شهدت الجغرافيا السياسية لجماعة الإخوان فى أوروبا عدة نقلات نوعية منذ تأسيس المركز الإسلامى فى جنيف عام 1961 باعتباره أول مؤسسة اخوانية فى أوروبا، حيث ركزت الجماعة فى مرحلة أولى- فى إطار استراتيجيتها الرامية لتوظيف
أوروبا كنقطة انطلاق لمهاجمة الأنظمة العربية - على التوسع الرأسى فى ثلاثة بلدان أوروبية رئيسية وهى فرنسا وألمانيا ثم بريطانيا لاعتبارات التاريخ والجغرافيا السياسية فى ضوء أنها أكبر بلدان الاتحاد الأوروبى من حيث المساحة وعدد السكان، فضلاً عن أنها تمثل مركز استقطاب للجاليات الاسلامية القادمة من البلدان العربية والإسلامية التى كانت خاضعة لتأثيرها الثقافى والاستعمارى.
وظفت الجماعة وجودها المؤسسى فى البلدان الثلاثة الذى أتاح لها بناء شبكة من التحالفات والاعتماد المتبادل مع الكيانات الممثلة للكتل الإسلامية الرئيسية فى العالم، من خلال الانفتاح على الاسلام التركى الموجود بكثافة فى ألمانيا. غير أن النجاح الأكبر تمثل فى استغلال الجاليات المغاربية الكبيرة الموجودة فى فرنسا كبوابة عبور لجماعة الإخوان إلى منطقة المغرب العربى باعتبارها إحدى الكتل الإسلامية الرئيسية فى العالم العربى-الإسلامى. وقد عزز من ذلك، قيام العديد من الحركات الإسلامية المغاربية الموالية للجماعة أو القريبة منها بتأسيس مكاتب لها فى فرنسا وبلجيكا بشكل خاص مثل حركة النهضة التونسية وجماعة العدل والإحسان المغربية، بالإضافة إلى عدد آخر من الأحزاب الإسلامية المؤثرة فى المغرب العربى. كما أدى الوجود الإخوانى فى الدول الأوروبية الثلاثة الكبرى إلى خلق امتدادات مؤسسية اخوانية فى الدول الأصغر المجاورة التى تدور فى فلكها، كما فى حالة بلجيكا بالنسبة لفرنسا وأيرلندا بالنسبة لبريطانيا وسويسرا بالنسبة لألمانيا.
ترتيباً على ذلك، شهدت أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات بروز "الجيل الثانى" من المؤسسات الإخوانية من خلال التوسع الأفقى فى أوروبا وذلك فى إطار توظيف التنظيم الدولى للاخوان للموجات الجديدة للهجرات العربية الإسلامية لأوروبا بالتوازى مع بدء بروز الجيل الثانى من مسلمى أوروبا فى تلك الحقبة. وقد أنشىء فى هذا الإطار اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا كواجهة أمامية للتنظيم الدولى للإخوان وكمظلة تضم كل الجمعيات الاخوانية والاسلامية المحسوبة على التيار الإخوانى فى أوروبا والذى يبلغ عددها أكثر من 500 منظمة بدول الاتحاد الأوروبى وخارجها، بالإضافة إلى الكيانات غير الرسمية التى تعمل فى إطاره.
كما يوجد إطار مواز غير رسمى يتمثل فى الأفراد المنتمين للإخوان من خارج الإطار التنظيمى ويتولون مهمة ادارة عدد من الجمعيات والمنظمات الأصغر التى تقوم بأدوار بعيدة عن الإطار الدينى والدعوى للجماعة بهدف جذب تعاطف الأوروبيين لأفكار الإخوان عبر تسويقها فى إطار علمانى يستهدف الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، مثل الكيانات الإعلامية الإخوانية الموجودة فى بريطانيا وتلك المعنية بالتعليم والثقافة والشباب التى تركز على قضايا ادماج المسلمين فى أوروبا.
التوسع الرأسى
مثل المركز الثقافى الإسلامى فى جنيف الذى أسسه سعيد رمضان زوج ابنة مؤسس جماعة الاخوان حسن البنا عام 1961 بتمويل خليجى النواة المؤسسية الأولى لتنظيم الإخوان فى أوروبا، حيث احتضن المركز العديد من العلماء المسلمين المتعاطفين مع جماعة الإخوان ولا سيما الهنود منهم مثل محمد حميد الله وأبو الحسن الندوى. كما قام سعيد رمضان- فى اطار تعزيز الوجود الاخوانى فى أوروبا- باسهام كبير فى تأسيس ووضع ميثاق الجامعة الإسلامية العالمية التى تم انشاؤها عام 1962 كأول منظمة اسلامية عابرة للقارات تمتلك فروعاً فى العديد من العواصم الأوروبية حيث عملت لفترات كظهير مساند للجمعيات والاتحادات الإخوانية الناشئة آنذاك على الأراضى الأوروبية. كما مثلت لجنة مسجد ميونيخ التى ترأسها سعيد رمضان عام 1963 أول نقلة نوعية على صعيد التواجد المؤسسى للاخوان فى أوروبا حيث اعتبرت ألمانيا الغربية بمثابة المركز الجديد للنشاط الإخوانى، فى الوقت الذى تحولت فيه اللجنة عام 1973 بعد الانتهاء من إنشاء المسجد إلى منظمة رئيسية تتولى تمثيل مسلمى ألمانيا تحت اسم مؤسسة ألمانيا الإسلامية IGD .
بالتوازى مع جهود سعيد رمضان لتأسيس القاعدة المؤسسية الاخوانية فى ألمانيا الغربية وسويسرا ، قام محمد حميد الله -رفيق سعيد رمضان- بإنشاء أول منظمة إخوانية فى فرنسا وهى جمعية الطلبة المسلمين عام 1963 بباريس، حيث ضمت مجموعة من شباب الإخوان والمتعاطفين مع أيديولوجية الجماعة آنذاك من بينهم حسن الترابى وأبو الحسن بنى صدر أول رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية وراشد الغنوشى وفيصل مولوى زعيم اخوان لبنان الذى تولى إدارة الجمعية عام 1968. هذا بالإضافة إلى عدد من قياديي الفصيل السورى للاخوان مثل سعيد البوطى وعصام العطار الذى انفصل عن الجمعية ليؤسس جمعية مسجد بلال بمدينة آخن بألمانيا الغربية التى تحولت فيما بعد إلى مركز رئيسى لإخوان سوريا.
شهدت حقبتا السبعينيات والثمانينيات انطلاقة مؤسسية جديدة لجماعة الإخوان فى أوروبا من خلال توافد ما يمكن أن يطلق عليه الموجة الثانية من العناصر الإخوانية التى توجهت إلى أوروبا بعد صدامها مع الأنظمة العربية، إذ حدث تزايد مطرد فى عدد الفروع الأوروبية للأحزاب والكيانات الإسلامية فى العالم العربى وعلى رأسها جماعة الإخوان. فى هذا السياق، انشقت مجموعة من اللاجئين السياسيين والطلبة المحسوبين على الكوادر التنظيمية الإخوانية عن جمعية الطلبة المسلمين فى فرنسا عام 1979 وقامت بتأسيس ما أطلق عليه "المجموعة الإسلامية فى فرنسا" والتى سرعان ما تحولت عام 1983 إلى اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا الذى تولى راشد الغنوشى وضع الهيكل الخاص به واستراتيجيته السياسية والأيديولوجية بما جعله إحدى الدعائم المؤسسية الإخوانية فى فرنسا وأوروبا حتى الوقت الراهن. وذلك فى الوقت الذى شهدت فيه بداية التسعينيات تأسيس المجلس التنفيذى لجبهة الانقاذ الاسلامية الجزائرية بروافدها السلفية والاخوانية فى فرنسا وألمانيا وعدد من العواصم الأوروبية، بالإضافة إلى جمعية الأخوة الجزائرية فى فرنسا والتى تبنت نهجاً أيديولوجياً قريبا من توجهات الإخوان.
تواكب ذلك مع تعميق جماعة الإخوان لتعاونها على الساحة الأوروبية مع روافد الاسلام السياسى غير العربى وتحديداً الرافدين التركى المتمثل فى منظمة MILLI GORUS التى اتخذت من ألمانيا مركزاً لها بعد الحكم بحل حزب الرفاة التركى فى السبعينيات. بالإضافة إلى الرافد الباكستانى الممثل فى الجماعة الإسلامية الباكستانية المتمركزة فى بريطانيا منذ عقد الخمسينيات، وضعاً فى الاعتبار أن الرابطة الأيديولوجية بين الجماعة الإسلامية الباكستانية وجماعة الإخوان تم بلورتها إبان الحرب العالمية الثانية بواسطة سيد قطب وأبو الأعلى المودودى.
كان من محصلة كل تلك التطورات، أن سعت جماعة الإخوان لتوظيف رصيدها المؤسسى فى عدة عواصم أوروبية من أجل تأسيس حركة معارضة إسلامية متعددة الجنسية تحت قيادتها فى مواجهة الأنظمة العربية التى تصادمت معها. وعلى سبيل ذلك، اعتمدت الجغرافيا السياسية لجماعة الإخوان فى أوروبا على مبدأ النواة الصلبة كقاطرة للعمل الدعوى والسياسى الإخوانى والمتمثل فى الاتحادات والجمعيات النشطة فى الدول الثلاث الأوروبية الرئيسية وهى فرنسا وألمانيا وبريطانيا إذ تعد الأخيرة هى نقطة الانطلاق الأكثر شراسة فى مواجهة الأنظمة المصرية المتعاقبة.
ألمانيا
تغلغلت جماعة الإخوان فى المانيا بدءا من مسجد ميونيخ الذى تم الاعلان عن انشائه عام 1963 حيث تستند استراتيجية الاخوان على 3 أدوات رئيسية وهى المجلس المركزى للمسلمين فى ألمانيا والمؤسسة الإسلامية لألمانيا التى تعد صوت مسلمى ألمانيا حيث تتحكم فى نحو 60 مركزا اسلاميا فى انحاء ألمانيا التى يتراسها الاخوانى المصرى ابراهيم الزيات (صهر صبرى اربكان زعيم جماعة ميللى جوروس التركية)، والجناح التركى المتمثل فى ميللى جوروس الذى يسيطر على قطاعات عريضة من الجالية التركية فى ألمانيا. إذ تتبنى الجمعية أيديولوجية اسلامية تجعلها احد روافد الاخوان فى اطار مشروع الاسلام السياسى التركى، فضلا عن علاقاتها الوثيقة بالرئيس التركى أردوغان. كما تأسست مؤخراً جمعية جديدة تمثل اتحاداً بين ميللى جوروس التركية والمؤسسة الإسلامية بألمانيا التابعة لجماعة الإخوان (التى يترأسها ابراهيم الزيات) تحت مسمى ZENTRALRAT.
فرنسا
أما فى فرنسا، فقد تمكن اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا -عبر توظيف الكوادر الإخوانية المغاربية ولا سيما العناصر التونسية التى تعد النواة الصلبة للاتحاد- من ضم أكثر من 250 مسجدا وجمعية اسلامية على الأقل تحت مظلته بما مكنه من بسط نفوذه على كتلة معتبرة من مسلمى فرنسا فى عدد كبير من المدن والضواحى الفرنسية مما أسهم فى ترجيح كفته داخل المجلس التمثيلى لمسلمى فرنسا فى انتخاباته المتعاقبة. فضلاً عن تمتع كوادر الاتحاد بعلاقات متميزة مع السلطات الفرنسية (نتيجة قيام قيادات الاتحاد بمجابهة التيار السلفى) بما جعله أحد القواسم المشتركة فى الحملات الانتخابية المحلية والتشريعية فى ضوء تحكمه فى نسبة لا يستهان بها من أصوات المسلمين فى عدد من المدن الفرنسية الخاضعة لسيطرته.
كما أنه فى إطار تنويع المنطق المؤسسى الإخوانى، اقدم اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا على المضى فى انشاء مجموعة من المدارس لتخريج نخبة اسلامية أشهرها مدارس الكندى والرازى وابن رشد حيث يمتلك الاتحاد 5 من بين 10 مؤسسات تعليمية إسلامية فى فرنسا وفقا لاحصاءات 2012. كما يسيطر الإخوان فى فرنسا على عدد آخر من المؤسسات التعليمية التابعة ايديولوجيا للجماعة فى فرنسا مثل مركز الدراسات والبحوث حول الاسلام والمعهد الأوروبى للعلوم الانسانية الذى يتولى اعداد وتخريج الدعاة والأئمة فى أوروبا ومعهد دراسات العالم الاسلامى والفرع الفرنسى للمعهد العالمى للفكر الاسلامى الذى يتخذ من بريطانيا مقرا له ومركز الشاطبى بالإضافة إلى معهد ابن سينا لتخريج الأئمة بمدينة ليل شمال فرنسا والذى أنشىء عام 2006 بتمويل قطرى. هذا فضلاً عن سيطرة الشركات التابعة لقيادات اتحاد المنظمات الاسلامية على سوق اللحوم الحلال فى فرنسا واحتكار تصديرها لعدد من دول الخليج العربى.
بريطانيا
بعكس ألمانيا وفرنسا، لم يكن لعناصر الإخوان العرب الريادة المؤسسية فى الوجود على الأراضى البريطانية، إذ كان السبق فى هذا الصدد، منذ الخمسينيات، للجماعة الاسلامية الباكستانية التى تمثل الاسلام السياسى لجنوب آسيا. وفى هذا السياق، ففى عام 1997، أسست العناصر العربية لجماعة الإخوان جمعية بريطانيا الإسلامية برئاسة كمال الهلباوى كتتويج لنشاطها على الساحة البريطانية على مدى عقدى السبعينيات والثمانينيات فى اطار تحقيق عدد من الأهداف أهمها الحصول على وضعية المتحدث الرسمى باسم مسلمى بريطانيا والحشد ضد الأنظمة العربية والإسلامية التى تصادمت معها الجماعة من خلال التأثير على صناع القرار والرأى العام البريطانى. وقد استخدمت الجمعية على سبيل المثال- فى إطار تغلغلها داخل النخبة البريطانية- النائب جورج جالاوى كصوت بريطانى معارض للغزو البريطانى- الأمريكى للعراق كما وظفته لمناصرة فلسطين من خلال المظاهرة الحاشدة التى نظمتها فى لندن عام 2002 لتأييد القضية الفلسطينية. هذا بالإضافة إلى التحالفات التى كونتها جمعية بريطانيا الإسلامية مع الشخصيات البريطانية البارزة مثل عمدة لندن الأسبق "كين ليفنجستون".
يتسم نشاط الإخوان فى بريطانيا بأنه يقوم على مجموعة من الهياكل والمؤسسات الموازية التى تديرها كوادر تنظيمية اخوانية ذات اتماءات اثنية متباينة ولكنها تشترك فى كونها قادمة من بلدان خضعت للتأثير البريطانى مثل مصر والعراق والاردن وفلسطين. وتتضمن هذا الكيانات المتوازية إلى جانب جمعية مسلمى بريطانيا MUSLIM WELFARE وINTERPAL(التى سبق اتهامها من قبل وزارة الخزانة الأمريكية بتمويل أنشطة ارهابية)، وكذلك مركز العودة الفلسطينى ومركز مشرق للخدمات الإعلامية وصحيفة فلسطين الناطقة بالانجليزية ذات التوجهات الأيديولوجية المؤيدة لحماس، فضلاً عن مركز دراسات السياسة الدولية فى لندن.
فى هذا السياق، يلاحظ أن بريطانيا بشكل خاص تعد نقطة تجمع للإخوان المصريين للهجوم على الأنظمة المصرية المتعاقبة حيث نجد أن عصام الحداد قام بتأسيس منظمة ISLAMIC RELIEF بأفرعها المختلفة فى العالم، وذلك فى الوقت الذى شغلت فيه مها القزاز (شقيقة خالد القزاز مستشار محمد مرسى) منصب المتحدث باسم الإخوان فى بريطانيا غير أنه جرى استبدالها فى وقت لاحق بعبد الله الحداد نجل عصام الحداد الذى يعمل فى WORLD MEDIA SERVICE التى اسسها الإخوانى محمد غانم بلندن عام 1993 وتتولى إدارة موقع اخوان ويب. كما يرتبط إخوان مصر فى بريطانيا بعلاقات وثيقة بتجمع "مصريون من أجل الديمقراطية" التى تديره مها عزام رئيسة ما يسمى بالمجلس الثورى المصرى الموالى لأردوغان ويضم عناصر غير اخوانية. غير أن نشاط التجمع ضعيف ولا تحظى فعالياته التى ينظمها فى البرلمان البريطانى بحضور كبير. هذا فضلاً عن وجود مكتب محاماة ITTN تحت رعاية اللورد كين ماكدونالد الذى يتولى الحشد والتعبئة ضد النظام المصرى وبصفة خاصة بعد ثورة 30 يونيو لدى دوائر صنع القرار فى بريطانيا وبعض العواصم الأوروبية.
ويلاحظ فى هذا الصدد، أن قيادات الاخوان فى بريطانيا كانت تسيطر بشكل تام على 13 منظمة وجمعية فى لندن وحدها عبر ثلاث قيادات مصرية هى عصام الحداد وابراهيم منير وابراهيم الزيات (الذى ترأس فى وقت سابق مؤسسة ألمانيا الإسلامية IGD)، كما كانت تلك الجمعيات تقوم بعمليات تحويل للأموال من خارج بريطانيا لاستثمارها فى مشروعات تجارية وشركات تمويل العقارات ومصانع النسيج بشكل خاص، فضلاً عن امتلاك القيادات الإخوانية المصرية لشركات عديدة تتخذ من جزر العذراء البريطانية مقراً لها بالتوازى مع افتتاح فروع لها فى لندن لتمويل أنشطة الجماعة.
التوسع الأفقى
مثل كتاب يوسف القرضاوى " أولويات الحركة الإسلامية خلال المرحلة القادمة" الذى صدر عام 1990 دستوراً لتحركات الإخوان المؤسسية فى الغرب بوجه عام منذ بداية التسعينيات وحتى الوقت الراهن، حيث دعا القرضاوى إلى نبذ العنف واستخدام الدعوة والحوار وبقية الوسائل السلمية فى ظل ما أطلق عليه "الوسطية بين التطرف والعلمانية". وكان أهم ما تضمنه الكتاب الإشارة إلى المسلمين فى الغرب والارتفاع المتوقع لأعدادهم فى ظل ارتفاع وتيرة الهجرة إلى الدول الغربية ومخاطر ذوبانهم الكامل داخل تلك المجتمعات الغربية بحكم أنهم يمثلون الأقلية. فى هذا السياق، روج القرضاوى لفكرة انشاء مجتمع منفصل لمسلمى الغرب أطلق عليه مصطلح "الجيتو المسلم فى الغرب".
اعتبر "الدستور الإخوانى الجديد فى الغرب" الذى صاغه القرضاوى بمثابة مشروع سياسى جديد يهدف للبناءعلى الرصيد الذى راكمته جماعة الإخوان عبر اتحاداتها وكياناتها الوطنية فى الدول الأوروبية الكبرى (فرنسا-المانيا-بريطانيا). وقد بدأت الجماعة منذ عام 1989 فى وضع النواة الأولى للعمل بشكل أفقى فى القارة الأوروبية من خلال انشاء اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا الذى اتخذ من بريطانيا مقراً مؤقتاً له. ويمثل الاتحاد الواجهة الأمامية لجميع المنظمات والكيانات والجمعيات الإسلامية الإخوانية والمتعاطفة معها فى أنحاء أوروبا وهو ما يشبه أداة للتمثيل الدبلوماسى للإخوان من خلال خطاب سياسى غير دعوى يركز على الديمقراطية وحقوق الإنسان (وفقاً للمعايير الأوروبية) .
وفى سبيل ذلك، استحدث الاتحاد مجموعة من المنظمات التابعة له أشبه بالوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة مثل EUROPEAN TRUST المعنية بجمع التبرعات العلنية للجمعيات الإخوانية والمعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية ومقره الرئيسى فرنسا (بالإضافة إلى فرع فى بريطانيا) وهو يعنى بتدريب وتخريج الأئمة والدعاة الذين يتولون إمامة المساجد التابعة للإخوان فى أوروبا بطاقة متوسطة تقترب من 200 طالب سنوياً. كما قام الاتحاد عام 1996 بتأسيس منتدى الشباب الأوروبى ومنظمات الطلبة بتمويل خليجى باعتباره صوت الشباب المسلم الأوروبى حيث يضم المنتدى 37 جمعية تابعة له بشكل رسمى، ويتمتع بتمثيل لدى البرلمان الأوروبى والمفوضية الأوروبية حيث تقوم الأخيرة بتمويل عدد من أنشطة تلك الجمعيات. هذا بالإضافة إلى قيام الاتحاد عام 2006 بإنشاء المنتدى الأوروبى للنساء المسلمات فى بروكسل ويتكون من 14 منظمة ممثلة فى كل من بلجيكا وفرنسا وسويسرا والدنمارك والسويد وألمانيا وايطاليا وبريطانيا وأسبانيا وأيرلندا واليونان والبوسنة.
مع اتساع عدد المنظمات الداخلة فى نطاقه، نقل اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا مقره إلى العاصمة البلجيكية بروكسل عام 1997 حتى يكون على مقربة من مؤسسات الاتحاد الأوروبى بما يسهل ايجاد التمويل الأوروبى لنشاط تلك الجمعيات من ناحية وكذلك الحشد للقضايا الإسلامية مثل فلسطين والعراق وكشمير أو التعبئة ضد الأنظمة العربية التى تصادمت معها الجماعة لدى المؤسسات الأوروبية. كما يتسم اتحاد المنظمات الاسلامية بالحركية فى أنشطته فعلى الرغم من أن المقر فى بروكسل، إلا أن الاتحاد لديه مقرات فرعية فى النرويج والسويد وبلجيكا وبريطانيا تتولى ادارة ملفات الشباب والتعليم والاعلام.
كما انتهج اتحاد المنظمات الإسلامية استراتيجية للتوسع خارج حدود دول الاتحاد الأوروبى، إذ أنه فضلاً عن الجمعيات الداخلة تحت مظلته والتى تعمل فى 18 دولة عضو بالاتحاد، افتتح الاتحاد فروعاً له فى 9 دول أوروبية أخرى وهى ألبانيا والبوسنة واقليم كوسوفو ومقدونيا وملدوفا وروسيا وسويسرا وتركيا وأوكرانيا. كما يقوم الاتحاد بتمويل أنشطته من خلال اشتراكات الأعضاء سواء كانت جمعيات أو اتحادات وطنية أو أفراد محسوبين على التيار الإخوانى، بالإضافة إلى الهبات والمنح المقدمة من الشخصيات الاخوانية مثل يوسف ندا وكذلك عدد من الشخصيات الخليجية المحسوبة على التيار الإخوانى التى تتولى الاسهام فى تمويل أنشطة اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا بشكل منتظم.
يكمن النشاط الأكثر خطورة فى أداء اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا فى إقدامه على تأميم فضاء الفتوى فى القارة من خلال إنشاء المجلس الأوروبى للبحوث والإفتاء الذى يرأسه يوسف القرضاوى وتأسس عام 1996 فى العاصمة الأيرلندية دبلن ويعد إحدى الأذرع الرئيسية للتوسع الأفقى لجماعة الإخوان فى أوروبا. وعلى الرغم من نفى المجلس علاقته بجماعة الإخوان، إلا أنه فى واقع الأمر يعد بمثابة الإطار الرسمى الجامع للتوجهات الايديولوجية داخل التنظيم الدولى والحركات المتعاطفة معه فى اطار التعبير عن الاسلام السنى. وهو أقرب إلى منتدى يضم علماء فى الافتاء من مختلف مناطق العالم الاسلامى لكسب الشرعية التى تمكن جماعة الإخوان والحركات المتحالفة معها من تأميم فضاء الفتوى فى القارة الأوروبية واحكام السيطرة الروحية على مسلمى أوروبا.
المصدر :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق