الانقلاب العسكري:
بقي حل قد ينجح كوناً بصورة جزئية وذلك لأن عناصره ناقصة فينتج عنه نتائج ناقصة لا تلبث أن تنتكس، وهو حل يمكن القيام به كجزء مكمل لحركتنا لكن
لا
تُبنى عليه أساس الدولة الإسلامية كما حدث من العبد الصالح فيروزٍ الديلمي
رضي الله عنه مع الأسود العنسي، وهذا الحل هو الانقلاب العسكري، نعم هو حل
يأخذ بجانب من السنن وقد يقيم دولة للقائمين عليه كأفراد لكن يصعب استمرار
هذه الدولة على صورة إسلامية متكاملة إلا إذا كان هذا الحل جزءً من خطط
وأعمال الحل السنني المتكامل الذي طرحه البحث، فقد كانت حركة أبي فيروز
الديلمي رضي الله عنه جزءً من حركة الجماعة المسلمة ولم تكن عماد التحرك
لها.بقي حل قد ينجح كوناً بصورة جزئية وذلك لأن عناصره ناقصة فينتج عنه نتائج ناقصة لا تلبث أن تنتكس، وهو حل يمكن القيام به كجزء مكمل لحركتنا لكن
يقول الشيخ عبد الله عزام رحمه الله: ( إن الذين ينتظرون من حفنة من الضباط أن يقيموا لهم دين الله في الأرض وهم يصدرون الأوامر للناس عن طريق البيان الأول في الإذاعة بعد معركة لا آلام ولا معاناة فيها، تسبقها مراحل من السرية والمداهنة وكتم الحق، هؤلاء يظنون أن إقامة المجتمعات وتغيير النفوس والأشخاص والقلوب وبناء الأرواح وصقلها يتم بهذه السهولة وبهذا الرخص من التضحية!!
إن نصر الله لا يتنزل إلا بعد طول البلاء وشدة المحنة {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} فالذين ينتظرون أن يتنزل النصر عليهم وراء مكاتبهم وهم جالسون على مقاعدهم، هؤلاء لا يدركون سنة الله في المجتمعات ولا قانونه في الدعوات.
قال لي أحد الدعاة: لقد مكثت في مكتب سنتين مع موظف آخر لم يعرف اتجاهي خلالها، فقلت: إذن لم تتكلم خلال السنتين كلمة واحدة عن الحق الذي تحمله بين جوانحك!!
ترى لو فعل الصحابة كما يفعل كثير من الدعاة السريين اليوم، هل تظنون أن الإسلام خرج من حدود مكة ؟!
لو سكت بلال , وراوغ ياسر وسمية , واستسلم ظاهراً عثمان بن مظعون , وقبل أبو بكر بشرط ابن الدغنة الذي أجار أبا بكر - ألا يرفع صوته في القرآن لأن صوته مؤثر بأبناء الحي من قريش - أقول: لو سكت هؤلاء أمام طغيان الجاهلية وجبروتها، فإن الإسلام لا يمكن أن يخرج من بطحاء مكة ولا يتجاوز الحروراء.
إن إصبع بلال التي تشير إلى السماء وهو تحت العذاب الشديد مردداً: أحد.. أحد.. لهو زلزلة للكفر من أعماقه، وهز لشجرة الجاهلية من جذورها.
إن صوت العقل يقول لبلال: اخدع أمية بن خلف وقل له: أنا على دين اللات والعزى، وفي الليل تعال إلى محمد صلى الله عليه وسلم قائدك الحقيقي وواليك ورائدك وقل له: لقد ضحكت على أمية وخدعته فحسبني معه وتركني وشأني , ولكن الدعوات لا تنتصر بهذه الكياسة والسياسة، إنها تنكس وتتحطم إذا لم تجد من يغذيها بالدماء ويبنيها بالجماجم والأشلاء.
إن الصبر الطويل على ظلم الجاهلية، وكبت الأنفاس الحارة من أن تخرج من الأعماق، والزفرات من أن تفرج عن الصدور، أقول إن الصبر الطويل قد يظنه البعض مفيداً للدعوات، ولا يعلمون أنه قاتل للنفوس، خاصة إذا صاحبه هلع شديد، وحذر بالغ يصل إلى حد الهوس، وجبن خالع يؤدي إلى الموت البطيء التدريجي.
إن الغيرة قد تكبت أولاً، ثم تذوي، ثم تضمحل، ثم تموت، فإذا ماتت تحول الإنسان إلى جثة هامدة لا تنكر منكراً ولا تعرف معروفاً، أو كما جاء في الحديث إنه لم يتمعر - أي يحمر - وجهه يوماً غضباً لله.
يرى الجبناء أن الجبن حزم وتلك خديعة الطبع اللئيم
إن الصبر الطويل على الكفر وأنت غارق في سريتك القاتلة يؤدي إلى الاستئناس يومياً بالجاهلية الطاغية، وأخيراً يؤدي إلى الألفة التي تمسخ الفطرة وتعكس النظرة.
السرية في دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لها وقت قصير سرعان ما تجاوزته إلى الإعلان , والسرية والحذر لا بد منهما مع النفر {خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ} ، ليس السرية والحذر اللذان يؤديان إلى الشلل والجزع والموت.
كذلك إن المعركة والجهاد في سبيل الله هي التي تفرز القيادات وتبرز الرجال من خلال التضحيات، إن قدر أبي بكر بين المسلمين بحيث كان انتخابه بشبه إجماع لم يأت مصادفة ولا اعتباطاً، إنما أبرزت أبا بكر الأحداث، وميزته التضحيات، ورفعته المواقف والمحن والملمات، ولذا قال عمر يوم تبوك بعد أن جاء بنصف ماله ورأى أن أبا بكر جاء بماله كله، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأل ماذا تركت لأهلك قال: ( تركت لهم الله ورسوله ).
وعندها قال عمر: ( ما تسابقت أنا وأبو بكر في مسألة إلا سبقني أبو بكر ).
ولم يكن أبو بكر بحاجة إلى دعاية انتخابية، ولا للاشتراك في قائمة مرشحين، لأن قدره قد برز أثناء المسيرة، وعلى طول الطريق، فلم يعد بحاجة إلى شراء الضمائر بالأموال، ولا إلى تضليل النفوس ببريق الإعلام وتلميع الأعمال.
وقانون التدافع: هو التفسير الإسلامي للتأريخ والأحداث، وسواءً تحركت الجاهلية أم لم تتحرك فلا بد للإسلام أن ينطلق بحركته الذاتية التي لا بد منها لقانون التدافع وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ .
إن المجتمعات الراكدة كالماء الراكد لا يطفو عليه إلا العفن والطحالب والأشنات، فقيادة المجتمعات الراقية التي لا تتحرك للقتال تطفو متعفنة فاسدة، وأما المجتمع المجاهد فإنه كالماء المتحرك والنهر الجاري يأبى أن يحمل العفن أو يطفو على وجهه الخبث.. ولابد أن تأتي القيادة من خلال المعركة الطويلة، والجراح العميقة، وإلا فالبلاد تضيع، ولن يزيد الأمر إلا سوءً، ولا تزيد مصائب الشعب إلا عمقاً.. لابد للقيادات الحقيقية أن تدفع الأثمـان، وتتجرع الغصص، وتتحمل الجراحات، وتبذل التضحيات، وتفقد الأب والأخ وما إلى ذلك، حتى تشعر بقيمة المسألة التي تحملها، والعقيدة التي تتبناها، والأفكار التي ضحت من أجلها، وبدون هذا لن تقوم للإسلام قائمة.. ) انتهت مقتطفات كلامه رحمه الله مع بعض التعديلات والإضافات.
ما ينبغي أن نؤكد عليه أن الكلام المنقول هنا لا يعني رفض السرية فنحن نقول أن السرية مأمور بها في الحرب وشئون المعركة كما ذكرنا في النقل السابق ( والسرية والحذر لا بد منهما مع النفر {خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا}ْ ، ليس السرية والحذر اللذان يؤديان إلى الشلل والجزع والموت ).
وبإذن الله سأتناول قضية الانقلاب العسكري والسرية في مقال منفصل عن السنن الكونية في المقالات الملحقة بالدراسة.
عودة إلى أصحاب نظرية المؤسسات:
هذا الكلام للشيخ عبد الله عزام - رحمه الله - الذي ينبغي أن يُكتب بماء الذهب يشير كذلك إلى هؤلاء الذين يدعون أنهم يعملون بأحكام المرحلة المكية وما لهم منها نصيب، حيث قلبوا أحكام المرحلة المكية إلى ركون ومداهنة ودعوة للتعايش مع الكافرين في حين أن المرحلة المكية كانت مرحلة صدع بالحق في وجوه الكافرين ومفاصلتهم وإنذارهم بالذبح وتسفيه أحلامهم وآلهتهم، والأهم من ذلك كانت مرحلة إعداد مادي صريح بجمع الأنصار المسلحين وتهيئة الأمر لذلك حتى لو تطلب الأمر ترك الديار والأهل والأموال والمصالح المزعومة، فهم قد علموا أن القتال والجهاد يأتي بالأموال والأراضي والمساجد ومعها تلك المصالح , أما التمسك بتلك المصالح على حساب الجهاد والركون إليها فهو أكبر عائق عن الجهاد وهو الطريق لضياع تلك المصالح بعد ذلك بدون أي نكاية في أعداء الله، والقوم يسمون هذه المصالح مكتسبات الدعوة أو العمل الممكن ويزهدون في مطلق الأمر بالاستعداد لترك الأموال والديار فهي عندهم تدخل أيضاً في المصالح المرعية! ويعطلون الصدع بالحق كاملاً , ويعطلون العمل على جمع الأنصار المسلحين , مدعين أن قول الحق كاملاً , وجمع الأنصار المسلحين سيقضي على مكتسبات الدعوة , فماذا أبقوا للمرحلة المكية بعد ذلك ؟ وكيف ينسبون ذلك لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة..!
وهؤلاء كلما تحصل لهم جزء من المصالح المكتسبة يأتي الطاغوت بجنده كل عشرة أو خمسة عشر سنة فيحصد بدون عناء تلك المكتسبات متبعًا سياسته المعروفة [سياسة خلع الأنياب] تاركاً هذه الجماعات تدور في حلقة مفرغة سوداء مظلمة لتبدأ من نقطة البداية من جديد وأحياناً من خلف نقطة البداية وأحياناً لا تستطيع المعاودة ولننظر إلى تونس كمثال.
والطاغوت يقوم بتلك السياسة [سياسة خلع الأنياب] سواءً خرج عليه من يُطلق عليهم لقب المتهورين أو بدون سبب البتة أو بافتعال سبب والأمثلة كثيرة كثيرة في العديد من البلدان ومجموعات الشباب تُساق للذبح دون حتى نكاية كبيرة في الطاغوت تجعله يفكر مرات قبل تكرار ذلك وكيف تحدث تلك النكاية والشباب غير مستعد لها بمعيار السنة الكونية التي هي شرعية أيضاً.
سياسة خلع الأنياب هي سياسة درج عليها الطواغيت، وهي جزء من سياسات المواجهة المباشرة التي يتبعها الطواغيت في مواجهة الحركة الإسلامية بكل فصائلها حيث يقوم الطاغوت كل عشرة أو خمسة عشر عاماً بحملة على الحركة الإسلامية في بلده بسبب أو بدون سبب أو بافتعال سبب يقتل فيها من يقتل ويسجن فيها من يسجن ويغلق أو يمنع الدعاة عن كثير من المساجد والمنابر الدعوية والخيرية، يقصد بها تقليم الأظافر وخلع الأنياب التي نبتت للحركة الإسلامية حتى لا تستخدمها ضده ولما كانت الحركة خلال هذه السنوات مستأنسة أصلاً - في أغلب فصائلها - فهي تقبل ذلك مستسلمة تحت شعار الابتلاء.
وهؤلاء يفهمون الابتلاء بمعنى غير الذي يفهمه أهل الإسلام الصحيح ومعناه عندهم ( أن تسلك الطريق التي أمرك بها الشارع فتصل إلى ضدّ أهدافك ابتلاءً لك.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.. ).
لذلك فالذي يُتابع ما يصدر عن القوم يجد مسخاً للفطرة وفهماً مقلوباً للسنن، فتجدهم ينكرون ما يصدر من نفسية الإنسان السوي بما تمليه عليه فطرته ويقره عليه عقله، لقد قرأت لأحد رموزهم عن ظاهرة تُحيره أن يتكلم عنها بتحسر ألا وهي أنه يرى كثيراً من الشباب الذي يحمل همة عالية وطاقة للعمل في سبيل الله ينصرف إلى الأعمال ذات النفس القصير - على حد وصفه - فهو يريد من الشباب - كما يقول - أن يوجه جهاده وقتاله وجهده إلى النضال التنموي!! والتأني والنفس الطويل لبناء مؤسسات قادرة على مواجهة الكفر - كما يزعم -، لذلك فما أخطأنا عندما قلنا عن هؤلاء الرموز أنهم يعالجون الأمة من الاتجاه الخطأ، فهو يريد من الفرد منا أن يُخالف فطرته التي فُطر عليها ويُلغي عقله، الذي يقول أن هذه المؤسسات يستحيل أن تنمو في ظل سيطرة الكفر إلا إذا كنا سنبنيها ليرثها الكفر أو كرصيد لدولة الكفر في الأساس، هذا إذا كان سيسمح لك الكفر بذلك أصلا، وصدق من قال:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
ولله در الصحابة الذين هم خير من فهم السنن، هذا فضلاً عن المغالطة بتعريضه بالعمل الجهادي على أنه عمل أصحاب النفس القصير، إنه لا يستطيع أن يتصور أن يتعامل مع هؤلاء الشباب وأن ينزل إلى الساحة بينهم ويرشدهم ويعلمهم ويربيهم ويجاهد معهم، هو لا يتخيل نفسه خارج مسجده المكيف أو مكتبه تحت المراوح، أما أن يعطي درساً داخل مسجد قد تهدم أجزاء من سقفه من جراء القصف أو يهاجر لينشُر العلم بين الشعوب المجاهدة، فذلك من أبعد الأمور عن تفكيره، هو فقط يريد النضال التنموي - على حد تعبيره -..!!
بالطبع الاعتراض موجه إلى هذه المؤسسات عندما توضع كبديل عن الأوامر الشرعية الصريحة التي فرط فيها البعض لمشقتها، بل للأسف لم تُطرح فقط كبديل بل قامت خيانات متعددة من بعض المحسوبين على الحركة الإسلامية لإيقاف الجهاد في سبيل إقامة هذه المؤسسات، ومنهاج أهل التوحيد والجهاد يشمل ويدعو ويحرض على إقامة أي مؤسسة لخدمة الدين طالما لا تشتمل على وسيلة محرمة أو شركية وطالما تم وضع ذلك العمل المؤسسي في ترتيبه طبقاً للواجبات الشرعية، ووقته تبعاً للسنن الكونية.
نخلص من كل فصول ومباحث الدراسة إلى أن حركـات الجهاد السلفية هي المتقدمة عن غيرها في فهمـها لدين الله تعالى - فهم السنن الشرعية والكونية -، وهي الأمل إن شاء الله تعالى، إلا أن سنة الله تعالى لا تحابي أحداً، فحيث حصل الإيمان حصل النصر، وحيث تخلف الإيمان الواجب فليس لأحد أن يلوم إلا نفسه، والإيمان الواجب في الحالة المخصوصة هنا، حالة الذلة التي تعيشها الأمة هو واجب الدفع والمدافعة , ( فإذا قام عباد الله بواجب الدفع والمدافعة، وشرعوا بالجهاد، واستكملت لهم أدواته، فلا بد أن يقع الوعد الإلهي لأن السبب والأثر - في حياة المؤمن - لابد من تلازمها والتلازم مطلق في باب الوعد بخلاف باب الوعيد فالتلازم غير مطلق، والنتيجة: إذا تخلف الوعد دل لزوماً على تخلف الأمر في نفس المكلف.. ).
وسبحان من كانت سنته الشرعية تتفق مع سنته القدرية وتتناغم مع حركة الكون والحياة.
في النهاية أكرر التذكير بأمرٍ هام ذكرته من قبل في المقدمة أن هذه الدراسة هي عبارة عن خطوط عريضة وأن ما بها من تفاصيل إنما ذُكرت لأهميتها أو كمثال لشحذ وتنشيط الأذهان، بل إن تلك الخطوط العريضة ينقصها الكثير فضلاً عما قد يعتريها من خطأ كعمل بشري، لذلك على من هم أهل لاستكمال تلك الدراسة من المتخصصين العناية بذلك وعلى أهل الواقع من أمراء المجموعات والمناطق تنزيل كامل التفاصيل، وتعديل ما في هذه الدراسة بما يناسب واقعهم.
أسأل الله أن يتوب علينا ويغفر لنا خطايانا ويثبت أقدامنا وينصرنا على القوم الكافرين، وأن يُبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعته ويُذل فيه أهل معصيته ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق