بحث

السبت، 19 أبريل 2014

القابعون في الظلام : الحلقة الثانية عشرة

البروفيسور G حول السياسة والتشريع الاجتماعي والتجاري

ON SOCIAL AND BUSINESS  LEGISLATION AND POLICY

".. ليس هناك أي حركة بروليتارية، ولا حتى شيوعية، التي لم تعمل لمصلحة المال، واتخذت توجهات حددها المال، وقامت أساساً بدعم المال... وكل ذلك دون أن يدرك المثاليين بين صفوف قياداتها ولا حتى شعورهم بذلك.."
أسوالد سبنغلر Oswald Spengler
في كتابه: انحدار الغرب Decline of the West

"..وكذلك في اجتماع SDS (منظمة طلابية راديكالية تأسست عام 1960)، حاول رجال من نوادي تجارية عالمية أن يشتروا ضمائر بعض الراديكاليين. هؤلاء الرجال يمثّلون قادة الصناعيين العالميين الذين يقررون كيف وجب أن تكون حياتنا...وقد عرضوا علينا أيضاً أموال "إيسو" Esso (شركة روكفيللر النفطية). يريدون منا إحداث فوضى وبلبلة راديكالية لكي يظهرون أمام العامة بأنهم في الوسط ويميلون نحو اليسار.."
جيمز كونين James Kunen
في كتابه: "بيان الفراولة: ملاحظات ثوري جامعي"

الخطر الذي قد يواجهه نظامنا لا يأتي من الجماهير التي سوف تنتفض ضدنا وتجرّدنا من قوتنا. 

فالجماهير لم ولن تبدأ أي شيء من تلقاء ذاتها مطلقاً عبر التاريخ. 

فجميع الحركات الناجحة تم تدبيرها وقيادتها من الأعلى، من قبل رجال مثل والدك ذات الحيلة الواسعة والخطط اللامعة. وعادة ما يأتي هذا الدعم من الأعلى دون أي علم من الحركة أصلاً. 

الخطر الحقيقي يبرز من الشريحة العليا من الطبقات المتوسطة. فأحياناً يجمع بعض من أفراد هذه الشريحة أموالاً طائلة جداً نتيجة ابتكارهم أو تطويرهم لتكنولوجيا لامعة فيسوقونها للعامة عبر مؤسساتهم الخاصة أو عبر دعم أحد السياسيين المحليين المتحررين من نطاق تأثيرنا. 

لكن مع ذلك، وبسبب جهلهم عن المدى الحقيقي لنفوذنا، غالباً ما يقع هؤلاء الأغنياء الجدد (حديثي النعمة) في أيدينا بسهولة. 

فمثلاً، نادراً ما يكتشفون قبل فوات الأوان بأن العشرات من القروض التي يدينون بها للمصارف الخاصة المستقلّة ظاهرياً يمكن أن يُطلب استعادتها في أي وقت، فقط بإشارة صغيرة من والدك. 

الخطر الأكثر جدية يتمثّل بهؤلاء الذين تكون مؤسساتهم ناجحة جداً لدرجة أنها ذاتية التمويل. 

لكن منذ أن تم فرض ضريبة الدخل على الشركات، أصبحت هذه المؤسسات ذاتية التغذية نادرة جداً. 

أما الأمر المزعج والأكثر إرباكاً، فهو عندما يذهب حديثي النعمة لطلب الدعم والاستشارة من الخصوم المنافسين لوالدك على المستوى العالمي. 

وهذا يمثّل خطراً داهماً، خاصة في بلاد فيها تقاليد ديمقراطية عريقة، حيث من الصعب تطبيق أساليبنا الاستبدادية الخفية هناك.

الحل الأفضل لمنع حصول أي من هذه الحالات المزعجة هو تفعيل قوانين تفرض ضرائب وتعديلات تجارية شاملة باسم الحفاظ على المصلحة العامة. 

هذه الإجراءات تساهم في تقليص حالات ظهور "حديثي نعمة منافسين" إلى مستوى قابل للضبط والسيطرة. هذه السياسة طبعاً تعمل على خنق الابتكار والتطوير والإنتاجية. 

إن تخفيض الناتج الوطني GNP في البلدان الخاضعة لسيطرة والدك قد يمثّل سياسة مقبولة لمصلحة ضمان النفوذ تحت قناع المحافظة على البيئة، أو على كائنات منقرضة، وغيرها. 

لكن إذا ذهبت هذه السياسة بعيداً فسوف يضعف سلطان والدك في ذلك البلد مقابل دخول منافسيه العالميين. 

إن أصعب مسألة يمكن أن يواجهها سيّد المال هو تحديد مستوى الحريات الاجتماعية والاقتصادية التي يتجرّأ بسماحها لاستمرارية نفوذه العالمي. 

الطريقة الوحيدة هي خلق موطن مركزي يُسمح فيه بحريات معيّنة مُراقبة بحذر، بحيث يُستخدم كقاعدة مركزية للقوة العسكرية/الاقتصادية المطلوبة للمحافظة على إمبراطوريته العالمية المؤلفة من دكتاتوريات توتاليتارية مختلفة حول العالم (يُقصد بهذه القاعدة المركزية الولايات المتحدة الأمريكية). 

ومن أجل ضمان عدم تجاوز الحريات الاجتماعية والاقتصادية الحدود الآمنة، وُجدت الإجراءات التالية ضرورية من قبل جميع أسياد المال تقريباً:

1ـ ضريبة الدخل المتراكمة Steeply Graduated Income Tax:

ضريبة الدخل لا تؤثّر علينا لأن أموالنا قد جُمعت قبل صدور قوانين فرض الضرائب، ومعظمها الآن أصبح محمياً بأمان في شبكة واسعة من المؤسسات المعفية من الضرائب. 

يمكن استخدام مدخول هذه المؤسسات ورؤوس أموالها قانونياً لتمويل جهاز البروبوغاندا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري. 

ويمكن بنفس الوقت تحويلها إلى استخدامات غير قانونية من خلال حركة بسيطة. الدراسات الباهظة الثمن التي تتطلبها عملياتنا الاقتصادية المربحة يمكن تمويلها عبر هذه المؤسسات أيضاً.

لكن في الجانب الآخر، وبالنسبة للطبقات الوسطى، فضريبة الدخل تجعل حياتهم عبارة عن طاحونة أبدية. 

إنهم في سباق دائم مع الريح. 

حتى أولئك الأكثر إنتاجية يجدون أنفسهم غير قادرين على تجميع رأس مال ذات قيمة. 

إنهم مجبورون على الوقوع في قبضة أتباع وعملاء مصرفنا المركزي لتناول حُقن منشّطة والمتمثلة بالقروض التضخمّية inflationary credit التي لنا الحظوة في خلقها من العدم. 

أما الثراء الهائل المتراكم ذاتياً الذي تمتع به بارونات اللصوصية robber barons في القرن التاسع عشر وملوك المال tycoons في القرن عشرين، فلم يعد ممكناً الآن إطلاقاً. 

كان جدك من بين الذين استفادوا من تلك الفترة المفتوحة لجمع ثروته الخارقة، لكن كان أيضاً من بين المجموعة التي شيّدت جدار "الضرائب" المنيع الذي يقف عائقاً أمام حديثي النعمة للوصول إلى مستوى الثراء الخارق. 

أرجو الانتباه إلى أنه في البلدان الديمقراطية الأمر يتطلّب حذراً كبيراً وحيطة دائمة لمنع جدار الضرائب من التعرّض للاختراق على يد أحد المشرّعين المتآمرين، والذي يكون أصلاً من الضحايا الذين عمل هذا القانون الضريبي على إعاقة مسيرة تقدمهم في الحياة، حيث غالباً ما ينتمي هؤلاء للشريحة العليا من الطبقة الوسطى.

2ـ قوانين ضبط وتنظيم التجارة والأعمال Business Regulation:

عندما يفلت حديث النعمة من شباكنا المالية ويتجاوز جدارنا الضريبي، ربما بدعم من جهات خارجية، أصبح من الحيوي جداً تشييد خط دفاع آخر، ويتمثّل بالتحكّم في عملية الترخيص في المجال المهم جداً والمتمثّل بالبثّ الإذاعي المرئي/المسموع، والذي أثبت فاعليته وجدواه. 

هذا يجعله من المستحيل ظهور منافسة سياسية وشعبية واسعة يمكن أن يقودها حديثي النعمة. 

أما المضايقات التي يقوم بها عملائنا البيروقراطيين المسلّحين بعدد كبير من القوانين والتشريعات الاقتصادية التحكمية، فتمثّل وسيلة فتاكة أثبتت مفعولها الكبير. 

أما المتطلبات التعطيلية التي تفرضها وثائق وشروط تأمينية "من أجل حماية المستثمرين الصغار"، فيمكنها أن تسبب عقبات كبيرة أمام محاولات حديث النعمة لجمع رأسمال مُعتبر في السوق. 

أما الاعتبارات البيئية، فيمكن تحريفها بسهولة لإحباط مخططات كل من حاول تعكير استقرار منظومتنا المرسومة بعناية.

أما قانون منع الاحتكار والمحافظة على المنافسة الحرة Anti-trust law في السوق  ، فيُعتبر سلاحنا الأساسي. لقد أوجدنا العقيدة القائلة بـ"المنافسة النقية والمثالية"، والتي تربت عليها العقول اليافعة في الجامعات، ليس لأي غاية سوى لتجريم أي منافس ناجح برز فجأة في السوق. 

إذا قام هذا المنافس بطلب أسعار منخفضة تقلّ عن أسعارنا، فسوف يُتهم بـ"المنافسة غير العادلة" تهدف إلى إخراج الآخرين من الساحة وبالتالي تعطيل عملية المنافسة في السوق. 

وإذا طلب نفس الأسعار التي نطلبها نحن، فسوف يواجه تهمة التواطؤ. 

وإذا طلب أسعاراً أعلى من أسعارنا، فسيبدو واضحاً بأنه يستغلّ قوته الاحتكارية على حساب المستهلكين. 

لحسن الحظ، فإن أحكام بيروقراطيينا هي معقّدة جداً لدرجة أنه لو نجح حديث النعمة في الاستئناف ضدها في المحاكم فسوف تمضي سنوات عديدة قبل إصدار الحكم. 

وخلال هذه السنوات الطويلة، نكون قد قضينا عليه عبر المضايقات المختلفة والمتنوعة التي ستحطمه بالكامل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق