بحث

الخميس، 24 أبريل 2014

مؤسسات الفكر والرأي في أمريكا - من أذرع الماسون في إدارة العالم - 12

المبحث الثاني : الرفد المتبادل بالخامات والمنتجات
.

تتعامل مؤسسات مراكز التفكير (Think Tanks) و مؤسسات السلطة في الدولة الحديثة مع خامات من نوع معين ألا و هي خامة المعلومات بأنواعها المختلفة و صورتها الفجة الأولية ، كذلك يتداول كلا الطرفان المنتوجات المركبة من خامات المعلومات متمثلة بالدراسات و البحوث و التوصيات و الإستراتيجيات المتبلورة بعد تدقيقها و تمحصيها و تحليلها و ربطها.

إن أغلب عمل مؤسسات مخازن التفكير إنما هو إعداد و نشر الدراسات و البحوث الخاصة بمختلف جوانب نشاطات المجتمع و الدولة ذات الطابع الحساس و الاستراتيجي لذلك يكون نشاطها بتماس مباشر مع مؤسسات السلطة و دوائر صنع القرار المختلفة و بالتالي فمن البديهي أنها تتبادل و هذه المؤسسات المعلومات و الحقائق باعتبارها الخامات و المصدر الأولي الأساس الذي ستجري عليه عمليات التحليل و التفكيك و التركيب و ما تنبني عليه البحوث و الدراسات التي ستعود كمخرجات و منتوجات تقدمها مؤسسات مخازن التفكير إلى الجهات المعنية لتستفيد منها.

إن طبيعة النظام الديمقراطي الليبرالي و انفتاحه و شيوع مبادئ حرية تداول و نشر المعلومات فيه([1]) من جهة و انتقال الأفراد و الكوادر و الخبرات بين مؤسسات مخازن التفكير و مؤسسات الدولة و الإدارات الحكومية (كما شاهدناه في الأمثلة في المبحث السابق) من جهة أخرى كل ذلك ساهم في خلق بيئة تؤمن سيولة و تدفق عالي للمعلومات بين ضفتي مخازن التفكير و مؤسسات الدولة.

إن آلية عمل هذا النظام تجعل من الخامة المعلوماتية مادة حية تشارك أيادي و عقول أصحاب الرأي و الخبرة و أصحاب القرار و فيما بعد دوائر التنفيذ يشاركون جميعا في تغذيتها و تنميتها و بلورتها في صيغتها المثلى المتكاملة .

إن التقدم الذي شهدته أنظمة الاتصالات والمواصلات البعيدة المدى قد وسّع كثيراً مجال وتأثير التعاون بين المؤسسات والبحاثة. وتتم المبادلات الثنائية والمتعددة الأطراف يومياً بفضل التقدّم التكنولوجي الذي يتيح للعاملين في مؤسسات الفكر والرأي الاتصال ببعضهم البعض والعمل بفعالية أكثر عبر الحدود الدولية. وتتيح شبكة الإنترنت لمؤسسات الفكر والرأي حول العالم الاتصال فيما بينها بطريقة لم يكن حتى التفكير بها وارداً قبل بضع سنوات.

و تقام الآن ندوات دولية، ومؤتمرات، ومناقشات بصورة منتظمة على شبكة الإنترنت العالمية. وأصبحت مشاريع الأبحاث لتعاونية التي يعمل فيها بحاثة من 20 بلداً أو أكثر، أمراً عادياً اليوم. لقد عقدت مؤسسات مثل برنامج السياسة العالمي التابع لمؤسسة كارنيغي الخيرية للسلام الدولي ، و شبكة التنمية العالمية التابعة للبنك الدولي، وشبكة السياسة العامة الدولية التابعة للأمم المتحدة ، وبرنامج المجتمعات المدنية ومؤسسات الفكر والرأي التابع لمعهد أبحاث السياسة الخارجية ، شراكة مع مؤسسات للفكر والرأي حول العالم في محاولة لإنشاء شبكات عالمية تقوم بتحليل القضايا الدولية، وتحاول صوغ السياسات الخارجية والتأثير في برامج وأولويات المؤسسات الدولية. علاوة على ذلك، تم تنظيم عدد مماثل من الشبكات الإقليمية في أوروبا (شبكة السياسات الانتقالية، وشبكة جمعية الدراسات السياسية عبر أوروبا، وشبكة الشراكة من أجل السلام)، وفي آسيا (شبكة معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية التابع لرابطة دول جنوب شرق آسيا)، وفي إفريقيا (شبكة المؤسسة الإفريقية لبناء القدرات)، وفي أميركا اللاتينية (شبكة مؤسسة أطلس) لأجل تحقيق الأهداف نفسها .

لقد كان نمو منظمات أبحاث السياسة العامة خلال العقدين الأخيرين أشبه بالانفجار. 

لم يزد عدد هذه المنظمات فحسب بل إن مجال وتأثير عملها قد أتسّع بصورة دراماتيكية. 

مع هذا، تبقى الطاقة الكامنة لمؤسسات الفكر والرأي في دعم واستدامة الحكومات الديمقراطية والمجتمعات المدنية حول العالم بعيدة عن النضوب.  

والتحدي الذي تطرحه الألفية الثالثة يكمن في القدرة على تسخير المخزون الكبير من المعارف، والمعلومات، والطاقات الترابطية المتوفرة لدى منظمات أبحاث السياسة العامة في كل مناطق العالم. ومن الضروري أن تقوم وزارة الخارجية الأميركية والوكالات الدولية الأخرى التابعة للحكومة الأميركية، باتخاذ خطوات سريعة للعمل مع، ومن خلال، مؤسسات الفكر والرأي، لأجل المساعدة في تطوير ودعم شبكة عالمية من مؤسسات دراسة السياسة تتعدى الحواجز المادية والسياسية، والانضباطية في سعيها إلى إيجاد الحلول لبعض المشاكل الناشئة والمستعصية على السياسة في أيامنا هذه.


([1])تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة : لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية. و يمكن الاطلاع على نص لائحة حقوق الإنسان باللغة العربية على موقع الأمم المتحدة على شبكة الانترنت على الرابط التالي :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق