بحث

الأربعاء، 15 أبريل 2015

إدارة التوحش : دستور ومنهجية الخوارج في تدمير الدول : 14.

المبحث الخامس الخاتمة .

هل توجد حلول أخرى أيسر من ذلك الحل ؟

قد يتساءل البعض هل توجد حلول أخرى أيسر من ذلك الحل الصعب وأحقن للدماء ؟ وقد يطرح البعض شبهات حول ذلك
الحل كذلك وفي تلك الخاتمة الهامة سنناقش ذلك.

بداية أود الإشارة إلى ملاحظة هامة وهي أنه لا توجد طريقة فاسدة أو شبهة واهية إلا ومجرد تصورها في الذهن كافٍ لتبين فسادها دون الحاجة للنظر إلى الدليل - إلا أن الأصل متابعة الدليل الشرعي -.

يطرح البعض حلولاً سلمية - كالانتخابات والاقتصار على الدعوة السلمية - ويطرح الأكثر عقلاً حلولاً تستخدم القوة من خلال ضربة خاطفة سريعة تنهي كل شيء في وقت قصير دون إراقة الكثير من الدماء، وتلك الضربة تتم على ضربين تبعاً لمنهجية القائم عليها وطريقة تفكيره، فيطرح البعض ضربة سريعة عن طريق انقلاب عسكري ويطرح آخرون ضربة تتم بعد إعداد سري لا يعلم به أحد - وهو في حقيقته لا إعداد لأن الذي لا يعلم به أحد هو اللاشيء - ويطرح البعض الضربة الخاطفة عن طريق تربية طويلة سلمية تتم تحت أعين الطواغيت يتم خلالها تكوين المؤسسات الإسلامية السياسية والاقتصادية والعلمية الشرعية والتقنية.. الخ ثم بعد ذلك تتم الضربة الخاطفة من خلال هذه المؤسسات، ويطرح بعض الرقعاء أن يقوم بالضربة أبناؤنا وليس نحن - ولا أدري كيف سيقاتل الأبناء وهذا حال الآباء ؟! -.. القصد: ( ابتداءً علينا أن نعلم أنّ النّصر الكبير الضّخم مجموعة من سلسلة انتصارات صغيرة، ولا يمكن أن يقع شيء في مجال النّصر والهزيمة بصورة طفرةٍ مفاجئة تباغت المنتصر أو المهزوم، إذ الطّفرة التي لا مقدّمة لها لا وجود لها إلاّ في عقول مشايخنا وقادتنا فقط، فإنّهم يحملون في كلّ ما يقولون ويرتّبون لضربة يحضّر لها تحضيراً تامّاً وكاملاً، بعيداً عن أعين الخصوم وبهذه الضّربة المفاجئة المباغتة نقضي فيها على الخصوم، وبها نتجنّب الكثير من الدّماء التي تراق، والأرواح التي تزهق، ومشايخنا يدندنون على هذه الفكرة كثيراً، وعلى ضوئها يتراجعون عن الصّراع تحت شعارات التّربية والإعداد، وهذه الفكرة تجد صدىً وقبولاً في النّفوس، لأنّها جميلة جدّاً، ورائعة جداً، وورديّة جدّاً، وهي مع ذلك كلّه هشّة جداً جداً، أمّا أنّها جميلة وورديّة، فكيف لا تكون كذلك وهي تقدّم للإسلاميين النّصر والعزّة والسّؤدد على طبق من ورد ؟ ثمّ كيف لا تكون ورديّة وهي من صنع أوهام الحالمين، والحلم عندما يختلط في ذهن المرء مع الحقيقة فإنّه لا يناقش مناقشة العقلاء والأذكياء.

إنّنا نحلم بترتيب رفيعٍ جدّاً لشوكةِ التّمكين دون المرور بشوْكة النّكاية، وهي الشّوكة التي يقع فيها:{إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ} ، ويقع فيها: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}، وهذا مع عدم إمكانيّة حدوثه فإنّه يفرز ولا شكّ فِقهاً أعوجَ، وأحكاماً فاسدة، وما هذا الفقه الذي نسمعه من مشايخنا من جواز التّعدّديّة السّياسيّة، وجواز التّداول على السّلطة، وعدم جواز الجهاد الهجومي، وجواز تولّي الكفّار المناصب السّياسيّة والعسكريّة والقضائيّة في الدّولة الإسلاميّة إلاّ بسبب هذا الحلم الفاسد الناشئ عن تُخمةٍ مردّها خلط الأفكار غير المتجـانسة، وتفسير هذا: أنّ واقعنا بسبب عوامِل البناء الشّيطانيّ فيه قد امتلأت جوانبه بالشّرور، وأصابت الأمل الإسلامي بالإحباط، فحين يأتي الشّيخ ليعالج هذا الواقع بهذه التّركيبة بأحكام فقهيّة، فإنّ هذه المعالجة وعلى ضوء هذا الواقع ستجعله يتنازل عن كثير من [تشديدات السّلف] - كما يسمّيها - إلى [ميوعات الخلف] - اعتدالهم كما يسميها - وهذا لأنّه تمّ له التّمكين دون تحضير أرضية التّمكين بما يناسبها، وهذا التّحضير لا يقع إلاّ من خلال شوكة النّكاية..) .

هذا مع تقدير أن حركة التغيير الجذري التي نقصد وبطريقتها السننية التي أوضحناها يصعب التنبؤ والتحكم بنتائجها المرحلية، لأنها حركة تشترك فيها كل عناصر الوجود وهي ( من أعقد ما يجابه الإنسان في حياته، وأنها من أصعب وأعوص ما يعتري البشر في حركة حياتهم، فحركة التغيير هي حركة تختلط فيها الحياة بأسرها، وتتقاطع بدايتها حتى يخيل للمرء أنه في دوامة من الأمواج لا يحسن تمييزها أو الفصل بينها، وهي بحق كذلك، فألوان الطيف متداخلة مع أنها متباينة )، فكيف لعقولنا القاصرة أن تدرك كل شيء وتتوثق من النتائج المرحلية، فـ (.. المسلم لا يعلم الغيب لكن إن قُدِّر لبعضنا أن يعيش ويرى الثّمرة النّهائيّة وهي تسقط على أصحاب الفضل الإلهيّ سيدرك أنّه ما من حركة قام بها أهل التّوحيد والجهاد إلاّ وكانت لبنة في البناء النّهائيّ: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ .. ) ، فما علينا فقط إلا التزام الأوامر الشرعية آخذين بالأسباب المشروعة ما استطعنا وننتظر وعد الله بالنصر والتمكين ما دمنا ثابتين لم نُبدل.

قد يقول قائل سنطبق طريقتك السابقة مع الحل المطروح في الدراسة فنقلب الأمر عليك، أي أن هذا الحل عند تصوره في الذهن يثبت فشله.. أقول: أولاً: لقد قلت أنه بالإضافة إلى أن الحلول الأخرى يكفي تصورها في الذهن - كما سنفصل أكثر - ليحكم العقل على فسادها إلا أنها أيضاً في الأصل تخالف الأوامر الشرعية في كثير من تفاصيلها، بينما الحل الجهادي المثالي لم يستطع أحد طرح دليل شرعي - يستحق النظر والتوقف - لنقضه، خاصة أننا لا نقول إنه حل من الحلول بل نقول إنه فريضة شرعية. هذا، وثانياً: التجارب التأريخية والمعاصرة للمسلمين وغير المسلمين - وذلك لأن كلمة دولة لفظ كوني وكل الدول حتى الديمقراطية قامت بعد بحور من الدماء - تثبت نجاح هذا الحل الذي طرحناه، بل إن كل مرحلة لهذا الحل تسلم للأخرى طبقاً لحالات مماثلة تأريخية بل ومعاصرة، فهو ليس استنتاجًا ذهنيًّا ابتداءً، وأي إخفاق في حالة سابقة راجع لخلل في الأخذ بالأسباب الكونية والشرعية مما أدى لتخلف هذه الحالة، ولا يرجع الأمر لخلل في الحل نفسه الذي هو فريضة شرعية أيضاً كما قلنا.

أغلب الحركات الإسلامية تستبعد ذلك الحل لأنه شاق ولا يقدر على اتخاذ القرار باتباعه في بدايته إلا قلة، وهم لا يعترفون بذلك فيتعللون بحجج ما أنزل الله بها من سلطان أو يرفعون شعارات خادعة، وكان يجدر بهذه الحركات ألا تجمع بين كذب وهزيمة، فلو صدقوا مع أنفسهم لقالوا: ( إن الطريق طويل، والأشواك كثيرة، والجمر لا تستطيع أرجلنا تحمله )، لذلك فأزمتنا أزمة صدق في أصلها للأسف.

وجدت من أحد المتخصصين في الدراسات السياسية - والذي انتقل أثناء فتنة التسعينات في مصر إلى جانب التيار السلمي - مقالاً يعيب فيه على حركات الجهاد دعوتها إلى عسكرة الحركة الإسلامية - لأن الحركة الإسلامية في مجملها في نظره حركة دعوية - قلت: وماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه ألم يُعسكرهم - بأبي هو وأمي - ؟ من أعلم منه بالسنة الشرعية والكونية ؟،كيف لا والله سبحانه وتعالى يأمره كما جاء في الحديث القدسي في صحيح مسلم: " قاتل بمن أطاعك من عصاك "، إن الدعاة بالمعنى المصطلحي اليوم كانوا معروفين بالاسم كمصعب ومعاذ والقراء رضي الله عنهم أجمعين ولكن أغلب الأصحاب كانوا مجاهدين بل حتى الدعاة كانوا مجاهدين شهداء، ومع كون أكثر الأصحاب كانوا مجاهدين إلا أننا يمكننا أن نطلق عليهم خير الدعاة إلى الله، على اعتبار أن جهاد الطلب هو سبيل نشر الدعوة للأقوام من خلفنا بحرية وفاعلية وجهاد الدفع هو سبيل تحرير الدعوة لبني قومنا ممن يحتلنا من الكفار أو المرتدين وما يقومون به من التشويش لجعل الدعوة غير فعالة الأثر.. فيا له من دين يتفق مع السنن الكونية لو فقهناه..

إن دور الدعوة في مرحلة البدايات هي جذب القلة الممتازة، أما استجابة الناس فبعد التمكين وبعد نصر الله والفتح، وذلك لأنه إذا أنصت الناس للدعاة دخلت الدعوة إلى قلوبهم، ألا ترى أن النفر من الجن الذين استمعوا إلى القرآن فلما أنصتوا لم يستجيبوا فقط بل انطلقوا منذرين ودعاة.. لذلك يقوم الطغاة من خلال شغل الناس عن الإنصات بجميع أنواع الملهيات حتى لا يستجيبون.

ولذلك لا تعجب أن أحد الصادقين من الدعاة كان يقول: ( كل ما أبنيه في عام تأتي راقصة فتهدمه بظهورها على التلفاز ) لذلك ما كان دين الله المحكم الذي لا يأتيه الباطل يأمرنا بأوامر لا تأتي من ورائها نتائج، لذلك أمرنا الشرع بإزالة تلك العوائق والملهيات أولاً حتى يسهل استجابة الناس.

إن مقدار الاستجابة للصادق الأمين صلى الله عليه وسلم تفوق مقدار الاستجابة لأي إنسان أو داعية من دعاة اليوم فقد كان الرجل الكافر بمجرد أن ينظر إلى وجهه عليه الصلاة والسلام يقول ما هذا بوجه كاذب ويؤمن به، وكان عليه الصلاة والسلام مؤيداً بالوحي ينصره ويوجهه ويرد له على كلام وشبهات الكفار بأبلغ ما يكون مما يفهمه المدعوون، حيث كان بلغتهم التي يفهمون مدلولاتها جيداً، وكان يحارب كفراً يمكن أن يستجب أهله للإيمان سريعاً مقارنة ببعض الأفهام الآن فلو قيل لرجل منهم  أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ  ونظر لصنمه الذي صُنع من الحجارة لكان من السهل أن يستجيب ولكن لم يستجب الناس لرسول الله ولم يحصل على كثرة ولكن لما دعاهم مع هؤلاء القلة والسيوف خارج أغمادها استجابوا فما بالنا ونحن ليس معنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته رضوان الله عليهم، ونحارب فكراً مرتداً يدَّعي الإسلام فالاستجابة فيه تكاد تكون معدومة، أو أدياناً وأفكاراً كافرة تدَّعي أن الإسلام يقرها وأنها قمة التطور الفكري المتقدم للإنسانية المعاصرة، والعدو يضع بيننا وبين الناس حواجز رهيبة تحول بيننا وبينهم، وهذا هو منهاج الملأ الكافر على مر الأزمان، فما بالنا نظن أنه يمكن الاستجابة والحصول على كثرة أو المحافظة على القلة في ظل هذه الظروف.

هؤلاء الذين يقولون الارتقاء عن طريق بناء المؤسسات تحت رعاية الطواغيت، نسوا أو تناسوا أن الطواغيت يتناقلون الخبرات فإذا كانوا لا يسمحون بنوَّاب لا قيمة لهم في برلمانات صوريـة، فكيف سيسمحون بمؤسسات وقوى وأعداد من الشباب داخلها، ما الذي يمنع الطاغوت بعد فترة ليفبرك قضية قلب لنظام الحكم أو حتى يتبجح دون حياء ويسميها [جمع تبرعات لفلسطين والشيشان]، ويترك باقي الأرقام العددية - التي لا قيمة لها بغير فكر ومنهج عملي قتالي - لتتلقفها ملهيات الحياة ليأتي الجيل الذي بعدهم يبدأ من جديد ويدور في نفس الحلقة المفرغة لا قدوة له في الجهاد ليجاهد كما يحلم البعض، هذا إذا كان سيرثهم جيل ملتزم أصلا..!

لذلك عندما تستمع إلى هؤلاء عن توقيت إعلانهم للجهاد تسمع الأعاجيب، لأنهم يخططون لبدء القتال في مرحلة يمتنع وجودها قدرًا بدون قتال يسبقها..!!، وهم إن كانوا يدركون ذلك فهذا دليل على سوء الطوية واستمراء القعود لأنهم يدركون أنه لن يأتيَ اليوم الذي سيجاهدون فيه.
هذه الحلول تُطرح للمحافظة على مكاسب هزيلة كبقاء مؤسسة خيرية تحت رعاية طاغوت، أو ليهنأ بضعة آلاف من الملتزمين في التزام هادئ دون منغصات ومشاكل وبلاء، هذه الحلول محصلتها إخماد جذوة الحماس والشعلة الإيمانية المتقدة في القلوب المسلمة هذه الأيام، وهي فرصتنا التي قد لا تتكرر ظروفها المهيأة إلا بعد زمن طويل، وحينها سيخوضها جيل آخر بنفس المسيرة التي تحدثنا عنها مع مفارقة أنهم سيوجهون لنا اللعنات على ما ضيعنا من العمل، هذه فرصتنا التي إذا ضيعناها سيضيع أجيال من المسلمين في حمأة التحاكم للمحاكم القانونية الطاغوتية والغرق في الشهوات المتلفزة وباقي شهوات الحياة التي يسر الطغاة سبلها للكبير والصغير ولعله يُختم لأغلبهم بالموت على فسق مغلظ أو كفر مغلظ - بغض النظر عن أحكام الدنيا -، في حين لو هلكت الأمة عن آخرها في هذه الحرب فهم شهداء كأصحاب الأخدود وذلك إحدى الحسنيين ولا شك، وكما قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: ( لو اقتتلت البادية والحاضرة حتى يذهبوا، لكان أهون من أن ينصِّبوا في الأرض طاغوتاً يحكم بخلاف شريعة الإسلام التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم.. ).

الطغاة يخططون ويتآمرون للاستمرار في إذلال ونهب الأمة وإخماد الجهاد وشراء الشباب والحركات لذلك علينا جر الجميع إلى المعركة ليحيى من حي على بينة ويهلك من يهلك على بينة، علينا أن نجر الجميع الحركات والشعوب والأحزاب إلى المعركة ونقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع، وبتكتل مجموعاتنا , وحسن تنظيم وتنسيق انتشار مجموعاتنا , وتولي بعضنا لبعض , ونصرة بعضنا لبعض من أقصى الأرض إلى مشرقها , وبتفرق أعدائنا , وتفرق مصالحهم وغاياتهم , سنكون نحن القوة الوحيدة - بإذن الله - التي تستطيع أن تفرض حكم الشريعة وتأخذ حقها وحقوق البشرية التي يتلاعب بها طواغيت الكفر والردة، فعلينا أن نحرق الأرض تحت أقدام الطغاة فلا يطيب لهم بالعيش إلا بالتوحيد وإنصاف المظلومين أو نهلك دون ذلك.

إن الذين أتعبتهم رقابهم وهم ينظرون إلى حضارة الشيطان المعاصرة تصور لهم أذهانهم العليلة أن دولة الإسلام المنتظرة هي دولة ممثلة في الأمم المتحدة وتتعايش وتتبادل المصالح مع جيرانها، والحقيقة أن دولة الإسلام تقوم على أنقاض كل ذلك، ونحن بفضل الله أعلم بالسنن الشرعية والكونية ونأمل أن يتغمدنا الله برحمته ويكلأنا برعايته حتى نبلغ آمالنا التي هي وعد حق وصدق، (.. إنّها الوعود الإلهية، إن أخطأَتْ بعضنا فهي واقعة لا شك فيمن ثبـت على الطريق، وواصل المسير، ولم تُضعفه الأيام والشهور، بل ازداد ثباتاً ويقيناً، وما شدة الصعوبات إلا دليلٌ على صواب الطريق.. ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق