بحث

الجمعة، 10 أبريل 2015

فصل من فصول مؤامرات العالم الموحد وحكومة العالم الخفية : خطوات إلغاء آخر خلافة إسلامية.

الكثير من تفاصيل إلغاء الخلافة ، وما جرى خلف الكواليس والقوى والبؤر العديدة – الداخلية منها والخارجية- التي لعبت دورا مهما في هذا الأمر لا تزال
غير معروفة تماما ؛ لأن هناك ستارا من الغموض فرض على العديد من الحوادث التي جرت في الفترة الأولى من العهد الجمهوري التركي ..

مثلا لم يسمح بنشر مذكرات آخر خليفة ، وهو الخليفة عبد المجيد ، وهذه المذكرات تقع في 12 مجلدا ، ولا شك أنها مذكرات هامة تلقي الكثير من الأضواء على أحداث ذلك العهد ، ولكن لم يستطع أي مؤرخ الاطلاع عليها ، وكذلك هناك مذكرات السيدة "لطيفة أوشاكلي كيل" زوجة مصطفى كمال ، وكما هو معلوم فقد انتهى هذا الزواج بالطلاق بعد فترة قصيرة ، وكانت قد اعتادت على تسجيل مذكراتها ، وهذه المذكرات في شكل دفاتر عديدة، وهي موجودة الآن في حوزة لجنة التاريخ التركي، وفي صندوق حديدي ، ولا يسمح لأي مؤرخ بالاطلاع عليها، بدعوى أن فيها ما يسيء إلى صورة مصطفى كمال ، لذا فلا يجب أن تطلع الجماهير عليها، لكي لا تهتز الصورة الجميلة لمصطفى كمال التي تم حفرها في أذهان الجميع كقائد وبطل تاريخي أنقذ الوطن من الأجانب ، وأسس الجمهورية التركية الحديثة!!.

كما منع نشر القسم الأعظم من مذكرات القائد التركي المشهور المارشال فوزي جاقماق وزير الدفاع في عهد مصطفى كمال ( الذي كان معروفا بتدينه الشديد) والذي تناول فيها حرب الاستقلال التي خاضها جنبا إلى جنب مع مصطفى كمال ومع القواد الوطنيين، وما جرى من أحداث في تلك الفترة ، والسبب هو نفسه...أي لكي لا تصل حقيقة ما حدث في تلك السنوات إلى المؤرخين وإلى الجماهير ؛ لأن الظاهر أن فيها ما يمس مصطفى كمال.

ومثل هذا التصرف لا يليق إلا بدولة دكتاتورية تمنع الفكر الحر والتقويم الحر ، ولا تؤمن بوجوب إيصال المعلومات إلى الشعب، لا بدولة حديثة وديمقراطية ، وقد ارتفعت بعض أصوات المفكرين والمثقفين وبعض المؤرخين طالبة الإفراج عن هذه المذكرات قائلة : إن مصطفى كمال إنسان يخطئ ويصيب، وليس هناك من سبب لتصويره ملاكا لا يخطئ ، ولكن الظاهر أن العسكر يعارضون هذا النشر معارضة شديدة ، وقد نجحوا في إدامة هذا الحظر حتى الآن.

على أي حال دعونا نحاول تسليط بعض الأضواء على موضوع إلغاء الخلافة ، وكيف جرى ؟! وما رافقه من أحداث ، وإن كنا نعترف بأن هناك معلومات قيمة حول هذا الموضوع لم يكشف عنها النقاب حتى الآن.

في أثناء حرب الاستقلال ( التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، والتي حررت تركيا من المعاهدات الجائرة التي فرضت على الدولة العثمانية المغلوبة، وخلصت الوطن من الاحتلال الأجنبي في النهاية) كانت هناك لفترة حكومتان، حكومة يقودها مصطفى كمال ومقرها في أنقرة ولها برلمان، وحكومة في اسطنبول على رأسها الخليفة وحيد الدين الذي كان في الحقيقة أسيرا لدى قوات دول الحلفاء المحتلة لاسطنبول ، وعلى رأسها إنكلترة.

بعد النصر العسكري الذي أحرزته تركيا في حروب الاستقلال، وفي أثناء هدنة "مودانيا" تقرر البدء بالمفاوضات بين تركيا ودول الحلفاء في مدينة "لوزان" بسويسرة".(3-11/10/1922).أهم الدول التي اشتركت فيها هي: تركيا، انكلترة، فرنسا ،إيطاليا ،اليابان، اليونان، رومانيا ، وروسيا، واشتركت الولايات المتحدة الأمريكية فيها كمراقب.

وعندما علمت حكومة أنقرة أن في نية إنكلترة ودول الحلفاء الأخرى دعوة حكومة اسطنبول أيضا للمفاوضات قامت بإلغاء السلطنة للحيلولة دون اشتراك تلك الحكومة، ولكي لا يكون هناك ممثلان عن تركيا يختلفان في وجهات النظر في العديد من المسائل ، وأصبحت هي الممثلة الوحيدة في تلك المفاوضات.

تم الإلغاء كما يأتي:

في 1/11/1922 قام صديقان من أصدقاء مصطفى كمال في المجلس النيابي ، وهما الدكتور رضا نور (1) وحسين عوني بتقديم مشروع إلى المجلس النيابي يقترح فصل السلطنة عن الخلافة ، أي أن الخليفة لم يعد يملك سلطة سياسية ، بل تحول إلى رمز ديني فقط..

ووافق المجلس على المشروع ، فتم فصل السلطنة عن الخلافة ، وهكذا حيل بين الدول وبين دعوة حكومة اسطنبول إلى المباحثات ؛ لأن أنقرة أصبحت الحكومة الوحيدة التي تمثل تركيا سياسيا ، وخشي وحيد الدين على نفسه فهرب من اسطنبول على ظهر بارجة بريطانية ، وجرى نقاش في المجلس حول هذا الهروب ، وتم التنديد به.

بعد هذا الهرب بقي منصب الخلافة شاغرا، وكان لا بد من ملئه، فتقدم نائب قونية السيد وهبي أفندي إلى المجلس – طبعا بمعرفة وموافقة مصطفى كمال- باقتراح حول انتخاب خليفة ، تم التصويت في البرلمان واختير عبد المجيد أفندي خليفة ، إذ نال 148 صوتا من مجموع 162 صوتا ، وقام مصطفى كمال – باعتباره رئيس الحكومة بإبلاغ النتيجة إلى الخليفة المنتخب ، ولكنه في اليوم نفسه أدلى بتصريح إلى صحيفة "أقشام" قال فيه:

"إن أسعد فترات تاريخنا هي الفترات التي لم يكن فيها حكامنا خلفاء ، كما أن الفرس والأفغان ومسلمي أفريقيا لم يعترفوا بخليفة اسطنبول ، لقد أبقينا الخليفة احتراما لتقاليد سابقة نجلها ، ونحن نحترم الخليفة"

كان هذا التصريح يبين بوضوح موقف مصطفى كمال من الخلافة ، وإيماءة بأن الدور سيأتي لإلغاء الخلافة أيضا.

والحوادث التي تتابعت فيما بعد دفعت إلى الإسراع بإلغاء الخلافة، فقد كان هناك نواب في المجلس في أنقرة يقفون موقف المعارضة الشديدة من مصطفى كمال ، ويرون أنه ينوي القيام بإجراء تغييرات سياسية واجتماعية جذرية في البلد، وكانوا يعارضون هذه التغييرات ، ويرونها ضارة وليست في مصلحة البلد.

وفي 29/10/1923 تم إعلان الجمهورية ، وانتخب مصطفى كمال رئيسا للجمهورية ، أي أصبح هناك موقف غريب: رئيس جمهورية في أنقرة يمثل السيادة والقوة السياسية، وخليفة في اسطنبول يمثل الرمز الديني للمسلمين.

واشتدت المعارضة ضد مصطفى كمال، وكانت صحف اسطنبول تقود هذه المعارضة ، وفي أثناء مفاوضات لوزان( الذي كان عصمت إينونو رئيسا للوفد التركي فيها) ظهرت خلافات كبيرة بين السيد عصمت إينونو والسيد حسين رؤوف أورباي(الذي كان رئيسا للوزراء في أنقرة).

وأدلى السيد حسين رؤوف بتصريح لإحدى الصحف الصادرة في اسطنبول قال فيه : بأن إعلان الجمهورية كان عملا متسرعا ، وقد عد مصطفى كمال هذا التصريح معاديا له وللنظام الجمهوري ، وزاد قلق مصطفى كمال وقلق أنصاره وقلق حزبه الذي أنشأه وهو " حزب الشعب"عندما قام "حسين رؤوف" و"عدنان آدي وار" و"رفعت باشا" بزيارة الخليفة عبد المجيد في اسطنبول.

وفسرت هذه الزيارة بأنها محاولة لإجهاض النظام الجمهوري ، ولإرجاع نظام السلطنة مرة أخرى ، وأن هناك مؤامرة في هذا الخصوص يشترك فيها الخليفة عبد المجيد وأنصاره ، كما جرت أحداث خارجية زادت من هذا القلق، إذ قام السيد أمير علي- رئيس الجمعية الإسلامية في لندن- بكتابة رسالة بتاريخ 5/12/1923 إلى عصمت إينونو ( الذي عين رئيسا للوزراء بعد إقالة السيد حسين رؤوف) شرح فيها أهمية الخلافة في الدين الإسلامي طالبا المحافظة عليها.

وقبل أن تصل هذه الرسالة إلى عصمت إينونو سربت إلى بعض الصحف في اسطنبول لغرض الضغط على أنقرة.

على إثر هذه التطورات طلب عصمت إينونو عقد جلسة سرية لحزب الشعب في 8/12/1923 للتداول حول هذه الأحداث ، واتخاذ ما يلزم تجاهها، وفي اليوم نفسه قامت الحكومة – التي أصبحت الحكومة الوحيدة في تركيا- بتاسيس محكمة في اسطنبول قامت بالقبض على الصحفيين الذين نشروا تلك الرسالة منهم "حسين جاهد يالجين" و"أحمد جودت" و"وليد أبو الضياء".

ولكن المحكمة قضت ببراءة هؤلاء الصحفيين ، وبحبس السيد لطفي فكري( رئيس نقابة المحامين) خمس سنوات ؛ لأنه أرسل رسالة إلى الخليفة يطلب منه عدم الاستقالة.

وفي هذه الفترة زادت ضغوط انكلترة على الحكومة التركية لإلغاء الخلافة ، فقلوب المسلمين كانت لا تزال معلقة بمقام الخلافة ، وكان ارتباط المسلمين الموجودين تحت الاحتلال الإنكليزي ( في الهند وفي مصر وفي العراق مثلا) يقلق إنكلترة ؛ لذا فإن العديد من المؤرخين يرون وجود بنود سرية في معاهدة لوزان فرضت على تركيا إلغاء الخلافة.

والحوادث أعلاه التي جرت مهدت الأوضاع لإلغاء الخلافة، فعقد حزب الشعب عدة جلسات للتداول في هذا الأمر، وقرر في الأخيرة إلغاء الخلافة ؛ لذا نشرت جريدة "الوطن" في أحد الأيام خبرا فاجأ الشعب مفاجأة كبيرة وأذهله ، وهو قيام نائب مدينة "أورفة" الشيخ "صفت أفندي" باسم نواب قارب عددهم الستين نائبا بطلب إلى المجلس النيابي لإلغاء الخلافة ، ونفي الخليفة وعائلته من البلد(لاحظوا وجود لقب" الشيخ" أمام صاحب الاقتراح...لقد كان هذا شيئا مرتبا بعناية ومقصودا).

كان موعد افتتاح المجلس النيابي هو 1/3/ 1924. وفي خطبة الافتتاح قال مصطفى كمال:

" إن هذه الأمة تريد الحفاظ على الجمهورية الآن ، وإلى الأبد تجاه جميع أنواع الهجوم، وصيانتها بكل حزم ، لا يمكن إبقاء أي كابوس معلقا على هامة هذه الأمة التركية".

وفي يوم 3/3/1924 عقد المجلس النيابي جلسة تاريخية لتقرير مصير الخلافة...لم تستغرق هذه الجلسة التاريخية سوى ثلاث ساعات ونصف الساعة ...ثم صدر القرار بإلغاء الخلافة التي استمرت أكثر من 1300 سنة ، كما صرح المجلس بأنه سيتقلد واجبات الخلافة ، ويقوم بشؤونها ، أي أن مؤسسة الخلافة مندمجة – من الناحية النظرية – في الشخصية المعنوية للمجلس النيابي التركي.

في يوم 4/3/1924 نفي الخليفة عبد المجيد مع أفراد عائلته وأقربائه وجميع أفراد آل عثمان إلى خارج البلد، وتم وضع اليد على ثرواتهم.

كانت مدة خلافة الخليفة الأول أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ سنتين وثلاثة أشهر، ومدة خلافة آخر خليفة ( وهو الخليفة العشرين بعد المائة) وهو عبد المجيد سنة واحدة وثلاثة أشهر.

الهوامش :

(1)- دكتور رضا نور: تخرج من الكلية الطبية واهتم بالتاريخ التركي وكتب عنه 13 مجلدا، ودخل معترك السياسة وأصبح وزيرا للصحة في الوزارة الأولى التي شكلها مصطفى كمال. ثم اختلف معه واعتزل السياسة . كتب مذكراته التي أودعها في المتحف البريطاني والمتحف الفرنسي والتي نشرت في أربعة مجلدات عام 1960أي بعد وفاته بسنوات عديدة. هاجم فيها مصطفى كمال هجوما عنيفا. قامت الحكومة بسحب نسخ الكتاب من الأسواق وسجنت ناشرها.

مقال لـ : أورخان محمد علي .

المصدر : صحيفة كتابات الإلكترونية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق