بحث

الجمعة، 17 أبريل 2015

اللوبي "الإسرائيلي"والسياسة الخارجية الأمريكية : 6.

السيطرة على العالم الأكاديمي

واجه اللوبي صعوبات جمة في مساعيه وحملاته لخنق الجدل بشأن “اسرائيل” وشل نشاطات النقاش حولها في أروقة الكليات والمحافل الأكاديمية، وذلك لأن
الحرية الأكاديمية، إنما هي قيمة جوهرية في الصميم من منظومة القيم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى من الصعب تكميم أفواه الأساتذة الكبار الراسخي القدم في مناصبهم الأكاديمية أو تهديدهم أو إسكاتهم.

ورغم هذه المصاعب والتعثر لم يوجه إلى “اسرائيل” سوى الخفيف اللطيف من الانتقاد في حقبة التسعينات عندما كانت عملية التسوية السلمية تشق طريقها وتمضي في سبيلها في أوسلو. وثارت الانتقادات بعد أن انهارت العملية وجاء أرييل شارون إلى السلطة في أوائل عام ،2001 واتسمت بالحدة بوجه خاص عندما أعاد عسكر وزارة الحرب “الاسرائيلية” احتلال الضفة الغربية في ربيع ،2002 واستخدمت قوة عاتية غاشمة ضد الانتفاضة الثانية.

وتحرك اللوبي بجبروت عدائي لا هوادة فيه ليتدارك الموقف ويعيد عالم الأكاديميا إلى الحظيرة، و”يسترد حرم الجامعات” وانبثقت جماعات جديدة مثل “قافلة الديمقراطية” التي جاءت بمتحدثين “اسرائيليين” ليحاضروا ويتكلموا في الكليات والجامعات الأمريكية.

وسرعان ما قفزت لتنضم للموكب جماعات متجذرة راسخة القدم مثل “المجلس اليهودي للشؤون العامة” و”جماعة هيليل” وتم تشكيل جماعة جديدة هي “تحالف “اسرائيل” بشأن الجامعات”، وذلك للتنسيق بين جمهرة الجماعات الكثيرة التي تضافرت مساعيها الآن لنصرة قضية “اسرائيل” في الأوساط الأكاديمية.

وفي نهاية المطاف ضاعفت “إيباك” نفقاتها وصرفها على البرامج الرامية إلى إحكام الرقابة على نشاطات الجامعات ولتدريب الشبان الدعاة المروجين ل “اسرائيل” وذلك من أجل “إحداث زيادة ضخمة في عدد الطلاب المستغرقين في الهموم والجهد القومي المناصر ل”اسرائيل””.

ويقوم اللوبي أيضاً بتشديد الرقابة على ما يكتبه أساتذة الجامعات وما يعلمونه، والمواد التي يحاضرون حولها. فعلى سبيل المثال أسس اثنان من أشد المتعصبين ل “اسرائيل” في أوساط المحافظين الجدد الموالين للدولة اليهودية وهما مارتن كرامر ودانييل بايبس موقعاً على الشبكة هو “كامبوس ووتش” الذي نشر قوائم أضابير تكشف عن أسماء وسير أكاديميين مشتبه بهم وراح يشجع الطلاب على أن يدلوا بإفاداتهم حول تعليقات أو سلوكيات يمكن أن تعتبر بأي صورة من الصور معادية ل “اسرائيل”.

وهذه المحاولة المفضوحة لابتزاز وإرهاب العلماء والخبراء حرضت على ردة فعل عنيفة مما حمل كرامر وبايبس لاحقاً على سحب هذه الملفات، لكن الموقع على الشبكة العنكبوتية مازال يستميل الطلبة ويدعوهم إلى تدبيج التقارير عن أي مسلك مزعوم يشتم منه رائحة معاداة “اسرائيل” في الجامعات والكليات الأمريكية.

ولا تنفك جماعات منضوية تحت لواء هذا اللوبي عن توجيه نيرانها إلى أساتذة جامعيين معينين وتسلط فوهات مدافعها على الجامعات التي تشغل أي بروفيسور من هؤلاء ممن لا يرضى عنه اللوبي.

فجامعة كولومبيا التي كان العالم الفلسطيني الراحل البروفيسور ادوارد سعيد يحاضر في كلياتها لطالما ظلت فريسة هجمات شرسة تشنها القوى الناصرة ل “اسرائيل”.

فقد أورد جوناثان كول العميد السابق لجامعة كولومبيا أن “المرء منا كان على يقين من أن أي تصريح أو عبارة علنية عامة يتفوه بها الناقد الأدبي الجليل إدوارد سعيد ويساند فيها الشعب الفلسطيني سوف تستمطر سيلاً عرماً من الرسائل وتستثير مئات الرسائل الالكترونية، والمواضيع الصحافية التي تدعونا لإدانة البروفيسور سعيد وتطالبنا أما بفرض حظر عليه أو طرده من الجامعة.

وكانت مثل هذه الحملات لا تكاد تخفي ما يعتمل في صدورها من ضغائن”.

وعندما استقدمت جامعة كولومبيا المؤرخ رشيد الخالدي من جامعة شيكاجو قال كول إن “الشكاوى بدأت تتدفق كالطوفان من أناس يخالفونه الرأي فيما اشتملت عليه وجهات نظره السياسية”.

وواجهت جامعة برينستون المشكلة ذاتها بعدها ببضع سنين عندما فكرت هي الأخرى بخطب ود الخالدي واستقدامه من كولومبيا.

وثمة تبيان كلاسيكي يفصح عن ذلك الجهد المسعور للقيام بدور الشرطي في الحياة الجامعية والأوساط الأكاديمية، حيث تبدى هذا في أواخر عام ،2004 عندما أنتج “ديفيد بروجيكت” فيلماً دعائياً يزعم أن الكلية في برنامج الدراسات الشرق أوسطية التابع لجامعة كولومبيا كانت مناهضة للسامية، وأنها كانت تهدد الطلبة اليهود المدافعين عن “اسرائيل” وتخوفهم.

وما لبثت جامعة كولومبيا أن اكتوت بنيران حملات التشهير والتجريم في الأوساط الموالية ل “اسرائيل”، غير أن لجنة جامعية شكلت للتحقيق في تلك الاتهامات توصلت إلى أنه لا دليل البتة يثبت دعوى العداء لليهود، أو ما يسمى بمعاداة السامية وأن الواقعة اليتيمة التي تستحق الذكر كانت احتمال أن يكون أحد الأساتذة الجامعيين قد “رد بحدة” على سؤال لأحد الطلبة.

واكتشفت اللجنة أيضاً أن الأساتذة المتهمين كانوا في الحقيقة هدفاً وضحية لحملة تهديد وتخويف صريحة.

ولربما كان أشد سمات هذه الحملة المستعرة لاستئصال شأفة أي انتقاد ل “اسرائيل” في أروقة الجامعات، وأدعاها للقلق، هو ذاك الجهد المحموم الذي قامت به جماعات يهودية لدفع الكونجرس للتأسيس لآليات وسبل منهجية تتجسس على الأساتذة وتراقب ما يقولونه عن “اسرائيل” وتحرم الجامعات التي يرى اللوبي ويحكم بأنها متحيزة ضد “اسرائيل” من التمويل الفيدرالي.

وهذا الجهد الحثيث لحمل حكومة الولايات المتحدة على لعب دور شرطي الرقابة على الجامعات والمؤسسات الأكاديمية لم ينجح بعد، لكن المحاولة تظهر بجلاء الأهمية القصوى التي توليها الجماعات الموالية ل “اسرائيل” للهيمنة على الجدل الذي يدور في أوساط هذه الصروح الجامعية حول هذه القضايا.

وأخيراً، قام عدد من كبار الأثرياء “المحسنين” اليهود بتأسيس برامج دراسات “اسرائيلية” (إضافة إلى نحو 130 برنامج دراسات يهودية قائمة وتعمل حالياً)، وذلك بهدف زيادة عدد العلماء المتعاطفين مع “اسرائيل” في الجامعات.

وأعلنت جامعة نيويورك عن إنشاء “مركز تاوب” للدراسات “الاسرائيلية” في الأول من مايو/أيار من عام ،2003 كما أقيمت برامج مشابهة في مدارس وجامعات أخرى مثل بيركلي وبرانديز وايموري. ولطالما تشدق الإداريون الأكاديميون وأكدوا على القيمة التعليمية والتربوية لهذه البرامج لكن الحقيقة هي أنها يقصد منها في جوهرها وفي غالبيتها العظمى أن تلمع صورة “اسرائيل” وتروج لها في الأوساط الجامعية.

ويوضح فريد لافيه، رئيس مؤسسة تاوب بجلاء أن مؤسسته مولت مركز جامعة نيويورك للدراسات لمقارعة “وجهة النظر العربية” التي يعتقد هو أنها سائدة في برامج جامعة نيويورك الشرق أوسطية، والوقوف لها بالمرصاد.

وخلاصة القول إن اللوبي قد قطع شوطاً بعيداً في الوقوف سداً منيعاً يحول دون انتقاد “اسرائيل” في المحافل الجامعية والأروقة الأكاديمية.

ولم يحقق اللوبي النجاح ذاته الذي أحرزه في الكابيتول هيل (الكونجرس الأمريكي) إلا أنه اشتغل على هذه القضايا وعمل بجد شديد لوأد انتقاد “اسرائيل” من قبل أساتذة الجامعات والطلاب واجتثاث مثل هذه الاتجاهات من جذورها، لذا خفت إلى حد كبير جداً الانتقادات الموجهة إلى “اسرائيل” اليوم.

مكمم الأصوات العظيم


لا يكتمل أي نقاش يتناول كيفية عمل اللوبي والآليات التي يؤدي من خلالها أدواره دون تفحص أحد أقوى أسلحته، ألا وهو تهمة معاداة السامية. فأي شخص ينتقد أفعال “اسرائيل” أو يقول إن الجماعات المناصرة ل “اسرائيل” لها نفوذ وتأثير كبير في سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطية وهو التأثير الذي تهلل له “إيباك” وتباهي به، يجابه في الحقيقة احتمالاً راجحاً بأن يوصم بمعاداة السامية. وفي الحقيقة فإن أي شخص يقول إن هناك جماعة ضغط مصلحية “اسرائيلية” أو لوبياً “اسرائيلياً” يخاطر بأن يرمى بفرية معاداة السامية، هذا على الرغم من أن الإعلام “الاسرائيلي” ذاته يشير إلى “لوبي أمريكا اليهودي”.

وفي الحقيقة فإن هذا اللوبي يباهي بجبروته وقدراته ثم ينثني ليهاجم كل من يحاول لفت الأنظار إليه. وهذا التكتيك غاية في الفعالية، لأن معاداة السامية بغيضة ممقوتة، وليس ثمة شخص مسؤول يود أن يتهم بها.

وفي السنوات الأخيرة كان الأوروبيون أكثر استعداداً من الأمريكيين لانتقاد سياسة “اسرائيل”، ويحلو لبعض الناس عزو هذا التميز الطفيف إلى انبعاث روح معاداة السامية في أوروبا.

وكان سفير الولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي قد قال في أوائل عام 2004: “نحن ماضون على هذا الدرب، ونوشك أن نبلغ تلك النقطة حيث تتردى الأمور لنصل إلى نفس سوء الأحوال الذي شهدناه في حقبة الثلاثينات”.

وقياس معاداة السامية والتحري عن درجة حدتها مسألة معقدة، لكن ثقل الأدلة المتضافرة يشير إلى الاتجاه المعاكس. فعلى سبيل المثال حدث في ربيع عام 2004 عندما زكمت الأنوف وملأت أجواء الولايات المتحدة الاتهامات بتنامي تيارات معاداة السامية في أوروبا، أن أظهرت استطلاعات مستقلة للرأي العام الأوروبي أجرتها عصبة مكافحة التشهير ومركز بيو للأبحاث واستمزجت فيها آراء الناس والصحافة أن معاداة السامية آخذة بالاضمحلال.

لنتأمل فرنسا، التي كثيراً ما تصورها القوى الموالية ل “اسرائيل” وكأنها أشد دول أوروبا معاداة للسامية. فقد وجد استطلاع لرأي المواطنين الفرنسيين سنة 2002 أن: 89% لا يستطيعون تخيل العيش مع يهودي، و97% يعتقدون أن كتابة خربشات معادية للسامية جريمة خطيرة، ويعتقد 87% أن الهجمات على معابد يهودية فرنسية تشكل فضيحة وعاراً، كما يرفض 85% من الكاثوليك الفرنسيين الملتزمين التهمة التي تقول إن اليهود يملكون نفوذاً واسعاً في عالم المال والأعمال.

وليس غريباً أن زعيم المجتمع اليهودي الفرنسي أعلن في صيف سنة 2003 أن “فرنسا ليست أشد معاداة للسامية من أمريكا”.

وحسبما جاء في مقالة نشرت مؤخراً في صحيفة “هآرتس” “الاسرائيلية”، تذكر الشرطة الفرنسية أن الحوادث المعادية للسامية في فرنسا قد انخفضت بنسبة 50% تقريباً سنة ،2005 وهذا على الرغم من أن فرنسا لديها من السكان المسلمين أكثر مما لدى أي من دول أوروبا.

الذيل يهز الكلب

لو كان تأثير اللوبي مختصراً على المساعدات الاقتصادية الأمريكية ل “اسرائيل”، لما كان نفوذه مثيراً للقلق إلى ذلك الحد.

فالمساعدة الخارجية قيمة، ولكنها ليست مفيدة بقدر جعل القوة العظمى الوحيدة في العالم، تسخر إمكاناتها الهائلة لخدمة “اسرائيل”.

وتبعاً لذلك يسعى اللوبي إلى صياغة العناصر الجوهرية لسياسة الولايات المتحدة الخاصة بالشرق الأوسط. وبوجه خاص، عمل بنجاح لإقناع الزعماء الأمريكيين بدعم قهر “اسرائيل” المتواصل للفلسطينيين، والتصويب على خصوم “اسرائيل” الأساسيين في المنطقة وهم: إيران والعراق وسوريا.

وصم الفلسطينيين بالشر

من الأمور التي طواها النسيان، أن إدارة بوش، حاولت في خريف سنة ،2001 وفي ربيع سنة 2002 بوجه خاص، أن تخفف حدة المشاعر المعادية لأمريكا في العالم العربي، وتقوض دعم الجماعات الإرهابية مثل حركة القاعدة، بوقف سياسات “اسرائيل” التوسعية في المناطق المحتلة وتأييد إيجاد دولة فلسطينية.

وكان بوش يملك نفوذاً كامناً هائلاً تحت تصرفه.

وكان بوسعه أن يهدد بخفض الدعم الاقتصادي والدبلوماسي الأمريكي ل “اسرائيل”، ومن المؤكد تقريباً أن الشعب الأمريكي كان سيسانده في ذلك.

وقد ذكر استطلاع أجري في مايو/ أيار 2003 أن أكثر من 60% من الأمريكيين كانوا يرغبون في حجب الدعم عن “اسرائيل” لو قاومت ضغط أمريكا عليها لكي تسوي النزاع، كما ارتفعت تلك النسبة إلى 70% بين الأمريكيين “الناشطين سياسياً”.

وبالفعل، فإن 73% قالوا إنه ينبغي على الولايات المتحدة ألا تحابي أياً من الطرفين.

ومع ذلك فشلت إدارة بوش في تغيير سياسات “اسرائيل”، وانتهى الأمر بواشنطن إلى أن تساند نهج “اسرائيل” المتشدد بدلاً من ذلك.

ومع الزمن تبنت الإدارة مبررات “اسرائيل” لهذا النهج، بحيث غدا الخطابان الأمريكي و”الاسرائيلي” متماثلين.

وفي فبراير/ شباط 2003 لخص عنوان رئيسي لصحيفة “واشنطن بوست” الوضع، إذ جاء فيه “تطابق موقفي بوش وشارون شبه التام من السياسة نحو الشرق الأوسط”.

والسبب الرئيسي لهذا التحول هو اللوبي.

وتبدأ القصة في أواخر سبتمبر/ أيلول 2001 عندما شرع الرئيس بوش في الضغط على رئيس الوزراء “الاسرائيلي” شارون لإبداء ضبط النفس في المناطق المحتلة، كما ضغط على شارون لكي يسمح لوزير الخارجية “الاسرائيلي” شمعون بيريز بمقابلة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، على الرغم من أن بوش كان شديد الانتقاد لزعامة عرفات.

كما قال بوش علناً إنه يؤيد قيام دولة فلسطينية.

أحس شارون من هذه التطورات بالخطر، فاتهم بوش بمحاولة “استرضاء العرب على حسابنا”، وحذر من أن “اسرائيل” “لن تكون تشيكوسلوفاكيا”.

وذكر أن بوش غضب من تشبيه شارون له بنفيل تشامبرلين (رئيس وزراء بريطانيا الذي اتبع سياسة الاسترضاء نحو ألمانيا الفاشية (1869 1940))، كما وصف السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، آري فليشر، ملاحظات شارون بأنها “غير مقبولة”.

وقدم رئيس الوزراء “الاسرائيلي” اعتذاراً صورياً، ولكنه سرعان ما ضم قواه إلى اللوبي لإقناع إدارة بوش والشعب الأمريكي بأن الولايات المتحدة و”اسرائيل” تواجهان تهديداً مشتركاً من قبل الإرهاب.

وظل المسؤولون “الاسرائيليون” وممثلو اللوبي يؤكدون باستمرار وبصورة متكررة أنه لا يوجد فرق حقيقي بين عرفات وأسامة بن لادن، وأصروا على أنه ينبغي على الولايات المتحدة و”اسرائيل” أن تعزلا الزعيم الفلسطيني المنتخب وألا تتعاملا معه.

وذهب اللوبي كذلك للعمل في الكونجرس.

ففي 16 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعث 89 سيناتوراً برسالة إلى بوش يمتدحونه فيها لرفضه مقابلة عرفات، ولكنهم يطالبون أيضاً بألا تكبح الولايات المتحدة “اسرائيل” عن الانتقام من الفلسطينيين، ويصرون على أن تذكر الإدارة علناً أنها تقف بثبات وراء “اسرائيل”.

وحسبما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن الرسالة “انبثقت عن اجتماع عقد قبل أسبوعين بين زعماء للمجتمع اليهودي الأمريكي وأعضاء بارزين في مجلس الشيوخ”، وأضافت الصحيفة أن منظمة “إيباك” “كانت ناشطة بوجه خاص في توفير النصح بشأن الرسالة”.

وفي أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني، كانت العلاقات بين تل أبيب وواشنطن قد تحسنت كثيراً. ويرجع ذلك في جزء منه إلى جهود اللوبي التي يبذلها لعطف السياسة الأمريكية باتجاه “اسرائيل”، ولكنه يرجع كذلك إلى انتصار أمريكا الأولي في أفغانستان، الذي قلل الحاجة إلى دعم العرب في التعامل مع حركة القاعدة. وقد زار شارون واشنطن في أوائل شهر ديسمبر/ كانون الأول، وعقد لقاء ودياً مع بوش.

ولكن المتاعب انبثقت من جديد في ابريل/ نيسان ،2002 بعد أن أطلق الجيش “الاسرائيلي” عملية (الدرع الواقي)، واستأنف السيطرة الفعلية على جميع المناطق الفلسطينية الرئيسية في الضفة الغربية.

وكان بوش يعلم أن عمل “اسرائيل” سوف يدمر صورة أمريكا في العالمين العربي والإسلامي، ويلحق الضرر بالحرب على الإرهاب، ولذلك طالب في 4 ابريل/ نيسان شارون بأن “يوقف الغارات ويبدأ الانسحاب”.

وأكد هذه الرسالة بعد يومين قائلاً إن ذلك يعني “الانسحاب من دون تأخير”. وفي 7 ابريل/ نيسان، قالت مستشارة الأمن القومي لدى بوش، كوندوليزا رايس، للصحافيين: “إن عبارة “من دون تأخير” تعني من دون تأخير. أنها تعني الآن”.

وفي ذلك اليوم نفسه توجه وزير الخارجية كولن باول إلى الشرق الأوسط لكي يضغط على جميع الأطراف لتوقف القتال وتبدأ التفاوض.

وشمرت “اسرائيل” واللوبي للعمل. وكان أحد الأهداف الرئيسية كولن باول، الذي بدأ يحس لفح الحر من المسؤولين الموالين ل “اسرائيل” في مكتب ديك تشيني، نائب الرئيس، وفي البنتاجون، وكذلك من خبراء المحافظين الجدد مثل روبرت كاجان ووليام كريستول، الذي اتهمه بأنه “في واقع الأمر قد طمس التمييز بين الإرهابيين ومن يقاتلون الإرهابيين”.

وكان الهدف الثاني هو بوش ذاته، الذي كان يمارس عليه الضغط من قبل زعماء اليهود، والإنجيليين المسيحيين الذين يشكلون أحد المكونات المهمة لقاعدته السياسية.

وكان توم ديلاي، وديك آرمي صريحين بوجه خاص بشأن الحاجة إلى دعم “اسرائيل”، كما قام ديلاي وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ترينت لوت بزيارة البيت الأبيض، ونبها بصورة شخصية الرئيس بوش إلى ضرورة التراجع عن موقفه.

وجاء أول الدلائل التي تشير إلى تراجع بوش في 11 ابريل/ نيسان بعد أسبوع واحد فقط من طلبه إلى شارون سحب قواته عندما قال آري فليشر إن الرئيس يعتقد بأن شارون “رجل سلام”.

وقد أعاد بوش هذه العبارة علناً لدى عودة باول من مهمته الفاشلة، وقال للصحافيين إن شارون قد استجاب بطريقة مرضية لمناشدته إياه الانسحاب التام والفوري. ولم يفعل شارون مثل ذلك الأمر، ولكن رئيس الولايات المتحدة لم يعد راغباً في أن يجعل من ذلك قضية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق