بحث

الجمعة، 2 أكتوبر 2020

الدبلوماسية الروحية مسار جديد : الدين الإبراهيمي العالمي : الحلقة الأولى.

الدبلوماسية الروحية مسار جديد ومخاطر كامنة ‏وسياسات بديلة لصانع القرار. [1]‏

د . هبة جمال الدين [2]‏

مقدمة :‏

حملت الألفية حركة جديدة تدعو ما يسمى بـ ‏‏"السلام الديني العالمي لحل الصراعات" [3] ، وتحقيق ‏أهداف التنمية المستدامة ومكافحة الفقر العالمي.‏

"فمن خلال الحوار الخدمي للأديان الإبراهيمية يمكننا ‏خلق مجتمع عالمي نابض بالحياة ومتنوع يحتوي

جميع ‏الأجيال" - رؤية معهد كوفمن للعقائد المتشابكة ‏بجامعة فالي بالولايات المتحدة الأمريكية ‏‏(‏Kaufman Interfaith Institute , ‎‏2017) - انطلاقاً من هذه العبارة تقدم هذه الورقة ‏البحثية طرحاً لمتغير جديد بحقل السياسة الخارجية ‏اعتبر مدخلاً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ، ويمتد ‏أثره كمحرك للمتغيرات الداخلية "المجتمعية" التي ‏تستخدمها الدول ، إما للمحافظة على الجوانب ‏المرغوب فيها في البيئة الدولية أو لتغيير الجوانب غير ‏المرغوب فيها وفقاً "لجيمس روزينوه". (سليم ، ‏‏1998 ، 8)‏

وتؤكد الدبلوماسية الروحية على القيم الدينية ‏المشتركة التي يرى الاقتصاد الأخلاقي ، واقتصاد ‏الهوية إنها من أهم عوامل تفسير السلوك الاقتصادي ‏للإنسان ، وتعتبر النظريات التقليدية قد فشلت في ‏القضاء على الفقر وتفسير اختيارات الإنسان بسبب ‏إغفال الانتماءات والقيم والمعتقدات التي تحرك الفرد ‏، حتى أن البعض اعتبر الفشل في تحقيق الأهداف ‏الإنمائية للألفية بسبب عدم الأخذ في الاعتبار هذه ‏المتغيرات وأن هذا الفشل قد يكون حليفنا بشأن ‏أهداف التنمية المستدامة إذا استمر هذا النهج في ‏المقابل . ومن ثم يتم طرح الدبلوماسية الروحية ‏كمدخل - مزعوم - لسد هذه الفجوة ، وتحقيق ‏أهداف التنمية المستدامة ، والقضاء على النزاعات ‏ومسبباتها وإشاعة السلام العالمي.‏

وأيضاً من جانب علم السياسة كان لهذا التوجه عدد ‏من الإرهاصات كبدء الحديث عن فكر مغاير لفكر ‏المدرسة الواقعية التي لا تعطي وزناً لعامل الدين داخل ‏الحياة السياسية ، حيث ظهر مصطلح ‏faith ‎based political action‏ أي "الفعل السياسي ‏المستند على الإيمان" ، وغالى البعض بوصفها عاملاً ‏محركاً أو تابعاً في تفسير السياسة الخارجية ‏‏(‏McDougall , ‎‏1999) ، وبدأ في هذا الصدد ‏مأسسة التوجه فظهرت مؤسسة ترتكز على الفكر ‏الإيماني ‏faith based organization ‎‏ ، ومع ‏مرور الوقت ظهر الحديث عن دور حوار الأديان في ‏السياسة الخارجية ، كمدخل تمهيدي لظهور مفهوم ‏الدبلوماسية الروحية كمتغير خارجي تستغله بعض ‏الدول للتأثير لتغيير مقدرات القوى لصالح حل النزاع ‏والصراع ، وبناء ما يسمى بالسلام الديني العالمي عبر ‏المشترك بين الأديان السماوية ، وترجمته سياسياً لينتقل ‏على الخريطة السياسية لحل النزاعات التي ستؤثر ‏بدورها على مقدرات التنمية المجتمعية ، وتسهم في ‏تحقيق تنمية مستدامة داخل الدول.‏

ومن ثم يمثل هذا الطرح توجهاً يجمع جوانب متعددة ، ‏فلا يمكن النظر إليه من منظور واحد ، فهو تأكيد ‏على تعددية نظم العلوم ‏‎ Multidisciplinary ‎Approach‏ ، فهذا الطرح الجامع بين بعدي ‏السياسة والعقائد والأديان يتم توظيفه اقتصادياً ، ‏واجتماعياً ، وثقافياً وله تأثير على البيئة والنوع ‏الاجتماعي - كما سيتضح - للوصول إلى ما يسمى ‏بالسلام الديني العالمي." [4].‏

والجديد في هذا الطرح الغربي تغير رؤية الغرب ‏للحديث عن الأديان فلم تعد النظرة أحادية للدين ‏باعتباره مسبباً للصراع - وفقاً لهم - ولكنه أصبح ‏ينظر إليه باعتباره - أيضاً مصدراً للحل ، وهذا الحل ‏سيساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة ‏عشر وفقاً لرؤية البنك الدولي ، وصندوق النقد ‏الدولي ، عبر الدعوة إلى خلق سلام ديني عالمي ينادي ‏بحل النزاعات والخلافات السياسية الدولية والإقليمية ‏من خلال منهج قائم على توظيف القيم المشتركة بين ‏الديانات السماوية في إطار طرح جديد تحت مسمى ‏‏"الديانات الإبراهيمية أو الدين الإبراهيمي العالمي" ‏بنهج مغاير عما هو مألوف ومتعارف عليه في القوانين ‏والأعراف والمواثيق الدولية ، ومن خلال فاعلين جدد ‏ووسائل مستحدثة.‏

يتبع إن شاء الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش ‏:

‏[1] ورد البحث في 17 / 10 / 2018.‏

‏[2] مدرس النظم السياسية - قسم الدراسات ‏المستقبلية - معهد التخطيط القومي - وعضو المجلس ‏المصري للشئون الخارجية.‏

‏[3] ستستخدم الباحثة مصطلح السلام الديني العالمي ‏كما هو مقدم من دعاة هذا الفكر رغم اختلافها تماماً ‏مع هذا الطرح ، ولكن للضرورة العملية لتسليط ‏الضوء على المصطلحات الجديدة المستخدمة من قبل ‏رواد هذا الطرح . فالأوقع أن يتم استعمال مفهوم ‏مثل السلام العالمي ذو مرجعية دينية قائمة على قيم ‏روحية مشتركة مثلاً لكن الباحثة رأت ضرورة ‏استخدام المصطلحات المصاحبة لهذا الفكر . كما ‏تقتضي الإشارة إلى أن الورقة قد تحتوي على آراء ‏ترفضها الباحثة تماماً ، مثل الحديث عن الدين العام أو ‏مايسمى بالديانات الإبراهمية ، أو الدين الإبراهيمي ‏العالمي ، فمثل هذا الطرح المرفوض دينياً وعقائدياً أمر ‏من قبيل الإلحاد ، ولكن الباحثة ستسلط الضوء ‏المخطط العالمي الذي يحاك في هذا الصدد فلا يعني هذا ‏أبداً تبنيها لهذا الفكر إطلاقاً.‏

‏[4] وهذا ما تؤكد عليه الاستراتيجية الوطنية للتنمية ‏المستدامة مصر 2030 ، حيث تعتبر السياسة ‏الخارجية الإطار الشامل لتحقيق الأبعاد الثلاثة في ‏الاستراتيجية . وهذا ما يؤكد تداخل السياسة مع ‏مختلف العلوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق