بحث

الجمعة، 10 أبريل 2015

حروب الأشباح السجل الخفي لـ «سي. آي. إيه» : 3.

الرصد، والرصد المضاد بين ضباط (السي آي إيه) وأتباع ابن لادن في شوارع الخرطوم..!
تنبه ضباط «السي. آي. إيه» إلى أن رجال ابن لادن قد باشروا تحضير «حزاماً ناسفاً، قاتلاً» بالقرب من السفارة الأمريكية، ولم يتمكنوا من معرفة ما إذا كان الهجوم سيتم على شكل إختطاف او تفجير سيارة، أو كمين مع هجوم بالبنادق، الا أنهم تمكنوا من رؤية جماعة بن لادن تتدرب على العملية في شارع في الخرطوم.

ومع مرور الأسابيع، أصبحت المراقبة والمراقبة العكسية أكثر فأكثر حدة. ففي إحدى المرات، وجدوا أنفسهم عرضة لملاحقة متواصلة ولصيقة، وفي أخرى رفع ضباط وكالة الاستخبارات المركزية السلاح في وجه العرب الذين كانوا يلاحقونهم.

وفي النهاية أرسل بلاك السفير الأمريكي، ليشتكي أمام الحكومة السودانية، وحين وجد المخططون انه تم اكتشاف أمرهم، تراجعوا».

أثناء اجتماع في البيت الابيض في أوائل العام 1995م، شبه محللو «السي. آي. إيه». مقر بن لادن الرئيسي في الخرطوم بمؤسسة فورد للأصولية السنية الإسلامية، ومصدر هبات مالية للعمليات العنيفة، كان الأصوليون المصريون والجزائريون والتونسيون والإسلاميون الآخرون، يقدمون اقتراحات إلى بن لادن بشأن العمليات.

وفي حال وافق بن لادن، كان يسلمهم أموال التمويل. ومع حلول العام 1995م ، لم يعد لدى مركز الوكالة في الخرطوم أي شك في أن مساعدي بن لادن لديه، يضمنون قتلة ملتزمين ومدربين. وتساءل بلاك وزملاؤه متى ستواجه الولايات المتحدة بن لادن بشكل مباشر، ومتى قد يحصل ذلك.

وقف براين بار في الظلمة الى جانب طائرة شحن عسكرية أمريكية على مدرج مطار إسلام آباد المدني والعسكري. كان بار عسكرياً، يعمل في الخدمات السرية منذ ست سنين وتم تعيينه في قوات مكافحة الإرهاب المشتركة التابعة ل «الأف. بي. آي» في نيويورك.

كان خبيراً في نقل السجناء الخطرين. وقد تم استدعاؤه قبل أربع وعشرين ساعة إلى واشنطن، حيث طُلب منه السفر بسرعة الى باكستان اقتربت «جائزته» في عربة يقودها ضباط الجيش والاستخبارات الباكستانية.

حصل ذلك مساء 8 فبراير العام 1995م نزل رمزي يوسف من مؤخرة العربة مرتدياً بذلة مظلي عسكرية خردلية اللون، بينما عُصبت عيناه وكُبلت يداه ورجلاه بسلسلة التفت حو ل خصره. قام بار وعميلا «الأف. بي . آي» برادلي غاريت وتشارلز ستورن، بمرافقة يوسف إلى الطائرة الأمريكية.

في اليوم السابق، اقتحم ضباط الاستخبارات الباكستانية والمارينز الغرفة 61 في منزل سوكاسا داخل إسلام أباد، واعتقلوا يوسف بينما كان يهم بمغادرة العاصمة.

وافقت حكومة باكستان مباشرة على تسليم يوسف إلى الولايات المتحدة ليواجه اتهامات بتفجير مركز التجارة العالمي.

امتنع الباكستانيون عن تنفيذ الإجراءات الرسمية لتسليم المتهم، فتقنية «التسليم» هذه، التي يتم من خلالها نقل إرهابي محتجز من دولة إلى أخرى من دون الظهور في المحكمة، أصبحت مؤخراً الطريقة التي تفضلها «السي. آي. إيه».

فقد سمحت للوكالة بنقل المشتبه فيهم إلى دول حليفة من أجل إستجوابهم، أو إعادتهم إلى الولايات المتحدة لمحاكمتهم، وذلك وفق هواها.

واستقطبت هذه الممارسة، التي تعتبر غير قانونية في الولايات المتحدة، والتي تسمح بها الدول، سياسة الأمن القومي التي تعود إلى عهد إدارة ريغان، والتي أعاد الرئيس كلينتون الالتزام بها. وإحياءها من جديد.

حين أصبحوا على متن الطائرة، قام فريق «الأف. بي. آي» بتعرية يوسف من ملابسه، ثم تفتيشه وتصويره.

كشف طبيب عليه، وأعلن أنه بصحة جيدة. عاد العملاء وقاموا بإلباسه زيه من جديد، ثم قيدوه وأخذوه إلى حجرة في آخر الطائرة.

تم تجهيز غرفة إستجواب موقتة حيث غطوا الجدران والأرضية ببطانيات وجهزوها ببعض المقاعد.. كان يوسف قد بدأ بالتحدث إلى عدد من عملاء مكتب «الأف. بي. آي». كان يتكلم الإنجليزية بطلاقة، وبدأ عليه الارتياح.

أراد الاطلاع على الإجراءات الأمريكية القانونية، وكان متحمساً لأن يعتبروه إرهابياً مبدعاً. وحين سأله غاريت إن نفذ عملية تفجير مركز التجارة العالمي، أجاب يوسف: «لقد كنت العقل المدبر وراء الانفجار».

تحدثوا لست ساعات أثناء الرحلة التي استمرت أربعاً وعشرين ساعة.

استجوب غاريت وبار يوسف حول دوافعه.

فقد تناقشت «الأف. بي. آي» و «السي. آي. إيه». حول الموضوع تكهنتا لمدة سنتين بشأن الدور الذي لعبه يوسف في عملية تفجير مركز التجارة العالمي:

هل كان عميلاً حكومياً؟ أم جزءاً من شبكة من الإسلاميين الأصوليين؟ أم ماكراً منعزلاً؟ أم مزيجاً من جميع هذه الصفات؟

وأخيراً، تمكنوا من سماع الإجابة من يوسف وحده. فسّر السجين أن بعض القادة المسلمين يؤمن بفلسفات شبيهة بفلسفته، إلا أنه اعتبر نفسه عاملاً مستقلاً. لقد استوحى من القادة المسلمين، إلا أن أحداً لم يسيطر على عمله.

سأله غاريت عن القادة الذين يتحدث عنهم، لكن يوسف رفض الإجابة.

قال يوسف إنه لم يفرح بقتل المواطنين الأمريكيين، وشعر بالذنب تجاه الضحايا المدنيين.

إلا أن ضميره كان مثقلاً برغبته القوية في وضع حد للجنود الإسرائيليين الذين يقتلون العرب.

وقال: «الأمر ليس شخصياً»، لكن تفجير الأهداف الأمريكية كان «الطريقة الوحيدة لإحداث التغيير».

فقد استنتج أن التصرفات المتطرفة هي وحدها القادرة على تغيير عقول الأشخاص وسياسات الشعوب.

وذكر، كمثال، التفجير الانتحاري في ثكنة البحرية الأمريكية في لبنان في العام 1984م، الذي أدى في نهاية المطاف إلى إنسحاب الجنود الأمريكيين من ذلك البلد.

وكمثال ثانٍ، ذكر التفجير الأمريكي النووي في هيروشيما ونجازاكي، الذي كان بمثابة تكتيك مفاجيء أجبر اليابان على الاستسلام المباشر.

وقال يوسف إنه «يود لو كان الأمر مختلفاً»، لكن العنف الرهيب وحده قادر على فرض هذا النوع من التغيير السياسي المفاجيء. قال إنه يؤمن فعلاً بأن تصرفاته كانت منطقية وواقعية، وهدفت إلى تغيير سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل.

ولم يأت على ذكر أي دوافع أخرى خلال تلك الرحلة، ولم يتحدث عن أية مسألة أخرى قد تهمه في السياسة الأمريكية الخارجية.

أطلعهم على رغبته في تدمير أحد برجي مركز التجارة العالمي فوق الآخر، واعتبره عملاً بطولياً قد يحصد (250) ألف ضحية.

لكن، لم تتوافر لديه الأموال والمواد المناسبة لصنع متفجرة قوية تكفي لتدمير البرج الأول، كما اشتكى من نوعية حلفائه. سأله عملاء «الأف. بي آي» لم أعاد أحد شركائه سيارة مستأجرة واستلم الوديعة بعد التفجير، الأمر الذي أدى إلى اعتقاله. فأجاب يوسف مع ابتسامة ساخرة، «لأنه غبي».

اعترف بأنه حين هرب من باكستان، اشترى تذكرة في الدرجة الأولى، لأنه اكتشف أن ركاب الدرجة الأولى يخضعون لتدقيق أقل من ركاب الدرجة الثانية.

كان حذراً حين تحدث عن الأشخاص الذين ساعدوه. لكن في شقة في مانيلا، حيث اختبأ يوسف كلاجيء، وجد المحققون بطاقة عمل تعود إلى محمد خليفة، وهو قريب أسامة بن لادن. وقال يوسف إن أحد زملائه قد أعطاه البطاقة في حال احتاج إلى أية مساعدة. سأل العملاء يوسف عما إذا كان سمع باسم أسامة بن لادن، فقال إن بن لادن أحد أقرباء خليفة.

ورفض أن يقول أكثر من ذلك. في النهاية، علم المحققون الباكستانيون بأن يوسف عاش في فندق باكستاني صغير ممول من قبل بن لادن لمدة أشهر بعد تفجير مركز التجارة العالمي. ونقلوا هذه المعلومة إلى «الأف. بي.آي» و «السي. آي. إيه».

سأل يوسف في تلك الليلة أكثر من مرة، عما إذا كان سيواجه حكم الإعدام في الولايات المتحدة. قال إنه يتوقع إعدامه. أما همه الوحيد فكان الحصول على وقت كافٍ لتأليف كتاب حول أعماله «البطولية».

كانت الخطة من البداية تقضي بمحاكمة يوسف علناً. قدّمت ماري جووايت، محامية الإدعاء الأمريكي المشرفة على الدعاوى القضائية الإرهابية في مانهاتن، دليلاً ضد يوسف إلى هيئة محلفين فيدرالية كبرى.

ومع كشف هذه التحقيقات وغيرها، جمعت «السي. آي. إيه» و «الأف. بي. آي» وقائع أخرى حول شبكة دعم يوسف المتعددة الجنسيات.

اكتشفتا بين أمور أخرى، أن يوسف وشركاءه في المؤامرة قد صبوا تركيزهم على الطائرات والمطارات لمدة سنتين بعد الاعتداء على مركز التجارة العالمي.

ظهر الدليل على هذه الاعتداءات الجوية باديء الأمر في الفيلبين. فقد عملت الشرطة على إخماد نيران شبت في فندق تيفاني في مانيلا في 7 يناير 1995م كانت الشقة ملك خالد شيخ محمد، الإسلامي من بلوشستان وعم يوسف.

وجدت الشرطة داخل الشقة أحد أفراد جماعة يوسف، واسمه عبد الحكيم مراد. كما وجدت بقايا مواد كيميائية استخدمت لصنع المتفجرات، وحواسيب محمولة في داخلها ملفات مشفرة.

اعترف مراد بأنه كان يعمل مع يوسف على عدد من الاعتداءات الإرهابية التي تقضي بتفجير حوالي عشر طائرات تجارية أمريكية فوق المحيط الهادي، واغتيال الرئيس كلينتون أثناء زيارة الفيلبين، واغتيال البابا حين يزور مانيلا، والسطو على طائرة تجارية وتحطيمها في مقر «السي. آي. إيه». الرئيسي.

أما تخطيط تفجير طائرات الركاب الأمريكية فوق المحيط الهادي، فقد كان في مراحله الأخيرة. اخترع يوسف جهاز توقيت مستخدماً ساعة يد وخليطاً من المتفجرات لا تستطيع شاشات أمن المطار اكتشافها.

وقد خطط لتحميلها على متن عدد من الرحلات المدنية. أراد أن يضع المتفجرات في الطائرة، ويضبط الوقت، ثم يخرج قبل انفجار القنبلة أثناء توقف الرحلة في المطار.

وقد تسبب في وقت سابق في مقتل رجل أعمال ياباني عندما انفجرت قنبلة صغيرة تجريبية كان قد وضعها تحت أحد مقاعد الطائرة، بينما خرج هو من الطائرة أثناء توقفها في المطار.

ولو لم تتعطل خطته الكبرى، للقي آلاف الأمريكيين حتفهم في الهجمات خلال الأشهر الأولى من العام 1995م.

أما خطة تحطيم طائرة في مركز «السي. آي. إيه». الرئيسي، فقد تم وصفها في تقرير كتبته شرطة مانيلا وأرسلته إلى المحققين الأمريكيين.

قال مراد إن الفكرة خطرت له أثناء محادثة أجراها مع يوسف. وكتبت الشرطة الفيلبينية ذلك الشتاء، أن مراد قد خطط «الركوب أية طائرة تجارية أمريكية، مدعياً أنه راكب عادي، ومن ثم السطو على الطائرة والسيطرة على ركن الطيار، ثم توجيهها نحو مركز «السي. آي. إيه» الرئيسي.

لم يكن ينوي استخدام المتفجرات في تنفيذه عمليته هذه، فهي ليست سوى عملية انتحارية، وهو على أتم الاستعداد لتنفيذها».

لم تكن هذه الأحداث التي حصلت في أوائل العام 1995م وحدها الدليل على أن الولايات المتحدة بصدد مواجهة تهديد قوى جديد نابع من العالم الإسلامي السني.

فقد انتشر في جميع أنحاء العالم عنف إسلامي مرتبط بالمقاتلين العرب الذين حاربوا أثناء مرحلة الجهاد الأفغاني.

إختلفت الاعتداءات، وبقى مرتكبوها غامضين في معظم الأحيان. كما أصبحت العمليات الانتحارية حافزاً أكثر شيوعاً. شنت الاعتداءات بطريقة متزايدة من قبل مجموعات متمردة في شمال أفريقيا ومصر والسودان وباكستان. كما ظهرت أدلة تفيد بأن الراديكاليين الإسلاميين قد قاموا بتجارب على أسلحة الدمار الشامل.

وبالإضافة الى ذلك، لاح أسامة بن لادن في خلفية الاعتداءات بصفته مصدر إلهام أو داعماً مالياً أو الاثنين معاً.

في شهر أغسطس من العام 1994م، قام ثلاثة أشخاص متخفين من شمال أفريقيا بقتل سائحين إسبانيين في فندق في مراكش.

وقد تابع المعتدون ورعاتهم التدريبات في أفغانستان. وأظهرت التحقيقات في قضية تفجير مترو باريس، في وقت لاحق من ذلك العام، أن المفجرين هم من الجنسية الجزائرية، وقد تم تدريبهم في المعسكرات الأفغانية.

وفي ديسمبر 1994م، قام أربعة جزائريين تابعين للجماعة الإسلامية المسلحة بخطف طائرة تابعة للطيران الفرنسي. كانت الخطة تقضي بالسفر إلى باريس، وصدم الطائرة ببرج إيفل، إلا أن السلطات الفرنسية تمكنت من خداع الخاطفين، فأقنعتهم بأنه لا يوجد في الطائرة وقود كافٍ ليصلوا الى باريس. عند ذلك قاموا بتحويل اتجاههم إلى مرسيليا، حيث قُتلوا أربعتهم عندما أطلق الجنود الفرنسيون النار عليهم.

وفي مارس 1995م، أمسك محققون بلجيكيون بكتيب تدريب إرهابي حصلوا عليه من محاربين جزائريين، وضّح كيفية صنع متفجرة عن طريق إستخدام ساعة يد كمؤقت، بينما كانت مقدمة الكتيب مهداة إلى بن لادن.

وفي أبريل، قام جنود فيلبنيون أولياء لقائد المجاهدين الأفغان عبد الرب رسول سياف، بنهب مدينة إيبل في جزيرة مينداناو، فقتلوا ستة وثلاثين شخصاً، وسرقوا أربعة مصارف، وأخذوا ثلاثاً وخمسين رهينة، ليقتلوا في ما بعد حوالي عشرة منهم.

وفي 26 يونيو 1995م، قام مصريون تابعون للجماعة الإسلامية، بمحاولة فاشلة لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أثيوبيا.

وبعد شهر تقريباً، قال أحد أعضاء الجماعة المصرية المتطرفة التي يُطلق عليها اسم الجهاد، أثناء مقابلة منشورة، إن بن لادن اطلع في بعض الأحيان على عملياتهم الإرهابية المحددة ضد الأهداف المصرية.

وفي 31 نوفمبر من العام 1995م، انفجرت سيارة محملة بحوالي (311) كيلوجراماً من المتفجرات قرب مبنى مؤلف من ثلاثة طوابق، وهو المقر الرئيسي لمكتب مدير البرامج التابع للحرس الوطني السعودي في الرياض.

وأدى الانفجار إلى قتل خمسة أمريكيين وجرح ثلاثة وأربعين. وبعد مضي بضعة أشهر، اعترف أحد مرتكبي الجريمة في بث عبر التلفزيون السعودي، بأنه تأثر بابن لادن والجماعات الإسلامية المصرية، وأنه عرف كيفية تحضير متفجرة السيارة بسبب «خبرة التفجير التي إكتسبتها أثناء مشاركتي في عمليات الجهاد الأفغاني».

وبعد أسبوع على عملية التفجير في الرياض، قاد إسلاميون شاحنة متفجرات انتحارية إلى داخل السفارة المصرية في إسلام أباد، فتسببوا في مقتل خمسة عشر شخصاً وجرح ثمانين.

كانت خطة المستقبل مطبوعة في هذه الاحداث. تعرف مركز مكافحة الإرهاب التابع ل «السي. آي. إيه» والوحدات التحليلية التابعة ل «الأف. بي. آي» إلى أجزاء رئيسية من النمط الجديد، الا أنها لم تتمكن من التعرف إلى هذا النمط ككل.

لم يلق إعتراف مراد بمخطط خطف طائرة مدنية وتحطيمها بمبنى «السي. آي. إيه». اهتماماً كبيراً من قبل «الأف. بي. آي» التي لم تعتبر المخطط جزءاً من القضية الإثباتية التي كان المكتب يبنيها من أجل المحاكمة.

وكانت «الأف. بي. آي» متحيرة، فقد تفوق الإرهاب المحلي على الاعتداءات الإسلامية خلال العام 1995م.

وفي أبريل، فجّر تيموثي ماك فاى شاحنة مفخخة خارج المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما، مسبباً قتل مائة وستة وثمانين شخصاً، وجرح مئات آخرين.

لقد صدم التفجير إدارة كلينتون وحثها على التركيز على الإرهاب، إلا أن التحقيق الطويل استنزف مصادر «الأف. بي. آي»، ولم يُجر المكتب اي تحقيق مفصل حول خطة تفجير الطائرة الانتحارية.

استمرت «السي. آي. إيه» بالتركيز على التهديدات الإيرانية والمنظمات الشيعية. وفي وقت لاحق من العام 1994م، كتب مركز الوكالة في الخرطوم، تقريراً حول قيام عملاء إيرانيين وحلفاء لهم شيعة سعوديين أصوليين بمراقبة أهداف أمريكية داخل المملكة.

سافر ولسي إلى المملكة في شهر ديسمبر واجتمع مع الأمير تركي، فناقشا الخطط المشتركة لمراقبة التهديد الإيراني وتعطيله في الشهور المقبلة.

وواصلت «السي. آي. إيه» كتابة تقارير حول التهديدات الممولة من إيران داخل السعودية خلال العام 1995م.

وفي أكتوبر، تلقى البيت الأبيض معلومات تفيد أن منظمة حزب الله المدعومة من إيران والتي يسيطر عليها الشيعة اللبنانيون، قد أرسلت فرقة لاغتيال مستشار الأمن القومي طوني لايك الذي انتقل مؤقتاً من منزله إلى منازل آمنة في واشنطن.

ويذكر الأمير تركي أن إنفجار الرياض الذي نفذه أفغان متأثرون بابن لادن في نوفمبر «قد أتى من حيث لا ندري»، لأن الاستخبارات السعودية قد صبت تركيزها على الشيعة.

لقد استمرت إيران حتى بعد ذلك الاعتداء بتشكيل تهديد كبير، فحصدت الإهتمام ووجهت المصادر بعيداً عن بن لادن وأتباعه.

كان قسم الشرق الأدني التابع لمديرية العلميات في «السي. آي. إيه» والمسؤول عن متابعة قسم كبير من دول العالم الإسلامي السني، ورصد الحركات الإسلامية فيها، منهمكاً بالعراق.

وكانت عملياته السرية الطموحة التي تقضي بطرد صدام حسين من شمال العراق، قد بدأت بالانهيار ذلك الربيع.

استمر هذا الاضطراب الكبير لأسابيع وشهور عقب إعتقال يوسف، ما أمّن للمحققين مخزوناً غنياً من الأدلة.

بقيت الأسئلة التحليلية الأساسية على حالها لأعوام طويلة.

هل يجب اعتبار الإرهابيين أمثال رمزي يوسف منظمين منفردين، أم عملاء ضمن حركة أكبر؟

أين تكمن نقاط اللقاء الرئيسية بين القيادة ودعم المصادر؟

هل مبدأ «لغرض ما بالذات» الذي قدمه محلل «السي. آي. إيه»، بول بيلار، ما زال ملائماً حتى الآن، أم أن الولايات المتحدة تواجه الآن دائرة أكثر تنظيماً وفعالية من الجهاديين المسلمين السنة المنكبين على الاعتدادات المذهلة؟

بالكاد تمكن أحد في واشنطن أو لانغلي من رؤية كامل أهمية بن لادن وتنظيم القاعدة. وعندما وقع الرئيس كلينتون على الأمر التنفيذي الرقم 74921 في 23 يناير من العام 1995م، فارضاً العقوبات على اثنتي عشرة مجموعة متهمة بالإرهاب، بسبب دورها في تعطيل عملية السلام في الشرق الأوسط، لم تكن القاعدة أو بن لادن ضمن تلك اللائحة.

عكست هذه النقاط المبهمة عند محللي «السي. آي. إيه» الأدلة الناقصة والمتناقضة التي توجب عليهم العمل بها.

وأظهرت برقيات كوفر بلاك التي أرسلها من الخرطوم، تنوع حلفاء بن لادن الذين كانوا من مختلف الجنسيات.

وكان واضحاً ان شبكة بن لادن لم تعمل كمجموعة هرمية تقليدية. تمسك عدد كبير من المحللين الأمريكيين بأفكار مسبقة حول من يجب إعتباره حليفاً وفياً، ومن يجب إعتباره عدواً، وهدفت الاستراتيجية الامريكية التي صدق عليها الرئيس كلينتون في العام 1995م، الى إحتواء إيران والعراق وإحباطهما.

واعتُبرت المملكة العربية السعودية في هذه المهمة حليفاً مراوغاً، لكن دورها كان أساسياً.

رأت سياسة الولايات المتحدة الخارجية أنه يستحيل إدارة العراق وإيران دون تعاون السعودية.

لقد تمتعت السعودية بنفوذ حاسم داخل أسواق النفط العالمية، فترددت واشنطن كثيراً في شأن تحدي العائلة المالكة السعودية بسبب تمويلها الأصوليين الإسلاميين، أو استرضائها الدعاة الإسلاميين المعادين لأمريكا، أو حتى نشرها حملة الدعوة الإسلامية في كافة أنحاء العالم.

لم تكن أمريكا تملك دوافع كثيرة للتراجع وطرح أسئلة كبيرة وغير مريحة، عما إذا كانت الجمعيات الخيرية السعودية تشكل تهديداً أساسياً على الأمن القومي الأمريكي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق