بحث

الجمعة، 2 أكتوبر 2020

الدبلوماسية الروحية مسار جديد : الدين الإبراهيمي العالمي : الحلقة الثالثة.


 القسم الأول : الدبلوماسية الروحية بين الدبلوماسية ‏العامة وأهداف التنمية المستدامة.‏

عند الحديث عن الدبلوماسية الروحية قد يقدح ‏الذهن تساؤلاً حول مساحات الجديد في هذا الطرح ، ‏وأن الدين لم يكن بعيداً عن حقل السياسة أو ‏الدبلوماسية قبل هذا الطرح ، وهذا رأي صائب تماماً ‏فدور الدين داخل السياسة الخارجية أمر لم

تستحدثه ‏دبلوماسية الروح ؛ وأنما طريقة تطويعه هي الأمر ‏الجديد في هذا الطرح.

فرغم مادية المدرسة الواقعية ‏التي لا تعطي وزناً للأديان داخل مسار الحياة السياسية ‏، والتي سيطرت على فكر الولايات المتحدة الأمريكية ‏‏(عبد الشافي 2011) ، ظهرت تيارات أخرى ترى ‏أن الدين يلعب دور في السياسة الخارجية ‏كمتغير مستقل أو كمتغير تابع ، فيكون مستقلاً حينما ‏يؤثر في اتجاهات وسلوك معتنقيه لتبني مواقف سياسية ‏معينة ؛ فمنذ حقبة الثمانينيات من القرن الماضي ظهر ‏تيار من المحللين والساسة ينظر للدين كمحرك رئيسي ‏حاكم في العلاقات الدولية ، وتفسير السياسة ‏الخارجية للدول على رأسها الولايات المتحدة ‏الأمريكية.

بل إن البعض أصبح يفسر الدور ‏الأمريكي في العالم من منطلق الدين ؛ كمحرك ومبرر ‏ومفسر مثل ‏Andrew J. Rotter‏ - عضو ‏مجتمع المؤرخين للسياسة الخارجية الأمريكية ‏‏(‏Rotter, ‎‏2017) ، وهناك تيار من الساسة ‏يتحدث عن أهمية الدين في صنع السياسة الخارجية في ‏الوقت الراهن ؛ من بينهم "مادلين أولبرايت" - وزيرة ‏خارجية الولايات المتحدة الأسبق - التي ترى أن عالم ‏بدون دين أمر غير مناسب فهو الجحيم بعينه ، بل إن ‏على الدبلوماسيين الأمريكان أن يفكروا بشكل أوسع ‏حول دور الدين في السياسة الخارجية ، وبالتبعية في ‏اختيار الخبراء المعاونين لهم. (‏Albrit,‎‏2017).‏

ويظهر كمتغير تابع حينما يستخدم في تبرير السلوك ‏السياسي ، أي يوظف لخدمة السياسة الخارجية. (أبو ‏العلا أحمد ، 2015 ، 40 : 45) وهذا يتفق مع ‏المفهوم الروسي للدبلوماسية الدينية ، حيث يستخدم ‏كأداة لتحقيق المصلحة الوطنية باعتبار أن الدين من ‏أدوات السياسة الخارجية الدولية كقوى ناعمة ، ‏لذلك يتم التعامل بين الدولة والكنيسة الروسية في ‏إطار المصلحة الوطنية البرجماتية للدولة الروسية ، ‏وتوظيف الأنشطة الدينية للكنيسة والمؤسسات الدينية ‏الأخرى لخدمة الأهداف العليا الروسية ‏‏(‏Curanovic,‎‏2012).‏

ومن التجارب التي قطعت شوطاً في هذا السياق أيضاً ‏؛ تجربة المملكة المغربية ودولة السنغال فهما يشتركان ‏في استخدام الطريقة الصوفية بالمغرب (الطريقة ‏التيجانية) ، والطريقة المريدية بالسنغال (إحدى الطرق ‏الصوفية الإسلامية) ؛ (إفريك 2017).‏

كذلك الحال بالنسبة للدبلوماسية الإسلامية منذ عهد ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم التي دافعت عن ‏المصالح العليا للعالم الإسلامي وبلورها الآن منظمة ‏التعاون الإسلامي. (التويجري 2009)

ويظهر جلياً ‏دور الأزهر الشريف والكنيسة المصرية في هذا ‏السياق فهما أحد أدوات القوى الناعمة المصرية.‏

وظهر على أجندة السياسة الخارجية مفهوم حوار ‏الأديان - خاصة - بعد حقبة الحرب الباردة ‏كمصطلح يشير إلى التفاعل ، والبناء الإيجابي بين ‏الناس من تقاليد دينية مختلفة ، ومعتقدات روحية ، ‏وإنسانية سواء كان ذلك على مستوى الفردية ، ‏والمؤسسية ، حيث يتم خلاله تعزيز التفاهم بين ‏الأديان أو المعتقدات المختلفة لزيادة قبول ‏الآخر. (العقلة ، 2017).‏

وفي هذا السياق ، تم تنظيم سلسلة من المؤتمرات التي ‏شغلت العديد من الساسة والمحللين ، وفي إطار ‏تسييس القضية تم النظر إليها من منطلق إدارة ‏الصراعات الدولية ؛ ففي عام 2001 أصدرت الأمم ‏المتحدة تقريراً بعنوان : تجاوز الانقسام ، وحوار ‏الحضارات ، وتوصلت إلى دور حوار الأديان في ‏ترسيخ التعاون الإقليمي ، وخلق مشترك بين الدول ‏التي تختلف سياستها الوطنية التي تعلي من مصلحتها ‏القومية على أية إعتبارات أخرى.‏

من منطلق أن حوار الأديان يمكن أن يقلل من تكلفة ‏إدارة الصراعات ، ويزيد من الجوانب الإيجابية ‏الكامنة ؛ لأنه سيشمل البنى التحتية في المجتمعات ‏الوطنية كمؤثر على الساسة أي التواصل مع الرأي ‏العام العالمي ، ويزداد المردود إذا كان للبعد الديني ‏دور في نشأة الصراع.(عبد الشافي، 2017) ، وكان ‏مدخل حوار الأديان بوابة لتطوير مصطلح ‏الدبلوماسية الروحية القائمة على تحويل حوار الأديان ‏إلى خدمات يتم تقديمها بهدف بناء جسور تربط بين ‏الشعوب ؛ كمكافحة الملاريا وحملات الإغاثة فلم يعد ‏دور الأديان إدارة للنزاع أو الصراع ، وإنما فاعل ‏على الأرض لخلق سلام ديني عالمي. (‏Chan, & ‎Keiswetter, ‎‏2016‏‎ ‎‏).‏

ومن ثم يتضح أن طرح الدين ليس بالجديد عن العمل ‏السياسي وربطه بالروح التي مصدرها الله - عز وجل ‏‏- بهدف تحقيق أهداف الدولة من خلال مخاطبة ‏العقائد والتقاليد الدينية التي تمس القلب، وتعتبر معيار ‏التمييز والمحك للحكم على الأمور، بل ومصدر ‏كينونته وفقاً لأفلاطون (العالم الجديد، 2017).‏

فالروحانيات هي أعادة تشكيل النفس البشرية التي ‏تهدف إلى معالجة حاجة الإنسان ، وصورة الله ، طبقاً ‏لهذا التعريف ، فإن إعادة التهيئة موجهة نحو القالب.‏

أي أنها تتعلق بسياسات تمس القلب والشعور ، ‏وتحظى بالقبول والدعم الداخلي.(‏Wolfteich, ‎‏2011).‏

ومن ثم يمثل هذا الربط الضمان لخلق الأتباع ‏والمؤيدين لها نفسياً بل وتشكيل رأي عام داعم ‏ومساند لها.‏

وسيتضح الفارق عند التعرض لمفهوم الدبلوماسية ‏العامة بمعناها المتعارف عليه تمهيداً للوقوف على ‏مواطن الاختلاف الذي تقدمه الدبلوماسية الروحية.‏

لكن قبل التطرق إلى مفهوم الدبلوماسية العامة تقتضي ‏الإشارة إلى استخدام الدبلوماسية الروحية كمدخل ‏لتحقيق التنمية المستدامة لضمان الدعم الدولي لهذا ‏الطرح كما سيتضح.‏

من هنا سينقسم هذا الجزء إلى قسمين يتناول الأول ‏الدبلوماسية الروحية كمدخل للتنمية المستدامة ، ‏والثاني يقدم مفهوم الدبلوماسية العامة كمفهوم مرتبط ‏للتمهيد لفهم المباردة الجديدة والاختلاف عن الطرح ‏التقليدي لها.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق