بحث

الخميس، 24 أبريل 2014

مؤسسات الفكر والرأي في أمريكا - من أذرع الماسون في إدارة العالم - 7

المبحث الثالث : وظائف مؤسسات مخازن التفكير (Think Tanks)


هنالك عدة مجالات و طرق تشارك أو تؤثر من خلالها هذه المراكز و المؤسات على صانعي السياسة الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية و تساهم عبرها في تشكيل ملامح هذه الساسة. و يمكن هنا إجمال خمسا" منها على الأقل ([1]):

1-                 توليد أفكار وخيارات مبتكرة في السياسة الخارجية:

تسعى مراكز البحث و الرأي إلي توليد أفكار جديدة تبدل الطريقة التي ينظر بها صانعوا السياسة الخارجية إلى العالم و يستجيبون له، و من الممكن أن تؤدي هذه الأفكار الجديدة إلي تغير في المصالح القومية الأمريكية و فهمها و التأثير في ترتيب الأولويات و توفر خرائط للعمل و حشد التحالفات السياسية و البيروقراطية و تشكيل حملات الانتخابات الرئاسية. إن هذه الأفكار و الاستراتيجيات تتسم بالإضافة لكونها تحمل طابع الابتكار و الإبداع و الابتعاد عن النمطية هي ايضا" تلتزم بالمحافظة على النظرة الواقعية للأمور مع استشراف أفاق مستقبلية بعيدة.

تمثل فترات انتقال الحكم مناسبات مثالية لرسم برامج عمل السياسة الخارجية حيث يطلب المرشحون إلى الانتخابات المشورة من عدد كبير من المثقفين من أجل تحديد المواقف السياسية حول عدد من القضايا الداخلية و الخارجية و يتبادل المرشحون إلى الرئاسة الأفكار مع الخبراء السياسيين و يختبرونها خلال مسار الحملات الرئاسية.

وقد كانت أكثر الأمثلة شهرة على هذا ما حدث بعد انتخابات عام1980، عندما تبنت حكومة رونالد ريجان مطبوعة مؤسسة هيرتيج (Heritage Foundation) عنوانها "تفويض للتغيير" كبرنامج عمل للحكم. و هناك حالة ثانية أكثر حداثة تمثلت في صدور تقرير سنة 1992 أعده معهد الاقتصاديات الدولية و مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي (Carnegie Endowment For International Peace ) يقترح إنشاء مجلس امن اقتصادي و قد وضعت إدارة كلينتون التي تسلمت الحكم فيما بعد هذا الاقتراح موضع التنفيذ بإنشائها المجلس الاقتصادي (هذا الجهاز مازال يعمل إلي يومنا هذا).

وتوفر بعض المنعطفات التاريخية الحاسمة فرصا استثنائية لإدخال أفكار جديدة إلى حقل السياسة الخارجية الأمريكية فعلي سبيل المثال نشر مجلس الشؤون الخارجية Foreign Affairs Council  واسع الصيت و التأثير مقالا غير موقع بعنوان "أسباب التصرفات السوفيتية" في مجلته Foreign Affairs   و قد ساعد هذا المقال الذي كتبة الدبلوماسي الأمريكي "جورج كينان" في إقامة الأسس الفكرية لسياسة الاحتواء التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية مع الاتحاد السوفيتي و كذلك مقال هينتجتون عن صدام الحضارات (The Clash Of Civilization) الذي نشره في نفس المجلة في عام 1993 والذي كان بمثابة مساهمة اشتملت علي بذور تطور قابلة للنمو في النقاش الدائر حول السياسة الخارجية فيما بعد الحرب الباردة (Post Cold War Era).

فضلاَ عن الدارسات التي قام بها مركز الدارسات الاستراتيجية و الدولية (Center For Strategic And International Studies) و معهد هيرتيج و بروكنجز Brookings Institution منذ القرن العشرين التي أسهمت جميعها في النقاش الدائر حول الاستراتيجيات المناسبة و المنظمات الملائمة لمواجهة التهديد الإرهابي في الداخل و الخارج بعد أحداث الهول العظيم التي أصابت الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر 2001.

2- تأمين مجموعة جاهزة من الاختصاصيين للعمل في الحكومة:

بجانب تقديم أفكار جديدة لكبار الرسميين الحكوميين فإنها تقدم أيضا مجموعة كبيرة من الخبراء للخدمة في الإدارات الجديدة، و في فرق الموظفين التابعة للكونجرس. و تعتبر هذه الوظيفة التي تؤديها المراكز البحثية بالغة الأهمية في النظام السياسي الأمريكي، حيث أن انتقال السلطة في الولايات المتحدة يؤدي الي استبدال مئات الموظفين من الدرجة المتوسطة، أو من كبار الموظفين في السلطة التنفيذية. وتساعد مراكز الأبحاث وا لرأي الرؤساء و الوزراء علي سد هذا الفراغ. فقد قام عل سبيل المثال الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بعد انتخابه في عام 1976 بتعيين الكثير من خبراء مؤسسة بروكنجز و مجلس العلاقات الخارجية في حكومته، و بعدها بأربع سنوات توجه رونالد ريجان الي مؤسسات أخري لتشكيل هيئة خبرته و مستشاريه. فقد استعان خلال فترتيه الرئاستين بمائة و خمسين شخصاً من مؤسسة هيرتيج و مؤسسة هوفر و معهد انتربرايز الأمريكي. كما اتبع الرئيس الأمريكي الحالي (بوش الابن) في تعين الخبراء و المستشارين في حكومته السابقة و الحالية نفس النمط.

وبالإضافة إلى تزويد الإدارات الجديدة بالخبراء فإنها تؤمن للمغادرين من مناصبهم الحكومية مواقع مؤسساتية يستطيعون فيها ممارسة ما اكتسبوه من خبرة و تبصر خلال خدمتهم في الحكومة، و الاستمرار في لعب دور مؤثر في النقاش حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة. و تشكيل نوعا من مؤسسة ظل غير رسمية للشؤون الخارجية. و تتميز الولايات المتحدة عن سواها من الدول بهذا الباب الدوار و هو من مصادر قوتها([2]).

3-     توفير مكانا للنقاش على مستوي رفيع:

تلعب مؤسسات الفكر و الرأي دوراً في التوصل إلى تفاهم مشترك إن لم يكن هناك إجماع حول خيارات السياسة الخارجية، و لا يمكن لأي مبادرة كبري في السياسة الخارجية من الاستمرار ما لم تتمتع بقاعدة من التأييد الحاسم في أوساط جماعة المهتمين بالسياسة الخارجية. و توفر النشاطات التي تنظمها مؤسسات الفكر و الرأي الكبرى للرسميين الأمريكيين منابر غير حزبية لإعلان المبادرات الجديدة و شرح السياسة الحالية و إطلاق بالونات الاختبار لمعرفة ردود الفعل على الأفكار الجديدة. إما بالنسبة للشخصيات الأجنبية الزائرة فإن فرص المثول أمام جمهور مؤسسات الفكر و الرأي البارزين تؤمن الوصول إلى أكثر القطاعات تأثيراً في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية.

4-    تثقيف مواطني الولايات المتحدة عن العالم:

تساعد مؤسسات الفكر والرأي في إثراء الثقافة المدنية الأمريكية عن طريق تعريف المواطن الأمريكي بطبيعة العالم الذي يعيش فيه و قد زاد تسارع نبرة العولمة من أهمية وظيفة التواصل مع الجمهور أكثر من أي وقت مضى فمع ازدياد اندماج المجتمع أكثر باتت الأحداث و القوي العالمية تطال حياة المواطن الأمريكي العادي و تؤثر فيه و لهذا أصبح للمواطن الأمريكي العادي دور متنام في السياسة سواء كانت الداخلية أو الخارجية.

5- وسيلة مكملة للجهود الرسمية للتوسط و حل النزاعات:
 
تستطيع مراكز البحت والرأي لعب دور نشيط في السياسة الخارجية للولايات المتحدة عن طريق رعايتها للحوارات الحساسة وتأمين وساطة فريق ثالث بين الأطراف المتنازعة و لقد سهل معهد السلام الأمريكي American Peace Institution ) ) كجزء من المهمة المعهودة إليه من قبل الكونجرس مثل مفاوضات المسار الثاني فضلاً عن تدريب الرسميين الأمريكيين علي أعمال الوساطة بصورة نشيطة في الدبلوماسية الوقائية و في تدبر أمور النزاعات و حلها. و تشكل المبادرات الغير رسمية التي تطلقها مراكز البحث و الرأي مشاريع حساسة و لكنها تنطوي علي إمكانيات كبيرة لتحقيق السلام و المصالحة في مناطق النزاعات و الصراعات أو المعرضة لها، و في المجتمعات التي فيها حروب، أو من خلال كونها مكملة لجهود الحكومة الأمريكية أو كبديل عنها حيث يكون الوجود الرسمي الأمريكي مستحيلا.

([1]) لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع يمكن الرجع إلى ريتشارد هاس، مؤسسات الفكر و الرأي و سياسة الولايات المتحدة الخارجية: و جهة نظر أحد صناع السياسة ، أجندة السياسة الخارجية التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية، نوفمبر 2002، علي الرابط


كذلك منذر سليمان، دولة الأمن القومي و صناعة القرار الأمريكي: تفسيرات و مفاهيم، المستقبل العربي، العدد (325)، مارس 2006، ص 35.

([2]) لمزيد من المعلومات عن أسماء بعض الأمريكيين البارزين الذين خدموا في كل من الحكومة و مؤسسات الفكر و الرأي يمكن الرجوع الي : الباب الدوار،  أجندة السياسة الخارجية التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية، نوفمبر 2002، علي الرابط


منذر سليمان، دولة الأمن القومي و صناعة القرار الأمريكي......، سابق، ص 39

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق