بحث

الخميس، 24 أبريل 2014

مؤسسات الفكر والرأي في أمريكا - من أذرع الماسون في إدارة العالم - 3



5- إشراك الرأي العام في العملية السياسية : تساعد مؤسسات الفكر والرأي أثناء أدائها لمهامها الوظيفية على خلق رأي عام فعّال وايجابي تجاه كل ما
يحيط به من قضايا على المستويين الداخلي والخارجي خصوصاً إذا ما وضعنا في عين الاعتبار أن دور الرأي العام عادة ما يكون محدوداً جداً في تأثيراته في عملية السياسة الخارجية.

ولعل السبب الرئيسي لهذا التأثير المحدود يكمن في نقص اهتمام الجمهور أو الرأي العام الأمريكي ومعرفته في مجال الشئون الخارجية .[9]

لكن مع تزايد مستويات الاندماج الدولي على كافة الأصعدة دفع بمراكز الفكر والرأي إلى إثراء الثقافة المدنية الأمريكية عن طريق تعريف مواطني الولايات المتحدة بطبيعة العالم الذي يعيشون فيه.

وعلى صعيد الواقع تُؤمّن مؤسسات الفكر والرأي منتديات ولقاءات تجمع ملايين المواطنين وطلاب المدارس لمناقشة الأحداث والتطورات الدولية الحاصلة .

الأمر الذي جعل مثل هذه المؤسسات تحظى بمشاركة متزايدة لمواطنين عاديين.

وبعد رصد لأهم الأدوار المنوطة بمؤسسات الفكر والرأي ينبغي الإقرار بأن:

الهدف الأول لهذه المؤسسات لم يكن إطلاقاً التأثير بصفة مباشرة على صانع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية بقدر ما كان تأمين هامش من المعلومات والخيارات قصد مساعدة المؤسسات السياسية والإدارية الرسمية .

وإعلام الجماهير بخصوص التوجهات الحكومية المتبعة لشرح مزايا هذه السياسات أو توضيح المخاطر والعواقب الناجمة عن إتباعها.

لكن رغم هذا التحفظ إلا أن مؤسسات الفكر والرأي وبتراكم الأحداث من جهة ، وتزايد الدور العالمي لأمريكا من جهة ثانية، لم تعد قادرة على البقاء خارج إطار العملية السياسية.

بل صارت أحد أبرز محددات السياسة الخارجية الأمريكية .

 
دبابات الفكر والخارجية الأمريكية .

إنّ ظهور مؤسسات الفكر والرأي كلاعب مهم في مجتمع صانعي السياسة الأمريكية يدلنا على مدى تأثير هذه المجموعة المنظمة من المؤسسات في بيئة صنع السياسة الخارجية والقرارات السياسية المحددة .

لدرجة أنها صارت تحظى بالاهتمام الكبير من قبل الدوائر والوكالات الحكومية ومما لاشك فيه أن هذه المؤسسات استطاعت المساهمة بشكل قوي في سياسة أمريكا الخارجية والداخلية وخلال فترات تاريخية متباينة.

وفي هذا الموضع سنتناول كيف ساهمت مؤسسات الفكر والرأي في مناقشات معينة حول السياسة الخارجية عبر (مسألة توسيع حلف شمال الأطلسي)** .

بحيث يعتبر النقاش الذي دار في بداية التسعينات من القرن الماضي حول مسألة توسيع حلف الشمال الأطلسي من أهم اللحظات التي كان لمؤسسات الفكر والرأي فيها تأثير بالغ وحاسم في تطور السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية .

فقد ساهمت هذه المؤسسات في تقديم معالجات جديدة لمسائل إستراتيجية هامة من خلال إعادة صياغة المفاهيم التقليدية، فمراكز التفكير كانت قد ساعدت في تجميع التأييد للقرار الذي اتخذته الإدارة الأمريكية آنذاك بتوسيع الحلف الأطلسي الذي هو اتفاق أمن جماعي وقع عام 1949 .

وجاء لإلغاء أي فكرة لتقسيم القارة الأوربية التي جاءت كنتيجة لنهاية الحرب الباردة ، فتعاقب الأحداث مع نهاية عقد الثمانينات بانهيار الشيوعية في بلدان أوربا الوسطى والشرقية في 1989 ثم تفكك الاتحاد السوفياتي بعد ذلك بعامين قد شكل فراغاً استراتيجياً فيما يخص السياسة الأمريكية تجاه المنطقة الأوربية .

ولعل هذا الذي دفع بكولن باول الذي كان وقتها رئيساً لهيئة أركان الجيش الأمريكي في خطاب ألقاه في 1990 أمام عدد من ضباط الجيش الأمريكي إلى القول :

"نحن نراهن على أن خليفة غورباتشوف لن يهدد الغرب وأن الدبّ لم يعد خطيراً ولو فتحنا الباب غدا إلى منتسبين جدد في حلف شمال الأطلسي فسينضم لنا خلال أسبوع كل من بولندا، هنغاريا، تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا وغيرها من الدول الشرقية" [10].

إن الدور الذي لعبته مؤسسات الفكر والرأي في نقاش توسيع حلف شمال الأطلسي قد تجلى أساساً في آليات عملها فقد أمنت هذه المؤسسات فرق بحث على درجة عالية من التخصص متكونة من متخصصين في الشئون الأمنية الأوربية كما ساعدها في أداء دورها حجم العلاقات التي كانت تربطها مع الدول الوسطى و الشرقية .

إن تتبع آلية عمل و تأثير مؤسسات الفكر في قضية توسيع حلف شمال الأطلسي تبين لنا المراحل التي اجتازتها وهي:

المرحلة الأولى :

من خلال أن هذه المؤسسات قد انطلقت بداية من نشر المقالات التحليلية العديدة عبر الصحف الأمريكية وحتى الأوربية بخصوص هذه المسألة إضافة إلى تزايد الظهور الإعلامي عبر الوسائل التلفزيونية .

وهذا عبر تقديم وجهات النظر والخيارات المطروحة بخصوص النقاش الدائر حول توسيع حلف الأطلسي ثم استخدام جلسات الإعلام والإطلاع التحليلية التي يعقدها الكونغرس بغية تقديم المبررات السياسية والإستراتيجية لعملية توسيع الحلف .

والذي لوحظ من قبل المتابعين لتلك التحركات أن أغلب مؤسسات الفكر والرأي كمؤسسة (هيريتيج) و (كارنيغي للسلام) و (راند كوربرايشن) التي ساهمت في هذا النقاش لم تقم في البداية بتقديم موقف محدد (إما القبول أو الرفض) تجاه مسألة توسيع الحلف .

إنما كان دور ها يقتصر على مساعدة المسئولين من خلال توفير إطار عمل يتضمن الخيارات والإمكانات المتاحة .

أما كمرحلة ثانية :

وهي المرحلة المرتبطة بأواسط التسعينيات إذ بدأ من خلالها دور مؤسسات الفكر في التغيير، و مع تزايد النقاش العام داخل الحكومة الأمريكية حول توسيع الحلف عملت أهم مؤسسات الفكر على تأمين منتدى واسع للنقاش وفي نهاية هذا النقاش الطويل فتح الباب لانضمام أعضاء جدد من جمهوريات شرق أوربا .

فقبل انضمام بولندا والمجر وجمهورية التشيك رسميا إلى الحلف. [11]

وأخيراً فإن هذه المؤسسات قد لعبت دوراً محورياً في النقاش حول توسيع حلف شمال الأطلنطي من خلال المحادثات التي دارت حول الموضوع .

وذلك بإيجادها لأطر للسياسات الأمريكية الجديدة في بداية وأواسط التسعينيات، وهو الأمر الذي دفع العديد من المسئولين الرسميين الأمريكيين في هذه الفترة للتركيز على أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات البحثية في تطوير تفكيرهم، بالنسبة لهذه المسألة .

ومن بين هؤلاء وزير الخارجية وارين كريستوفر ونائب وزير الخارجية ستروب تالبوت والسفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة ريتشارد هولبروك .

ويبقى الدور ويزداد الأثر .

وفي الأخير وبعد عرض لأهم مراحل تشكل وتطور مؤسسات الفكر والرأي وإحاطة بأهم الأدوار المنوطة بها من خلال دراسة أبرز تأثيراتها على واقع السياسة الخارجية الأمريكية عبر فترات تطورها إضافة إلى إبراز حجم التأثير الذي مارسته هذه المؤسسات في قرارات هامة داخل الحكومة الأمريكية، يمكن أن نخرج باستنتاجات عديدة منها:

فبالرغم من أن الهدف الأساسي لهذه المؤسسات كان هو طرح للبدائل و عرض للأطروحات إلا أن الدور تطور ليصبح هناك تأثير مباشر في السياسة الأمريكية .

أن حالة مؤسسات الفكر و الرأي في أمريكا تعتبر فريدة من نوعها ولا تحتمل غيرها من التجارب، ويعود ذلك بالأساس إلى كثرتها وإلى مراحل تكونها، والأهم في كل ذلك طبيعة النظام السياسي القابل لتدخل جماعات الضغط.

أن مؤسسات الفكر والرأي قد أخذت لنفسها مكانة عالية في النظام الأمريكي مما منح لها أهمية في الدوائر الحكومية.

وما يمكن أن يكون كأهم نتيجة أن الوضع الدولي الحالي سيمنح -بدون أي تخمين في ذلك- دوراً هاماً وأساسياً لمؤسسات الفكر.

خصوصاً مع تزايد بؤر التوتر و تسارع الأحداث بصورة كبيرة.

أي أن المصالح الأمريكية تتطلب فعالية أكبر لهذه المؤسسات وتطويراً في أدائها وتوسيعاً لأطروحاتها.

الهوامش:

*
وهذا تعبير يطلق على مؤسسات الرأي و الفكر في أمريكا.

**وهناك مسائل عديدة كان تأثير مؤسسات الرأي لها الدور الكبير في تسييرها وتحديد معالمها منها (نظام وضع دفاع مضاد للصواريخ في البحر) من سنة 1995، و قضية إخراج حكومة كلينتون من معاهدة ABM من نفس السنة كذلك.

[1]عزت إبراهيم ،" العالم الخفي لمراكز البحوث الكبرى في الولايات المتحدة " ، الأهرام اليومي، العدد 42720، الصادرة بـ13 ديسمبر 2003.

[2]شيريل بيرنارد، " الإسلام المدني الديمقراطي"، المستقبل العربي، العدد 304، جوان2004، صـ 75.

[3]إدوارد كورنيش، المستقبلية مقدمة في فن وعلم فهم وبناء عالم الغد، ترجمة: محمود فلاحة، ط1، دمشق: منشورات وزارة الثقافة ،1994، صـ172.

[4]رضا هلال وآخرون ، الإمبراطورية الأمريكية ، ج3 ، ط1، القاهرة : مكتبة الشروق الدولية ، 2002 ،صـ 215.

[5]سمير مرقس، الإمبراطورية الأمريكية: ثلاثية الثروة,الدين, القوة- من الحرب الأهلية إلى مابعد 11سبتمبر، ط1،القاهرة: مكتبة الشروق الدولية ، 2003، صـ51.

[6]أميمه عبد اللطيف ،"قراءة في خرائط مراكز الفكر الأمريكية"، مجلة العصر : http://www.alasr.ws .

[7]عزت إبراهيم ،"العالم الخفي لمراكز البحوث الكبرى في الولايات المتحدة"، مرجع سابق .

[8]جيمس ماكغان ،"مؤسسات الفكر والرأي وتخطي السياسة الخارجية لحدود الأوطان"، عن: http://www.aljazeera.net .

[9]فواز جرجس ،السياسة الأمريكية تجاه العرب كيف تصنع ؟ ومن يصنعها ؟ ، ط2، بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية ، 2000، صـ 128.

[10]بوب ود وورد ،القادة أسرار ما قبل وبعد أزمة الخليج ،ترجمة :عمار جولاق ومحمود العابد، بيروت : دار الجيل،1991،صـ 84.

[11]رضا هلال وآخرون، الإمبراطورية الأمريكية، ج3، مرجع سابق، صـ 33.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق