بحث

السبت، 27 أغسطس 2016

وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ

قال تعالى : {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ ‏يَسۡتَغۡفِرُونَ} [1‏‎].‎

قد اعترض المعترض بأن هذه الآية دليل على منع التوسل بالنبي بعد انتقاله وتثبت التوسل به في حياته , ‏ويؤيد ذلك ما ‏أخرجه الترمذى ‏ في قوله‎ :‎

‎"‎أنزل الله أمانين لأمتي , وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم ‏يستغفرون , فإذا ‏مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة " .[2] أي : لا يتوسل بالنبي بعد وفاته‎ !!!‎
‎ ‎‏
أقول وبالله التوفيق‎ : ‎

إن هذه الشبهة أوهى من بيت العنكبوت , إذا

عرفنا سبب نزول هذه الآية واستعرضنا آراء أهل ‏العلم‎ ‎‎. ‎

فقد أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره , عن سعيد بن جبير في قوله سبحانه : {وَإِذۡ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن ‏كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ ‏‏الآية . قال : نزلت في النضر بن الحارث , وروي البخاري عن أنس قال : قال ‏أبو جهل بن هشام : {وَإِذۡ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَيۡنَا ‏حِجَارَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ‎ ‎
أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} فأنزلت {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ} ‏‏.. الآية‎ .‎
‎ ‎‏
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون :غفرانك , فأنزل الله ‏‏{{وَمَا كَانَ ٱللَّهُ} ‏الآية‎ . ‎

وأخرج ابن جرير عن ابن أبزى : كان الرسول بمكة فأنزل الله {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ ‏يَسۡتَغۡفِرُونَ} كان أولئك ‏البقية من المسلمين الذين بقوا فيها يستغفرون فلما خرجوا أنزل الله {وَمَا ‏لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ} الآية فأذن في فتح مكة , ‏فهو العذاب الذي وعدهم‎ .‎
‎ ‎‏
وأخرج ابن جرير من حديث ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح عن الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن ‏عكرمة والحسن ‏البصري قالا : قال في الأنفال : {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ} فنسختها ‏الآية التي تليها {{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ} إلى ‏قوله : {فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُون}.َ‏

قال ابن جرير ‏: وأولي هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال : تأويله {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ ‏لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ} ‏يا محمد وبين أظهرهم مقيم حتى أخرجك من بين أظهرهم , لأني لا أهلك ‏قرية وفيها نبيها . اهـ [3‏‎].‎

قال البيضاوي ‏ ‏ : "الآية بيان لما كان الموجب لإمهالهم والتوقف في إجابة دعائهم , واللام لتأكيد النفي , ‏والدلالة على أن ‏تعذيبهم عذاب استئصال لهم والنبي بين أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في ‏فضائله , والمراد باستغفارهم إما استغفار ‏من بقي فيهم من المؤمنين أو قولهم اللهم غفرانك " . اهـ ‏‏[4‏‎].‎

وبعد هذا العرض تبين لك أخي القارئ انفضاح تلك الشبهة , وإن دلت على شيء فقد دلت على ‏ضعف مستوى قائلها ‏العلمي وسوء طويته في حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم , الذي جعله الله ‏أمانا للبرّ والفاجر جسدا وروحا , وأن مدده صلى الله عليه وسلم لا ينقطع ‏عن المسلمين ما داموا ‏متمسكين بشرعه متبعين لهديه متطبعين بسنته .‏

وقد ذكر البغوي عن مجاهد وعكرمة وغيرهم من أهل العلم ممن فسّر الاستغفار بالإسلام‎ . ‎

ولا حجة للمعترض بالحديث ‏المتقدم الذي أورده الترمذى , حيث إن الحديث ضعيف كما قال الترمذى ‏‏: حديث غريب , وإسماعيل بن مهاجر ‏يضعف في الحديث ) .] اهـ

هامش‎ : ‎

‎[‎‏1‏‎] ‎‏- من سورة الأنفال الآية ( 32 ) .‏
‎[‎‏2‏‎] ‎‏- الترمذى ( 5 / 270 ) .‏
‎[‎‏3‏‎] ‎‏- تفسير ابن جرير الطبري ( ج 9 / 238‏‎ ).‎
‎[‎‏4‏‎] ‎‏- تفسير البيضاوي ( ج 5 / 105 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق