المقالة السابعة: الاستقطاب والمال .
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:
كف بأس الذين كفروا وكف شرورهم عن المسلمين مقصد شرعي وهدف هام ينبغي أن تسعى إليه الحركة المجاهدة بكل الوسائل المشروعة التي
تبلغنا هذا الهدف، فإذا
عملنا ليس فقط على كف بأس الناس عنَّا بل تحويل بأسهم وقوتهم لصالح
المسلمين لتحققت من مقاصد الشرع ونلنا من الخير لأهل الإيمان أكثر من كف
بأسهم فقط.{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:
كف بأس الذين كفروا وكف شرورهم عن المسلمين مقصد شرعي وهدف هام ينبغي أن تسعى إليه الحركة المجاهدة بكل الوسائل المشروعة التي
إذا سألنا أنفسنا لماذا يعمل القادة العسكريون في جيوش الكفر الأصلي أو جيوش الردة مع أعداء الله ؟ ولماذا يعطي المُطاعون في الناس - وهم لهم قوة وسلطان بحكم أن لهم أتباع - الولاء لأنظمة الكفر والردة ؟ سنجد أن الإجابة باختصار أنه يوجد جانب عقدي عند بعضهم، لكن هناك جوانب أخرى تزيد من دافعهم لإعطاء الولاء للأنظمة الكفرية، فأنظمة الكفر بما تملك من إمكانيات توفر لهم الراحة والأموال والرفاهية وكل مغريات الحياة، فعلى الرغم من ضعف عقيدة الكفر بصفة عامة أمام فطرة الإيمان المفطورة عليها النفس البشرية إلا أن الجوانب الأخرى التي ذكرناها تجعلهم في غفلة عن الآخرة واطمئنان للدنيا وزينتها.
وقد عالجنا في بعض المقالات السابقة بعض هذه الجوانب وبينا كيف أن الردع الذي يطال القادة والأتباع يدفعهم للتوقف عن نصرة العدو، فضلاً على أن حرارة معركة حامية الوطيس تحرك نفوسهم لاستبيان حقيقة الصراع، وكل ذلك يدفعهم إلى الانضمام لجانب أهل الحق ليموتوا على الإيمان بدلاً من أن يخسروا الدنيا والآخرة بموتهم في صف أهل الكفر والظلم أو على الأقل يفروا ويقفوا على الحياد انتظاراً لنتيجة المعركة، وبينا كذلك أن استهداف اقتصاد العدو سياسة شرعية للضغط على العدو ليعلم أن الاستمرار في حرب أهل الإيمان فيه خسارة الدنيا والمصالح التي هي غرضهم الباطن في الحقيقة، والمغلفة بالشعارات والمبادئ الكاذبة.
وفي هذه المقالة نتناول جانباً آخر هاماً من جوانب استقطاب الناس لصف أهل الإيمان، وهو جانب الاستقطاب بالمال لتأليف قلوب الناس من الأعداء وممن هم على الحياد، فنعطيهم شيئاً من الدنيا لجذب ولائهم لنا.
ونقدم لهذا الجانب بمقدمة هامة:
أن الأوامر الشرعية جاءت لتجلب أكبر قدر ممكن من المصالح ودفع أكبر قدر ممكن من المفاسد، فهي لا تجلب كل المصالح في الغالب ولا تدفع كل المفاسد في الغالب، وذلك ليس لعجز الشارع سبحانه وتعالى عن الإتيان بأوامر تجلب كل المصالح وتدفع كل المفاسد ولكن لطبيعة النقص التي في البشر وهذه الحياة بحكم أنها مخلوقة طبعت على النقص، كذلك إن الحكمة الإلهية ومقتضيات كمال أسمائه وصفاته تجعل من هذه المفاسد في الحقيقة جزءً من عظمة وكمال حكمة الله سبحانه وتعالى في الأقدار التي قدرها.
كما قلنا أن بعض الناس يدخل في ولاء أهل الباطل للمـال فقط مع علمه بالحق ولكن حب الدنيا وإيثارها لا يلحقه بأهل الإيمان، فعندما نوفر لهم هذا المرجح يدخلون في ولاء أهل الإيمان، فإذا دخلوا واختلطوا بأهل الإيمان وعايشوا أحوالهم ورأوا النور والكرامات والآيات وخالطت قلوبهم بشاشة الإيمان لانت قلوبهم للحق وعملوا لأجل الدين فقط وقدموا أرواحهم فداه وصلى الله وسلم على نبينا الكريم الذي لم يترك لنا خيراً في الدنيا ولا الآخرة إلا ودلنا عليه وعلى هذا سار صحابته قادة الدنيا من بعده.
فعلينا توجيه هؤلاء المؤلفة قلوبهم ( أغلبهم سيكونون من الشعوب والجنود المسحوقين اقتصادياً وبعض الرتب الدنيا من الجيوش ) أقول علينا توجيه هؤلاء بصفة خاصة والمؤمنين بصفة عامة أن ما عند الله خير وأبقى، فتذكير الجميع يتم في أجواء المعركة التي يتربون في أحداثها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا .
بعض هؤلاء المؤلفة قلوبهم بالمال قد يرتد بعد ذلك ويسبب بلاء للمؤمنين لأنه التحق بهم بدون نية صالحة ولم يتربَّ على الطاعة من البداية ولكن تربى على العطايا والمادة والمصلحة وأعطى ولاءه من أجل المال، ومع كون هذا قد يحدث في منتصف الطريق عند هزة مثل وفاة الرسول أو القائد أو عند انتكاسة ونحو ذلك وقد يتسبب عن ذلك مفاسد عظيمة إلا أنه كما نخرج من المقدمة التي قدمنا بها أن إدخال هؤلاء في صف أهل الإيمان في البدايات [حال الضعف] يجلب من المصالح ما يفوق المفاسد العظيمة التي تقع بعد ذلك، كما أن درء تلك المفسدة وتحصيل المصلحة الكاملة لن يتحقق عقلاً وشرعاً أو قل قدراً وشرعاً، فكما قلنا أن أوامر الشرع جاءت لدرء المفاسد وتقليلها وجلب المصالح وتكميلها، فأن يكون لدينا جميع القادة متربين على الإيمان فقط مصلحة كاملة لكنها لن تتحقق قدراً لأن الجاهلية وأهلها لن يمكنوننا من ذلك، ومفسدة ارتداد البعض تحقق مصالح أخرى بعد ذلك، بأن تستكمل القاعدة الصلبة [قاعدة أهل الأيمان] تربيتها في دفع مصاعب جديدة من نوع جديد وتبصر المؤمنين بطبيعة الناس والحياة ومعرفة سبل الشيطان واتخاذ شهداء وتمييز الخبيث من الطيب ليجتبي الله من يحبهم ويحبونه الذين لا يخافون لومة لائم ويجزي الشاكرين، فهو حدث يُشكل وجدان المؤمن وقد بينا ذلك في قاعدة [التربية بالحدث]، فضلاً وهو الأهم عن تحقق مصلحةٍ من وراء الاستقطاب بالمال لن نستطع تحصيلها لو اتبعنا مثالية لا تناسب الظرف القدري المرافق لمرحلة البدايات وما يصاحبها من سنن، وهذه المصلحة هي أنه عند ارتداد هؤلاء تكون قد تكونت قواعد انطلاق للمؤمنين والسيطرة على أرض وبلاد كمأوى ومنطلق لتكوين دولة الإيمان ومرافق وأجهزة ومعدات..الخ، ونستطيع بما تحصلنا عليه أن نعالج الردة الجديدة إذا حدثت - لا قدر الله - نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
لكن يجب أن تعرف عصابة الحق من قواعدنا الصلبة ومن الشباب المجاهد تفاصيل أحكام تأليف القلوب بالمال ومنها: أن من قاتل من أجل المال لا أجر أخروي له، ومن كانت نية المال أو الغنيمة تابعة وليست أصلية ونيته الأصلية أن تكون كلمة الله هي العليا نقص أجره بحيث أن من سلم وغنم عُجل له ثلثي أجره، ومن أريق دمه وتلف ماله أخذ أجره كاملا، وأن الأنصار تركوا ما حضـروا له أنفسهم من المال في غزوة حنين من أجل تأليف قلوب الطلقاء، وليعلموا أنه ممكن لهم أن ينالوا المال في النهاية كما نالـه الصحابة وأبناء الصحابة والتابعون إلا أن فتنته أشد من فتنة الفقر ونحن لا نملك ثبات الصحابة رضوان الله عليهم، فكما جاء في الحديث ".. ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تُفتح عليكم فتهلككم كما أهلكتهم..".
لقد آن الأوان للراسخين في العلم من أهل التوحيد والجهاد لتأصيل وبيان تفاصيل تأليف القلوب بالمال، فعليهم أولاً أن يخرجوا أصول هذه الأحكام وتفاصيلها من كتـب فقه الجهاد وكتب السياسة الشرعية وتنزيل هذه الأصول والتفاصيل على واقعنا المعاصر، والاجتهاد في الصور الحادثة التي يمكن أن نقوم بها بما لا يخالف الشرع، وهناك أمثلة كثيرة في الواقع يمكن أن نستفيد منها بتنزيل هذا الفقه العظيم الذي أعتقد أنه آن أوان تطبيقه في ظل التطورات القريبة للمعركة الحالية، فعلى سبيل المثال نحن نعلم أن للأمير أن يجعل لمن قتل قتيلاً سلب هذا القتيل، فهل يجوز للقيادة العليا للمجاهدين مثلاً أن تجعل لقادة وجيوش وحراسات العدو إذا التحق أحدهم بأهل الإيمان - وقتل قبل أن يلتحق بهم ويفر إليهم وزيراً أو أحد الأمراء وأمثال هؤلاء - مبلغاً أكبر من سلب القتيل ولتكن عشر ثروته مثلاً، على أن يتحصل عليها بعد تمكين المؤمنين وكل ما عليه فعله أن يكفي المؤمنين شر ذلك الأمير أو الوزير على أن يرتب أن يفر إلى مكان آمن بعد ذلك لحين الالتحاق بأهل الإيمان، قلت:
هذا مثال فقط والأمثلة كثيرة ومطلوب من الراسخين في العلم أن يتباحثوا في مدى شرعية مثل هذه الخطوات بحيث يبدأ القادة الميدانيون بتطبيق بعضها حال التخطيط ووضع الاستراتيجيات.
كذلك طرحت أبحاث سابقة لأهل التوحيد والجهاد أن من أهدافهم: إعادة توزيع ثروات المسلمين، وآن الأوان لتجلية المقصود من هذه العبارة وبيان أحكامها التفصيلية لكون هذا الأمر أولاً يخص مرحلة هامة قادمة في معركتنا - أعني عند حصول تمكين جزئي بإذن الله - وثانياً يتعلق بما تكلمنا عنه في هذه المقالة من استخدام المال العام في تأليف القلوب، فعلى الراسخين في العلم أن يوضحوا للناس بالدليل كيفية توزيع ثروات المسلمين توزيعاً عادلاً، أولاً: كل بلد فيها ثروات تختلف عن البلد الأخرى، ولولا السرقة والنهب لكانت شعوبنا من أغنى الشعوب ولكن عند التوزيع العادل لثروات المسلمين هل تجمع ثروات المناطق وتوزع على المسلمين ؟ أم تختص كل منطقة بثرواتها , وكل ما في الأمر أن عليـها إخراج زكاة أموالها - التي بالطبع ستكون وفيرة ومتنوعة بفضل الله - بحيث توزع الزكاة في المناطق الأخرى التي ابتليت بالفقر ؟، ثانياً: عن كيفية توزيع المال العام بين المسلمين هل هناك أفضلية وتخصيص زائد لمن يعطي من [الناس والقبائل والأحزاب والتجمعات] الولاء والنصرة والإيواء ويجاهد بنفسه وماله ممن هم دون ذلك من الذين اكتفوا فقط بأصل الإسلام.
القصد هناك مسائل كثيرة دقيقة وحساسة ينبغي بحثها وتأصيلها من الآن حتى لا يقع فيها أخطاء قد تكلفنا الكثير وتفتح أبواباً من الفتن نحن في غنى عنها، أو ترسب بقايا في النفوس عند البعض نستطيع تلافيها إذا كانت هناك قواعد معلنة مبنية على الدليل والاجتهاد المنضبط الصحيح.
في ختام هذه المقالة نؤكد على أن معركتنا هي معركة توحيد ضد كفر وإيمان ضد شرك، وليست معركة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، لكن علينا ألا ننسى أن من السياسة الشرعية عند مخاطبة ضعاف النفوس من طبقات الناس المختلفة بالوعد باستعادة أموالنا وحقوقنا، بل غنم مال الله الذي يتسلط عليه شرار الخلق، ونحن لا نظن أن مثل هذه الوعد حرك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كان تسلية لهم وتحريكا لضعاف النفوس من الناس ليقبلوا على الإسلام، ولا يلبس الحال بهم بعد ذلك من خلال الحياة بين أهل الإيمان وأتون المعركة إلى انصلاح حالهم وتحركهم من أجل التوحيد قبل كل شيء، لذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم لأن يخاطب أسرى العدو بقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .
الله أسأل أن يرزقـنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يعز هذه الأمة بالطاعة التي هي مفتاح كل خير، والحمد لله رب العالمين.
تم النقل بحمد الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق