الفصل الرابع اعتماد الشدة .
الذين يتعلمون الجهاد النظري أي يتعلمون الجهاد على الورق فقط لن يستوعبوا هذه النقطة جيداً، للأسف الشباب في أمتنا منذ زمن قد جُرِّد من السلاح ولم يعد يعرف طبيعة الحروب، ومن مارس الجهاد من قبل علم أن الجهاد ما هو إلا
شدة وغلظة وإرهاب وتشريد وإثخان - أتحدث عن الجهاد والقتال لا عن الإسلام فلا تخلط - وأنه لا يمكن أن يستمر القتال وينتقل من مرحلة إلى أخرى إلا إذا كانت مرحلة البداية فيه مرحلة إثخان في العدو وتشريد به، بل يحتاج لهذه الشدة في المراحل الأخرى في كثير من الأحيان، ولا يمكن أن يستمر جهاد في ظل الرخاوة، سواء الرخاوة في أسلوب الدعوة إليه أو الرخاوة في اتخاذ المواقف أو في أسلوب العمليات، حيث أن عنصر الرخاوة أحد عناصر الفشل لأي عمل جهادي، وأن من عندهم نية البدء في عمـل جهادي وكانت عندهم تلك الرخاوة فليجلسوا في بيوتهم أفضل وإلا فالفشل سيكون مصيرهم وسيلاقون من بعده الأهوال، ومن أراد أن يتثبت ويفهم ما أقصد، فعليه بكتب السير والتواريخ والنظر فيما مر على الحركة الجهادية الحديثة، وسواءً استعملنا الشدة أو اللين فلن يرحمنا أعداؤنا إذا تمكنوا منا، فأجدر بنا أن نجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يحاربونا.
إن دور الشدة والغلظة على الكافرين في المعارك القتالية والإعلامية لا يفهمه الكثيرون ممن لم يخوضوا حروباً في حياتهم، وأن مرحلة تدجين المسلمين التي مرت عليهم كان لها أثرها، إن هذا الدور يجب أن يأخذ حقه من التوضيح بين الشباب الذي يريد أن يجاهد، فهم يفترقون عن العرب وقت البعثة، فالعرب كانوا محاربين ويعرفون طبيعة الحروب.
إننا إن لم نكن أشداء في جهادنا وتملكتـنا الرخاوة كان ذلك عاملاً رئيسيًّا في فقدان عنصر البأس الذي هو من أعمدة أمة الرسالة، فإن الأمة ذات البأس هي الأمة التي تستطيع أن تحافظ على ما تكتسبه من مواقع، وهي الأمة التي تخوض الأهوال وهي ثابتة ثبات الجبال وهذه المعاني فقدناها في هذا الزمن.
إن كتب التأريخ تحدثنا عن الفروق بين بعض الحركات الجهادية الإصلاحية والصالحين من الطالبيين كالنفس الزكية وغيره وبين حركة العباسيين أن من ضمن الفروق وأسباب نجاح العباسيين وفشل الآخرين هو الشدة من العباسيين والرخاوة واتقاء الدماء من الآخرين حتى إن النفس الزكية كان يطلب من قادة جيشه - وقد كان يمكن أن ينتصر - أن يتقوا الدماء ما أمكن، وكان قادة جيشه يتعجبون كيف يطلب الملك ويكون ذلك أسلوبه، نعم كان النفس الزكية وغيره من المصلحين على قدر من الصواب في ذلك لكونهم يقاتلون مسلمين وأحكام قتال البغاة تختلف، إلا أننا والحمد لله نواجه أهل الصليب وأعوانهم من المرتدين وجندهم فلا مانع لدينا من إراقة دمائهم بل نرى ذلك من أوجب الواجبات ما لم يتوبوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويكون الدين كله لله.
وهكذا فهم الصحابة رضي الله عنهم أمر الشدة، وهم خير من فهم السنن بعد الأنبياء، حتى أن الصّدِّيق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما مارسا التحريق بالنار على الرغم مما فيه من كراهة لمعرفتهم بأثر الشدة المغلظة في بعض الأوقات عند الحاجة، لم يقوما بذلك وينفذه قادتهم وجندهم من باب شهوة القتل وأنهم قوم غلاظ كلا والله فما أرق قلوبهم، وهم أرحم الخلق بالخلق بعد الأنبياء عليهم السلام ولكن الأمر هو فهمهم لطبيعة الكفر وأهله وطبيعة حاجة كل موقف من الشدة واللين، لذلك نقل لنا أهل العلم عن فترة حروب الردة ما يبين ذلك: (.. وعاد الناس إلى ما كانوا عليه من أمر الجاهلية فتحللوا من فروض الشريعة، فمنهم من تركها جميعاً، ومنهم من أنكر الزكـاة، وزعم أنها تجب للرسول صلى الله عليه وسلم فقط، وليس لأبي بكر حق فيها، ومنهم من أعلن أنه سيؤديها بنفسه، ولن يؤديها إلى أبي بكر الصديق، وظن ضعاف الإيمان أن سيف الإسلام قد نَبَتْ شفرته بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاغتنموا الفرصة للخروج من هذا الدين، وغلبت الردة على الجزيرة العربية، ولم يبق على الإسلام إلا مكة والطائف وجواثى بالبحرين والمدينة، فعمت الردة القبائل والقرى والتجمعات، فقام لها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حق القيام، ونشطوا في صدها ومنعها، ورفعوا لها رأس الجد والجهاد، ورؤي من أبي بكر رضي الله عنه صلابة لم تعهد فيه من قبل، حتى أن الرسل كانت تأتيه بالأخبار السيئة التي يرهب منها الرجال فما كان منه إلا أن يأمر بالمزيد من الحرب والنار، حتى قال ضرار بن الأزور: فما رأيت أحداً ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم أملأ بحرب شعواء من أبي بكر، فجعلنا نخبره - أي أخبار الشر عن الردة وعظمها - ولكأنما نخبره بما له لا عليه، وكانت وصاياه للجند تدور حول جز الرقاب بلا هوادة أو تباطؤ، حتى أنه رضي الله عنه حرَّق رجـلاً يسمى إياس بن عبد الله بن عبد ياليل ويلقب بالفجاءة، لما خدعه في أخذ أموال لجهاد المرتدين ثم لحق بهم، أو على الصحيح صار بها قاطع طريق، ودارت رحى الحرب شاملة كل الجزيرة، ولم يجزع أحد من أصحاب رسول الله منها، بل كانوا رجالها وأهلها، حتى عادت الجزيرة إلى حكم الإسلام وسلطانه.. ).
إننا الآن في أوضاع شبيهة بالأوضاع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وحدوث الردة أو مثل ما كان عليه المؤمنون في بداية الجهاد فنحتاج للإثخان ونحتاج لأعمال مثل ما تم القيام بها تجاه بني قريظة وغيرهم، أما إذا مكننا الله واقتربنا من السيطرة ونشر العدل فما أرق أهل الإيمان وقتها، ووقتها يقول أهل الإيمان للناس: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
هذا مع ملاحظة أن الشدة والغلظة يجب ألا تتعدى حدود الشرع وأن يراعى فيها المصالح والمفاسد التي اعتبرتها الشريعة في أحكام الجهاد كباب من أهم أبواب هداية الخلق إن لم يكن أهم أبوابها، وفي ذلك أنه كلما كان هناك عقلاء من العدو يعترفون بالحق الذي تشترك فيه كل العقول كلما خففنا من وطأة الشدة عليهم أما العدو المتغطرس وجنده ومؤيدوه فله شأن آخر.
مما يلتحق بقضية الشدة ( سياسة دفع الثمن ): لا يوجد إيذاء يقع على الأمة أو علينا بدون دفع الثمن، ففي مرحلة شوكة النكاية والإنهاك اتباع استراتيجية دفع الثمن يبث اليأس في نفوس العدو، فأي عمل إجهاضي لمجموعات النكاية من أي نوع ينبغي أن يُقابل برد فعل يجعل العدو يدفع ثمن إجرامه كاملاً حتى يرتدع عن العودة لمثله، ويفكر ألف مرة قبل القيام بعمل هجومي تجاهنا، بحيث يتوقف عن المبادرة بالإجرام وتكون أفعاله مقتصرة على الدفاع عن نفسه.
دفع الثمن يجب أن يتم ولو بعد مدة طويلة ولو كانت سنوات، وينبغي تذكير العدو بذلك في البيان التبريري لعملية دفع الثمن، مما يؤثر على نفسية قادة العدو، بأنه ما من عمل عدائي يقومون به تجاه الإسلام وأهله أو تجاه المجاهدين إلا وسيدفع من قام به الثمن في نفسه وأعوانه أو في أعز مصالحه طال الزمن أو قصر، ومن ذلك يبدأ تسرب مشاعر اليأس للعدو فيبدأ التفكير في ترك الساحة ليأسه بسبب حرصه على الدنيا في مواجهة أجيال من المجاهدين لديهم إصرار على استمرار المعركة لا تهزهم الحوادث بل تدفعهم للرد.
أما في مرحلة [إدارة التوحش] فسنواجه مشكلة غارات العدو - الصليبي أو المرتد - الجوية على معسكرات تدريب أو مناطق سكنية في نطاق المناطق التي نديرها، ومع وضع تحصينات دفاعية وخنادق لمواجهة تلك المشكلة إلا أنه ينبغي كذلك أن نتبع سياسة دفع الثمن في مواجهة إجرام العدو، وسياسة دفع الثمن في هذه الحالة تحقق ردعاً للعدو وتجعله يفكر ألف مرة قبل مهاجمة المناطق المدارة بنظام إدارة التوحش، لعلمه بأنه سيدفع ثمن ذلك ولو بعد حين، فيجنح العدو إلى الموادعة التي تمكن مناطق التوحش التقاط الأنفاس والترقي - الموادعة التي تعني التوقف المؤقـت عن القتال بدون أي نوعٍ من الاتفاقيات والالتزامات، فنحن لا نعقد هدنة مع العدو المرتد، وإن كان يمكن أن يتم ذلك مع الكافر الأصلي -.
وهنا نقطة هامة أن أفضل من يقوم بعمليات دفع الثمن هم المجموعات الأخرى في المناطق الأخرى، والتي لم يقع عليها العدوان، وفي ذلك فوائد عدة سنتوسع فيها في الفصل الخاص بالشوكة من أهمها إشعار العدو أنه محاصر ومصالحه مكشوفة، فلو قام العدو بعمل عدائي على منطقة في جزيرة العرب أو في العراق فتم الرد عليه في المغرب أو نيجيريا أو أندونيسيا سيؤدي ذلك إلى إرباك العدو خاصة إذا كانت المنطقة التي تتم فيها عملية دفع الثمن تخضع لسيطرة أنظمة الكفر أو أنظمة الردة فلن يجد مجالاً جيداً للرد عليها، وستعمل تلك العملية كذلك على رفع معنويات من وقع عليهم العدوان وإيصال رسالة عملية للمسلمين في كل مكان بأننا أمة واحدة وأن واجب النصرة لا ينقطع بحدود.
ولا يقتصر دفع الثمن في الصورة السابقة على العدو الصليبي، فعلى سبيل المثال إذا قام النظام المصري المرتد بعمل قام فيه بقتل وأسر مجموعة من المجاهدين، يمكن أن يقوم شباب الجهاد في الجزيرة أو المغرب بتوجيه ضربة للسفارة المصرية مع بيان تبريري لها أو القيام بخطف دبلوماسيين مصريين كرهائن حتى يتم الإفراج عن مجموعة من المجاهدين مثلاً ونحو ذلك، مع اتباع سياسة الشدة بحيث إذا لم يتم تنفيذ المطالب يتم تصفية الرهائن بصورة مروعة تقذف الرعب في قلوب العدو وأعوانه.
الفصل الخامس تحقيق الشوكة .
تتحقق الشوكة بالموالاة الإيمانية فعندما يحصل كل فرد في المجموعة أو في منطقة التوحش - مهما قل شأنه - على الولاء من باقي الأفراد ومن ثم يعطي هو الولاء للباقين بحيث يكون هو فداء لهم وهم فداء له، من ذلك تتكون شوكة من هذه المجموعة في مواجهة الأعداء.
عندما يعلم العدو أنه إذا كسر جزءً من مجموعة سيستسلم الباقون نستطيع أن نقول إن هذه المجموعة لم تحقق الشوكة، وإنما إذا علم العدو أنه إذا قضى على جزء من المجموعة فسيبقى الثأر لدمائهم قائمًا من الباقين وستبقى أهداف المجموعة قائمة حتى يفنوا عن آخرهم تكون تلك المجموعة قد حققت الشوكة التي يخشاها العدو خاصة إذا كان تشكيل المجموعة يستعصي على الإفناء في ضربة واحدة.
الشوكة الكبرى والتي يعمل لها العدو ألف حساب هي محصلة شوكات المجموعات سواء مجموعات النكاية أو مجموعات الإدارة في مناطق التوحش، ففي وجود موالاة إيمانية بين كل هذه المجموعات تتمثل في عقد مكتوب بالدماء أهم بنوده [الدم الدم والهدم الهدم] تتحقق شوكة كبرى يعجز العدو عن مواجهاتها.
وفي هذا ما تحدثت عنه في الفصل السابق عن سياسة دفع الثمن، أن أفضل من يقوم بعملية دفع الثمن هي مجموعة أخرى غير التي وقع عليها العدوان، بحيث نربك العدو ونشغله ونشتت تفكيره وجهوده حتى تستطيع المنطقة أو المجموعة التي وقع عليها العدوان أن تستعيد قواها وترتب أوراقها، وفي ذلك تستحضر الأمة قيمة الموالاة الإيمانية وقدرتها على إقامة شوكة لا تستطيع قوى الشر أن تقف أمامها.
وفي هذا ننبه على أننا نعتبر جهادنا في هذه المرحلة جهاد أمة , لذلك كل فرد أو مجموعة أو جماعة ثبت لها حكم الإسلام ودخلت في الجهاد وتبادلت معنا الولاء على أساس [الدم الدم والهدم الهدم] فهي جزء من الحركة المجاهدة حتى لو خالفت المنهج الصواب في أمور علمية أو عملية ما دامت هذه المخالفة عن تأول لا عن تعمد - معرفة ذلك تترجح من قرائن الأحوال - مع عدم إقرارهم على أي مخالفة يقومون بالمجاهرة بها، ومر بنا عبر التأريخ أمثلة عديدة، فمثلاً كان شيخ الإسلام ابن تيمية يحمل في كتبه على الأشاعرة ويبين فساد منهجهم وهذا في مقام الحديث عن أقوالهم وأفعالهم البدعية، ثم في مقام آخر - مقام الولاء والإيواء والنصرة - عندما يكون هؤلاء الأقوام في وضع غير متلبسين فيه ببدعهم بل ينصرون الإسلام وأهله، ولا يخفى عليكم أن حكام مصر والشام كانوا يميلون لعلماء الأشاعرة إلا أنهم عندما وقفوا لنصرة الإسلام والجهاد في سبيل الله أمام التتار قال عنهم شيخ الإسلام أنهم الطائفة المنصورة بالشام ومصر وعلى اعتبار أن الجند لا يحملون بالضرورة معتقد القادة الذين يميلون للأشاعرة، وكذلك مدح صلاح الدين الأيوبي على نصره الإسلام أمام الصليبيين ونصرة السنة أمام الباطنية على الرغم أن مذهب الأشاعرة كان مذهب دولته، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام:
(.. وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة، فلو ترك رواية الحديث عنهم لا ندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم، فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب: كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيراً من العكس، لهذا كان الكلام في هذه المسألة فيه تفصيل.. ) أ.هـ.
لذلك علينا مراعاة من يرغب في الجهاد ويعطينا الولاء من هذه الطوائف أو من العامة فنقبل منهم ونواليهم وننصرهم مع عدم إقرارهم على أي خطأ ومحاولة التصحيح بقدر الظروف والحاجة والإمكان مع عدم التسبب في فتن ومفاسد قد تقضي على الجهاد خاصة كونه في العادة مصلحته ستكون أكبر، وعندما يسبب الإنكار فتناً أو مفاسد أكبر يترك الإنكار لكن لا يُؤذن بعمل الخطأ لا تصريحاً ولا تلميحاً وإقراراً كما تفعل بعض الحركات الإسلامية، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام: (.. ففرق بين ترك العالم أو الأمير لنهي بعض الناس عن الشيء إذا كان في النهي مفسدة راجحة، وبين إذنه في فعله، وهذا يختلف باختلاف الأحوال.. ) أ.هـ.
مما لا شك فيه - بإذن الله - حدوث الموالاة والنصرة بين المجموعات، خاصة التي تتبع القيادة العليا، لكن للأسف بسبب التفرق الواقع في الأمة والجهل المتفشي والخلافات الموجودة على الساحة نتوقع عندما تتوسع رقعة العمليات والقتال مع العدو - ويتخبط العدو في إشعال مواجهة مع فئات من الأمة أو من الحركات الإسلامية لم تكن على خريطة المواجهة من قبل - أقول نتوقع بروز مجموعات من الشعوب أو من الحركات لا تتبادل الموالاة مع الحركة الجهادية وإنما تواجه العدو من أجل تحقيق مكاسب خاصة أو من أجل أن يكف عنها ونحو ذلك، خاصة أنها قد تحجم عن إعلان الولاء للقيادة العليا لتضمن أن لا يركز عليها العدو ضغوطه وعملياته.
ودورنا إذا واجهتنا تلك المرحلة - وإن كنا في الأصل نسعى أن تتوحد الأمة تحت راية واحدة - أن نبث التوعية بين فئات الأمة بأهمية توحيد الأهداف والأساليب وتبادل الولاء لأنه السبيل لأن يهابنا العدو بحيث لا يتمكن من الاستفراد بكل منا على حدة، ومن ثم نتمكن من تحقيق ما نريد من أهداف، ومن ثم عندما تتوحد أهدافنا ستتوحد المجموعات وتكون شوكتنا هي الأكثر ثباتاً والأكثر تأثيراً في تغيير الواقع لما فيه الخير - بإذن الله - خاصة أن ذلك سيكون في مواجهة فئات من العدو تتباين أهدافها.
ينبغي أن يصل للناس - كل الناس - بصورة مبسطة خالية من التعقيد والتطويل الهدف الذي خلقنا من أجله والذي يجب أن نسعى جميعاً إليه والذي فيه خير الدنيا والآخرة، وأنه لا قيمة لأي بذل أو تضحيات سنقدمها في مواجهة العدو الصليبي أو الصهيوني أو المرتد إذا كان الهدف الذي سيتحقق من وراء ذلك هدف هزيل أو مصلحة مؤقتة محدودة أو على الجانب الأسوأ أن نسلم أنفسنا ومقداراتنا لطاغوت جديد في صورة فرد أو جماعة أو دستور جديد غير المنهج الرباني الذي به تتحرر البشرية كل البشرية من عبادة العباد إلى عبادة خالق العباد الذي يستحق وحده أن نخضع له ونعبده والذي يستحق وحده هذه التضحيات، هذا الهدف وحده هو الذي يمكن أن يوحد الأمة وينشئ الموالاة على أسس سليمة، يتبقى فقط أن نبتكر الوسائل الإعلامية والدعوية الفعالة لكي يصل هذا المعنى بدون تعقيد إلى الأمة - كل الأمة - في ظل تلك المعركة الرهيبة التي بدأت إرهاصاتها.
بقيت نقطة هامة في قضية تحقيق الشوكة خاصة بكيفية تقدير قوة الشوكة ومن ثم نبني تحركاتـنا وخططنا على معطيات صحيحة، في هذه النقطة ما نريد أن نؤكد عليه أنه ينبغي علينا ألا نبني تحركاتنا على تحركات الآخرين ممن لا نملك ولاءهم وتوجيههم، إلا في الأمور التكميلية أو الأمور الضيقة، حيث أن الأصل أن وضع خطط التحرك مبني على الشوكة الحقيقية التي لدينا متمثلة في المجموعة التي نديرها وباقي المجموعات والمناطق التي أعطتنا أو تتبادل معنا الولاء والنصرة.
في التسعينات من القرن السابق قامت إحدى المجموعات الجهادية في مصر بوضع خطة ممتازة للتحرك ولكنها بنت خطتها على أساس أن يتحرك فصيلا: الجماعةِ الإسلامية وجماعةِ الجهاد تحركات معينة تخدم خطة هذه المجموعة الصغيرة، وقد توهم قائد المجموعة أن الأحداث ستدفع الجماعتين للتحرك كما يريد، إلا أن تقديره كان غير دقيق للأسف، وترتب على ذلك الأمر مع عوامل أخرى خسائر جسيمة لتلك المجموعة، والمستفاد من ذلك هو ما قلناه: أن لا نبني تحركاتنا تبعاً لتحركات من لا نملك توجيههم أو ولاءهم على الأقل، أقصد بالولاء هنا الولاء الخاص المتمثل في الإيواء والنصرة، ولا أقصد الولاء العام الذي يكون من المسلم تجاه أي مسلم على وجه الأرض، وحينما ترتقي الأمة إلى الوضع الأمثل يتحقق الولاء العام بحيث يكون هو عين الولاء الخاص.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ.
الذين يتعلمون الجهاد النظري أي يتعلمون الجهاد على الورق فقط لن يستوعبوا هذه النقطة جيداً، للأسف الشباب في أمتنا منذ زمن قد جُرِّد من السلاح ولم يعد يعرف طبيعة الحروب، ومن مارس الجهاد من قبل علم أن الجهاد ما هو إلا
شدة وغلظة وإرهاب وتشريد وإثخان - أتحدث عن الجهاد والقتال لا عن الإسلام فلا تخلط - وأنه لا يمكن أن يستمر القتال وينتقل من مرحلة إلى أخرى إلا إذا كانت مرحلة البداية فيه مرحلة إثخان في العدو وتشريد به، بل يحتاج لهذه الشدة في المراحل الأخرى في كثير من الأحيان، ولا يمكن أن يستمر جهاد في ظل الرخاوة، سواء الرخاوة في أسلوب الدعوة إليه أو الرخاوة في اتخاذ المواقف أو في أسلوب العمليات، حيث أن عنصر الرخاوة أحد عناصر الفشل لأي عمل جهادي، وأن من عندهم نية البدء في عمـل جهادي وكانت عندهم تلك الرخاوة فليجلسوا في بيوتهم أفضل وإلا فالفشل سيكون مصيرهم وسيلاقون من بعده الأهوال، ومن أراد أن يتثبت ويفهم ما أقصد، فعليه بكتب السير والتواريخ والنظر فيما مر على الحركة الجهادية الحديثة، وسواءً استعملنا الشدة أو اللين فلن يرحمنا أعداؤنا إذا تمكنوا منا، فأجدر بنا أن نجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يحاربونا.
إن دور الشدة والغلظة على الكافرين في المعارك القتالية والإعلامية لا يفهمه الكثيرون ممن لم يخوضوا حروباً في حياتهم، وأن مرحلة تدجين المسلمين التي مرت عليهم كان لها أثرها، إن هذا الدور يجب أن يأخذ حقه من التوضيح بين الشباب الذي يريد أن يجاهد، فهم يفترقون عن العرب وقت البعثة، فالعرب كانوا محاربين ويعرفون طبيعة الحروب.
إننا إن لم نكن أشداء في جهادنا وتملكتـنا الرخاوة كان ذلك عاملاً رئيسيًّا في فقدان عنصر البأس الذي هو من أعمدة أمة الرسالة، فإن الأمة ذات البأس هي الأمة التي تستطيع أن تحافظ على ما تكتسبه من مواقع، وهي الأمة التي تخوض الأهوال وهي ثابتة ثبات الجبال وهذه المعاني فقدناها في هذا الزمن.
إن كتب التأريخ تحدثنا عن الفروق بين بعض الحركات الجهادية الإصلاحية والصالحين من الطالبيين كالنفس الزكية وغيره وبين حركة العباسيين أن من ضمن الفروق وأسباب نجاح العباسيين وفشل الآخرين هو الشدة من العباسيين والرخاوة واتقاء الدماء من الآخرين حتى إن النفس الزكية كان يطلب من قادة جيشه - وقد كان يمكن أن ينتصر - أن يتقوا الدماء ما أمكن، وكان قادة جيشه يتعجبون كيف يطلب الملك ويكون ذلك أسلوبه، نعم كان النفس الزكية وغيره من المصلحين على قدر من الصواب في ذلك لكونهم يقاتلون مسلمين وأحكام قتال البغاة تختلف، إلا أننا والحمد لله نواجه أهل الصليب وأعوانهم من المرتدين وجندهم فلا مانع لدينا من إراقة دمائهم بل نرى ذلك من أوجب الواجبات ما لم يتوبوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويكون الدين كله لله.
وهكذا فهم الصحابة رضي الله عنهم أمر الشدة، وهم خير من فهم السنن بعد الأنبياء، حتى أن الصّدِّيق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما مارسا التحريق بالنار على الرغم مما فيه من كراهة لمعرفتهم بأثر الشدة المغلظة في بعض الأوقات عند الحاجة، لم يقوما بذلك وينفذه قادتهم وجندهم من باب شهوة القتل وأنهم قوم غلاظ كلا والله فما أرق قلوبهم، وهم أرحم الخلق بالخلق بعد الأنبياء عليهم السلام ولكن الأمر هو فهمهم لطبيعة الكفر وأهله وطبيعة حاجة كل موقف من الشدة واللين، لذلك نقل لنا أهل العلم عن فترة حروب الردة ما يبين ذلك: (.. وعاد الناس إلى ما كانوا عليه من أمر الجاهلية فتحللوا من فروض الشريعة، فمنهم من تركها جميعاً، ومنهم من أنكر الزكـاة، وزعم أنها تجب للرسول صلى الله عليه وسلم فقط، وليس لأبي بكر حق فيها، ومنهم من أعلن أنه سيؤديها بنفسه، ولن يؤديها إلى أبي بكر الصديق، وظن ضعاف الإيمان أن سيف الإسلام قد نَبَتْ شفرته بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاغتنموا الفرصة للخروج من هذا الدين، وغلبت الردة على الجزيرة العربية، ولم يبق على الإسلام إلا مكة والطائف وجواثى بالبحرين والمدينة، فعمت الردة القبائل والقرى والتجمعات، فقام لها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حق القيام، ونشطوا في صدها ومنعها، ورفعوا لها رأس الجد والجهاد، ورؤي من أبي بكر رضي الله عنه صلابة لم تعهد فيه من قبل، حتى أن الرسل كانت تأتيه بالأخبار السيئة التي يرهب منها الرجال فما كان منه إلا أن يأمر بالمزيد من الحرب والنار، حتى قال ضرار بن الأزور: فما رأيت أحداً ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم أملأ بحرب شعواء من أبي بكر، فجعلنا نخبره - أي أخبار الشر عن الردة وعظمها - ولكأنما نخبره بما له لا عليه، وكانت وصاياه للجند تدور حول جز الرقاب بلا هوادة أو تباطؤ، حتى أنه رضي الله عنه حرَّق رجـلاً يسمى إياس بن عبد الله بن عبد ياليل ويلقب بالفجاءة، لما خدعه في أخذ أموال لجهاد المرتدين ثم لحق بهم، أو على الصحيح صار بها قاطع طريق، ودارت رحى الحرب شاملة كل الجزيرة، ولم يجزع أحد من أصحاب رسول الله منها، بل كانوا رجالها وأهلها، حتى عادت الجزيرة إلى حكم الإسلام وسلطانه.. ).
إننا الآن في أوضاع شبيهة بالأوضاع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وحدوث الردة أو مثل ما كان عليه المؤمنون في بداية الجهاد فنحتاج للإثخان ونحتاج لأعمال مثل ما تم القيام بها تجاه بني قريظة وغيرهم، أما إذا مكننا الله واقتربنا من السيطرة ونشر العدل فما أرق أهل الإيمان وقتها، ووقتها يقول أهل الإيمان للناس: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
هذا مع ملاحظة أن الشدة والغلظة يجب ألا تتعدى حدود الشرع وأن يراعى فيها المصالح والمفاسد التي اعتبرتها الشريعة في أحكام الجهاد كباب من أهم أبواب هداية الخلق إن لم يكن أهم أبوابها، وفي ذلك أنه كلما كان هناك عقلاء من العدو يعترفون بالحق الذي تشترك فيه كل العقول كلما خففنا من وطأة الشدة عليهم أما العدو المتغطرس وجنده ومؤيدوه فله شأن آخر.
مما يلتحق بقضية الشدة ( سياسة دفع الثمن ): لا يوجد إيذاء يقع على الأمة أو علينا بدون دفع الثمن، ففي مرحلة شوكة النكاية والإنهاك اتباع استراتيجية دفع الثمن يبث اليأس في نفوس العدو، فأي عمل إجهاضي لمجموعات النكاية من أي نوع ينبغي أن يُقابل برد فعل يجعل العدو يدفع ثمن إجرامه كاملاً حتى يرتدع عن العودة لمثله، ويفكر ألف مرة قبل القيام بعمل هجومي تجاهنا، بحيث يتوقف عن المبادرة بالإجرام وتكون أفعاله مقتصرة على الدفاع عن نفسه.
دفع الثمن يجب أن يتم ولو بعد مدة طويلة ولو كانت سنوات، وينبغي تذكير العدو بذلك في البيان التبريري لعملية دفع الثمن، مما يؤثر على نفسية قادة العدو، بأنه ما من عمل عدائي يقومون به تجاه الإسلام وأهله أو تجاه المجاهدين إلا وسيدفع من قام به الثمن في نفسه وأعوانه أو في أعز مصالحه طال الزمن أو قصر، ومن ذلك يبدأ تسرب مشاعر اليأس للعدو فيبدأ التفكير في ترك الساحة ليأسه بسبب حرصه على الدنيا في مواجهة أجيال من المجاهدين لديهم إصرار على استمرار المعركة لا تهزهم الحوادث بل تدفعهم للرد.
أما في مرحلة [إدارة التوحش] فسنواجه مشكلة غارات العدو - الصليبي أو المرتد - الجوية على معسكرات تدريب أو مناطق سكنية في نطاق المناطق التي نديرها، ومع وضع تحصينات دفاعية وخنادق لمواجهة تلك المشكلة إلا أنه ينبغي كذلك أن نتبع سياسة دفع الثمن في مواجهة إجرام العدو، وسياسة دفع الثمن في هذه الحالة تحقق ردعاً للعدو وتجعله يفكر ألف مرة قبل مهاجمة المناطق المدارة بنظام إدارة التوحش، لعلمه بأنه سيدفع ثمن ذلك ولو بعد حين، فيجنح العدو إلى الموادعة التي تمكن مناطق التوحش التقاط الأنفاس والترقي - الموادعة التي تعني التوقف المؤقـت عن القتال بدون أي نوعٍ من الاتفاقيات والالتزامات، فنحن لا نعقد هدنة مع العدو المرتد، وإن كان يمكن أن يتم ذلك مع الكافر الأصلي -.
وهنا نقطة هامة أن أفضل من يقوم بعمليات دفع الثمن هم المجموعات الأخرى في المناطق الأخرى، والتي لم يقع عليها العدوان، وفي ذلك فوائد عدة سنتوسع فيها في الفصل الخاص بالشوكة من أهمها إشعار العدو أنه محاصر ومصالحه مكشوفة، فلو قام العدو بعمل عدائي على منطقة في جزيرة العرب أو في العراق فتم الرد عليه في المغرب أو نيجيريا أو أندونيسيا سيؤدي ذلك إلى إرباك العدو خاصة إذا كانت المنطقة التي تتم فيها عملية دفع الثمن تخضع لسيطرة أنظمة الكفر أو أنظمة الردة فلن يجد مجالاً جيداً للرد عليها، وستعمل تلك العملية كذلك على رفع معنويات من وقع عليهم العدوان وإيصال رسالة عملية للمسلمين في كل مكان بأننا أمة واحدة وأن واجب النصرة لا ينقطع بحدود.
ولا يقتصر دفع الثمن في الصورة السابقة على العدو الصليبي، فعلى سبيل المثال إذا قام النظام المصري المرتد بعمل قام فيه بقتل وأسر مجموعة من المجاهدين، يمكن أن يقوم شباب الجهاد في الجزيرة أو المغرب بتوجيه ضربة للسفارة المصرية مع بيان تبريري لها أو القيام بخطف دبلوماسيين مصريين كرهائن حتى يتم الإفراج عن مجموعة من المجاهدين مثلاً ونحو ذلك، مع اتباع سياسة الشدة بحيث إذا لم يتم تنفيذ المطالب يتم تصفية الرهائن بصورة مروعة تقذف الرعب في قلوب العدو وأعوانه.
الفصل الخامس تحقيق الشوكة .
تتحقق الشوكة بالموالاة الإيمانية فعندما يحصل كل فرد في المجموعة أو في منطقة التوحش - مهما قل شأنه - على الولاء من باقي الأفراد ومن ثم يعطي هو الولاء للباقين بحيث يكون هو فداء لهم وهم فداء له، من ذلك تتكون شوكة من هذه المجموعة في مواجهة الأعداء.
عندما يعلم العدو أنه إذا كسر جزءً من مجموعة سيستسلم الباقون نستطيع أن نقول إن هذه المجموعة لم تحقق الشوكة، وإنما إذا علم العدو أنه إذا قضى على جزء من المجموعة فسيبقى الثأر لدمائهم قائمًا من الباقين وستبقى أهداف المجموعة قائمة حتى يفنوا عن آخرهم تكون تلك المجموعة قد حققت الشوكة التي يخشاها العدو خاصة إذا كان تشكيل المجموعة يستعصي على الإفناء في ضربة واحدة.
الشوكة الكبرى والتي يعمل لها العدو ألف حساب هي محصلة شوكات المجموعات سواء مجموعات النكاية أو مجموعات الإدارة في مناطق التوحش، ففي وجود موالاة إيمانية بين كل هذه المجموعات تتمثل في عقد مكتوب بالدماء أهم بنوده [الدم الدم والهدم الهدم] تتحقق شوكة كبرى يعجز العدو عن مواجهاتها.
وفي هذا ما تحدثت عنه في الفصل السابق عن سياسة دفع الثمن، أن أفضل من يقوم بعملية دفع الثمن هي مجموعة أخرى غير التي وقع عليها العدوان، بحيث نربك العدو ونشغله ونشتت تفكيره وجهوده حتى تستطيع المنطقة أو المجموعة التي وقع عليها العدوان أن تستعيد قواها وترتب أوراقها، وفي ذلك تستحضر الأمة قيمة الموالاة الإيمانية وقدرتها على إقامة شوكة لا تستطيع قوى الشر أن تقف أمامها.
وفي هذا ننبه على أننا نعتبر جهادنا في هذه المرحلة جهاد أمة , لذلك كل فرد أو مجموعة أو جماعة ثبت لها حكم الإسلام ودخلت في الجهاد وتبادلت معنا الولاء على أساس [الدم الدم والهدم الهدم] فهي جزء من الحركة المجاهدة حتى لو خالفت المنهج الصواب في أمور علمية أو عملية ما دامت هذه المخالفة عن تأول لا عن تعمد - معرفة ذلك تترجح من قرائن الأحوال - مع عدم إقرارهم على أي مخالفة يقومون بالمجاهرة بها، ومر بنا عبر التأريخ أمثلة عديدة، فمثلاً كان شيخ الإسلام ابن تيمية يحمل في كتبه على الأشاعرة ويبين فساد منهجهم وهذا في مقام الحديث عن أقوالهم وأفعالهم البدعية، ثم في مقام آخر - مقام الولاء والإيواء والنصرة - عندما يكون هؤلاء الأقوام في وضع غير متلبسين فيه ببدعهم بل ينصرون الإسلام وأهله، ولا يخفى عليكم أن حكام مصر والشام كانوا يميلون لعلماء الأشاعرة إلا أنهم عندما وقفوا لنصرة الإسلام والجهاد في سبيل الله أمام التتار قال عنهم شيخ الإسلام أنهم الطائفة المنصورة بالشام ومصر وعلى اعتبار أن الجند لا يحملون بالضرورة معتقد القادة الذين يميلون للأشاعرة، وكذلك مدح صلاح الدين الأيوبي على نصره الإسلام أمام الصليبيين ونصرة السنة أمام الباطنية على الرغم أن مذهب الأشاعرة كان مذهب دولته، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام:
(.. وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة، فلو ترك رواية الحديث عنهم لا ندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم، فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب: كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيراً من العكس، لهذا كان الكلام في هذه المسألة فيه تفصيل.. ) أ.هـ.
لذلك علينا مراعاة من يرغب في الجهاد ويعطينا الولاء من هذه الطوائف أو من العامة فنقبل منهم ونواليهم وننصرهم مع عدم إقرارهم على أي خطأ ومحاولة التصحيح بقدر الظروف والحاجة والإمكان مع عدم التسبب في فتن ومفاسد قد تقضي على الجهاد خاصة كونه في العادة مصلحته ستكون أكبر، وعندما يسبب الإنكار فتناً أو مفاسد أكبر يترك الإنكار لكن لا يُؤذن بعمل الخطأ لا تصريحاً ولا تلميحاً وإقراراً كما تفعل بعض الحركات الإسلامية، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام: (.. ففرق بين ترك العالم أو الأمير لنهي بعض الناس عن الشيء إذا كان في النهي مفسدة راجحة، وبين إذنه في فعله، وهذا يختلف باختلاف الأحوال.. ) أ.هـ.
مما لا شك فيه - بإذن الله - حدوث الموالاة والنصرة بين المجموعات، خاصة التي تتبع القيادة العليا، لكن للأسف بسبب التفرق الواقع في الأمة والجهل المتفشي والخلافات الموجودة على الساحة نتوقع عندما تتوسع رقعة العمليات والقتال مع العدو - ويتخبط العدو في إشعال مواجهة مع فئات من الأمة أو من الحركات الإسلامية لم تكن على خريطة المواجهة من قبل - أقول نتوقع بروز مجموعات من الشعوب أو من الحركات لا تتبادل الموالاة مع الحركة الجهادية وإنما تواجه العدو من أجل تحقيق مكاسب خاصة أو من أجل أن يكف عنها ونحو ذلك، خاصة أنها قد تحجم عن إعلان الولاء للقيادة العليا لتضمن أن لا يركز عليها العدو ضغوطه وعملياته.
ودورنا إذا واجهتنا تلك المرحلة - وإن كنا في الأصل نسعى أن تتوحد الأمة تحت راية واحدة - أن نبث التوعية بين فئات الأمة بأهمية توحيد الأهداف والأساليب وتبادل الولاء لأنه السبيل لأن يهابنا العدو بحيث لا يتمكن من الاستفراد بكل منا على حدة، ومن ثم نتمكن من تحقيق ما نريد من أهداف، ومن ثم عندما تتوحد أهدافنا ستتوحد المجموعات وتكون شوكتنا هي الأكثر ثباتاً والأكثر تأثيراً في تغيير الواقع لما فيه الخير - بإذن الله - خاصة أن ذلك سيكون في مواجهة فئات من العدو تتباين أهدافها.
ينبغي أن يصل للناس - كل الناس - بصورة مبسطة خالية من التعقيد والتطويل الهدف الذي خلقنا من أجله والذي يجب أن نسعى جميعاً إليه والذي فيه خير الدنيا والآخرة، وأنه لا قيمة لأي بذل أو تضحيات سنقدمها في مواجهة العدو الصليبي أو الصهيوني أو المرتد إذا كان الهدف الذي سيتحقق من وراء ذلك هدف هزيل أو مصلحة مؤقتة محدودة أو على الجانب الأسوأ أن نسلم أنفسنا ومقداراتنا لطاغوت جديد في صورة فرد أو جماعة أو دستور جديد غير المنهج الرباني الذي به تتحرر البشرية كل البشرية من عبادة العباد إلى عبادة خالق العباد الذي يستحق وحده أن نخضع له ونعبده والذي يستحق وحده هذه التضحيات، هذا الهدف وحده هو الذي يمكن أن يوحد الأمة وينشئ الموالاة على أسس سليمة، يتبقى فقط أن نبتكر الوسائل الإعلامية والدعوية الفعالة لكي يصل هذا المعنى بدون تعقيد إلى الأمة - كل الأمة - في ظل تلك المعركة الرهيبة التي بدأت إرهاصاتها.
بقيت نقطة هامة في قضية تحقيق الشوكة خاصة بكيفية تقدير قوة الشوكة ومن ثم نبني تحركاتـنا وخططنا على معطيات صحيحة، في هذه النقطة ما نريد أن نؤكد عليه أنه ينبغي علينا ألا نبني تحركاتنا على تحركات الآخرين ممن لا نملك ولاءهم وتوجيههم، إلا في الأمور التكميلية أو الأمور الضيقة، حيث أن الأصل أن وضع خطط التحرك مبني على الشوكة الحقيقية التي لدينا متمثلة في المجموعة التي نديرها وباقي المجموعات والمناطق التي أعطتنا أو تتبادل معنا الولاء والنصرة.
في التسعينات من القرن السابق قامت إحدى المجموعات الجهادية في مصر بوضع خطة ممتازة للتحرك ولكنها بنت خطتها على أساس أن يتحرك فصيلا: الجماعةِ الإسلامية وجماعةِ الجهاد تحركات معينة تخدم خطة هذه المجموعة الصغيرة، وقد توهم قائد المجموعة أن الأحداث ستدفع الجماعتين للتحرك كما يريد، إلا أن تقديره كان غير دقيق للأسف، وترتب على ذلك الأمر مع عوامل أخرى خسائر جسيمة لتلك المجموعة، والمستفاد من ذلك هو ما قلناه: أن لا نبني تحركاتنا تبعاً لتحركات من لا نملك توجيههم أو ولاءهم على الأقل، أقصد بالولاء هنا الولاء الخاص المتمثل في الإيواء والنصرة، ولا أقصد الولاء العام الذي يكون من المسلم تجاه أي مسلم على وجه الأرض، وحينما ترتقي الأمة إلى الوضع الأمثل يتحقق الولاء العام بحيث يكون هو عين الولاء الخاص.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق