القسم الأول : الدبلوماسية الروحية بين الدبلوماسية العامة وأهداف التنمية المستدامة.
عند
الحديث عن الدبلوماسية الروحية قد يقدح الذهن تساؤلاً حول مساحات الجديد
في هذا الطرح ، وأن الدين لم يكن بعيداً عن حقل السياسة أو الدبلوماسية
قبل هذا الطرح ، وهذا رأي صائب تماماً فدور الدين داخل السياسة الخارجية
أمر لم
فرغم مادية المدرسة الواقعية التي لا تعطي وزناً للأديان داخل مسار الحياة السياسية ، والتي سيطرت على فكر الولايات المتحدة الأمريكية (عبد الشافي 2011) ، ظهرت تيارات أخرى ترى أن الدين يلعب دور في السياسة الخارجية كمتغير مستقل أو كمتغير تابع ، فيكون مستقلاً حينما يؤثر في اتجاهات وسلوك معتنقيه لتبني مواقف سياسية معينة ؛ فمنذ حقبة الثمانينيات من القرن الماضي ظهر تيار من المحللين والساسة ينظر للدين كمحرك رئيسي حاكم في العلاقات الدولية ، وتفسير السياسة الخارجية للدول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
بل إن البعض أصبح يفسر الدور الأمريكي في العالم من منطلق الدين ؛ كمحرك ومبرر ومفسر مثل Andrew J. Rotter - عضو مجتمع المؤرخين للسياسة الخارجية الأمريكية (Rotter, 2017) ، وهناك تيار من الساسة يتحدث عن أهمية الدين في صنع السياسة الخارجية في الوقت الراهن ؛ من بينهم "مادلين أولبرايت" - وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأسبق - التي ترى أن عالم بدون دين أمر غير مناسب فهو الجحيم بعينه ، بل إن على الدبلوماسيين الأمريكان أن يفكروا بشكل أوسع حول دور الدين في السياسة الخارجية ، وبالتبعية في اختيار الخبراء المعاونين لهم. (Albrit,2017).
ويظهر كمتغير تابع حينما يستخدم في تبرير السلوك السياسي ، أي يوظف لخدمة السياسة الخارجية. (أبو العلا أحمد ، 2015 ، 40 : 45) وهذا يتفق مع المفهوم الروسي للدبلوماسية الدينية ، حيث يستخدم كأداة لتحقيق المصلحة الوطنية باعتبار أن الدين من أدوات السياسة الخارجية الدولية كقوى ناعمة ، لذلك يتم التعامل بين الدولة والكنيسة الروسية في إطار المصلحة الوطنية البرجماتية للدولة الروسية ، وتوظيف الأنشطة الدينية للكنيسة والمؤسسات الدينية الأخرى لخدمة الأهداف العليا الروسية (Curanovic,2012).
ومن التجارب التي قطعت شوطاً في هذا السياق أيضاً ؛ تجربة المملكة المغربية ودولة السنغال فهما يشتركان في استخدام الطريقة الصوفية بالمغرب (الطريقة التيجانية) ، والطريقة المريدية بالسنغال (إحدى الطرق الصوفية الإسلامية) ؛ (إفريك 2017).
كذلك الحال بالنسبة للدبلوماسية الإسلامية منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي دافعت عن المصالح العليا للعالم الإسلامي وبلورها الآن منظمة التعاون الإسلامي. (التويجري 2009)
ويظهر جلياً دور الأزهر الشريف والكنيسة المصرية في هذا السياق فهما أحد أدوات القوى الناعمة المصرية.
وظهر على أجندة السياسة الخارجية مفهوم حوار الأديان - خاصة - بعد حقبة الحرب الباردة كمصطلح يشير إلى التفاعل ، والبناء الإيجابي بين الناس من تقاليد دينية مختلفة ، ومعتقدات روحية ، وإنسانية سواء كان ذلك على مستوى الفردية ، والمؤسسية ، حيث يتم خلاله تعزيز التفاهم بين الأديان أو المعتقدات المختلفة لزيادة قبول الآخر. (العقلة ، 2017).
وفي هذا السياق ، تم تنظيم سلسلة من المؤتمرات التي شغلت العديد من الساسة والمحللين ، وفي إطار تسييس القضية تم النظر إليها من منطلق إدارة الصراعات الدولية ؛ ففي عام 2001 أصدرت الأمم المتحدة تقريراً بعنوان : تجاوز الانقسام ، وحوار الحضارات ، وتوصلت إلى دور حوار الأديان في ترسيخ التعاون الإقليمي ، وخلق مشترك بين الدول التي تختلف سياستها الوطنية التي تعلي من مصلحتها القومية على أية إعتبارات أخرى.
من منطلق أن حوار الأديان يمكن أن يقلل من تكلفة إدارة الصراعات ، ويزيد من الجوانب الإيجابية الكامنة ؛ لأنه سيشمل البنى التحتية في المجتمعات الوطنية كمؤثر على الساسة أي التواصل مع الرأي العام العالمي ، ويزداد المردود إذا كان للبعد الديني دور في نشأة الصراع.(عبد الشافي، 2017) ، وكان مدخل حوار الأديان بوابة لتطوير مصطلح الدبلوماسية الروحية القائمة على تحويل حوار الأديان إلى خدمات يتم تقديمها بهدف بناء جسور تربط بين الشعوب ؛ كمكافحة الملاريا وحملات الإغاثة فلم يعد دور الأديان إدارة للنزاع أو الصراع ، وإنما فاعل على الأرض لخلق سلام ديني عالمي. (Chan, & Keiswetter, 2016 ).
ومن ثم يتضح أن طرح الدين ليس بالجديد عن العمل السياسي وربطه بالروح التي مصدرها الله - عز وجل - بهدف تحقيق أهداف الدولة من خلال مخاطبة العقائد والتقاليد الدينية التي تمس القلب، وتعتبر معيار التمييز والمحك للحكم على الأمور، بل ومصدر كينونته وفقاً لأفلاطون (العالم الجديد، 2017).
فالروحانيات هي أعادة تشكيل النفس البشرية التي تهدف إلى معالجة حاجة الإنسان ، وصورة الله ، طبقاً لهذا التعريف ، فإن إعادة التهيئة موجهة نحو القالب.
أي أنها تتعلق بسياسات تمس القلب والشعور ، وتحظى بالقبول والدعم الداخلي.(Wolfteich, 2011).
ومن ثم يمثل هذا الربط الضمان لخلق الأتباع والمؤيدين لها نفسياً بل وتشكيل رأي عام داعم ومساند لها.
وسيتضح الفارق عند التعرض لمفهوم الدبلوماسية العامة بمعناها المتعارف عليه تمهيداً للوقوف على مواطن الاختلاف الذي تقدمه الدبلوماسية الروحية.
لكن قبل التطرق إلى مفهوم الدبلوماسية العامة تقتضي الإشارة إلى استخدام الدبلوماسية الروحية كمدخل لتحقيق التنمية المستدامة لضمان الدعم الدولي لهذا الطرح كما سيتضح.
من هنا سينقسم هذا الجزء إلى قسمين يتناول الأول الدبلوماسية الروحية كمدخل للتنمية المستدامة ، والثاني يقدم مفهوم الدبلوماسية العامة كمفهوم مرتبط للتمهيد لفهم المباردة الجديدة والاختلاف عن الطرح التقليدي لها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق