بحث

الخميس، 24 أبريل 2014

مؤسسات الفكر والرأي في أمريكا - من أذرع الماسون في إدارة العالم - 1

"مؤسسات الفكر والرأي" والتي جاءت إستجابة لحاجة صانعي السياسة غير المحدودة إلى
المعلومات والتحليلات المنتظمة المتصلة بالسياسة، فما هي حقيقة مؤسسات الفكر و الرأي في أمريكا؟

وما الدور الذي تلعبه في صياغة القرار الأمريكي ؟

بحلول القرن الواحد والعشرين وبحسب المعطيات التي قدمها برنامج (أوربان) التابع لمعهد أبحاث السياسة الخارجية فإن عدد مؤسسات الفكر والرأي في الولايات المتحدة الأمريكية يزيد عن 1200 مؤسسة وهي موزعة بشكل غير متجانس سواء من حيث نطاق المواضيع أو التمثيل.

إن المتمعن في المشهد السياسي الأمريكي وطبيعة صناعة القرار فيه، يرى بوضوح أن مؤسسات الفكر والرأي قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من العملية السياسية في هذا البلد، فمن بين المؤثرات العديدة في صياغة سياسة الولايات المتحدة الخارجية يبرز الدور الكبير الذي تلعبه هذه المؤسسات.

إن مؤسسات الفكر والرأي وبتراكم الأحداث من جهة ، وتزايد الدور العالمي لأمريكا من جهة ثانية، لم تعد قادرة على البقاء خارج إطار العملية السياسية ،بل صارت أحد أبرز محددات السياسة الخارجية الأمريكية .

العديد من المسئولين الرسميين الأمريكيين يرون في هذه الفترة إلزامية للتركيز على الدور الذي تلعبه المؤسسات البحثية في تطوير تفكيرهم.

حالة مؤسسات الفكر و الرأي في أمريكا تعتبر فريدة من نوعها ولا تحتمل غيرها من التجارب، ويعود ذلك بالأساس إلى كثرتها وإلى مراحل تكونها، والأهم في كل ذلك طبيعة النظام السياسي القابل لتدخل جماعات الضغط.

فلسفة القوة و المعلومة .

لقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية دوراً محورياً في السياسة الدولية وقد ازداد هذا الدور أهمية ومركزية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم في نسق أطلق عليه"العالم أحادي القطبية ".

فصار فهم الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها الخارجية ضرورة حتمية نظرا لكونها تشكل القطب الأهم والأوحد في النظام الدولي في شكله الحالي والقوة الخارجية المهيمنة في أغلب مناطق العالم.

فبقوتها الاقتصادية وتفوقها العسكري الهائل أصبحت واقعاً يفرض نفسه على أغلبية المجتمعات الإقليمية التي صارت محكومة بالأحداث الأمريكية وما ينتج عنها من تغييرات على مستوى السياسات والتوجهات الاقتصادية والعسكرية للنخب الحاكمة في هذا البلد .

وفي إطار كل هذه الاعتبارات ُتثار العديد من النقاشات والتساؤلات حول طبيعة عملية صنع القرار في النظام السياسي الأمريكي والمؤسسات الفاعلة في هذه العملية وتحديداً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية .

فبينما يذهب البعض إلى التركيز على المؤسسات الرسمية ممثلة في مؤسسة الرئاسة والكونغرس لما تملكه من صلاحيات دستورية في رسم السياسة الخارجية فإن البعض الآخر ينطلق من دراسة محددات صنع القرار الأمريكي وذلك بتناول عدة عناصر منها :

النخبة الحاكمة أي التركيز على دور الأشخاص الفاعلين في الساحة الأمريكية وهو ما يعرف بالنخبة الإستراتيجية (النخبة القيادية(.

وأيضاً هناك عنصر آخر يتمثل في القوى الداخلية المؤثرة في الولايات المتحدة وتتضمن هذه القوى :

الأحزاب السياسية ، جماعات الضغط ، جماعات المصالح ، وسائل الإعلام ، الرأي العام ...

وإجمالاً فإنه لا يمكن فهم عمل السياسة الأمريكية سواء الداخلية أو الخارجية دون استعراض لهذه العناصر الرئيسية ،ومن بين العناصر تقبع مؤسسات ضخمة تعني بالفكر الإستراتيجي وتحويله إلى خطط وخرائط وبرامج وأولويات، وتدعى هذه المؤسسات بـ: " مؤسسات الفكر والرأي " .

والتي جاءت إستجابة لحاجة صانعي السياسة غير المحدودة إلى المعلومات والتحليلات المنتظمة المتصلة بالسياسة ، ويعود التشكل الأول لهذه المؤسسات إلى سنوات الحرب العالمية الأولى، إلا أن دورها تزايد وبشكل واضح عقب نهاية الحرب الباردة نظير ما أصبحت تقدمه في حقل تطوير الأفكار و الإستراتيجيات من جهة، وما تؤمنه من مختصين في العمل الحكومي من جهة أخرى .

كل هذا جعل منها واحدة من بين المؤثرات العديدة في صياغة سياسة الولايات المتحدة الخارجية .

ويطلق على هذه المؤسسات الفكرية عادة تسمية: Think tanks أي "دبابات الفكر ".

وهي كما يبدو فإنها تمزج الفكر بفلسفة القوة أي تعبر عن التحالف بين الفكر والسلاح في الولايات المتحدة الأمريكية وهي تمثل قوى ضاغطة وفاعلة في العملية السياسية الأمريكية من خلال نشاطها الفعال والكثيف .

وعليه ومحاولة منا لفهم وتحليل دور مؤسسات الفكر والرأي في عملية صنع القرار الأمريكي تم طرح الإشكالية التالية :

ما هي حقيقة مؤسسات الفكر و الرأي في أمريكا ؟

وما الدور الذي تلعبه في صياغة القرار الأمريكي ؟

علب الأفكار* .. التاريخ والدواعي .

إن دراسة السياق التاريخي لنشأة وتطور مؤسسات الفكر والرأي في الولايات المتحدة الأمريكية يقودنا إلى الانطلاق من ملاحظتين أساسيتين :

أولاً: الاستخدام الأول لهذه العبارة "مؤسسات الفكر والرأي" في أمريكا كان خلال الحرب العالمية الثانية، مع أن هذه المؤسسات كظاهرة تنظيمية قد عَرفت قبل ذلك ، وقد أشارت العبارة إلى غرفة أو بيئة آمنة يستطيع من خلالها علماء الدفاع والمخططون العسكريون الاجتماع لمناقشة الأمور العسكرية والإستراتيجية .

إلا أن هذا الاستخدام الضيق لهذه العبارة قد اتسع ليصف منظمات أخرى عملت في ميدان تحليل السياسات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسسات أخرى لها نفس طبيعة العمل متوزعة عبر دول أخرى .

ثانياً : إن الرصد التاريخي لهذه المؤسسات يجب أن لا يقدم صورة نمطية عنها، فعبارة "مؤسسات الفكر والرأي" لم ترتبط بنمط معين من المنظمات، فهي قد تعبر عن مؤسسة من المؤسسات البحثية الكبرى المتخصصة في السياسة الخارجية والدفاعية والتي تضم مئات الموظفين وتمول بميزانية سنوية بملايين الدولارات كمؤسسة "بروكنغز" مثلاً ، أو كمنظمة "راند كوربويشن".

فالتنوع الهائل لمؤسسات الفكر والرأي الأمريكية يجعلنا نتناول تاريخ نشأتها وتطورها عبر أربعة مراحل :

المرحلة الأولى: من الحرب العالمية الأولى إلى بداية الحرب العالمية الثانية وفي هذه المرحلة برز الجيل الأول من مؤسسات الفكر والرأي المختصة فــي السياسة الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية وكان ذلك مع بداية القرن العشرين .

والدافـع وراء ظهور هذه المؤسسات كان نتيجة رغبة رجال الأعمال الكبــار من جـهة، والمثقفين من جهة أخرى وهنا نجد مؤسسة " كارنيغي الخيرية للسلام العالمي" التي تأسست عام 1910 كأول مركز أبحاث مكرس للسياسة الخارجية فقط.

وقد أنشأها قطب صناعة الفولاذ "كارنيغي" في مدينة بيتسبرغ وكانـت تعنى بالبحث في أسباب النزاعات الدولية وتقديم الحلول السلمية لها.

ثم تأسس معهد "كيل للاقتصاد العالمي" في 1914 وبدأ فيما بعد "معهد الأبحاث الحكومية" في 1916 والذي اندماج لاحقاً مع مؤسستـين أخريين لتشكيل"مؤسســة بروكنغز" سنة 1927 والتي تعتبر إحدى أبرز وأقدم مصانع الأفكار الأمريكية التـي تعنى بالسياسة الخارجية وتعنى بالمثل بالشئون الدفاعية والمسائل الداخلية .[1]

المرحلة الثانية : ظهور المؤسسات المتعاقدة مع الحكومة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية برزت موجة جديدة من مؤسسات الفكر والرأي ,والتي ارتبطت أساساً بطبيعة الدور الأمريكي الجديد في الساحة الدولية ، ومع اندلاع الحرب الباردة زادت الحاجة إلى مجموعات النصح والاستشارات المستقلة والمتعلقة بالسياسة الخارجية .

فقد أصبح صانع السياسة الخارجية الأمريكية بحاجة ماسة إلى الدراسات السياسية والإستراتيجية الدقيقة وإلى الخبرات التي وفرتها مراكز الفكر والرأي التي يمكن أن تساهم في رسم سياسة أمنية دقيقة ومتماسكة للحكومة الأمريكية التي خصصت إمكانيات وموارد هائلة للباحثين خصوصاً العاملين في مجال الأمن والدفاع.

ففي عام 1948 تأسست مؤسسة "راند كوربورشين" كمؤسسة مستقلة خاصة غير ربحية ذاتية التمويل من سلاح الطيران الجوي ، وهي تحتل مكانة خاصة بين مراكز الأبحاث الأمريكية والعالمية لما هو معروف عن علاقتها الخاصة بوزارة الدفاع الأمريكية.[2]  
 وإلى جانب هذه المؤسسة ظهرت مجموعة جديدة من مؤسسات الفكر والرأي المتعاقدة مع الحكومة وهي مؤسسات للأبحاث السياسية.

ومن بين هذه المؤسسات نجد معهد "هدسون " الذي تأسس عام 1961 . [3]

والذي سعى للنقاش حول أفكار السياسة العامة وعمل على تقديم المشورة والإرشاد لتغيير السياسات في حالة فشلها في تحقيق أهدافها.

وهو مؤسسة لا تبغي الربح تعتمد بالدرجة الأولى على التبرعات المالية للأفراد والمؤسسات الوقفية والشركات .

المرحلة الثالثة : ظهور المؤسسات الداعية لقضايا عامة ارتبطت الموجة الثالثة من مؤسسات الفكر والرأي والتي ظهرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة على أسلوب التوفيق بين الأبحاث السياسية النظرية والممارسات السياسية العملية.

وهذا من خلال تأييدها لأفكار وتصورات معينة من جهة وتركيزها على البحوث العامة من جهة ثانية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق