بحث

السبت، 19 سبتمبر 2015

من استراتيجيات الخوارج للطعن في التصوف والصوفية : الخلط إما عن عمد أو عن جهل بين متعلقات كل علم وما يختص به من موضوعات .

بمعنى لو وجد فقيه مثلاً أن أحد الصوفية يخطئ في صلاته فهذا الخطأ ناتج عن تقصير في معرفته بعلم الفقه ولا علاقة له بعلم التصوف .
ولو وجدنا أن أحد الصوفية قد أخطأ في مسألة من مسائل الاعتقاد فهذا الخطأ ناتج عن تقصير في معرفته بالعقيدة ولا علاقة له بعلم التصوف.
ولا يصح بناءً على ذلك أن نطعن في التصوف لوجود أخطاء فقهية أو عقائدية عند بعض
الصوفية على سبيل المثال ، فعلم التصوف غير معني بدراسة تلك الأمور وتقرير الأحكام الشرعية فيها.
ذلك أن الصوفي في عبادته واعتقاده إنما يأخذ ذلك عن علماء تلك العلوم وما قرروه فيها.
أما ما يصنع الفارق بين الصوفي وغيره هو كيفية التطبيق والفهم العالي لتلك الأحكام ، فالتصوف هو الذي يقود نحو التطبيق الأمثل لها مما يؤدي إلى إثمار تلك التعبدات على الصوفية بوجه مختلف عن غيرهم.
لذا أعتقد والله أعلى وأعلم بأن هذا مما حدا بأمثال حجة الإسلام الإمام الغزالي وغيره إلى القول بأن التصوف فرض عين.
لذا فكل من ينقم على أو ينتقد الصوفية في مسائل مثلاً كالزيارة والتوسل والتبرك والاعتقاد فهو إما جاهل أو كذاب.
فالصوفية إنما أخذوا ذلك عن أئمة الفقه والعقيدة حال كون تلك الموضوعات من مباحث تلك العلوم.
ولا دخل لعلم التصوف في تقرير حكم شرعي في ذلك ، فمباحثه لا تعلق لها بتلك الأمور إلا من ناحية الفهم العالي والتطبيق الأمثل.
فأي نقد موجه للصوفية في مثل تلك الأمور هو على التحقيق طعن في أئمة الأمة من علماء الفقه والعقيدة.
ولا يجب أن يغيب عنا أن التصوف تجربة روحية خاصة بكل إنسان دون الآخر ، حتى أننا نلاحظ أن ثمرة سير أبناء الطريق الواحد الذين تلقوا هذا الطريق على يد ذات الشيخ أو الأستاذ نجدها مختلفة ومتباينة بينهم.
أما معظم من تكلم عن مسألة التفرقة بين الصوفية والأدعياء والدخلاء في عصرنا الحاضر فللأسف الشديد قد فتحوا بذلك باباً من الفتنة عن قصد أو غير قصد وذلك بفتح الأبواب الخلفية لهدم التصوف والصوفية تحت دعاوى التجديد وتنقية الطرق من البدع وكان هذا مرتعاً لأصحاب الأجندات الخاصة كالإخوان الخوارج للاندساس بين الصوفية واتخاذ الطرق الصوفية للأسف الشديد كغطاء لإجرامهم.
مع أنه على التحقيق أن كل تِلكُم المآخذ المزعومة لا تعدوا إلا أخطاء فقهية أو عقائدية ولا دخل لعلم التصوف بها من الأساس.
ولله در من قال :
[جمع جبريل عليه السلام لحضرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمور هذا الدين في ثلاث حين سأله جبريل عليه السلام : عن الإسلام ، والإيمان ، والإحسان ؟ وكيف قيض سبحانه وتعالى ووجه من عباده لدينه من قام بكل أمر من هذه الأمور الثلاثة فالفقهاء لبيان الإسلام . وعلماء التوحيد لبيان الإيمان . والصوفية لبيان مقام الإحسان الذي هو أعلى مراتب الدين.] اهـ
لذا حدا هذا ببعض العلماء إلى القول بعدم صحة وقف أوقاف على الصوفية لأنه لا حد لهم فيعرفون ، فلا يشترط من كون جماعة اجتمعوا وادعوا بأنهم صوفية أن يكونوا كذلك ، فالتصوف علاقة خاصة جداً بين العبد وربه.
فالصوفية يجرون في الفقه على قانون الفقه والفقهاء ، وفي العقيدة على قانون العقيدة وعلمائها ، فإن كان خلل من أحدهم فتصوفه لم يأمره به.
وإذا كان التصوف هو مقام الإحسان الذي هو مقام المراقبة بين العبد وربه فكيف لنا وقتها أن نتهم هذا أو ذاك بأنه دخيل أو دعيّ ؟!!
لو خالف أحدهم ظاهر الشريعة فيكون قد خالف أمراً فقهياً أو اعتقادياً فمال التصوف ولهذا ؟!!!
أما لو ادعى ذلك الكذاب أن التصوف قال بهذا قلنا له من فورنا كذبت فعلم التصوف لا دخل له بهذا ولا يقرر حكماً في تلكم المسائل.
لذا أخي القارئ لن تجد في كتب التصوف أنهم مثلاً قد عقدوا بها أبواباً للفقه أو للاعتقاد وقالوا أن هذا خاص بالصوفية ، بل لو وجدت أموراً فقهية أو اعتقادية بتلك الكتب فهي على قانون تلك العلوم تسير لأنها هي المختصة بها.
وحملات أئمة التصوف في كتبهم تلك على الأدعياء والدخلاء يردون فيها على كل خطأ بالعلم الذي يتعلق به.
وخير ما يُقرأ في هذا الباب هو كلام من كان انتماؤه على التحقيق لتلك المدرسة وكلامه في هذا الباب للبناء لا للهدم ومن هذا الباب ما يلي :
- الرسالة القشيرية في علم التصوف للإمام عبد الكريم بن هوازن القشيري ويا حبذا لو كانت المطبوعة بتحقيق الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الأسبق الدكتور عبد الحليم محمود ، والدكتور محمود بن الشريف ، وبتذييل شيخ الإسلام الإمام العلامة زكريا الأنصاري.
- تأييد الحقيقة العلية وتشييد الطريقة الشاذلية للإمام الحافظ النظار المفسر الأصولي الفقيه جلال الدين السيوطي.
- تنبيه المغتريين أواخر القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر للإمام العلامة الأصولي الفقيه المحدث عبد الوهاب الشعراني.
وآخر ما وقف عليه الفقير من ذلك : كتاب "حتى لا تضيع الهوية الصوفية بين الإخوان المسلمين والشيعة وبني أمية الجدد" لفضيلة مولانا السيد الشريف الأستاذ الدكتور محمود السيد صبيح حفظه الله ، وهذا الكتاب يزيد على ما سبق بجوانب أخرى كثيرة متنوعة فرضها واقعنا المعاصر.
ولتحميله يرجى الضغط على الرابط التالي :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق