بحث

السبت، 19 أبريل 2014

القابعون في الظلام : الحلقة الرابعة عشرة

البروفيسور Dحول دور التربية والتعليم

ON THE ROLE OF PUBLIC EDUCATION

".. في أحلامنا، لدينا موارد غير محدودة، والناس يسلمون أنفسهم بخضوع مذهل في أيدينا المُقولِبة. الأعراف التعليمية الحالية تتلاشى من عقولنا، لكن من دون الخروج عن التقاليد، سوف نعمل بنيّة حسنة تجاه هؤلاء البسطاء المتجاوبين والشاكرين... سوف لن نجعل من هؤلاء الناس أو أولادهم فلاسفة أو مثقفين، أو رجال علم. سوف لن ننشئ من بينهم كتّاب، محرّرين، شعراء، أو أدباء. سوف لن نبحث عن موهوبين يافعين من الفنانين، الرسامين، موسيقيين، محامين، أطباء، واعظين، سياسيين، رجال دولة، بحيث لدينا الكثير منهم... المهمّة التي وجب وضعها نصب أعيننا هي بسيطة كما أنها جميلة، وهي تدريب هؤلاء الناس لعيش حياتهم كما هي الآن لكن بجودة أكبر. لذلك سوف نقوم بتنظيم أطفالنا ونعلّمهم كيف يمارسون الأعمال بطريقة أكثر كمالاً واتقاناً مما يقوم به آبائهم وأمهاتهم في المنزل، الدكّان، والحقل..."

أوّل رسالة موجّهة من القسّ "فريدريك غيتس" إلى المجلس التعليمي العام في 1904م،
تعبيراً عن القصد من الدعم المالي الذي أغدقه روكفيللر على المؤسسات التعليمية


".. المنهج التعليمي الحكومي هو عبارة عن بِدعة تهدف إلى قولبة الناس بحيث يتطابقون مع بعضهم البعض، وبما أن القالب الذي يشكّل طريقة تفكيرهم هو من تصميم القوى النافذة في الحكومة، إن كانت تمثّل سلطة دينية، ملكية، أرستقراطية، أو حتى المعتقد الشعبي العام، فبالتالي هو ابتكار ناجح جداً بحيث ينمي نوع من السيطرة الاستبدادية على العقل، فيؤدي إلى كبت الميول الحقيقي التي وجد من أجلها العقل.."

 جون ستيوارد ميل John Stuart Mill

من أجل المحافظة على منظومة نفوذنا وقوتنا، فلا بد من أن تمثّل المؤسسات التعليمية الرسمية (حول العالم) عنصراً أساسياً يستحيل الاستغناء عنه. 

أما بخصوص التعليم الخاص الفوضوي، فيمكنه أن يسبب في انتشار أفكار خطيرة لا يمكن احتمالها. 

لهذا السبب جعلنا التعليم الخاص مستحيلاً من الناحية المادية على الجميع باستثناء أبناء النخبة المنتمية لأتباعنا وحاشيتنا من الماليين، ذلك من خلال فرض تكاليف مالية منهكة جداً وبالإضافة إلى شروط قانونية مستبدة وجب تجاوزها قبل الحظوة بمدرسة خاصة. 

إن الهدف الرئيسي من التعليم الرسمي العام هو غرس فكرة أن مؤسساتنا الغاصبة واحتكاراتنا الظالمة قد خُلقت من أجل المصلحة العامة، وذلك على يد أبطال وطنيين وضعوا حداً لنفوذ المتمولين المجرمين. 

يتمثّل الأمر الحاسم في خلق الانطباع بأنه، رغم أن الناس تعرضوا للاستغلال في الماضي، إلا أنهم اليوم تحت حماية حكومات قوية جداً وتديرها الإرادة الشعبية الممثلة بشخصيات حكومية وطنية.

لكن بالنسبة لهؤلاء الأكثر وعياً وإدراكاً والذين يرفضون هذه النظرة السطحية والمتفائلة جداً للواقع، نعمل على تسويق وتعزيز "العقلية الإصلاحية الليبرالية" التي تنادي دائماً بقدوم فترة إصلاحية كبيرة في المستقبل القريب وسوف تحطّم كافة معاقل وآثار أباطرة المال. 

طبعاً، هذه الإصلاحات، التي تأتي على شكل نشوء عدد لا يُحصى من الوكالات الحكومية التشريعية والضرائب الجديدة، تظهر عدم جدواها إطلاقاً في تجريد المتمولين من النفوذ المالي وإخضاعهم للإرادة الشعبية، فنعمل على تدبير موجة جديدة من الإصلاحات التي تنطلق في فترة محسوبة، لكن مع نفس النتيجة المحبطة. فندبّر موجة إصلاحية أخرى...

وهكذا إلى لا نهاية.

إن طيف اليمين/اليسار الذي ابتكرناه، والذي تساعد المناهج التعليمية الإجبارية على تكريسه عالمياً، يمثّل عنصر أساسي جداً في ضمان عدم خروج هذه المسرحية العالمية عن سيطرتنا. أما المتفائلين (نسميهم المغفلين) الذين في الوسط، فهم ليسوا خطرين ولكنهم ليسوا مفيدين أيضاً في هذه اللعبة. ما نحتاجه هو إيجاد جناح يميني محافظ ومتصلّب، لكنه طبعاً متخاذل، ذلك من أجل إضعاف الإصلاحات الليبرالية الجارية إذا تجاوزت حدها. 

فالمحافظون يميلون دائماً إلى مقاومة التقدم الجاري لمركزة سلطة الحكومة، والتي ندفع الليبراليين إلى رؤيتها على أنها ضرورية لإنهاء النفوذ غير الديمقراطي للمال في المجتمع. يفضّل التيار المحافظ الأخذ بفكرة التعددية في المصالح المتنافسة حيث يمثّل المال وسيط هذه المنافسة، بدلاً من المخاطرة في القبول بنفوذ حكومة مركزية كبيرة. عندما تظهر إصلاحات التيار الليبرالي إشارات تدلّ على أنها تتجاوز حدود نوايانا بحيث أصبحت تمثّل تهديداً فعلياً في وضع مؤسساتنا الأساسية في أيدي الشعب، حينها نعتمد دائماً على المحافظين الذين يهبّون لحماية قوتنا (طبعاً دون إدراك منهم) حيث يظنون بأنهم يدافعون عن الحقوق الشرعية لرأسمالية "السوق والمنافسة الحرة". 

ومن الناحية الأخرى، في مناسبات نادرة، عندما ينادي المحافظون لإخضاع السوق، بما فيه أعمالنا، لسياسة عدم التدخّل الحكومي في الشئون الاقتصادية والاجتماعية، حينها نعتمد على المصلحون الليبراليون، الذين يمثلون الأغلبية بشكل عام، حيث يصرّون على المزيد من التدخّل الحكومي، مع جهلهم بأن هذه تمثّل رغبتنا أيضاً.

لدى اليمينيين خوفاً كامناً من حلم اليساريين المتمثّل الجماعية الديمقراطية، واليساريون يكرهون ما يبديه النخبة اليمينيون من فردانية جامدة، وبالتالي ليس هناك أي خطر في جمع قواهما وقلب احتكاراتنا المدعومة حكومياً رغم أننا ننتهك مثاليات كلا الجهتين باستمرار.

إن مركزية التحكّم على المستوى المحلي أو حتى الوطني يساعد في بناء أجواء الآراء التي نتطلبها في التعليم العام. وإذا فشلت هذه الوسيلة في إلغاء الحكم المحلي، فهناك وسائل أخرى نلجأ إليها وتكون أكثر تأثيراً. 

يستطيع نفوذنا المالي الكبير في مجال الطباعة والنشر أن يحدد مجموعة مُختارة من الكتب المدرسية الموحّدة. 

يمكن زيادة هيمنتنا في مجال التعليم من خلال إيجاد معاهد وكليات تربية وتعليم تخرّج معلمين ومدرّسين مناسبين لآلتنا التعليمية. 

كما أن اتحادات وجمعيات المعلمين تمثّل قواعد قوة ممتازة لتعزيز المنهج التعليمي المحدد الذي نغرسه في عقول الأجيال.

بواسطة نفوذنا الهائل في مجال الطباعة والنشر والإعلان، نستطيع أن نعمّم شعبياً أي شخصية نختارها من بين المنظّرين التعليميين، والذي تكون وجهة نظره مفيدة ومتوافقة مع أهدافنا، أو على الأقل ليست مناقضة لها. 

بهذه الطريقة نحصل على ناشطين متحمسين وأوفياء، يساهمون في ترويج رغباتنا دون حاجة لكشف دوافعنا أو حتى وجودنا أصلاً. 

نحن لا نريد نظام تعليمي ينتج أفراد نشطين وطموحين، مصممين على جمع ثروات هائلة ونفوذ كبير. 

لذلك، نعمل على إحباط الأنظمة التعليمية التي تطوّر القوة الكامنة في التلاميذ لأقصى الحدود. 

التعليم "الليبرالي" الذي يركّز على العلم فقط من أجل العلم، والمتبعة للمناهج السفسطائية العقيمة لا تمثّل أي خطر علينا. وكذلك التعليم "المهني"، لا يمثّل أي خطر أيضاً لقوتنا. 

التعليم الذي يحضّر التلاميذ لتقبّل فكرة كونهم قطع صغيرة لآلتنا العسكرية/الصناعية/الاجتماعية بشكلها الحالي هو الأنسب بالنسبة لنا، لهذا السبب ندعمه بكافة الوسائل الممكنة. التعليم التدريجي (نظام الصفوف التراتبية) مع تشديده على "التكييف الاجتماعي" يولّد الانضباط والامتثال الذي نتطلبه منهم عندما يخدمونا بعد تخرّجهم. 

التشديد على تشجيع الرياضة التنافسية ينتج حالة معيّنة من المنافسة المشوّشة بين المشاركين، لكن لها تأثير كبير في خلق جماهير من المشجّعين المتحمسين والذين يمضون ساعات طويلة أما أجهزة التلفاز يتابعون خلالها المباريات الرياضية. 

وهناك نوع جديد من المباريات، وهي الحوارات السياسية التي تمثّل مشاجرات سخيفة بين خصمين سياسيين، وقد أظهرت تأثيراً كبيراً في إلهاء الجماهير وتشويش تفكيرهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق