بحث

الجمعة، 17 أبريل 2015

اللوبي "الإسرائيلي"والسياسة الخارجية الأمريكية : 9 - الحلقة الأخيرة -

ملخص

لا عجب إذن في أن “اسرائيل” وداعميها ومناصريها الأمريكان يبتغون من الولايات المتحدة أن تتعامل مع أي من خيوط أمن
“اسرائيل” ومع كل هذه الخيوط مجتمعة.

فإذا ما نجحت مساعيهم لصياغة سياسة الولايات المتحدة تم بالتالي إضعاف أعداء “اسرائيل” أو الإطاحة بهم، فعندها تستبيح “اسرائيل” الفلسطينيين استباحة كاملة وتطلق أيديها تفعل بهم ما تشتهي، وعندها سيناط بالولايات المتحدة معظم المجهود الحربي القتالي لتخوض المعارك وتقدم قوافل القتلى ولتنهض بعبء إعادة بناء ما دمرته ودفع الفواتير.

إلا انه حتى لو أخفقت الولايات المتحدة في إحداث تحول في الشرق الأوسط ووجدت نفسها في صراع مع عالم عربي وإسلامي يزداد جنوحاً نحو الأصولية والتطرف، فسوف ينتهي المطاف ب “اسرائيل” إلى الاستئثار بحماية القوة العظمى الوحيدة في العالم، ومن وجهة نظر اللوبي فإن هذه النتيجة ليست هي الكمال المنشود، لكنها من الواضح أنها هي المفضلة لواشنطن لتترك مسافة بينها وبين “اسرائيل”، أو لتستخدم قوتها لحمل “اسرائيل” على إقامة سلام مع الفلسطينيين.

الاستنتاجات

هل يمكن كبح جماح اللوبي ولجمه؟

يود المرء لو ساير هذا الاعتقاد وأطلق بعض العنان للتفاؤل، أخذاً في الحسبان الانهيار الكامل في العراق والحاجة الواضحة والملحة لإعادة تلميع صورة أمريكا ونفض ما علق بها من غبار كثيف في العالمين العربي والإسلامي، وما بدأ يتكشف أخيراً حول أن مسؤولي إيباك يسربون أسرار حكومة الولايات المتحدة إلى “اسرائيل”.

كما يمكن للمرء أن يذهب في الاعتقاد إلى أن موت عرفات وانتخاب أبي مازن الأكثر اعتدالا منه سيجعل واشنطن تضغط بقوة اكبر من أجل التوصل إلى اتفاقية سلام.

وباختصار، فإن هناك أسساً صلبة تتيح لقادة الولايات المتحدة ألا يظلوا رهائن الالتصاق الكامل باللوبي، وأن ينأوا عنه ولو بمسافة ضئيلة وأن يتبنوا سياسة شرق أوسطية أكثر انسجاماً مع المصالح الأمريكية في مداها الأوسع وتجلياتها الأشمل، وبشكل خاص فإن استخدام القوة الأمريكية لتحقيق سلام عادل بين الفلسطينيين و”اسرائيل” سوف يساعد على إحراز تقدم في تحقيق الغايات الأشمل من محاربة للتطرف وإعلاء لشأن الديمقراطية في الشرق الأوسط.

ولكن ذلك لن يحدث في وقت قريب. فمنظمة إيباك وحلفاؤها (ومن بينهم الصهاينة المسيحيون) ليس لديهم خصوم خطيرون في عالم حشد التأييد.

وهم يعلمون أن الدفاع عن “اسرائيل”، غدا أصعب من اليوم، وهم يستجيبون لذلك بتوسيع نشاطاتهم وزيادة أعداد الهيئات العاملة لديهم، وعلاوة على ذلك، يظل الساسة الأمريكيون شديدي الحساسية إزاء التبرعات للحملات الانتخابية وأشكال الضغط السياسي الأخرى، ومن المتوقع أن تظل وسائل الإعلام الرئيسية متعاطفة مع “اسرائيل” بصرف النظر عما تفعله.

إن الوضع مثير للقلق العميق، لأن نفوذ اللوبي يسبب المتاعب على جبهات عديدة. فهو يزيد الخطر الإرهابي الذي تواجهه جميع الدول، بما فيها الدول الأوروبية الحليفة لأمريكا، واللوبي بمنعه زعماء الولايات المتحدة من الضغط على “اسرائيل” لتصنع السلام، جعل من المستحيل إنهاء الصراع “الاسرائيلي” - الفلسطيني.

وهذا الوضع يمنح المتطرفين أداة تجنيد قوية، ويوسع رقعة الإرهابيين المحتملين والمتعاطفين معهم، ويسهم في إيجاد الراديكالية الإسلامية في العالم.

وعلاوة على ذلك، قد تؤدي حملة اللوبي لتغيير النظام في إيران وسوريا إلى أن تهاجم الولايات المتحدة هاتين الدولتين، بما ينطوي عليه ذلك من الآثار المدمرة المحتملة، إننا لسنا في حاجة إلى عراق آخر. وأقل ما في الأمر أن عداء اللوبي لهاتين الدولتين يجعل من الصعب على واشنطن بوجه خاص أن تجندهما ضد حركة القاعدة والتمرد العراقي، حيث ثمة حاجة ماسة إلى الحصول على مساعدة هاتين الدولتين.

كما أن للأمر بعدا أخلاقيا، إذ غدت الولايات المتحدة بفضل اللوبي، الدولة التي تمكّن “اسرائيل” في واقع الأمر من التوسع في المناطق المحتلة، وأصبحت بذلك متواطئة ومشاركة في ارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين.

ويدمر هذا الوضع جهود واشنطن لتعزيز الديمقراطية في الخارج. ويجعلها تبدو مرائية عندما تضغط على الدول الأخرى لكي تحترم حقوق الإنسان.

وتبدو جهود واشنطن للحد من الانتشار النووي مرائية بالقدر ذاته، مع الأخذ في الاعتبار رغبتها في تقبل ترسانة “اسرائيل” النووية، مما يشجع إيران والدول الأخرى على السعي لامتلاك قدرات مماثلة.

وعلاوة على ذلك، فإن حملة اللوبي لإخماد الجدل بشأن “اسرائيل” غير صحية للديمقراطية. وإسكات المتشككين بتنظيم القوائم السود وعمليات المقاطعة - أو بالقول أن المنتقِدِين معادون للسامية- يتناقض مع مبدأ النقاش الحر الذي تقوم عليه الديمقراطية.

وعجز الكونجرس الأمريكي عن إجراء حوار أصيل حول هذه القضايا الحيوية يشل عملية التداول الديمقراطي برمتها. وينبغي أن يكون من يساندون “اسرائيل” أحرارا في الدفاع عن قضيتهم وتحدي من يخالفونهم.

ولكن جهود خنق النقاش بالتخويف تجب إدانتها بصراحة من قبل الذين يؤمنون بالتعبير الحر والنقاش المفتوح للقضايا العامة المهمة.

وفي النهاية، لقد كان أثر اللوبي في “اسرائيل” سيئا، فمقدرة “اسرائيل” على إقناع واشنطن بمساندة أجندة توسعية قَعَدَ ب “اسرائيل” عن اغتنام الفرص، التي كانت ستحفظ أرواحاً “اسرائيلية” وتقلص اعداد المتطرفين الفلسطينيين - ومن بين تلك الفرص توقيع معاهدة سلام مع سوريا والتطبيق التام والفوري لاتفاقيات أوسلو.

ولكن حرمان الفلسطينيين من حقوقهم السياسية المشروعة، لم يجعل “اسرائيل” قطعا أكثر أمناً، والحملة الطويلة الواسعة لقتل أو تهميش جيل من الزعماء الفلسطينيين شدت أزر الجماعات المتطرفة مثل حماس، وقللت عدد الزعماء الفلسطينيين الراغبين في قبول تسوية عادلة، والقادرين على جعلها تعمل في الوقت ذاته. ويثير هذا المسار شبح احتلال “اسرائيل” ذات يوم لوضعية الدولة المنبوذة، التي كانت ذات يوم حكرا على دول التمييز العنصري مثل جنوب أفريقيا.

ومن المفارقات أن “اسرائيل” ذاتها كانت ستغدو في وضع أفضل لو كان اللوبي اقل سطوة ولو كانت سياسة الولايات المتحدة أكثر إنصافاً.

ولكن هنالك بصيص أمل، فعلى الرغم من أن اللوبي يظل قوة شديدة، إلا أن الآثار العكسية لنفوذه يصعب إخفاؤها بصورة متزايدة، والدول القوية تستطيع الحفاظ على السياسات التي يعتريها العيب والنقص بعض الوقت، ولكنه لا يمكن تجاهل الواقع إلى الأبد.

ولذلك، فإن ما تمس الحاجة إليه هو إجراء حوار نزيه وصريح حول نفوذ اللوبي، وحوار أكثر صراحة وانفتاحاً بشأن مصالح الولايات المتحدة في هذه المنطقة الحيوية.

وكون “اسرائيل” في صحة وعافية، إحدى هذه المصالح، ولكن ليس منها استمرار “اسرائيل” في احتلال الضفة الغربية، أو تطبيق أجندتها الأوسع في المنطقة.

وسوف يكشف النقاش الصريح العلني حدود الدفاع الاستراتيجي والأخلاقي للدعم الأمريكي المتحيز، وقد ينقل الولايات المتحدة إلى موقف أكثر انسجاماً مع مصلحتها القومية، ومع مصالح الدول الأخرى في المنطقة، ومصالح “اسرائيل” بعيدة المدى كذلك.

تم النقل بحمد الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق