بحث

الخميس، 24 أبريل 2014

مؤسسات الفكر والرأي في أمريكا - من أذرع الماسون في إدارة العالم 2

وهي بهذا قد عملت على تغيير طبيعة ودور مؤسسات الفكر والرأي عبر تقديم الخيارات
السياسية الممكنة لصانع القرار الأمريكي حول قضية معينة وفي الوقت المناسب.

وخلافاً للمؤسسات التي كانت قد ظهرت خلال المراحل السابقة والتي لم تكن تسهم في النقاش السياسي فإن مؤسسات الفكر والرأي الداعية لقضايا عامة مثل :

مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية 1962 ومعهد كاتو1977، قد رحبت بالفرص السانحة للتأثير على كل من اتجاه ومضمون السياسة الخارجية.

المرحلة الرابعة : ظهور مؤسسات الفكر الميراثية وخلال هذه المرحلة ظهر نوع جديد من مؤسسات الفكر والرأي لدى الأوساط السياسية والبحثية المختصة في صنع السياسة الخارجية وهو ما يشار إليه بالمؤسسات الميراثية.

ولعل أهم هذه المؤسسات "مركز كارتر" في أطلنطا ومركز نيكسون للسلام والحرية في العاصمة واشنطن وهذه الفئة هي في الأساس مؤسسات فكر ورأي أسسها رؤساء سابقون حاولوا تقديم إسهامات بحثية في السياسات الداخلية والخارجية .

وبحلول القرن الواحد والعشرين وبحسب المعطيات التي قدمها برنامج (أوربان) التابع لمعهد أبحاث السياسة الخارجية فإن عدد مؤسسات الفكر والرأي في الولايات المتحدة الأمريكية يزيد عن 1200 مؤسسة وهي موزعة بشكل غير متجانس سواء من حيث نطاق المواضيع أو التمثيل.

أما عن دوافع نشأة مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية فقد كان مرتبطاً بمجموعة من العوامل التي بتوافرها صيغ الشكل النهائي لهذه المؤسسات.

فبتتبع أهم المراحل التاريخية في تطورها يتضح لنا أهم الدوافع والأسباب التي قادت في البداية إلى ظهور هذه المؤسسات ثم نموها وتطورها بشكل متسارع فيما بعد .

وقد تراوحت هذه الدوافع بين دافع سياسي تمثل أساساً في الحقبة التقدمية للولايات المتحدة الأمريكية وما أفرزته من ارتقاء أمريكا لسدة زعامة العالم عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية ، ودافع تقني ارتبط بتحديات صانعي السياسة الخارجية وحاجتهم الدائمة إلى المعلومات.

وبين دافع موضوعي جسدتة الطبيعة اللامركزية للنظام السياسي الأمريكي، وسنوضح هذه الدوافع بالشكل التالي :

تحديات صانعي السياسة الخارجية : عقب نهاية الحرب العالمية الأولى بما أفرزته من تعقيدات وتشابكات بدا واضحاً أن التحدي الذي سيواجه الحكام والمسئولين هو صياغة سياسة خارجية فعَّالة في ظل بيئة دولية اتسمت بتصاعد وتيرة الأحداث وترابطها خصوصا مع موقع أمريكا كقوة عظمى والتزاماتها العالمية.

ولعل المشكل الذي واجه صانعي السياسة في أمريكا تحديداً لم يكن غياب المعلومات بل على العكس من ذلك هو الكمية الهائلة منها.

وعليه فإنها لا يمكن أن تفيد المسئولين ما لم تأت في الشكل الصحيح وفي الوقت المناسب وبالتالي فإن الأبحاث والتحليلات في السياسة العامة والتي تقوم بها بمؤسسات الفكر والرأي تحقق حاجة المسئولين الرسميين غير المحدودة إلى المعلومات والتحليلات المنتظمة المتصلة بالسياسة.

الطبيعة اللامركزية للنظام السياسي الأمريكي :

يعتبر بعض الباحثين أن ظهور مؤسسات الفكر والرأي وتطورها يعود بالدرجة الأولى إلى عامل النظام السياسي الأمريكي اللامركزي، فآليات صنع القرار في أمريكا محكومة بطبيعة النظام السياسي نفسه وتوزيع السلطة فيه.

فالفصل بين فروع الحكم التشريعية والتنفيذية مضافاً إليه الطبيعة الفريدة للأحزاب السياسية الأمريكية والتي تتمثل إحدى نتائجها المباشرة في تزايد ضغط جماعات المصالح والمنظمات على صناعة القرار . [4]

ارتقاء أمريكا للدور العالمي: إن السياسة الخارجية الأمريكية تشكلت عبر مراحل تطورها استجابة لأمرين :

القوة المتنامية باطراد والمصالح التوسعية للإمبراطورية البازغة . [5]

وبناءاً على هذا فقد كان بروز وارتقاء مؤسسات الفكر والرأي متوازياً وبصفة دائمة مع حجم التوسع الأمريكي.

فمن خلال إعادة النظر في تاريخ ظهور أولى هذه المؤسسات نجد ارتباطها الوثيق بالحقبة التقدمية الأمريكية.

مؤسسات الرأي .. الدور والأهمية :

إن المتمعن في المشهد السياسي الأمريكي وطبيعة صناعة القرار فيه، يرى بوضوح أن مؤسسات الفكر والرأي قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من العملية السياسية في هذا البلد .

فمن بين المؤثرات العديدة في صياغة سياسة الولايات المتحدة الخارجية يبرز الدور الكبير الذي تلعبه هذه المؤسسات ومن هنا يجدر بنا الحال أن نعرض أهم الأدوار التي تقوم بها هذه المؤسسات إن على المستوى العام أو على مستوى خاص (السياسة الخارجية الأمريكية) .

1- إنتاج الأفكار الجديدة والتصورات الفعالة في السياسة الخارجية:

تعتبر مؤسسات الفكر والرأي مركزاً لإنتاج وتوفير البدائل (فكرية كانت أم سياسية) وهي باعتبارها مؤسسات مستقلة أنشأت خصيصاً لإجراء البحوث وإنتاج المعارف المتصلة بالسياسة تلعب دوراً تأثيرياً كبيراً في هذا المجال.

فهي من منظور صانعي القرار السياسي الأمريكي مصنعا لإنتاج الأفكار ، وفي هذا السياق يقول جيمس ماكغان وهو باحث رئيسي في معهد أبحاث السياسة الخارجية "إن صانعي السياسة يعتمدون أكثر فأكثر على المنظمات المستقلة لأبحاث السياسة العامة والتي تعرف بمؤسسات الفكر والرأي من أجل توفير معلومات وتحليلات آنية قابلة للفهم ، موثوقة، سهلة المنال ومفيدة". [6]

2- تأمين مجموعة من الاختصاصيين والخبراء للعمل في الحكومات:

بالإضافة إلى تقديم الأفكار الجديدة والخيارات المبتكرة لكبار المسئولين الحكوميين،تعمل هذه المؤسسات على توفير دعم بشري غير عادي للإدارات الحاكمة فور توليها السلطة . [7]

أي ضمان تأمين مخزون من الخبراء لتزويد الحكومات بالموظفين الأساسيين وذلك للخدمة في الإدارات والمؤسسات الحكومية الجديدة .

وفي نقد لهذه النقطة يرى العديد من الباحثين بأن أداء مؤسسات الفكر والرأي لمثل هذه الوظيفة هو استثناء إذا ما قارناها بشكل الوظائف التي تؤديها نفس المؤسسات ببلدان أخرى .

وذلك أن الولايات المتحدة تشهد مع كل عملية انتقال وتحول للسلطة تغيير لمجموعات كبيرة من الموظفين من الدرجة المتوسطة أو من موظفي السلطة التنفيذية، وهو ما يخلق فراغاً كبيراً تساعد مؤسسات الفكر والرأي على سده بتوظيف بعض عناصرها و باحثيها.

وكما ذكرنا سابقاً في المؤسسات الميراثية فإن مؤسسات الفكر والرأي لها دور آخر يتمثل في تأمين مواقع مؤسساتية للسياسيين والمسئولين المغادرين لمناصبهم الحكومية، فهي توفر لهم الإطار المناسب لمواصلة لعب دور مؤثر في تحديد السياسة الخارجية انطلاقاً مما توفروا عليه من تجارب عملية بحكم تقلدهم لمناصب المسئولية وخدمتهم في الحكومة لفترات معينة.

3- توفير إطار للنقاش بين الخبراء والسياسيين الحكوميين :

بحيث تقوم هذه المؤسسات وبالموازاة مع تقديمها لأفكار جديدة وتزويدها للحكومات بنخب من الخبراء والموظفين بجمع الباحثين المحترفين المختصين في قطاعات معينة بغية تأمين حيز يتم فيه التوصل إلى تفاهم مشترك أو حتى إجماع في بعض الأحيان حول الخيارات السياسية المتوفرة لمعالجة قضايا محددة.

وهذا دائماً من خلال جمع صانعي الرأي العام ومصمميه، الذين جيء بهم من مهن مختلفة، هذه الفئة التي سماها (أرنست ماي) الباحث بجامعة هارفرد " بجمهور السياسة الخارجية". [8]

فإن مؤسسات الفكر والرأي تلعب دوراً بارزاً في تسهيل إنشاء شبكات للقضايا تشرك تشكيلة منوعة من اللاعبين السياسيين الذين يجتمعون على أساس مؤقت حول قضية سياسية أو مشكلة معينة .

4- سد هوة الاختلافات بين المؤسسات والحكومة :

إن مؤسسات الفكر والرأي تسد فراغاً كبيرا بين الباحث و المسئول أي بين العالم الأكاديمي البحثي من جهة وبين عالم الحكم والسلطة من جهة ثانية.

وذلك لأن شكل البحوث والدراسات يأخذ في أغلب الأحيان طابعاً نظرياً منهجياً مجرداً لا يرتبط بصلة بحقيقة الواقع السياسي والدولي .

ولهذا فقد حاولت مؤسسات الفكر والرأي سد الفجوة المتباعدة بين عالمي الفكر والممارسة .

وهنا يجب أن نشير إلى أن مثل هذه المشاريع والمبادرات التي تتبناها مؤسسات الفكر والرأي إنما قد تأتي في الحقيقة كتتمة لجهـود أمريكية رسمية، أو في أحيان أخرى كبديل لها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق