية، حقوق المرأة، الرقابة... 

وهذه ليست سوى عينات بسيطة جداً بالمقارنة مع مسائل أخرى معقدة ومتداخلة. 

رغم أن الرقابة المفروضة "باسم العدل والإنصاف" قد أثبتت جدواها لصالحنا في مجال الإعلان، لكننا لا نصطف مع أي من الطرفين (اليمين/يسار) المتنازعين إعلامياً حول مسألة معيّنة. 

بل بالعكس، نعمل على تمديد فترة هذا النزاع من خلال دعم الجانبين معاً، لكن ضمن حدود معيّنة بحيث تبقي الأمر قابل للسيطرة.

الحرب، طبعاً وبكل تأكيد، هو أكبر مصدر لإلهاء الجماهير وبالإضافة إلى أنه أهم مصدر حيوي لإنعاش منظومتنا المالية. 

توفّر لنا الحروب غطاءاً ممتازاً يتمثّل بـ"أزمات وحالات طوارئ" تخفي وراءها برامج وإجراءات تعمل على تعزيز قوتنا ونفوذنا. 

بما أن الحروب النووية أثبتت عدم جدواها بالنسبة لنا بعد تقييم نتائج الانفجار السابق في اليابان، أبقينا هذه المسألة كمصدر للرعب فقط، وبدأنا بالتركيز أكثر على إطلاق "أزمات اقتصادية"، و"حالات نقص في مصادر الطاقة"، و"حالات هوس في الشئون البيئية"، ثم ندير المسرحيات السياسية لملء الفراغ. 

ومع ذلك كله، فلازالت الحروب المحتدمة، رغم أنها قصيرة الأمد وتنشب على أسباب فارغة، تبقى حيوية جداً بالنسبة لنا.

نعمل على تعزيز نظام مزوّر يمثّل سوق منافسة حرة في بلاد حكم اليمين، وبالمقابل، نكرّس نظام مزوّر يتمثّل بديمقراطية اشتراكية في بلاد حكم اليسار. 

وبالتالي يصبح لدينا نظام "سوق منافسة حرة" والذي تكون المنافسة فيه مضبوطة ومُعدلّة من قبل البيروقراطية الحكومية التي نتحكم بها. 

وعلى الجانب الآخر، لدينا مؤسسات اقتصادية مؤممة، ورغم مظهرها الحكومي الصارم، إلا أنها تقع تحت سيطرتنا تماماً. 

وبهذا، نبقي على مجتمعات بشرية تكون فيها قواعد قوتنا في أمان. 

أما النظام الديمقراطي الحرّ، فهو ضعيف جداً أمام نفوذنا المالي. 

فنحن الذين نختار المرشّحين من الأحزاب الرئيسية المتنافسة، ونحن الذين نختار الفائزين. 

إن كل حملة إصلاحية تُشنّ في البلد تكون من إنتاجنا، والإصلاحات التي ينخدع بها المواطنون قد صممت أصلاً لزيادة نفوذنا.

أما التوتاليتاريات المختلفة المتخذة للمظهر الشيوعي أو الفاشي، فهي لا تمثّل أي خطر علينا طالما أننا نملك فيها معاقل من الملكية الخاصة والتي تخدم كمراكز عمليات لنا. 

فهذه الحكومات التوتاليتارية، إن كانت يمينية أو يسارية، قابلة للتحكم بسهولة من الخارج، ذلك بسبب هشاشة زعماءها المرئيين بالنسبة للأحزاب المنافسة لهم. 

الأمر الأهم هو أن هذه الدكتاتوريات تساعدنا على منع ظهور أي أباطرة ماليين يمكن أن يمثلوا تهديداً مباشراً لنفوذنا في أي قارة وأي حضارة وأي عرق بشري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق