بحث

الأحد، 13 أبريل 2014

معالم في الطريق دستور الإخوان المفسدين : الحلقة الأولى



كتب فضيلة الشيخ عبد اللطيف السبكي رئيس لجنة الفتوى بالأزهر - رحمه اللهمقالا ً نُشر في مجلة " منبر الإسلام " التي كان يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية العدد الثامن في شعبان 1385 هـ - 24 نوفمبر 1965 م وتحت عنوان
:

"عن كتاب معالم في الطريق وهو دستور الإخوان المفسدين".

كتب رئيس لجنة الفتوى ما يلي :

لأول نظرة في الكتاب يدرك القارئ أن موضوعه دعوة إلى الإسلام...

ولكن أسلوبه أسلوب استفزازي ،يفاجئ القارئ بما يهيج مشاعره الدينية وخاصة إذا كان من الشباب أو البسطاء الذين يندفعون في غير روية إلى دعوة الداعي باسم الدين ويتقبلون ما يوحي إليهم به من أهداف ، ويحسبون أنها دعوة الحق الخالصة لوجه الله وأن الأخذ به سبيل إلى الجنة.

وأحب أن أذكر بعض نصوص من عبارات المؤلف لتكون أمامنا في تصور موقفه الإفسادي :

(1)
في صفحة 6 يقول سيد قطب : " ووجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع من قرون كثيرة ، ولابد من إعادة وجود هذه الأمة لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى .. لابد من بعث لتلك الأمة التي واراها ركام الأجيال وركام التصورات ، وركام الأوضاع ، وركام الأنظمة التي لا صلة لها بالإسلام… الخ".

رد السبكي : إن المؤلف ينكر وجود أمة إسلامية منذ قرون كثيرة ، ومعنى هذا أن عهود الإسلام الزاهرة ، وأئمة الإسلام ، وأعلام العلم في الدين ، في التفسير والحديث والفقه وعموم الاجتهاد في آفاق العالم الإسلامي ، معنى هذا أنهم جميعا كانوا في تلك القرون الكثيرة السابقة يعيشون في جاهلية ، وليسوا من الإسلام في شئ .. حتى يجئ إلى الدنيا " سيد قطب " فينهض إلى ما غفلوا عنه من إحياء الإسلام وبعثه من جديد.

 (2)صفحة 9يقول سيد قطب: " إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية .. هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض ، وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية ، إنها تسند الحاكمية إلى البشر .."وفي هذا ينفرد المنهج الإسلامي ، فالناس في كل نظام غير النظام الإسلامي يعبد بعضهم بعضاً.

(3)صفحة 10 يقول سيد قطب : " وفي المنهج الإسلامي وحده يتحرر الناس جميعاً من عبادة بعضهم بعضاً ، وهذا هو المقصود الجديد الذي نملك إعطاءه للبشرية .. ولكن هذا الجديد لابد أن يتمثل في واقع عملي ، لابد أن تعيش به أمة ، وهذا يقتضي بعث في الرقعة الإسلامية ، فكيف تبدأ عملية البعث ؟ .. إنه لابد من طليعة تعزم هذه العزمة وتمشي في الطريق"

(4)
ص 11 يقول سيد قطب : ولابد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من " معالم في الطريق.."، ولهذه الطليعة المرجوة المرتقبة كتبت " معالم في الطريق.."

ويرد السبكي قائلا : فهذه دعوة مكشوفة إلى قيام طليعة من الناس ببعث جديد في الرقعة الإسلامية .. وهذا البعث الجديد رسالة دينية تقوم بها طليعة تحتاج إلى معالم تهتدي بها.

والمؤلف هو الذي تكفل بوضع المعالم لهذه الطليعة ولهذا البعث المرتقب ، وفي غضون كلامه الآتي :تتبين المعالم التي تصدى لها في البعث الجديد .

(5)
صفحة 11 يقول سيد قطب : " ونحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام ، أو أظلم ، كل ما حولنا جاهلية ".

(6)ويقول أيضًا في صفحة 23 : " إن مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع ..مهمتنا هي تغيير هذا الوضع الجاهلي من أساسه "

ويرد السبكي : وهذا إعلان منه لما يدعو إليه من الثورة على المجتمع .

(7)صفحة 31 يقول سيد قطب : " وليس الطريق أن نخلص الأرض من يد طاغوت روماني أو طاغوت فارسي إلى يد طاغوت عربي ، فالطاغوت كله طاغوت ، إن الأرض لله .. وليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت إلى طاغوت .. إن الناس عبيد الله وحده .. لا حاكمية إلا لله ، لا شريعة إلا من الله .. ولا سلطان لأحد على أحد .. وهذا هو الطريق" .

ويرد السبكي : وهذا أسلوب المدلسين باسم الدين في قوله "إن الأرض لله ، وإن الحاكمية لله .. ولا حاكمية إلا لله ". ، كلمة قالها الخوارج قديماً ، وهي وسيلتهم إلى ما كان منهم في عهد الإمام علي ، من تشقيق الجماعة الإسلامية ، وتفريق الصفوف ، وهي الكلمة المغرضة الخبيثة التي قال عنها الإمام علي :" إنها كلمة حق أريد بها باطل ."

فالمؤلف يدعو مرة إلى بعث جديد في الرقعة لإسلامية ثم يتوسع فيجعلها دعوة في الدنيا كلها ، وهي دعوة على يد الطليعة التي ينشدها والتي وضع كتابه هذا ليرشد بمعالمه هذه الطليعة .. كما يقرر.

وليس أغرب من هذه النزعة الخيالية ، وهي نزعة تخريبية ، يسميها طريق الإسلام.

والإسلام كما هو اسمه ومسماه يأبى الفتنة ولو في أبسط صورة ، فكيف إذا كانت فتنة غاشمة ، جبارة كالتي يتخيلها المؤلف ؟
وما معنى الحاكمية لله وحده ؟

هل يسير الدين على قدمين بين الناس ليمنع الناس جميعاً عن ولاية الحكم ؛ أو يكون الممثل لله في الحكم هو شخصية هذا المؤلف الداعي والذي ينكر وجود الحكام من البشر ويضع المعالم في الطريق للخروج على كل حاكم في الدنيا.

إن القرآن نفسه يعترف بالحكام المسلمين ويفرض لهم حق الطاعة علينا، كما يفرض عليهم العدل فينا ، ويوجه الرعية دائما إلى التعاون معهم والإسلام نفسه لا يعتبر الحكام رسلا معصومين من الخطأ كما يضللنا المؤلف ، بل فرض فيهم أخطاء تبدر من بعضهم ، وناشدهم أن يصححوا أخطاءهم بالرجوع إلى الله وسنة الرسول ، وبالتشاور في الأمر مع أهل الرأي من المسلمين.

ولم يبح أبدا أن تكون ثورة كهذه.

فغريب جداً أن يقوم واحد ، أو نفر من الناس ويرسموا طريقاً معوجة يسموها طريق الإسلام لا غير ، ثم ينصبوا أنفسهم للهيمنة على هذا النظام الذي يزعمونه إسلاماً.

لابد لاستقرار الحياة على أي وضع من أوضاعها من وجود حكام يتولون أمور الناس بالدين ، وبالقوانين العادلة التي تقتضيها الحياة ، كما يأذن القرآن ، وسنة الرسول.

ومن المقررات الإسلامية –أن الله يزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن.

فكيف يستقيم في عقل إنسان أن تقوم طليعة مزعومة لتجريد الحكام جميعا من سلطانهم؟!!

ولتفتح الطريق أمام طغمة من الخبثاء ، يوهمون الناس أنها طليعة الإيمان.

وبين الحكام كثيرون يسيرون على الجادة بقدر ما يتاح لهم من الوسائل ، فليسوا طواغيت أبداً.. إن هذا شطط في الخيال يجمح بمؤلف الكتاب إلى الشذوذ عن الأوضاع الصحيحة ، والتصورات المعقولة ، ويقذف به وبدعوته وأتباعه إلى أحضان الشيطان بعيدين عن حوزة الإسلام.

(8)صفحة 43 يقول سيد قطب : فلا بد - أولاً – أن يقوم المجتمع المسلم الذي يقر عقيدة لا إله إلا الله ، وأن الحاكمية ليست إلا لله .. وحين يقوم هذا المجتمع فعلاً تكون له حياة واقعية ، وعندئذ فقط يبدأ هذا الدين في تقرير النظر والشرائع...

ويرد السبكي قائلا ً :فهذا هجوم من المؤلف على الواقع إذ ينكر وجود " مجتمع إسلامي " وينكر وجود نظام إسلامي ، ويدعو إلى الانتظار في التشريع الإسلامي حتى يوجد المجتمع المحتاج إليه..

يريد المجتمع الذي سينشأ على يدهويد الطليعة .. ويخيل إلينا أن المؤلف شطح شطحة جديدة ، فزعم لنفسه الهيمنة العليا على " الإلهية "في تنظيم الحياة الدنيا ، حيث يقترح أولا هدم النظم القائمة دون استثناء وطرد الحكام ، وإيجاد مجتمع جديد ، ثم التشريع من جديد لهذا المجتمع الجديد.

وللمقال بقية...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق