بحث

الجمعة، 2 أكتوبر 2020

الدبلوماسية الروحية مسار جديد : الدين الإبراهيمي العالمي : الحلقة الرابعة.

1- الدبلوماسية الروحية رافعة للاقتصاد الأخلاقي ‏وأهداف التنمية المستدامة.‏

إن ربط الطرح المقدم لعلاقة أهداف التنمية المستدامة ‏بالدبلوماسية الروحية لا يمكن النظر إليه في معزل عن ‏التطور الحادث في علم الاقتصاد الذي يعطي للأخلاق ‏والقيم دوراً في

تفسير ما عجزت عنه النظريات ‏الاقتصادية التقليدية.‏

فقد ظهر تيار يرى أن النظريات الاقتصادية التقليدية ‏لم تعد قادرة على تفسير سلوك الإنسان وتفضيلاته ، ‏أو أنها لم تستطع خلق مصلحة عامة ‏Common ‎Good ‎‏ داخل المجتمعات ، كما عجزت عن القضاء ‏على الفقر ، وهو الإخفاق الذي يعزوه البعض إلى ‏غياب البعد الأخلاقي ، أو عدم مراعاة اعتبارات ‏الهوية والقيم الحاكمة (‏Akerlof & Kranton , ‎‏2011) [1] (‏Bowels , ‎‏2016) ، في ‏المجتمعات كما يرجع أيضاً لعدم الأخذ في الاعتبار ‏القيم الروحية التي تنادي بها الديانات المختلفة.

وفي ‏هذا الخصوص يشير "كمران مفيد" - مؤسس العولمة ‏من أجل تحقيق المصلحة العامة - أن السياسات ‏النيوليبرالية قد فشلت في تحقيق الأهداف الإنمائية ‏للألفية - ‏MDGs‏ والقضاء على الفقر ، وستفشل ‏‏- إذا استمرت في هذا النهج - في تحقيق أهداف ‏التنمية المستدامة لعام 2030 - ‏SDGs‏ بسبب ‏مغالاتها في الفردية وتركيزها على تحقيق المصلحة ‏الشخصية وتعظيم الربح.

ويقدم طرحاً آخر مغايراً ‏يرى أن الاقتصاد لابد أن يكون قائماً على الروحانية ‏، والتعاطف والقيم الأخلاقية ، والعدالة الاجتماعية ‏التي نصت عليها الأديان السماوية ، حيث تتفق ‏جميعها في مراعاة العدالة الاجتماعية مقابل النفعية ‏الاقتصادية واحترام الكرامة الإنسانية والتضامن ‏المشترك.

وهذه الأديان لا تتفصل إنما تتداخل ‏وتتشابك معاً فهي أساس تحقيق المصلحة العامة ، تحدد ‏كيف نعمل معاً ومع بعضناً خاصة ً من الفقراء ‏والفئات الأكثر احتياجاً ، فبناء المصلحة المشتركة هي ‏الأساس الذي ترسخه هذه الأديان.

هذا مقابل النظام ‏الاقتصادي القائم الذي خلق فجوة اقتصادية كبيرة ‏طغت على الالتزامات الاجتماعية ، وعملت على ‏تكريس الفقر ، فلم يكم "آدم سميث" يعي أن أخلاق ‏السوق ستعم وتسود أخلاقيات المجتمع .

فالمشكلة ‏الحالية ليست اقتصادية أو تكنولوجية - وفقاً له وإنما ‏غياب الروحانيات والأخلاق عن الاقتصاد .

وعلى ‏ذلك يرى أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة ستتأتى ‏عبر دمج البعد الروحاني داخل علم الاقتصاد ، ‏ومراعاة العدالة الاجتماعية عبر شمول وتعاون مختلف ‏دول العالم التي تؤمن بقيمة الحب ، وتعلي من أهمية ‏الحياة ، والعمل المشترك معاً ، ومن ثم سيصبح العالم ‏أكثر حرية وليبرالية وأكثر مراعاة لحقوق الطبيعة ، ‏ووضع الموارد الطبيعية ، عالم يسوده السلام ويتجه ‏بعزم نحو القضاء على الفقر ونصرة الضعفاء والفقراء. ‏‏(‏Mofid,‎‏2015) ، ومن ثم فإن الحديث عن ‏الروحانيات أو الأخلاق والقيم أمر مطروح بين ‏علماء الاقتصاد ، وهو يدور في الأساس حول دورها ‏في تحسين فرص تحقيق أهداف التنمية المستدامة.‏

فكل منهما يؤكد على المشترك والروابط المشتركة ‏بين الشعوب للعيش المشترك وأهمية الشمول ‏Inclusiveness‏ أي شمول محتلف الطوائف ‏لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ، وجميع دول العالم ‏الفقيرة والغنية ، وأهمية انتقاء القادة الدينيين الذين ‏يمكنهم أن يشاركوا في رفع راية التنمية في العالم ، ‏فليس كل رجل دين مناسباً مؤهلاً لذلك ، وهذا ما ‏تطلق عليه الدبلوماسية الروحية بالقادة الروحيين.‏

ويعمل كلاهما على علاج مسببات الفقر والقضايا ‏التي تسبب النزاعات ، وتمثل تحدياً للتنمية المستدامة ، ‏كاللامساواة والاستيعاب الاجتماعي وحقوق الإنسان ‏والتطرف ، عبر أجندة أكثر رحابة واتساعاً تشمل ‏الروابط المتكاملة بين الأفراد والأرض ، والماء ، ‏والهواء ، والاجتماع ، والسياسة ، والاقتصاد ، ‏والبنية التحتية للحياة.‏

ويعتبر أنصار الدبلوماسية الروحية أنها تمثل مدخلاً ‏لتحقيق التنمية المستدامة كي لا تكون حكراً على ‏المنظور العلماني للطرح ، وإنما تعبر عن مدخل جديد ‏لمواجهة تحديات التنمية المستدامة عبر الجمع بين ‏الأديان ، بل وتقديم ضمانة للعاملين في حقل التنمية ‏من خلال اقترابهم من رجال دين مختارين بعناية ‏قادرين على العمل على الأرض.‏

يتبع إن شاء الله.‏

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش :‏

‏[1] ويستشهد أنصار هذا الاتجاه بـ "آدم سميث" ‏في كتابه حول "تطورات لتنظيم السلوك" الذي أكد ‏خلاله أن البشر يعد النوع الأكثر تعاوناً على وجه ‏البسيطة ، فمشاعرنا تطورت لدعم التعاون ووضع ‏نحن قبل أنا ، ويرى "جورج برايس" أن التطور ‏الدارويني جعلنا ربما نؤثر الغير على أنفسنا في التعامل ‏مع الأشخاص الذين نعتبرهم في المجموعة التي نسميها ‏نحن ، كما أن القيم واالمعتقدات والأخلاق قد تكون ‏الدافع لتفسير سلوكنا الاقتصادي . فقد نعمل بجد ‏أكثر لا لكسب المال أو للحصول على مكافأة وإنما ‏لتحقيق الذات ولنيل الاحترام ، بل أحياناً يصرف ‏صاحب العمل مكافآت لزيادة الإنتاجية لكن تكون ‏النتيجة خلاف ما خطط إليه ، بسبب وصول رسالة ‏خاطئة للعاملين من وراء هذا السلوك كوصفهم ‏بالنفعية أو الكسل والتقصير . ويرى "صامويل باول" ‏أن الحوافز المصاغة بشكل يراعي الاعتبارات ‏الأخلاقية يمكن أن تحقق الحكم الرشيد ، ويسمى هذا ‏الفكر بالاقتصاد الأخلاقي ‏Moral Economy‏ ، ‏وفي المقابل يقدم اقتصاد الهوية طريقة لتفسير سلوك ‏الإنسان والكشف عن الكيفية التي يمكن للهوية - ‏وليس فقط الدوافع الاقتصادية - أن تكون محركة ‏لقرارات الإنسان ، فمفهوم من نحن وماذا نريد ربما ‏يشكل حياتنا الاقتصادية أكثر من أية عوامل أخرى ‏فالقيود التي يضعها المجتمع ربما تكون محدد رئيسي ‏لاختيارات الحياة الاقتصادية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق