بحث

الجمعة، 17 أبريل 2015

اللوبي "الإسرائيلي"والسياسة الخارجية الأمريكية : 5.

وأعضاء الكونجرس الموالون ل”اسرائيل” مصدر آخر لقوة اللوبي. وكما اعترف موريس أميتاي، أحد رؤساء منظمة “ايباك” السابقين، ذات مرة، حين قال
: “هنالك عدد كبير من الأشخاص الذين يمارسون العمل هنا (في مقر الكونجرس).. والذين هم من اليهود، ويرغبون ... في النظر إلى قضايا معينة من زاوية كونهم يهوداً.. وهؤلاء جميعاً أشخاص في وضع اتخاذ القرار في هذه المجالات لأولئك السيناتورات، ويستطيع المرء أن يلمس كمية هائلة من العمل الذي ينجز على مستوى هيئة العاملين في الكونجرس”.

ولكن “إيباك” نفسها هي التي تشكل جوهر نفوذ اللوبي في الكونجرس. ويرجع نجاح “إيباك” إلى مقدرتها على مكافأة أعضاء الهيئة التشريعية ومرشحي الكونجرس الذين يساندون أجندتها، ومعاقبة من يتحدونها. والمال مهم جداً للانتخابات الأمريكية (كما تذكرنا بذلك فضيحة عضو جماعة الضغط جاك أبراموف وصفقاته المشبوهة، التي فاحت رائحتها أخيراً)، وتتحقق منظمة إيباك من أن أصدقاءها يحصلون على دعم مالي قوي من عدد هائل من لجان العمل السياسي الموالية ل”اسرائيل”. أما الذين يعتبرون معادين ل”اسرائيل”، من جهة أخرى، فينبغي أن يكونوا على ثقة من أن منظمة “إيباك” سوف توجه تبرعاتها للحملة الانتخابية إلى خصومهم السياسيين، كما تنظم إيباك حملات كتابة رسائل، وتحث محرري الصحف على الموافقة على المرشحين الموالين لـ”اسرائيل”.

وليس هنالك شك في كفاءة هذه التكتيكات. ونسوق على ذلك مثالاً واحداً، ففي سنة 1984 ساعدت منظمة “إيباك” على هزيمة السيناتور تشارلس بيرسي من الينوي، الذي “أبدى عدم حساسية، بل عداء تجاه مصالحنا”، حسبما ذكر أحد أعضاء اللوبي البارزين. وشرح توماس داين، رئيس منظمة “إيباك” يومئذ ما حدث، فقال: “إن جميع اليهود في أمريكا، من الساحل إلى الساحل، اجتمعوا من أجل طرد بيرسي. وقد التقط الساسة الأمريكيون الرسالة وهم الذين يشغلون اليوم المناصب العامة أو يطمحون إلى شغلها”. وتعتز “إيباك” بسمعتها كخصم جبار، بطبيعة الحال، لأنها تثبط عزيمة أياً كان عن مساءلة أجندتها.

ولكن تأثير “إيباك” في الكونجرس يتعدى ذلك أكثر. وحسبما قال دوجلاس بلومفيلد، احد الأعضاء السابقين في هيئة العاملين في “إيباك”، فإن “من المألوف أن يرجع أعضاء الكونجرس ومساعدوهم إلى منظمة “إيباك” أولاً عندما يحتاجون إلى المعلومات، قبل الاتصال بمكتبة الكونجرس، أو خدمة الأبحاث التابعة للكونجرس، أو أعضاء إحدى اللجان أو خبراء الإدارة”. وأهم من ذلك، يذكر أن إيباك “كثيراً ما يجري الاتصال بها لصياغة الخطب، والعمل على التشريعات، وإبداء المشورة بشأن التكتيكات، وتنظيم الأبحاث، وجمع المشاركين في الرعاية، وتنظيم الأصوات الانتخابية”.

وجوهر الأمر هو أن منظمة “إيباك”، التي هي في واقع الحال عميل لدولة أجنبية، تمسك بخناق الكونجرس الأمريكي. فالنقاش العلني بشأن السياسة الأمريكية إزاء “اسرائيل” لا يجري هناك، على الرغم من أن لتلك السياسة عواقب مهمة على العالم بأسره. وهكذا فإن أحد الفروع الثلاثة الرئيسية للحكومة الأمريكية ملتزم بثبات بدعم “اسرائيل”.

وكما قال السيناتور السابق إيرنست هولينج (ديمقراطي من جنوب كارولينا)، عندما كان على وشك التخلي عن منصبه “انك لا تستطيع أن يكون لك سياسة إزاء “اسرائيل” غير تلك التي تعطيك إياها منظمة إيباك هنا”. وما من عجب في أن رئيس الوزراء “الاسرائيلي” أرييل شارون قال أمام جمهور أمريكي ذات مرة “عندما يسألني الناس كيف يستطيعون ان يساعدوا “اسرائيل”، أقول لهم: ساعدوا إيباك”.

التأثير في الفرع التنفيذي


يملك اللوبي كذلك نفوذاً واسعاً على الفرع التنفيذي. وتنبع تلك السلطة جزئياً من تأثير الناخبين اليهود على الانتخابات الرئاسية. وعلى الرغم من قلة عددهم بالنسبة إلى عدد السكان (فهم أقل من 3% من مجموع السكان)، إلا أنهم يدفعون أموالاً طائلة للحملات الانتخابية للمرشحين من كلا الحزبين. وقدرت صحيفة “الواشنطن بوست” ذات مرة أن مرشحي الرئاسة الديمقراطيين “يعتمدون على الأنصار اليهود لتزويدهم بما يبلغ 60% من الأموال”.

وعلاوة على ذلك، يتمتع اليهود بمعدلات تجمع عالية ويتركزون في الولايات الرئيسية مثل كاليفورنيا، فلوريدا، الينوي، نيويورك، وبنسلفانيا. ولأن للناخبين اليهود أهمية كبيرة في الانتخابات الختامية، يقطع المرشحون للرئاسة شوطاً بعيداً في عدم إثارة عدائهم.

كما تستهدف المنظمات الرئيسية في اللوبي الإدارة التي تمسك بزمام السلطة، على نحو مباشر. وعلى سبيل المثال، تضمن القوى الموالية ل”اسرائيل” ألا يحصل منتقدو الدولة اليهودية على تعيينات مهمة في السياسة الخارجية.

فقد أراد جيمي كارتر أن يتخذ جورج بول أول وزير خارجية لديه، ولكنه كان يعلم أن بول يعتبر منتقداً ل”اسرائيل” وأن اللوبي سوف يعارض تعيينه. ويجبر اختبار عباد الشمس هذا أي صانع سياسة طموح، على أن يصبح مؤيداً سافراً ل”اسرائيل”، وهذا هو السبب في أن المنتقدين العلنيين للسياسة “الاسرائيلية” أصبحوا صنفاً معرضاً للانقراض في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية.

ولا تزال هذه القيود فاعلة حالياً. فعندما دعا مرشح الرئاسة لسنة ،2004 هوارد دين، الولايات المتحدة إلى “لعب دور أكثر إنصافاً” في الصراع العربي “الاسرائيلي”، اتهمه السيناتور جوزيف ليبرمان بخداع “اسرائيل” وقال انه تصريحه “غير مسؤول”.

وفي واقع الأمر وقع جميع كبار الديمقراطيين في مجلس النواب رسالة شديدة اللهجة موجهة إلى دين، ينتقدون فيها تعليقاته، وذكرت صحيفة “شيكاجو جويش ستار” ان “مهاجمين مجهولين.. يزحمون صناديق البريد الالكتروني لزعماء اليهود في البلاد، محذرين من دون دليل يذكر من أن دين سيكون سيئاً بالنسبة إلى “اسرائيل”.

ولكن هذا القلق كان منافياً للعقل، لأن دين كان في حقيقة الأمر صقورياً بشأن “اسرائيل”، فقد كان المشارك في رئاسة حملته الانتخابية رئيساً سابقاً لمنظمة إيباك، وقال دين إن آراءه الخاصة بالنزاع في الشرق الأوسط تعكس على نحو أوثق آراء “إيباك” أكثر مما تعكس آراء الأمريكيين الأكثر اعتدالاً في منظمة السلام الآن.

وكان كل ما فعله دين انه اقترح أن على واشنطن من أجل “التقريب بين الطرفين” أن تتصرف كوسيط نزيه. ويصعب اعتبار هذه الفكرة راديكالية، ولكنها تعتبر لعنة لدى اللوبي، الذي لا يطيق حتى فكرة النزاهة عندما يتعلق الأمر بالصراع العربي “الاسرائيلي”.

وتخدم أغراض اللوبي كذلك عندما يحتل الأفراد الموالون ل”اسرائيل” مناصب مهمة في الفرع التنفيذي. وعلى سبيل المثال، كانت السياسة الأمريكية إزاء الشرق الأوسط في عهد إدارة ريجان، تتشكل إلى حد بعيد على أيدي مسؤولين لهم علاقات وثيقة مع “اسرائيل” أو مع منظمات بارزة موالية لـ”اسرائيل” ومن بينهم مارتن إنديك النائب السابق لمدير الأبحاث في منظمة “إيباك”، والمؤسس المشارك لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الموالي ل”اسرائيل”، ودينيس روس، الذي التحق بهذا المعهد بعد ترك الحكومة سنة ،2001 وأوهارون ميللر، الذي عاش في “اسرائيل” وكثيراً ما يزورها.

وكان هؤلاء الرجال من أقرب المستشارين لدى الرئيس كلينتون في مؤتمر كامب ديفيد في يوليو/ تموز سنة 2002. وعلى الرغم من أن ثلاثتهم كانوا يؤيدون عملية سلام أوسلو ويفضلون إيجاد دولة فلسطينية، فإنهم لم يفعلوا ذلك إلا في نطاق ما سيكون مقبولاً لدى “اسرائيل”.

وبوجه خاص، كان الوفد الأمريكي يأخذ التلقين من رئيس الوزراء “الاسرائيلي” إيهود باراك، وينسق المواقف التفاوضية سلفاً، ولم يعرض مقترحاته الخاصة لتسوية الصراع. ولا عجب والحالة هذه، أن المفاوضين الفلسطينيين اشتكوا من أنهم “يفاوضون فريقين “اسرائيليين” أحدهما يرفع العلم “الاسرائيلي”، والثاني يرفع العلم الأمريكي”.

بل إن الوضع أكثر صراحة ووضوحاً في إدارة بوش، التي تضم بين صفوفها أفراداً شديدي الولاء ل”اسرائيل”، مثل إليوت أبرامز، جون بولتون، دوجلاس فيث، لويس (“سكوتر”) ليبي، ريتشارد بيرل، بول وولفوتز، وديفيد وورمسر. وكما سنرى، فإن هؤلاء المسؤولين ظلوا يضغطون باستمرار من أجل السياسات التي تحبذها “اسرائيل” وتدعمها المنظمات في اللوبي.

السيطرة على الإعلام

بالإضافة إلى التأثير المباشر في سياسة الحكومة، يناضل اللوبي لتشكيل مفاهيم وآراء العامة بشأن “اسرائيل” والشرق الأوسط. وهو لا يريد وجود نقاش علني للقضايا التي تتضمن “اسرائيل”، لأن النقاش العلني قد يجعل الأمريكيين يتساءلون عن مستوى الدعم الذي يوفرونه حالياً. وتبعاً لذلك، تعمل المنظمات الموالية ل”اسرائيل” جاهدة للتأثير في الإعلام، وبيوت الخبرة، والأوساط الأكاديمية، لأن هذه المؤسسات بالغة الأهمية في صياغة الرأي العام.

وينعكس رأي اللوبي في “اسرائيل” على نطاق واسع في وسائل الإعلام السائدة لأسباب من أهمها أن معظم المعلقين الأمريكيين موالون ل”اسرائيل” ويخضع النقاش بين الخبراء في شؤون الشرق الأوسط، كما يقول الصحافي إريك ألترمان “للأناس الذين لا يستطيعون أن يتخيلوا انتقاد “اسرائيل”. ويسرد قائمة تضم أسماء 61 “كاتب عمود صحافي، ومعلق يمكن الاعتماد عليهم لمساندة “اسرائيل” دون وعي أو إرادة وبصورة مطلقة”.

وبالعكس، لم يجد ألترمان سوى خمسة خبراء ينتقدون بصورة ثابتة سلوك “اسرائيل” أو يؤيدون المواقف الموالية للعرب. وتنشر الصحف بين حين وآخر بعض الآراء أو الافتتاحيات المستضافة التي تتحدى السياسة “الاسرائيلية”، ولكن كفة ميزان الرأي مائلة على نحو واضح إلى الطرف الآخر.

وينعكس هذا التميز الموالي ل”اسرائيل” في افتتاحيات الصحف الرئيسية. وقد لاحظ روبرت بارتلي، المدير السابق لتحرير مجلة “وول ستريت جورنال”، أن “شامير، وشارون، وبيبي (أي نتنياهو مهما يطلب هؤلاء الأشخاص، فإن طلباتهم مقبولة لديّ”.

وليس أن هذه المجلة، بالإضافة إلى أن الصحف المبارزة الأخرى مثل، “ذي شيكاغو صن تايمز”، و”واشنطن تايمز”، تنشر باستمرار افتتاحيات موالية لـ”اسرائيل”. كما تدافع المجلات مثل مجلة “كومنتري”، و”نيو رييليك”، و”ويكلي ستاندارد” عن “اسرائيل” بحماس وفي كل مناسبة.

كما نجد تحيز الآراء والافتتاحيات كذلك في صحف مثل “نيويورك تايمز”. ويندر أن تنتقد هذه الصحيفة سياسات “اسرائيل”، وتسلم في بعض الأحيان بأن للفلسطينيين ظلامات مشروعة، ولكنها غير منصفة. وعلى سبيل المثال، اعترف مدير التحرير التنفيذي السابق لهذه الصحيفة، ماكس فرانكل، بتأثير موقفه الموالي لـ”اسرائيل” على اختياره للموضوعات التي يحررها. وقد قال حرفياً “لقد كنت مخلصاً ل”اسرائيل” على نحو أعمق بكثير مما أجرؤ على توكيده”.

ويتابع قائلاً: “متحصناً وراء معرفتي ب”اسرائيل”، وصداقاتي فيها، كنت اكتب بنفسي معظم تعليقاتنا الخاصة بالشرق الأوسط. وكما يعرف القراء العرب أكثر من القراء اليهود، كنت اكتب هذه التعليقات من منظور موال لـ”اسرائيل”.

وتغطية وسائل الإعلام لأخبار الأحداث التي لـ”اسرائيل” دخل بها، أكثر إنصافاً إلى حد ما من التعليقات والافتتاحيات التي تنشر، ويعود ذلك جزئياً إلى رغبة المراسلين في أن يكونوا موضوعيين، ولكنه يرجع كذلك إلى أن يصعب تغطية الأحداث في المناطق المحتلة من دون الاعتراف بسلوك “اسرائيل” الحقيقي.

ولكي يحبط اللوبي الأخبار غير المفضلة عن “اسرائيل” ينظم حملات كتابة الرسائل، والتظاهرات، وعمليات المقاطعة ضد وسائل الإعلام التي يعتبر مضمونها مناوئاً لـ”اسرائيل”. وقد قال أحد المسؤولين في شبكة “سي أن أن”، انه يتلقى في بعض الأحيان 6 آلاف رسالة الكترونية ورسالة نصية قصيرة في يوم واحد تشكو من أن خبراً ما، كان معادياً لـ”اسرائيل”.

وبالمثل، نظمت لجنة (تحري الدقة في أخبار الشرق الأوسط في أمريكا) الموالية لـ”اسرائيل”، مظاهرات خارج محطات الإذاعة الوطنية العامة في 33 مدينة في مايو/ أيار ،2003 كما حاولت أن تقنع المتبرعين بأن يحجبوا الدعم عن هذه الإذاعة، إلى أن أصبحت التغطية الإخبارية أكثر تعاطفاً مع “اسرائيل”.

وذكر أن محطة هذه الإذاعة في بوسطن خسرت أكثر من مليون دولار من التبرعات نتيجة لهذه الجهود. كما جاء الضغط على محطة الإذاعة الوطنية كذلك من قبل أصدقاء “اسرائيل” في الكونجرس، الذين طلبوا منها إجراء تدقيق داخلي، وممارسة مزيد من الإشراف على أخبار الشرق الأوسط.

وتساعد هذه العوامل في تفسير احتواء وسائل الإعلام الأمريكية على النزر اليسير فقط من الانتقاد لسياسة “اسرائيل”، والنادر جداً من مساءلة واشنطن عن علاقتها بـ”اسرائيل”، ومناقشات لنفوذ اللوبي الهائل على سياسة الولايات المتحدة، لا تأتي إلا لماماً.

“اسرائيل” متغلغلة في كل معاهد الدراسات والبحوث


تتغلغل القوى الموالية ل “اسرائيل” في كافة مناحي مؤسسات ومعاهد الدراسات والبحوث والتخطيط الاستراتيجي والفكري في الولايات المتحدة وتهيمن عليها. ولا يخفى أن هذه المراكز والمعاقل الفكرية تلعب دوراً مهماً في صياغة الجدل العام ومساراته في المحافل والمنابر، إضافة إلى ما تقوم به من دور خطير في صياغة السياسة الحقيقية.

وبادر اللوبي إلى إنشاء ترسانته الفكرية في عام ،1985 عندما ساعد مارتن إنديك في تأسيس “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” ورغم أن المعهد يقلل من أهمية الصلات التي تربطه ب “اسرائيل”، ويزعم بدلاً من ذلك أنه يقدم رؤية “متوازنة وواقعية” حول قضايا الشرق الأوسط، إلا أن واقع الحال يناقض هذه الدعوى.

وفي الحقيقة فإن المعهد المذكور يديره ويموّله أناس منغمسون من مفرق رأسهم وحتى أخمص أقدامهم في نصرة جدول العمل “الاسرائيلي” وخدمة أهداف أجندة “اسرائيل” هذه.

ويتجاوز نفوذ وتأثير هذا اللوبي في عالم بؤر الدراسات الاستراتيجية هذه نطاق معهد واشنطن ويتعداه بكثير. وعلى امتداد ربع القرن الذي انصرم أسست القوى الموالية والمناصرة ل “اسرائيل” لحضور طاغ في معهد المشروع الأمريكي، وفي معهد بروكينغز، ومركز السياسة الأمنية، ومعهد بحوث السياسة الخارجية ومؤسسة التراث، ومعهد هدسون، ومعهد تحليل السياسة الخارجية، والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (جيشا).

ومراكز الدراسات وصياغة الفكر والرأي العام هذه مناصرة ل “اسرائيل” يقيناً، وهي إن ضمت فلا تضم سوى حفنة ضئيلة ممن ينتقدون سياسة الولايات المتحدة الداعمة للدولة اليهودية.

ومن بين المؤشرات ذات الشأن التي تنبئ عن مدى نفوذ اللوبي وتأثيره في عالم بؤر الفكر الموجه هذه الأطوار المتدرجة التي مر بها معهد بروكينغز عبر مسيرة تطوره. فعلى مدى سنوات طويلة ظل وليم. ب. كونديت، وهو أكاديمي بارز ومسؤول سابق في مجلس الأمن القومي، يشغل منصب كبير الخبراء في المعهد لشؤون وقضايا الشرق الأوسط. وكان الرجل قد حاز صيتاً يستحقه لنزاهته المشهود بها في قضايا الصراع العربي “الاسرائيلي”.

وأما اليوم، فما يقوم به بروكينغز على أي حال، وما يجريه ويشتغل به من دراسات حول هذه المسائل إنما يقوم به من خلال “مركز سابان” التابع له لدراسات الشرق الأوسط، الذي يموله حاييم سابان، وهو رجل أعمال “اسرائيلي” أمريكي واسع الثراء وصهيوني متعصب ينضح بالتطرف. ويدير “مركز سابان” العفريت المذهل إياه الذي يحشر أنفه في كل ركن وثقب مارتن إنديك.

وهكذا نرى أن ما كان يوماً ما معهداً يعكف على دراسة القضايا الشرق أوسطية لم تنخره بعد الروح التحزبية المتحيزة، قد صار اليوم جزءاً من جوقة المناصرة ل “اسرائيل” لينضم بذلك إلى حشد ضخم من بؤر الفكر الموجه والدراسات الاستراتيجية المؤدلجة الموالية في معظمها ل “اسرائيل”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق