أقبلت علينا أيام مباركات , بدأ فيها وصول ضيوف الرحمن إلى الأراضي المقدسة لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام .
وبالطبع هذه فرصة ذهبية لإبليس وأعوانه ليزيد الشقة بين الأمة ونبيها وشفيعها سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم , فللأسف أصبح موسم الحج موسما لانتقاص المقام المحمدي الشريف لدى قطاعات كبيرة من أدعياء العلم أئمة الجهل الرؤوس الجهال , وسفهاء الأحلام أحداث الأسنان .
فستبدأ الوهابية أدعياء السلفية بأبواقها المختلفة , وبوسائل
دعايتها العديدة من فضائيات ومحطات إذاعية ومواقع على شبكة المعلومات وكتيبات ومطويات وشرائط كاسيت واسطوانات .... الخ , سيجند كل هذا خلال أشهر الحج لأمر هام وخطب عظيم ألا وهو :
ترسيخ ما لدى الدهماء والمُستَغفَلين وكسب المزيد وضمه لصفوفهم وتحذير الجميع , فهل ياترى من أي شئ يحذرونهم ؟
والإجابة أنهم يحذرونهم من :
أولاً : عقد النية على زيارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا .
وثانياً : يحذرونهم من استقباله عليه الصلاة والسلام عند الدعاء .
وثالثاً : يحذرونهم من التوسل به – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في الدعاء .
ولكن عليك أيها الزائر المضحوك عليك أو المستغفل بالآتي :
أن تعقد النية على زيارة المسجد لا النبي صلى الله عليه وسلم .
أن تستقبل القبلة لا تستقبل النبي صلى الله عليه وسلم .
إياك ثم إياك أن تتوسل به حتى لا تقع في الشرك بالله .
وإعانة على عودة الأمة لحضن نبيها الكريم وحصنها الحصين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
وفضحا للأكاذيب الوهابية وبيانا لأباطيلهم وتوضيحا لمفاسدهم إليك أخي القارئ نصائح غاليات سطرتها أياد لأصحابها قدم راسخ في العلم وفي معرفة قدر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وذلك لتعلم أخي القارئ أن لا نجاة لك ولا لأحد كائناً من كان إلا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم , وليعلم من قد تأثر بأباطيل الوهابية أدعياء السلفية الحكم الشرعي الصحيح لزيارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم .
رزقني الله وإياكم حج بيته الحرام وزيارة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام .
- نصوص أئمة المسلمين في الإجماع على مشروعية زيارة قبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .
فقد نقل جماعة من الأئمة حملة الشرع الشريف الذين عليهم المدار والمعول في نقل الخلاف الإجماع ، وإنما الخلاف فيما بينهم في أنها واجبة أو مندوبة .
وإليك نصوص العلماء في الإجماع على ذلك :
- قال الإنمام الحافظ القاضي أبو الفضل عياض في الشفا في التعريف بحقوق المصطفى " ( 321 ) : [ وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم سنة من سنن المسلمين مجمع عليها , وفضيلة مرغب فيها .] اهـ
- قال الإمام ابن هبيرة الحنبلي ( 499 – 560 هـ ) في كتابه اتفاق الأئمة – وقد طبع حديثا باسم : الفقه على المذاهب الأربعة , من منشورات دار الحرمين , وهذا الكتاب جزء من كتاب : الإفصاح عن معاني الصحاح , قد اشترط فيه ذكر أقوال الأئمة الأربعة : أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وليس أقوال أصحابهم أو المنتسبين إليهم إلا أشار إلى ذلك –
قال في ( 1 / 339 ) : [ واتفقوا على استحباب زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحبيه المدفونين عنده : أبي بكر وعمر معه – رضي الله عنهما – وندبوا إليه . ]اهـ
- عقد شيخ الإسلام الإمام العلامة تقي الدين السبكي في كتابه شفاء السقام بابا خاصا في : [ نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان أن ذلك مجمع عليه بين المسلمين . ] اهـ
- قال الإمام الحجة تقي الدين الحصني في كتابه دفع شبه من شبه وتمرد ( 141 ) : [ مع أن الكتب المشهورة والمهجورة وعمل الناس في سائر الأعصار على الحث على زيارته من جميع الأقطار . فزيارته من أفضل المساعي وأنجح القرب إلى رب العالمين وهي سنة من سنن المرسلين ومجمع عليها عند الموحدين ولا يطعن فيها إلا من في قلبه مرض المنافقين . ] اهـ
- قال الإمام الحافظ العلامة ابن حجر الهيتمي في كتابه الجوهر المنظم ( صـ 12 ) : [ اعلم وفقني الله وإياك لطاعاته , وفهم خصوصيات نبيه صلى الله عليه وسلم والمسارعة إلى مرضاته أن زيارته صلى الله عليه وسلم مشروعة مطلوبة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وبالقياس ... وأما إجماع المسلمين فقد نقل جماعة من الأئمة حملة الشرع الشريف الذين عليهم المدار والمعول في نقل الخلاف الإجماع , وإنما الخلاف بينهم في أنها واجبة أو مندوبة .] اهـ مختصرا
- قال الإمام محمد عبد الحي اللكنوي في إبراز الغي الواقع في شفاء العيّ: [وأما نفس زيارة القبر النبوي فلم يذهب أحد من الأئمة وعلماء الملة إلى عصر ابن تيمية إلى عدم مشروعيته بل اتفقوا على أنها من أفضل العبادات وأرفع الطاعات واختلفوا في ندبها ووجوبها ،فقال كثير منهم بأنها مندوبة ،وقال بعض المالكية والظاهرية : إنها واجبة وقال أكثر الحنفية إنها قريب من الواجب وقريب الواجب عندهم في حكم الواجب ،وأول من خرق الإجماع فيه وأتى بشيء لم يسبق إليه عالم قبله هو ابن تيمية .]اهـ
قال الشوكاني في نيل الأوطار ( 5 / 181 ) : [وزيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم من السنن الواجبة كذا قال عبد الحق واحتج أيضا من قال بالمشروعية بأنه لم يزل دأب المسلمين القاصدين للحج في جميع الأزمان على تباين الديار واختلاف المذاهب الوصول إلى المدينة المشرفة لقصد زيارته ويعدون ذلك من أفضل الأعمال ولم ينقل أن أحدا أنكر ذلك عليهم فكان إجماعا . ]اهـ
- ماذا يفعل الزائر عند تشرفه بزيارة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
- قال الإمام النووي في كتابه الأذكار (صـ 198- 200) [ فصل ] : " في زيارة قبر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأذكارها ":
[اعلم أنه ينبغي لكل من حجّ أن يتوجه إلى زيارة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سواء كان ذلك طريقه أو لم يكن فإن زيارته صلى الله عليه وسلم من أهمّ القربات وأربح المساعي وأفضل الطلبات.
فإذا توجَّه للزيارة أكثرَ من الصلاة عليه صلى اللّه عليه وسلم في طريقه فإذا وقعَ بصرُه على أشجار المدينة وحَرمِها وما يَعرفُ بها زاد من الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم وسألَ اللّه تعالى أن يننفعَه بزيارته صلى الله عليه وسلم وأن يُسعدَه بها في الدارين وليقلْ : اللَّهُمَّ افْتَحْ عَليَّ أبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَارْزُقْنِي في زِيارَةِ قَبْرِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم ما رزقْتَهُ أوْلِياءَكَ وأهْلَ طَاعَتِكَ واغْفِرْ لي وارْحمنِي يا خَيْرَ مَسْؤُول .
وإذا أراد دخول المسجد استحبّ أن يقولَ ما يقوله عند دخول باقي المساجد وقد قدّمناه في أول الكتاب .فإذا صلّى تحية المسجد أتى القبر الكريم فاستقبله واستدبر القبلة على نحو أربع أذرع من جدار القبر وسلَّم مقتصداً لا يرفع صوته فيقول:"السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللّه السَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيرَةَ اللّه مِنْ خَلْقِهِ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللَّهِ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِ المُرْسَلِينَ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ السَّلامُ عَلَيْكَ وَعلى آلِكَ وأصْحابِكَ وأهْلِ بَيْتِكَ وَعَلى النَّبيِّينَ وَسائِرِ الصَّالِحِينَ أشْهَدُ أنَّكَ بَلَّغْتَ الرِّسالَةَ وأدَّيْتَ الأمانَةَ وَنَصَحْتَ الأُمَّةَ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أفْضَلَ مَا جَزَى رَسُولاً عَنْ أُمَّتِهِ ,وإن كان قد أوصاه أحدٌ بالسَّلام على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : السَّلام عليك يا رسولَ اللّه من فلان بن فلان.
ثم يتأخرَ قدر ذراع إلى جهة يمينه فيُسلِّم على أبي بكر ثم يتأخرُ ذراعاً آخرَ للسلام على عُمر رضي اللّه عنهما ثم يرجعُ إلى موقفه الأوّل قُبالة وجهِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيتوسلُ به في حقّ نفسه ويتشفعُ به إلى ربه سبحانه وتعالى ويدعو لنفسه ولوالديه وأصحابه وأحبابه ومَن أحسنَ إليه وسائر المسلمين وأن يَجتهدَ في إكثار الدعاء ويغتنم هذا الموقف الشريف ويحمد اللّه تعالى ويُسبِّحه ويكبِّره ويُهلِّله ويُصلِّي على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويُكثر من كل ذلك.
ثم يأتي الروضةَ بين القبر والمنبر فيُكثر من الدعاء فيها فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه :عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : " ما بَيْنَ قبري وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجَنَّةِ ".
وإذا أراد الخروج من المدينة والسفرَ استحبّ أن يُودِّع المسجد بركعتين ويدعو بما أحبّ ثم يأتي القبر فيُسلّم كما سلَّم أوّلاً ويُعيد الدعاء ويُودّع النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقول : " اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ العَهْدِ بِحَرَمِ رَسُولِكَ وَيَسِّرْ لي العَوْدَ إِلى الحَرَمَيْنِ سَبِيلاً سَهْلَةً بِمَنِّكَ وَفَضْلِكَ وَارْزقْنِي العَفْوَ والعَافِيةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ وَرُدَّنا سالِمِينَ غانِمِينَ إلى أوْطانِنا آمِنِينَ.
فهذا آخرُ ما وفّقني اللّه بجمعه من أذكار الحجّ . وهي وإن كان فيها بعض الطول بالنسبة إلى هذا الكتاب فهي مختصرة بالنسبة إلى ما نحفظه فيه واللّه الكريم نسأل أن يوفِّقنا لطاعته وأن يجمعَ بيننا وبين إخواننا في دار كرامته .وقد أوضحت في كتاب المناسك ما يتعلَّق بهذه الأذكار من التتمّات والفروع الزائدات واللّه أعلم بالصواب وله الحمد والنعمة والتوفيق والعصمة.
وعن العُتْبيّ قال : كنتُ جالساً عند قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابيٌّ فقال : السلام عليك يا رسول اللّه سمعتُ اللّه تعالى يقول : { وَلَوْ أنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ جآءوك فاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً } [ النساء : 64 ] وقد جئتُك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ثم أنشأ يقول :
يا خيرَ مَنْ دُفنتْ بالقاع أعظُمُه فطابَ من طيبهنَّ القاع والأكمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنُهُ فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرَمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنُهُ فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرَمُ
قال : ثم انصرفَ فحملتني عيناي فرأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي:يا عُتْبيّ الحقِ الأعرابيَّ فبشِّره بأن اللّه تعالى قد غفر له.] اهـ
- قلت وبالله التوفيق :
وما قرره الإمام النووي رحمه الله ههنا هو ما قال به أئمة المسلمين سلفاً وخلفاً شرقاً وغرباً ولككنا اكتفينا بنقله هذا طلباً للاختصار ولأنه يفي بالمقصود.
ولم يشذ عن ذلك ويخرق الإجماع إلا ابن تيمية ومن تابعه من الوهابية الخوارج أدعياء السلفية.
- قال الإمام العلامة المجتهد شيخ الإسلام تقي الدين السبكي في كتابه [شفاء السقام في زيارة خير الأنام] قال في مقدمته frown رمز تعبيري وضمنت هذا الكتاب الرد على من زعم أن أحاديث الزيارة كلها موضوعة وأن السفر إليها بدعة غير مشروعة وهذه المقالة أظهر فسادا من أن يرد العلماء عليها ولكنى جعلت هذا الكتاب هذا الكتاب مستقلا في الزيارة وما يتعلق بها مشتملا من ذلك على جملة يعز جمعها على طالبها.] اهـ من مقدمة الكتاب .
- قال الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني في شرحه لحديث : " لا تشد الرحال " في كتابه : " فتح الباري شرح صحيح البخاري (3 / 66 ) :
[ والحاصل أنهم ألزموا ابن تيمية بتحريم شد الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكرنا صورة ذلك , وفي شرح ذلك من الطرفين طول , وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية .] اهـ
- قال الحافظ ولي الدين العراقي عن ابن تيمية في جوابه عن سؤال الحافظ ابن فهد المسمى [بالأجوبة المرضية عن الأسئلة المكية] :
[لكنه كما قيل فيه : علمه أكثر من عقله , فأداه اجتهاده إلى خرق الإجماع في مسائل كثيرة قيل أنها تبلغ ستين مسألة , فأخذته الألسنة بسبب ذلك وتطرق إليه اللوم وامتحن بهذا السبب , وأسرع علماء عصره في الرد عليه وتخطئته وتبديعه , ومات مسجونا بسب ذلك والمنتصر له يجعله كغيره من الأئمة بأنه لا تضره المخالفة في مسائل الفروع إذا كان ذلك عن اجتهاد .
لكن المخالف له يقول : ليست مسائله كلها في الفروع بل كثير منها في الأصول , وما كان من الفروع فما كان سوغ له المخالفة فيها بعد انعقاد الإجماع عليها .
ولم يقع للأئمة المتبوعين مخالفة في مسائل انعقد الإجماع عليها قبله , بل ما يقع لأحد منه إلا وهو مسبوق به عن بعض السلف كما صرح به غير واحد من الأئمة .
وما أبشع مسألتي ابن تيمية في الطلاق والزيارة , وقد رد عليه فيهما معا الشيخ الإمام تقي الدين السبكي وأفرد ذلك بالتصنيف فأجاد وأحسن .] اهـ
- قال الحافظ العلائي : نقلا عن[ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر(32-33)] لابن طولون :
[ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع : أما الفروع فمنها ما خالف فيها الإجماع، ومنها ما خالف فيها الراجح من المذاهب؛ فمن ذلك: ...... وأن إنشاء السفر لزيارة نبينا صلى الله عليه وسلم معصية لا يُقصر فيها الصلاة، وبالغ في ذلك.ولم يقل به أحدٌ من المسلمين قبله .]اهـ مختصرا
- قال الإمام الحجة تقي الدين الحصني في كتابه : [ دفع شبه من شبه وتمرد صـ 70 ] عن شذوذ ابن تيمية في هذه المسألة :
[ثم إن الشاميين كتبوا فتيا أيضا في ابن تيمية لكونه أول من أحدث هذه المسألة التي لاتصدر إلا ممن في قلبه ضغينة لسيد الأولين والآخرين فكتب عليها لإمام العلامة برهان الدين الفزاري نحو أربعين سطرا بأشياء وآخر القول أنه أفتى بتكفيره ووافقه على ذلك الشيخ شهاب الدين جهبل الشافعي وكتب تحت خطه كذلك المالكي وكذلك كتب غيرهم ووقع الاتفاق على تضليله بذلك وتبديعه وزندقته]اهـ
- وقال الإمام الحافظ العلامة ابن حجر الهيتمي في [الجوهر المنظم (صـ 28 -30 )]: عن شذوذ ابن تيمية في هذه المسألة – شد الرحال –
[قلت:من هو ابن تيمية حتى ينظر إليه أو يعول في شئ من أمور الدين عليه وهل هو إلا -كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة حتى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعز بن جماعة-عبد أضله الله تعالى وأغواه وألبسه رداء الخزي وأرداه وبوأه من قوة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان ؟! قد تصدى شيخ الإسلام وعالم الأنام المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وإمامته التقى السبكي قدس الله تعالى روحه ونور ضريحه للرد عليه في تصنيف مستقل أفاد فيه وأجاد وأصاب وأوضح بباهر حججه طريق الصواب فشكر الله تعالى مسعاه وأدام عليه شآبيب رحمته ورضاه .آمين
ومن عجائب الوجود ما تجاسر عليه بعض السذج من الحنابلة فغبر في وجوه مخدراته الحسان التي لم يطمثهن إنس قبله ولا جان وأتى بما دل على جهله وأظهر به عوراء غباوته وعدم فضله فليت إذ جهل استحيا من ربه وعساه إذا أفرط وفرط رجع إلى لبه لكن إذا غلبت والعياذ بالله تعالى الشقاوة استحكمت الغباوة فعياذا بك اللهم من ذلك وضراعة إليك يارب عزت قدرتك في أن تديم لنا سلوك أوضح المسالك.
هذا ما وقع من ابن تيمية مما ذكر وان كان عثرة لا تقال أبدا ومصيبة يستمر عليه شؤمها دواما سرمدا ليس بعجيب فانه سولت له نفسه وهواه وشيطانه أنه ضرب مع المجتهدين بسهم وافر وما درى المحروم أنه أتى بأقبح المعايب إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة وتدارك على أئمتهم سيما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة وأتى من نحو الخرافات بما تمجه الأسماع وتنفر منه الطباع حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس المنزه سبحانه وتعالى عن كل نقص والمستحق لكل كمال أنفس فنسب إليه العظائم والكبائر وأخرق سياج عظمته وكبرياء جلالته بما أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين والمتأخرين حتى قام عليه علماء عصره وألزمو السلطان بقتله أو حبسه وقهره فحبسه إلى أن مات وخمدت تلك البدع وزالت تلك الظلمات ثم انتصر له أتباع لم يرفع الله لهم رأسا ولم يظهر لهم جاها ولا بأسا بل ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بما عصوا وكانوا يعتدون .]اهـ
-وقال الإمام ملا علي القاري الحنفي في (شرحه على الشفاء):
[وقد فرط ابن تيمية من الحنابلة حيث حرم السفر لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم كما أفرط غيره , حيث قال : كون الزيارة قربة معلومة من الدين بالضرورة , وجاحده محكوم عليه بالكفر , ولعل الثاني أقرب إلى الصواب لأن تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفرا لأنه فوق تحريم المباح المتفق عليه في هذا الباب .] اهـ
- وقال الإمام شهاب الدين الخفاجي الحنفي في (شرح الشفاء) بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ):
[واعلم أن هذا الحديث هو الذي دعا ابن تيمية ومن تبعه كابن القيم إلى مقالته الشنيعة التي كفروه بها , وصنف فيها السبكي مصنفا مستقلا , وهي منعه زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وشد الرحال إليه , وهو كما قيل :
لمهبط الوحي حقا ترحل النجب
وعند ذلك المرجى ينتهي الطلب
وعند ذلك المرجى ينتهي الطلب
فتوهم أنه حمى جانب التوحيد بخرافات لا ينبغي ذكرها , فإنها لا تصدر عن عاقل فضلا عن فاضل سامحه الله تعالى .] اهـ
- وقال صلاح الدين الصفدي تلميذ ابن تيمية والتقي السبكي في أعيان العصر وأعوان النصر(1/66)ما نصه:
[انفرد- أي ابن تيمية- بمسائل غريبة، ورجح فيها أقوالا ضعيفة، عند الجمهور معيبة كاد منها يقع في هوّة، ويسلم منها لما عنده من النية المرجوة، والله يعلم قصده وما يترجح من الأدلة عنده، وما دمّر عليه شئ كمسألة الزيارة، ولا شُنّ عليه مثلها إغارة، دخل منها إلى القلعة معتقلا، وجفاه صاحبه وقلا، وما خرج منها إلا على الآلة الحدباء، ولا درج منها إلا إلى البقعة الجدباء] اهـ. قال ذلك فيه بعد مدحه مدحا كثيرا.
قال الإمام العلامة فضيلة الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق في تقديمه لكتاب (شفاء السقام ) :
[ ولما أن تظاهر قوم في هذا العصر بتقليد ابن تيمية في عقائده الكاسدة وتعضيد أقواله الفاسدة وبثها بين العامة والخاصة واستعانوا على ذلك بطبع كتابه المسمى بالواسطة ونشره وقد اشتمل هذا الكتاب على كثير مما ابتدعه ابن تيمية مخالفا في ذلك الكتاب والسنة وجماعة المسلمين فأيقظوا فتنة كانت نائمة فقياما بما يجب علينا كنا عزمنا على جمع مؤلف في الرد على ذلك الكتاب حتى لا يقع المسلمون بواسطة ابن تيمية ومن هم على شاكلته في مهواة الضلال والهلاك الأبدية , غير أنا وجدنا كتاب الإمام الجليل والمجتهد الكبير تقي الدين أبي الحسن السبكي المسمى ( بشفاء السقام في زيارة خير الأنام ) أو شن الغارة على من أنكر فضل الزيارة وافيا بالغرض المقصود , آتيا على ما قاله ابن تيمية في ذلك الكتاب وغيره مقوضا لبنيانه مزعزعا لأركانه ماحيا لآثاره ما حقا لأباطيله مظهرا لفساده مبينا لعناده فاكتفينا بطبعه ونشره بين المسلمين ليطلعوا عليه ويعلموا سوء المقاصد وباطل العقائد فيسلكوا سبيل الرشاد والسداد ويعرضوا عن طرق الغي والعناد , ويضربوا بما قاله ابن تيمية وأمثاله عرض الحائط , والله من ورائهم محيط .] اهـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق