الدبلوماسية الروحية مسار جديد ومخاطر كامنة وسياسات بديلة لصانع القرار. [1]
د . هبة جمال الدين [2]
مقدمة :
حملت الألفية حركة جديدة تدعو ما يسمى بـ "السلام الديني العالمي لحل الصراعات" [3] ، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومكافحة الفقر العالمي.
"فمن خلال الحوار الخدمي للأديان الإبراهيمية يمكننا خلق
مجتمع عالمي نابض بالحياة ومتنوع يحتوي
وتؤكد الدبلوماسية الروحية على القيم الدينية المشتركة التي يرى الاقتصاد الأخلاقي ، واقتصاد الهوية إنها من أهم عوامل تفسير السلوك الاقتصادي للإنسان ، وتعتبر النظريات التقليدية قد فشلت في القضاء على الفقر وتفسير اختيارات الإنسان بسبب إغفال الانتماءات والقيم والمعتقدات التي تحرك الفرد ، حتى أن البعض اعتبر الفشل في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بسبب عدم الأخذ في الاعتبار هذه المتغيرات وأن هذا الفشل قد يكون حليفنا بشأن أهداف التنمية المستدامة إذا استمر هذا النهج في المقابل . ومن ثم يتم طرح الدبلوماسية الروحية كمدخل - مزعوم - لسد هذه الفجوة ، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ، والقضاء على النزاعات ومسبباتها وإشاعة السلام العالمي.
وأيضاً من جانب علم السياسة كان لهذا التوجه عدد من الإرهاصات كبدء الحديث عن فكر مغاير لفكر المدرسة الواقعية التي لا تعطي وزناً لعامل الدين داخل الحياة السياسية ، حيث ظهر مصطلح faith based political action أي "الفعل السياسي المستند على الإيمان" ، وغالى البعض بوصفها عاملاً محركاً أو تابعاً في تفسير السياسة الخارجية (McDougall , 1999) ، وبدأ في هذا الصدد مأسسة التوجه فظهرت مؤسسة ترتكز على الفكر الإيماني faith based organization ، ومع مرور الوقت ظهر الحديث عن دور حوار الأديان في السياسة الخارجية ، كمدخل تمهيدي لظهور مفهوم الدبلوماسية الروحية كمتغير خارجي تستغله بعض الدول للتأثير لتغيير مقدرات القوى لصالح حل النزاع والصراع ، وبناء ما يسمى بالسلام الديني العالمي عبر المشترك بين الأديان السماوية ، وترجمته سياسياً لينتقل على الخريطة السياسية لحل النزاعات التي ستؤثر بدورها على مقدرات التنمية المجتمعية ، وتسهم في تحقيق تنمية مستدامة داخل الدول.
ومن ثم يمثل هذا الطرح توجهاً يجمع جوانب متعددة ، فلا يمكن النظر إليه من منظور واحد ، فهو تأكيد على تعددية نظم العلوم Multidisciplinary Approach ، فهذا الطرح الجامع بين بعدي السياسة والعقائد والأديان يتم توظيفه اقتصادياً ، واجتماعياً ، وثقافياً وله تأثير على البيئة والنوع الاجتماعي - كما سيتضح - للوصول إلى ما يسمى بالسلام الديني العالمي." [4].
والجديد في هذا الطرح الغربي تغير رؤية الغرب للحديث عن الأديان فلم تعد النظرة أحادية للدين باعتباره مسبباً للصراع - وفقاً لهم - ولكنه أصبح ينظر إليه باعتباره - أيضاً مصدراً للحل ، وهذا الحل سيساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر وفقاً لرؤية البنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ، عبر الدعوة إلى خلق سلام ديني عالمي ينادي بحل النزاعات والخلافات السياسية الدولية والإقليمية من خلال منهج قائم على توظيف القيم المشتركة بين الديانات السماوية في إطار طرح جديد تحت مسمى "الديانات الإبراهيمية أو الدين الإبراهيمي العالمي" بنهج مغاير عما هو مألوف ومتعارف عليه في القوانين والأعراف والمواثيق الدولية ، ومن خلال فاعلين جدد ووسائل مستحدثة.
يتبع إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش :
[1] ورد البحث في 17 / 10 / 2018.
[2] مدرس النظم السياسية - قسم الدراسات المستقبلية - معهد التخطيط القومي - وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية.
[3] ستستخدم الباحثة مصطلح السلام الديني العالمي كما هو مقدم من دعاة هذا الفكر رغم اختلافها تماماً مع هذا الطرح ، ولكن للضرورة العملية لتسليط الضوء على المصطلحات الجديدة المستخدمة من قبل رواد هذا الطرح . فالأوقع أن يتم استعمال مفهوم مثل السلام العالمي ذو مرجعية دينية قائمة على قيم روحية مشتركة مثلاً لكن الباحثة رأت ضرورة استخدام المصطلحات المصاحبة لهذا الفكر . كما تقتضي الإشارة إلى أن الورقة قد تحتوي على آراء ترفضها الباحثة تماماً ، مثل الحديث عن الدين العام أو مايسمى بالديانات الإبراهمية ، أو الدين الإبراهيمي العالمي ، فمثل هذا الطرح المرفوض دينياً وعقائدياً أمر من قبيل الإلحاد ، ولكن الباحثة ستسلط الضوء المخطط العالمي الذي يحاك في هذا الصدد فلا يعني هذا أبداً تبنيها لهذا الفكر إطلاقاً.
[4] وهذا ما تؤكد عليه الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة مصر 2030 ، حيث تعتبر السياسة الخارجية الإطار الشامل لتحقيق الأبعاد الثلاثة في الاستراتيجية . وهذا ما يؤكد تداخل السياسة مع مختلف العلوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق