2- فتنة مسيح الضلالة الأعور الدجال متعدية للزمان والمكان وغير قاصرة على خرجته الأخيرة في آخر الزمان.
إنها الفتنة التي كانت كل الفتن، وكل الشبهات، وكل العقائد الضالة على مَرِّ التاريخ بمثابة إعداد وإمداد لها.
إنها الفتنة المتعدية للزمان والمكان .
إنها الفتنة الضاربة بجذورها في أعماق تاريخ هذا الكوكب قاطبة .
إنها الفتنة المتسللة في كل مكان ، تلك الفتنة التي تتربص ببني آدم الدوائر .
فتنة مخططاتها في السر والعلن .
ليست فتنة الأعور الدجال عليه لعنة الله في واقعنا المعاصر وعالمنا المشهود: حديث خرافة، ونسج خيال، وتتبع أوهام.
بل للدجال أنصار يستعجلون قدومه، ومنظمات سرية تهيئ العقول لاستقباله، ودول كبرى تمهد لـ(نظامه العالمي الجديد)، ومملكته الكبرى .
قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : [ما صُنِعَت فِتْنَةٌ -منذ كانت الدُّنيا- صَغْيِرة ولا كَبْيرة إلا لِفْتنةِ الدَّجال!!] اهـ (أخرجه أحمد (5/389) من حديث حذيفة رضي الله عنه بإسناد صحيح.)اهـ
فكل الفتن صغيرها وكبيرها منذ كانت الدنيا – كما قرر سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - تقود إلى وجهة واحدة وما صتعت إلا لها ، ألا وهي فتنة الأعور الدجال عليه لعنة الله .
فالعجب كل العجب بعد ذلك التقرير النبوي الكريم من أن نجد من يعتقد بأنه لا وجود للمؤامرة على بني البشر ، وبأن الكلام عن مخططات الدجال وحكومته الخفية هو محض خيال !!!!!
فمما يُفهم من الحديث الشريف المتقدم أنه هناك خطة وليست بالخطة العادية لمؤامرة متشابكة ومعقدة ومتداخلة تحمل بين طياتها فتن الأرض قاطبة لتجملها في الفتنة الكبرى ، فتنة الأعور الدجال عليه لعنة الله .
تلك الفتنة المتعدية للزمان وللمكان .
ففتنة الأعور الدجال عليه لعنة الله يعد لها من آلاف السنين وفق خطط ومنهج مرسوم .
فقد أورد ابن أبي شيبة في مصنفه : كِتَابُ الْفِتَنِ : مَا ذُكِرَ فِي فِتْنَةِ الدَّجَّالِ رقم الحديث: 36786 قال : [حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ :"لَقَدْ صُنِعَ بَعْضُ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحَيٌّ".] اهـ
ومسيح الضلالة الأعور الدجال عليه لعنة الله يمارس حياته بحرية ويتجول كما يشاء .
روى أبو يعلى من طريق علي بن زيد بن جدعان عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: [إن الدجال قد أكل ومشى في الاسواق.]اهـ
وروى أبو يعلى من طريق مجالد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: [ألا إن الدجال قد أكل الطعام ومشى في الاسواق.]اهـ
وقول سيدنا مولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو القول القاطع الفصل الذي وصف فتنة ذلك الملعون بأنها أعظم فتنة في تاريخ البشرية .
فحضرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو من أخبرنا بأنه ما من فتنة أعظم منذ خلق آدم إلى قيام الساعة من فتنة الدجال .
روى الإمام مسلم في صحيحه : [5239 - حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَقَ الْحَضْرَمِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ الْمُخْتَارِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ رَهْطٍ مِنْهُمْ أَبُو الدَّهْمَاءِ وَأَبُو قَتَادَةَ قَالُوا كُنَّا نَمُرُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ نَأْتِي عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ إِنَّكُمْ لَتُجَاوِزُونِي إِلَى رِجَالٍ مَا كَانُوا بِأَحْضَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي وَلَا أَعْلَمَ بِحَدِيثِهِ مِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَقُولُ: مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنْ الدَّجَّالِ .] اهـ
وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ ثَلَاثَةِ رَهْطٍ مِنْ قَوْمِهِ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ قَالُوا كُنَّا نَمُرُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ إِلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُخْتَارٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنْ الدَّجَّالِ.]اهـ
ولأحمد في مسنده بسند صحيح [أَمْرٌ أَعْظَمُ مِنْ الدَّجَّالِ،]اهـ
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم وغيره من الشراح:[الْمُرَاد أَكْبَر فِتْنَة وَأَعْظَم شَوْكَة.]اهـ
ويؤيده ما جاء في رواية الطبراني والحاكم[فِتْنَةٌ أَعْظَمُ مِنَ الدَّجَّالِ.] اهـ
[حدثنا نعيم ثنا ضمرة بن ربيعة حدثني يحيى بن أبي عمرو والشيباني عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامة الباهلي رضى الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته ما يحدثنا عن الدجال يحذرناه وكان من قوله (يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة في الأرض أعظم من فتنة الدجال وإن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا حذر أمته وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيج كل مسلم وإن يخرج بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه وليقرأ بفواتيح سورة الكهف)اهـ [الفتن لنعيم بن حماد صـ 355.]اهـ
وحضرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو من علمنا إذا تشهد أحدنا في صلاته أن يستعذ بالله من الأعور الدجال الملعون .
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه : 924 عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :[إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ].اهـ
وقد ورد عن بعض السلف أنه أمر ابنه بإعادة الصلاة بعدما علم منه أنه لم يستعذ من الدجال بعد التشهد .
قال الإمام مسلم بن الحجّاج :
بلغني أنّ طاووسًا وهو راوي هذا الحديث عن ابن عباس قال لابنه: " أدَعَوتَ بها في صلاتك ؟
قال: لا، قال: أعِدْ صلاتك ".
فكيف يستقيم بأن تكون فتنته أعظم فتنة في تاريخ البشرية وتكون 40 يوم فقط !!!!
فلو كانت كذلك لكانت قاصرة على من حضرها فقط .
ولما وصفها الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا الوصف .
ولما حذر منها كل نبي مرسل من عهد نوح عليه السلام .
ولو اعتقد البعض بأن فتنة الدجال تكون في ادعائه الألوهية فقط وقصرها على ذلك فقد أخطأ ، فلم ينفرد الدجال بذلك ، فقد ادعاها عبر التاريخ الكثير والكثير .
ولكن في معنى تخصيص فتنة الدجال بأنها أعظم فتنة في تاريخ البشرية معنى أعمق وأدق من ذلك ولا يتوقف على مجرد ادعائه الألوهية .
فمولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرنا أن نستعيذ من فتنته خمس مرات على الأقل في اليوم في دبر الصلاة المكتوبة ؟!!
فهل لو كانت فتنة الدجال ستقتصر على خروجه الأخير كان مولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حضنا وحثنا بتكثيف التعوذ منه لهذه الدرجة ؟!!!
وهل تعتقد أخي الكريم بأن أعظم فتنة في تاريخ البشرية كما قال عنها سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ستكون قاصرة فقط على 40 يوم وهي مدة الخروج الأخير للدجال ؟!!!!
قد أعلمنا حضرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن للدجال فتنة وخروجات ، وأن فتنته غير قاصرة على خروجه الأخير .
روى الطبراني عن عبد الله بن مطعم رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الدجال ليس فيه خفاء، إنه يجئ من قبل المشرق، فيدعو إلى حق فيتبع، وينتصب للناس فيقاتلهم ويقاتلونه فيظهر عليهم، فلا يزال كذلك حتى يقدم الكوفة فيظهر دين الله ويعمل به فيتبع على ذلك ويحث عليه، ثم يقول بعد ذلك إنه نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه، ويمكث بعد ذلك حيناً ثم يقول: أنا الله . مُعمىً عينه اليمنى، وتقطع أذنيه، ويكتب بين عينيه كافر، فلا يخفى على كل مسلم فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.] اهـ
هذا وإن كان في سند الحديث مقال إلا أن مجموع ما ورد في هذا الباب من شواهد نقلية وعقلية تؤيده.
فخروج الدجال سيتدرج في فتنته :
مرة يدعي الصلاح.
وأخرى يدعي النبوة.
والأخيرة يدعي الألوهية .
قلت وبالله التوفيق :
وفي مجموع ما سبق ما يفيد بأن وجوده في الجزيرة -كما في حديث "الجساسة" المشهور - كان مقيداً بوقت ما أو لحكمة ما وليس على الإطلاق إلى وقت خروجه الأخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق