قال تعالى : {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} [1].
قد اعترض المعترض بأن هذه الآية دليل على منع التوسل بالنبي بعد انتقاله وتثبت التوسل به في حياته , ويؤيد ذلك ما أخرجه الترمذى في قوله :
"أنزل الله أمانين لأمتي , وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون , فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة " .[2] أي : لا يتوسل بالنبي بعد وفاته !!!
أقول وبالله التوفيق :
إن هذه الشبهة أوهى من بيت العنكبوت , إذا
عرفنا سبب نزول هذه الآية واستعرضنا آراء أهل العلم .
فقد أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره , عن سعيد بن جبير في قوله سبحانه : {وَإِذۡ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ الآية . قال : نزلت في النضر بن الحارث , وروي البخاري عن أنس قال : قال أبو جهل بن هشام : {وَإِذۡ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَيۡنَا حِجَارَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ
أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} فأنزلت {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ} .. الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون :غفرانك , فأنزل الله {{وَمَا كَانَ ٱللَّهُ} الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن أبزى : كان الرسول بمكة فأنزل الله {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} كان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوا فيها يستغفرون فلما خرجوا أنزل الله {وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ} الآية فأذن في فتح مكة , فهو العذاب الذي وعدهم .
وأخرج ابن جرير من حديث ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح عن الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قالا : قال في الأنفال : {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ} فنسختها الآية التي تليها {{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ} إلى قوله : {فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُون}.َ
قال ابن جرير : وأولي هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال : تأويله {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ} يا محمد وبين أظهرهم مقيم حتى أخرجك من بين أظهرهم , لأني لا أهلك قرية وفيها نبيها . اهـ [3].
قال البيضاوي : "الآية بيان لما كان الموجب لإمهالهم والتوقف في إجابة دعائهم , واللام لتأكيد النفي , والدلالة على أن تعذيبهم عذاب استئصال لهم والنبي بين أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في فضائله , والمراد باستغفارهم إما استغفار من بقي فيهم من المؤمنين أو قولهم اللهم غفرانك " . اهـ [4].
وبعد هذا العرض تبين لك أخي القارئ انفضاح تلك الشبهة , وإن دلت على شيء فقد دلت على ضعف مستوى قائلها العلمي وسوء طويته في حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم , الذي جعله الله أمانا للبرّ والفاجر جسدا وروحا , وأن مدده صلى الله عليه وسلم لا ينقطع عن المسلمين ما داموا متمسكين بشرعه متبعين لهديه متطبعين بسنته .
وقد ذكر البغوي عن مجاهد وعكرمة وغيرهم من أهل العلم ممن فسّر الاستغفار بالإسلام .
ولا حجة للمعترض بالحديث المتقدم الذي أورده الترمذى , حيث إن الحديث ضعيف كما قال الترمذى : حديث غريب , وإسماعيل بن مهاجر يضعف في الحديث ) .] اهـ
هامش :
[1] - من سورة الأنفال الآية ( 32 ) .
[2] - الترمذى ( 5 / 270 ) .
[3] - تفسير ابن جرير الطبري ( ج 9 / 238 ).
[4] - تفسير البيضاوي ( ج 5 / 105 ) .
قد اعترض المعترض بأن هذه الآية دليل على منع التوسل بالنبي بعد انتقاله وتثبت التوسل به في حياته , ويؤيد ذلك ما أخرجه الترمذى في قوله :
"أنزل الله أمانين لأمتي , وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون , فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة " .[2] أي : لا يتوسل بالنبي بعد وفاته !!!
أقول وبالله التوفيق :
إن هذه الشبهة أوهى من بيت العنكبوت , إذا
عرفنا سبب نزول هذه الآية واستعرضنا آراء أهل العلم .
فقد أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره , عن سعيد بن جبير في قوله سبحانه : {وَإِذۡ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ الآية . قال : نزلت في النضر بن الحارث , وروي البخاري عن أنس قال : قال أبو جهل بن هشام : {وَإِذۡ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَيۡنَا حِجَارَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ
أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} فأنزلت {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ} .. الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون :غفرانك , فأنزل الله {{وَمَا كَانَ ٱللَّهُ} الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن أبزى : كان الرسول بمكة فأنزل الله {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} كان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوا فيها يستغفرون فلما خرجوا أنزل الله {وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ} الآية فأذن في فتح مكة , فهو العذاب الذي وعدهم .
وأخرج ابن جرير من حديث ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح عن الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قالا : قال في الأنفال : {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ} فنسختها الآية التي تليها {{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ} إلى قوله : {فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُون}.َ
قال ابن جرير : وأولي هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال : تأويله {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ} يا محمد وبين أظهرهم مقيم حتى أخرجك من بين أظهرهم , لأني لا أهلك قرية وفيها نبيها . اهـ [3].
قال البيضاوي : "الآية بيان لما كان الموجب لإمهالهم والتوقف في إجابة دعائهم , واللام لتأكيد النفي , والدلالة على أن تعذيبهم عذاب استئصال لهم والنبي بين أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في فضائله , والمراد باستغفارهم إما استغفار من بقي فيهم من المؤمنين أو قولهم اللهم غفرانك " . اهـ [4].
وبعد هذا العرض تبين لك أخي القارئ انفضاح تلك الشبهة , وإن دلت على شيء فقد دلت على ضعف مستوى قائلها العلمي وسوء طويته في حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم , الذي جعله الله أمانا للبرّ والفاجر جسدا وروحا , وأن مدده صلى الله عليه وسلم لا ينقطع عن المسلمين ما داموا متمسكين بشرعه متبعين لهديه متطبعين بسنته .
وقد ذكر البغوي عن مجاهد وعكرمة وغيرهم من أهل العلم ممن فسّر الاستغفار بالإسلام .
ولا حجة للمعترض بالحديث المتقدم الذي أورده الترمذى , حيث إن الحديث ضعيف كما قال الترمذى : حديث غريب , وإسماعيل بن مهاجر يضعف في الحديث ) .] اهـ
هامش :
[1] - من سورة الأنفال الآية ( 32 ) .
[2] - الترمذى ( 5 / 270 ) .
[3] - تفسير ابن جرير الطبري ( ج 9 / 238 ).
[4] - تفسير البيضاوي ( ج 5 / 105 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق