بحث

السبت، 19 أبريل 2014

القابعون في الظلام : الحلقة الثامنة عشرة

البروفيسور Yحول الاستخبارات والعمليات الأمنية السرّية


ON COVERT OPERATIONS AND INTELLIGENCE

في منظوماتنا الحكومية الرأسمالية المكتملة النمو والتطوّر وجدنا أن السيطرة المطلقة على المؤسسات الأمنية والعمليات الاستخباراتية السرية عاملاً حيوياً بالنسبة لنا.

إلى جانب كونها تمثّل أداة ثمينة ومهمة خلال صراعنا مع العائلات المنافسة، تُعتبر السيطرة على هذه المؤسسات جزءاً مكمّلاً وضرورياً لعملياتنا اليومية. 

المجتمعات الاستخباراتية الكُبرى تمثّل أمراً محتوماً، خاصة بما يتعلق بالحكومات المختلفة التي فرضناها على العالم خلال صعودنا إلى السلطة المطلقة. 

سوف يكون عمر سلطتنا قصيراً بالفعل إذا وقعت إدارة هذا الجهاز الاستخباراتي الحديدي، متعدد الوكالات ومطلق الولاء، في أيدي السياسيين العاديين وخاصة أولئك الذين خارج نطاق سيطرتنا.

نحن لا نسمح لهذه الوكالات الاستخباراتية أن تلاحق أهداف تتعلّق بـ"المصلحة الوطنية" كما خُدعت الجماهير باعتقاده. لا يمكن السماح للسياسيين أن يحرّفوا توجّه نفوذ وتأثير مجتمعنا الاستخباراتي عن خطنا الأساسي الخفي، الذي يلبي متطلبات قوتنا المالية، إلى صراعات سياسية صغيرة ليس لها جدوى أو أهمية بالنسبة لنا.

لا يُسمح أبداً للطموحات الوطنية للشعوب والأعراق ولا الرؤى الأيديولوجية للمفكرين المهتمين بقضايا إنسانية لأن توجّه مسار العمليات الاستخباراتية السرّية ولا تحريف السياسات الأمنية الرئيسية التي حددناها بأنفسنا. 

والطريقة التي اتُبعت لعقلنة وتبرير هذه السياسة الخفية، إن كان أمام عناصر الأمن والاستخبارات ذاتهم، أو أمام العامة، وجب عليها أن تكون مُقنّعة ومرنة بشكل ذكي وعالي الحنكة. لكن مهما كانت الأحوال، فإن الهدف الأساسي للمجتمع الاستخباراتي هو دفع وتسويق مجموعة من السياسات، دون استثناء، والمؤدية أخيراً إلى تحقيق أهدافنا النهائية التي وضعناها للإنسانية.

ليس هناك أزمة أكثر تهديداً وخطراً على قوتنا المالية من محاولة أحد الرؤساء أو رؤساء الحكومات للسيطرة شخصياً على المجتمع الاستخباراتي وإدارة عملياته الأمنية السرّية، أو تجاوز سلطة هذه الوكالات الأمنية من خلال إنشاء وكالات أمنية موازية. وجب التعامل مع هكذا تعديات سافرة فوراً وبشكل حاسم. 

رغم أن اختلاق فضيحة تساهم في خلع هذا الزعيم السياسي الوقح من منصبه يمثّل خط دفاع أوّل، لكننا لا نتردد أبداً في اللجوء إلى الاغتيال عندما يتطلب الأمر ذلك، مهما كان حجم الوقع الذي يحدثه هذا الاغتيال.

إذا أردت تكوين صورة شاملة ودقيقة للهدف المبدئي لوجود هذا المجتمع الاستخباراتي هو تصوّره على أنه "مجتمع سرّي (ماسوني) مُؤمّم وطنياً" nationalized secret society. كان أسلافنا، وخلال صراعهم ضدّ النظام القديم المتمثّل بالملوك والأمراء، مضطرّون إلى تمويل "المجتمعات السرّية" مثل الماسونية Masons، والإلوميناتي Illuminati، وغيرها.. من جيوبهم الخاصة.

عبر صرف الأموال الباهضة، وكذلك المخاطرة الكبيرة، تمكنت هذه المجتمعات السرّية من التسلل إلى المؤسسات الحكومية العامة وكذلك الخاصة التابعة للدول التي استهدفها أسلافنا العُظماء للسيطرة عليها بفعل قوة المال. 

لكن هكذا اختراقات وانقلابات داخلية تتطلّب صرف الكثير من الأموال كما أنها تستهلك الوقت الطويل. 

لا يمكن اعتبار هذه السيطرة كاملة عملياً سوى عندما تكون الترقيات والزيادات في الرواتب والتقدم في المناصب مستندة، ليس على جودة الشخصية والقيم الوطنية ومدى الاجتهاد في خدمة الدولة، بل القرار يكون في أيدي المجموعات المتسللة وبالتوافق مع أهدافها وغاياتها المبيّتة.

أما الآن، فتصوّر كم هو الأمر سهل بالنسبة لنا، نحن الوريثون الوحيدون للأعمال العظيمة لأسلافنا الكبار، والمسيطرون اليوم على منظومة رأسمالية حكومية شاملة وكاملة التطوّر! كل الأعمال السرّية التي نأمر بها لتلبية غاياتنا الخاصة لا تستنزف من جيوبنا فلساً واحداً! حيث تتحمّل أعباءه خزينة الدولة تحت شعار "المحافظة على الأمن القومي"! وبالاعتماد على العمليات الاستخباراتية العاملة تحت هذا الشعار الوطني الكبير، وكذلك الأموال المُخصصة من خزينة الدولة، استطعنا تمويل وإنشاء شبكة واسعة وغير محدودة من المجتمعات السرّية المتنوعة والمتداخلة حول العالم.. 

وحجم هذه الشبكة يتجاوز بأشواط عديدة حدود مخيلة أسلافنا الأوائل مهما كانت جامحة وبعيدة المدى. 

بالإضافة إلى الدعم المالي والمعنوي الذي تستمده المؤسسات الأمنية من الشعب والحكومة، هناك أمراً مهماً نستثمره لصالحنا، وهو أن كل العمليات الاستخباراتية، والتي صُممت أصلاً لتجسيد غاياتنا ومآربنا، هي مدعومة بالقانون ويقرّها الجهاز التشريعي في البلاد!

لم تعُد عملية المحافظة على الانضباط والإخلاص والسرّية بين المنتسبين، كما كانت أيام المحافل السرّية (الماسونية)، مسألة تعتمد على التخويف والابتزاز والمناصرة والتبشير برسالة ماورائية (سماوية) كاذبة. 

رغم أن هذه الوسائل تبقى أدوات مهمة ومجدية، خاصة في الحالات الطارئة، إلا أن الأمر تغيّر الآن، حيث أن الانضباط والالتزام والولاء بين العناصر الأمنية يتم ترسيخه من خلال بعث الروح الوطنية في نفوسهم، بالإضافة إلى ترهيبهم من خطر الملاحقة القانونية عبر التلويح بتهمة "خيانة الوطن" أو "انتهاك الأمن القومي" لكل من عصى الأوامر أو تقاعس عن تنفيذ المهمة الموكلة إليه.

رغم الحجم المهول الذي بات عليه مجتمعنا الاستخباراتي، فلا زلنا نعمل على نحو كامل وفق منهج الهيمنة الرأسمالية والقوة التمويلية. 

وكما الرأسمالي العقلاني يمتنع عن امتلاك نسبة كبيرة من الأسهم في إحدى الشركات التجارية، أي أكثر من ما يتطلبه الأمر للسيطرة على الشركة، فكذلك الحال مع المؤسسات الأمنية، حيث نسيطر على المناصب الأساسية التي تضمن لنا السيطرة على الوكالات الاستخباراتية المختلفة. 

وفي النهاية، لماذا وجع الرأس في التفاصيل الإدارية والبيروقراطية التافهة في الوقت الذي يوجد من يشغل نفسه بها. 

تذكّر أن هدفنا في النهاية هو السيطرة الأمنية على المنظمات المهمة والحيوية وبالإضافة إلى تكريس حالات وأوضاع مناسبة لنا، وليس المحافظة على أمن المواطنين حيث نترك تلك المهمة ليتخبط بها الآخرون.

النموذج التنظيمي المعقّد المتمثل بـ"حلقات داخل حلقات داخل حلقات"، وهذه الخاصية تمتعت بها المجتمعات السرية أيضاً، تم تطبيقه على المجتمع الاستخباراتي لكن بعد تعديله وتطويره بشكل مذهل. 

حيث أن "اليد الأولى تجهل ما تفعله اليد الأخرى" يُعتبر المبدأ الجوهري للنجاح في عملياتنا السرّية. 

في معظم الحالات، لا نسمح منفذو العمليات أنفسهم بمعرفة الأهداف النهائية لمهماتهم، وإذا كان ممكناً، حتى الأهداف قصيرة المدى تبقى مجهولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق