بحث

السبت، 19 سبتمبر 2015

عقيدة السادة الصوفية : الحلقة الأولى.

لأن أهل الباطل والضلال في أيامنا هذه من فرقة الوهابية أدعياء السلفية يعتقدون بأن بقية الناس مثلهم يبنون عقائدهم على أصول باطلة , وهروباً من أن يسألهم أحد عن عقائد ركوب الحوت واستقرار الله - تعالى الله وجل عن ذلك الباطل - على ظهر بعوضة ، والأضراس واللهوات .... الخ ما
يعتقدونه من أباطيل .
تراهم يلجأون هربا من السؤال عن هذا إلى رمي الناس بالباطل .
فيتلقفون ما دسه نظرائهم من أهل الكذب والبهتان على بعض أئمة السادة الصوفية , ويتصايحون به أن هذه هي عقيدة الصوفية .
غاضين الطرف عن تنبيهات السادة العلماء بأن هذا مما دس على السادة الصوفية .
وإمعانا في الكذب والتدليس والاستغفال للغير المتأصل في أخلاق الوهابية كابرا عن كابر , تراهم يتجاهلون ما ذكره أئمة الصوفية في كتبهم المعتمدة عن عقيدة السادة الصوفية .
وتوضيحا لمنهج السادة الصوفية في العقيدة إليكم إخوتي في الله أنقل هذه الصفحات من أمهات كتب السادة الصوفية , والتي توضح بجلاء العقيدة الحقة للسادة الصوفية وهي مسالك التوحيد ومعاقل التحميد- التي هي في الأساس عقيدة أهل السنة والجماعة - بعيداً عن أكاذيب الوهابية .
يقول الإمام أبي القاسم القشيري في : " الرسالة القشيرية في علم التصوف " ( 15 / 29 ) :
[ فصل ]
في بيان اعتقاد هذه الطائفة في مسائل الأصول .
اعلموا، رحمكم الله، أن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعد أمرهم على أصول صحيحة في التوحيد، صانوا بها عقائدهم عن البدع ودانوا بما وجدوا عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل، وعرفوا ما هو حق القدم. وتحققوا بما هو نعت الموجود عن العدم.
ولذلك قال سيد هذه الطريقة الجنيد، رحمه الله: " التوحيد إفراد للقدم من الحدث . "
وأحكموا أصول العقائد بواضح الدلائل، ولائح الشواهد.
كما قال أبو محمد الجريري، رحمه الله: " أن لم يقف على علم التوحيد بشاهد من شواهده زلت به قدم الغرور في مهواة من التلف " يريد بذلك: أن من ركن إلى التقليد، ولم يتأمل دلائل الوحيد؛ سقط عن سنن النجاة؛ ووقع في أسر الهلاك .
ومن تأمل ألفاظهم، وتصفح كلامهم، وجد في مجموع أقاويلهم ومتفرقاتها ما يثق - بتأمله - بأن القوم لم يقصروا في التحقيق عن شأو، ولم يعرجوا في الطلب على تقصير.
ونحن نذكر في هذا الفصل جملا من متفرقات كلامهم فيما يتعلق بمسائل الأصول.
ثم نحرر على الترتيب بعدها ما يشتمل على ما يحتاج إليه في الاعتقاد، على وجه الإيجاز والاختصار، إن شاء الله تعالى.
سمعت: الشيخ أبا عبد الرحمن محمد بن الحسين السمي، رحمه الله، يقول: سمعت عبد الله بن موسى السلامي يقول: سمعت أبا بكر الشبلي يقول: " الواحد: المعروف قبل الحدود وقبل الحروف " وهذا صريح من الشبلي أن القديم - سبحانه - لا حدَّ لذاته، ولا حروف لكلامه .
سمعت أبا حاتم الصوفي، يقول: سمعت أبا نصر الطوسي يقول: سئل رُويم عن أول فرض افترضه الله عزَّ وجلَّ على خلقه ما هو؟ فقال: المعرفة؛ لقوله جلَّ ذكره :
" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " .
قال ابن عباس: إلا ليعرفون.
وقال الجنيد: إن أول ما يحتاج إليه العبد من الحكمة: معرفة المصنوع صانعه، و المحدث كيف كان إحداثه، فيعرف صفة الخالق من المخلوق، و صفة القديم من المحدث، ويذل لدعوته، ويعترف بوجوب طاعته؛ فإن من لم يعرف مالكه لم يعترف بالملك لمن استوجبه.
أخبرنى محمد بن الحسين، قال: سمعت محمد بن عبد الله الرازى يقول: سمعت أبا الطيب المراغى يقول: للعقل دلالة، و للحكمة إشارة، وللمعرفة شهادة؛ فالعقل يدل. والحكمة تشير. والمعرفة تشهد: أن صفاء العبادات لاينال بصفاء التوحيد.
وسئل الجنيد عن التوحيد، فقال: إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته: أنه الواحد، الذي لم يلد، ولم يولد. بنفي الأضداد، والأنداد، والأشباه، بلا تشبيه. ولا تكييف، ولا تصوير ولا تمثيل " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . "
أخبرنا محمد بن يحيى الصوفي، قال: أخبرنا عبد الله بن علي التميمي الوصفي، يحكى عن الحسين بن علي الدامغاني، قال: سئل أبو بكر الزاهر أباذي عن المعرفة، فقال: المعرفة: اسم، ومعناه وجود تعظيم في القلب يمنعك عن التعطيل والتشبيه.
وقال أبو الحسن البوشنجي، رحمه الله، التوحيد: أن تعلم أنه غير مشبه للذوات، ولا منفيٍّ الصفات.
أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، رحمه الله تعالى، قال: سمعت محمد بن محمد بن غالب. قال: سمعت أبا نصر أحمد بن سعيد الأسفنجاني يقول، قال: الحسين بن منصور:
ألزِم الكلَّ الحدث، لأنَّ القدم له. فالذي بالجسم ظهوره فالعرَض يلزمه، والذي بالأداة اجتماعه فقواها تمسكه والذي يؤلِّفه وقت يفرقه وقت، والذي يقيمه غيره فالضرورة تمسه. والذي الوهم يظفر به فالتصوير يرتقي إليه؛ ومن آواه محل أدركه أين، ومن كان له جنس طالبه مكيِّف.
إنه سبحانه لا يظله فوق، ولا يقله تحت، ولا يقابله حد ولا يزاحمه عند، ولا يأخذه خلْف، ولا يحدُّه أمام، ولم يظهره قبل ولم يفنه بعد. ولم يجمعه كلُّ ولم يوجده كان، ولم يفقده ليس.
وصفه: لا صفة له. وفعله: لا علة له؛ وكونه: لا أمد له تنزَّه عن أ؛وال خلقه. ليس له من خلقه مزاج، ولا في فعله علاج بانيهم بقدمه، كما باينوه بحدوثهم.
ن قلت: متى، فقد سبق الوقتّ كونه. وإن قلت: هو، فالهاء والواو خلْقه. وإن قلت: أي، فقد تقدَّم المكانّ وجوده.
فالحروف آياته. ووجوده إثباته ومعرفته توحيده. وتوحيده تمييزه من خلقه. ما تُصوِّر في الأوهام فهو بخلافه، كيف يحلُّ به ما منه بدأه؟ أو يعود إليه ما هو أنشأه؟ لا تماقله العيون، ولا تقابله الظنون. قربه كرامته، وبُعده إهانته، علوُّه من غير توقُّل ومجيئه من غير تنقُّل.
هو: الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، القريب البعيد، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
سمعت أبا حاتم السجستاني يقول:
سمعت أبا نصر الطوسيِّ السرَّاجي يحكى عن يوسف بن الحسين، قال: قام رجل بين يدي ذي النون المصري، فقال: أخبرني عن التوحيد: ما هو؟ فقال هو: أن تعلم قدرة الله تعالى في الأشياء بلا مزاج، وصنعه للأشياء بلا علاج، وعلَّة كل شيء صنعه، ولا علَّة لصنعه. وليس في السموات العلا، ولا في الأرضين السفلى مدبِّر غير الله، وكل ما تصوّر في وهمك فالله بخلاف ذلك.
وقال الجنيد: التوحيد: علمك وإقرارك بأن الله فرد في أزليته الثاني معه ولا شيء يفعل فعله.
وقال أبو عبد الله بن خفيف: الإيمان: تصديق القلوب بما أعلمه الحق من الغيوب.
وقال أبو العباس السياري: عطاؤه على نوعين: كرامة، واستدراج من الغيوب.
وقال أبو العباس السياري: عطاؤه على نوعين: كرامة، واستدراج. فما أبقاه عليه فهو كرامة، وما أزاله عنك فهو استدراج، فقل: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى. وأبو العباس السياري كان شيخ وقته .
سمعت الأستاذ أبا علي الدَّقاق، رحمه الله، يقول: غمزّ رَجلٌ رِجل أبي العباس السياري: فقال: تغمز رِجلا ما نَقلتها قط في معصية الله عزَّ وجلَّ!! وقال أبو بكر الواسطي: من قال " أنا مؤمن بالله حقاً " قيل له: الحقيقة تشير إلى إشراف، وإطلاع، وإحاطة، فمن فقده بطل دعواه فيها .
يريد بذلك ما قاله أهل السنَّة: إن المؤمن الحقيقي: من كان محكوما له بالجنة فمن لم يعلم ذلك من سرِّ حكمة الله تعالى، فدعواه: بأنه مؤمن حقاً غير صحيحة.
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا الحسن العنبري يقول: سمعت سهل بن عبد الله التستري يقول: ينظر إليه، تعالى، المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية.
وقال أبو الحسين النوري: شاهد الحقُّ القلوبَ، فلم ير قلباً أشوق إليه من قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فأكرمه بالمعراج، تعجيلاً للرؤية والمكالمة.
سمعت الإمام أبا بكر محمد بن الحسن بن فورك، رحمه الله تعالى، يقول: سمعت محمد بن المحبوب - خادم أبي عثمان المغربي - قول: قال لي أبو عثمان المغربي يوماً: يا محمد، لو قال لك أحد: أين معبودك؟ إيش تقول؟
قال: قلت: أقول حيث لم يزل.
قال: فإن قال: أين كان في الأزل؟ إبش تقول؟
قال: قلت: أقول حيث هو الآن، يعني: أنه كما كان ولا مكان فهو الآن كما كان.قال: فارتضى مني ذلك، ونزع قميصه وأعطانيه.
سمعت الإمام أبا بكر بن فورك، رحمه الله تعالى، يقول: سمعت أبا عثمان المغربي، يقول: كنت أعتقد شيئاً من حديث الجهة، فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي، فكتبت إلي أصحابنا بمكة: أنى أسلمت الآن إسلاماً جديداً.
سمعت محمد بن الحسين السلمي، رحمه الله، يقول: سمعت أبا عثمان المغربي يقول، وقد سئل عن الخلق، فقال: قوالب وأشباح تجري عليهم أحكام القدرة.
وقال الواسطي: لما كان الأرواح والأجساد قامتا بالله، وظهرتا به لا بذواتها، كذلك قامت الخطرات والحركات بالله لابذواتها، إذ الحركات والخطرات فروع الأجساد والأرواح. صرَّح بهذا الكلام أن أكساب العباد مخالوقة لله تعالى، وكما أنه لا خالف للجواهر إلا الله تعالى، فكذلك لا خالق للأَعراض إلا الله تعالى.
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي، رحمه الله، يقول: سمعت محمد ابن عبد الله يقول: سمعت أبا جعفر الصيدلاني يقول: سمعت أبا سعيد الخراز يقول: من ظنَّ أنه ببذل الجهد يصل إلى مطلوبه فمتَنٍ، ومن ظن أنه بغير الجهد يصل فمتمنٍ.
وقال الواسطني: المقامات أقسام قُسِّمت، ونعوت أجريت، كيف تُستجلب بحركات، أو تنال بسعايات؟ .
وسئل الواسطي عن الكفر بالله أو الله، فقال: الكفر والإيمان، والدنيا الآخرة: من الله، وإلى الله، وبالله، ولله: من الله إبتداء وإنشاء، وإلى الله مرجعاً وانتهاء، وبالله بقاء وفناء، ولله ملكا وخلقاً.
وقال الجنيد: سئل بعض العلماء عن التوحيد، فقال: هو اليقين.
فقال السائل: بّين لي ما هو؟ فقال: هو: معرفتك،أن حركات الخلق وسكونهم، فعل الله عزَّ وجلَّ، وحده، لا شريك له فإذا فعلت ذلك فقد وحَّدته.
سمعت محمد بن الحسين رحمه الله، يقول: سمعت عبد الواحد بن علي، يقول: سمعت القاسم بن القاسم يقول: سمعت محمد بن موسى الواسطي يقول: سمعت محمد بن الحسين الجوهري يقول: سمعت ذا النون المصري يقول، وقد جاءه رجل فقال: ادع الله لي فقال : إن كنت قد أُيدت في علم الغيب بصدق التوحيد، فكم من دعوة مجابة قد سبقت لك، وإلا فإن النداء لا يُنقذ الغرقي.
وقال الواسطي: ادَّعى فرعون الربوبية على الكشف، وادَّعت المعتزلة على الستر، نقول: ماشئت فعلت .
وقال أبو الحسين النوري: التوحيد : كلُّ خاطر يشير إلى الله تعالى، بعد أن لا نزاحمه خواطر التشبيه.
وأخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، رحمه الله تعالى، قال: سمعت عبد الواحد بن بكر، يقول: سمعت هلال بن أحمد يقول: سئل أبو علي الروذباري عن التوحيد، فقال:
التوحيد: إستقامة القلب بإثبات مفارقة التعطيل، وإنكار التشبيه، والتوحيد في كلمة واحدة: كل ما صوَّره الأوهام والأفكار فالله سبحانه بخلافه، لقوله تعالى: " ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير . "
وقال أبو القاسم النصراباذي: الجنة باقية بإبقائه. وذكرُه لك، ورحمته، ومحبته لك باق ببقائه. فشتان بين ما هو باق ببقائه، وبين ما هو باقٍ بإبقائه.
رحم الذي قاله الشيخ أبو القاسم النصراباذي، هو غاية في التحقيق؛ فإن أهل الحق قالوا صفات ذات القديم سبحانه: باقيات ببقائه تعالى. فنبه على هذه المسألة وبين أن الباقي باقٍ ببقائه. بخلاف ما قاله مخالفو أهل الحق فخالفوا الحق.
أخبرنا محمد بن الحسين؛ قال: سمعت النصراباذي يقول: أنت متردد بين صفات الفعل وصفات الذات، وكلاهما صفته تعالى،على الحقيقة، فإذا هيمَّك في مقام التفرقة قرّنك بصفات فعله، وإذا بلَّغك إلى مقام الجمع قرنك بصفات ذاته. وأبو القاسم النصراباذي كان شيخ وقته .
سمعت الإمام أبا اسحق الاسفرايني، رحمه الله، يقول: لما قدمت من بغداد كنت أدرس في جامع نيسابور مسألة الروح، وأشرح القول في أنها مخلوقة، وكان أبو القاسم النصراباذي قاعداً متباعداً عنا؛ يصغي إلى كلامي، فاجتاز بنا بعد ذلك يوماً - بأيام قلائل، فقال لمحمد الفراء: أشهد أني أسلمت جديداً على يد هذا الرجل، وأشار إليَّ
سمعت محمد بن الحسين السلمي، يقول: سمعت أبا حسين الفارسي يقول: سمعت إبراهيم بن فاتك يقول: سمعت الجنيد يقول: متى يتصل من لا شبيه له ولا نظير له بمن له شبيه ونظير؟! هيهات، هذا ظن عجيب إلا بما لطف اللطيف من حيث لا درك، ولا وهّم، ولا إحاطة إلا إشارة اليقين وتحقيق الإيمان.
أخبرنا محمد بن الحسين، رحمه الله تعالى، قال: سمعت عبد الواحد ابن بكر يقول: حدثني أحمد بن محمد بن علي البرعي، قال: حدثنا طاهر بن إسماعيل الرازي، قال: قيل ليحيى بن معاذ:
أخبرني عن الله عزَّ وجلَّ.
فقال: اله واحد .
فقيل له : كيف هو؟
فقال: ملك قادر
فقيل: أين هو؟ فقال: هو بالمرصاد .
فقال السائل: لم أسألك عن هذا!!
فقال: ما كان غير هذا كان صفةَ المخلوق. فأما صفته فما أخبرتك عنه .
وأخبرنا محمد بن الحسين، قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: كل ما توهمه متوهم بالجهل أنه كذلك، فالعقل يدل على أنه بخلافه.
وسأل ابن شاهين الجنيدَ عن معنى: مع.
فقال مع، على معنيين: مع الأنبياء بالنصرة والكلاءة، قال الله تعالى: " إنني معكما أسمع وأرى . "
ومع العامة بالعلم والإحاطة، قال تعالى: " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم . "
فقال ابن شاهين: مثلك يصلح أن يكون دالاَّ للأمة على الله.
وسئل ذو النون المصري عن قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوى . "
فقال: أثبتّ ذاته ونفى مكانه، فهو موجود بذاته، والأشياء موجودة بحكمه، كما شاء سبحانه.
وسئل الشبلي عن قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوى " . فقال: الرحمن لم يزل، والعرش محدث والعرش بالرحمن استوي.
وسئل جعفر بن نصير عن قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوي " فقال: استوى علمه بكل شيء فليس شيء اقرب إليه من شيء .
وقال جعفر الصادق: من زعم أن الله في شيء، أو من شيء، أو على شيء، فقد أشرك؛ إذ لو كان على شيء لكان محمولا، ولو كان في شيء لكان محصوراً، ولو كان من شيء لكان محدثاً.
وقال جعفر الصادق أيضاً في قوله:ثم دنا فتدلّى: من توهم أنه بنفسه دنا جعل ثّمَّ مسافة، إنما التدني أنه كلما قرب منه بَعَّده عن أنواع المعارف إذ لا دنوَّ ولا بُعد.
ورأيت بخط الأستاذ أبي عليٍّ أنه قيل لصوفيِّ: أين الله ؟ فقال: أسحقك الله!! تطلب مع العين أين؟!
أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا العباس ابن الخشاب البغداي يقول: سمعت أبا القاسم بن موسى يقول: سمعت محمد بن أحمد يقول: سمعت الأنصاري يقول: سمعت الخراز يقول: حقيقة القرب: فقد حِسِّ الأشياء من القلب وهدوء الضمير إلى الله تعالى.
سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت محمد بن علي الحافظ يقول: سمعت أبا معاذ القزويني يقول: سمعت أبا عليٍّ الدلال يقول: سمعت أبا عبد الله بن قهرمان يقول: سمعت إبراهيم الخواص يقول: إنتهيت إلى رجل، وقد صرعه الشيطان، فجعلت أؤذن في أذنه، فناداني الشيطان من جوفه: دعني أقتله؛ فإنه يقول القرآن مخلوق
وقال ابن عطاء: إن الله تعالى لما خلق الأحرف جعلها سراً له، فلما خلق آدم عليه السلام بث فيه ذلك السر، ولم يبث ذلك السر في أحد من ملائكته، فجرت الأحرف على لسان آدم عليه السلام بفنون الجريان وفنون اللغات، فجعلها الله صوراً لها صرح ابن عطاء القول بأن الحروف مخلوقة.
وقال سهل بن عبد الله: إن الحروف لسان فعل، لا لسان ذاته؛ لأنها فعل في مفعول .
قال: وهذا أيضاً تصريح بأن الحروف مخلوقة.
وقال الجنيد في جوابات مسائل الشاميين
: التوكل عمل القلب، والوحيد قول القلب، قال: هذا قول أهل الأصول، إن الكلام: هو المعنى الذي قام بالقلب من معنى الأمر والنهي، والخبر، والاستخبار.
وقال الجنيد في جوابات مسائل الشاميين أيضاً: تفرد الحق بعلم الغيوب، فعلم ما كان، وما يكون، ومالا يكون: أن لو كان كيف كان يكون.
وقال الحسين بن منصور :
من عرف الحقيقة في التوحيد سقط عنه : لِمَ وكيف .
أخبرنا محمد بن الحسين، قال: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: قال الجنيد: أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان الوحيد.
وقال الواسطي: ما احدث الله شيئاً أكرم من الروح. صرَّح بأن الروح مخلوقة.
قال الأستاذ الإمام زين الإسلام أبو القاسم، رحمه الله :
دلَّت هذه الحكايات على أن عقائد مشايخ الصوفية توافق أقاويل أهل الحق في مسائل الأصول.
وقد اقتصرنا على هذا المقدار خشية خروجنا عما أثرناه من الإيجاز والاختصار.
[ فصل ] : قال الأستاذ زين الإسلام أبو القاسم، أدام الله عزَّه :
وهذه فصول تشتمل على بيان عقائدهم في مسائل التوحيد ذكرناها على وجه الترتيب.
قال شيوخ هذه الطريقة، على ما يدلُ عليه متفرقات كلامهم، ومجموعاتهم، ومصنفاتهم في التوحيد:
إن الحق، سبحانه وتعالى: موجود، قديم، واحد، حكيم، قادر، عليم، قاهر، رحيم، مريد، سميع، مجيد، رفيع، متكلم، بصير متكبر، قدير، حيُّ أحد، باق، صمد.
وأنه عالم بِعِلم، قادر بقدرة؛ مريد بإرادة؛ سميع بسمع؛ بصير ببصر؛ متكلم بكلام؛ حيُّ بحياة؛ باقٍ ببقاء .
وله يدان هما صفتان؛ يخلق بهما ما يشاء، سبحانه، على التخصيص.
وله الوجه. وصفات ذاته مختصة بذاته، لا يقال هي هو، ولا هي غيار له، بل هي صفات أزلية، ونعوت سرمدية، وأنه إحدىُّ الذات، ليس يشبه شيئاً من المصنوعات، ولا يشبهه شيء من المخلوفات، ليس بجسم، ولا جوهر ولا عرّض، ولا صفاته أعراض، ولا يتصوَّر في الأوهام، ولا يتقدَّر في العقول، ولا له جهة ولا مكان، ولا يجري عليه وقت وزمان، ولا يجوز في وصفه زيادة ولا نقصان، ولا يخصُّه هيئة وقدُّ، ولا يقطعه نهاية وحدُّ، ولا يحله حادث، ولا يحمله على الفعل باعث، ولا يجوز عليه لون ولا كوْن، ولا ينصره مدد ولا عون؛ ولا يخرج عن قدرته مقدور؛ ولا ينفك عن حكمه مفطور؛ ولا يعزب عن علمه معلوم؛ ولا هو على فعله كيف يصنع وما يصنع ملوم؛ لايقال له: أي؛ ولا حيث؛ ولا كيف؛ ولايُستفتح له وجود: فيقال: متى كان: ولا ينتهي له بقاء: فيقال إستوفى الأجل والزمان، ولا يقال: لِمَ فعل ما فعل؛ إذ لا علَّة لأفعاله؛ ولا يقال ما هو؛ إذ لا جنس له فيتميز بأمارة عن أشكاله. يُرى لا عن مماقلة، ويصنع لا عن مباشرة ومزاولة. له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، يَفعل ما يريد، ويذل لحكمه العبيد، لايجري في سلطانه إلا ما يشاء، ولا يحصل في ملكه غير ما سبق به القضاء، ما علم أنه يكون من الحادثات أراد أن يكون. وما علم أنه لا يكون. مما جاز أن يكون: أراد أن لا يكون. خالق إكساب العباد: خيرها وشرِّها. ومبدع ما في العالم من الأعيان والآثار: قُلُّها وكُثْرها. ومرسل الرسل إلى الأمم من غير وجوب عليه.
ومتعبَّد الأنام على لسان الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام؛ بما لا سبيل لأحد باللوم والاعتراض عليه، ومؤيد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، بما أزاح به العذر، وأوضح به اليقين والنكر، وحافظ بيضة الإسلام بعد وفاته،صلى الله عليه وسلم، بخلفائه الراشدين، ثم حارس الحق وناصره بما يوضحه من حجج الدين على ألسنة أوليائه، عصم الأمة الحنفية عن الاجتماع على الضلالة، وحسم مادة الباطل بما نصب من الدلالة، وأنجز ما وعد من نصرة الدين بقوله: " ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " .
فهذه: فصول تشير إلى أصول المشايخ على وجه الإيجاز، وباللّه التوفيق. اهـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق