1- الدبلوماسية الروحية رافعة للاقتصاد الأخلاقي وأهداف التنمية المستدامة.
إن
ربط الطرح المقدم لعلاقة أهداف التنمية المستدامة بالدبلوماسية الروحية
لا يمكن النظر إليه في معزل عن التطور الحادث في علم الاقتصاد الذي يعطي
للأخلاق والقيم دوراً في
فقد ظهر تيار يرى أن النظريات الاقتصادية التقليدية لم تعد قادرة على تفسير سلوك الإنسان وتفضيلاته ، أو أنها لم تستطع خلق مصلحة عامة Common Good داخل المجتمعات ، كما عجزت عن القضاء على الفقر ، وهو الإخفاق الذي يعزوه البعض إلى غياب البعد الأخلاقي ، أو عدم مراعاة اعتبارات الهوية والقيم الحاكمة (Akerlof & Kranton , 2011) [1] (Bowels , 2016) ، في المجتمعات كما يرجع أيضاً لعدم الأخذ في الاعتبار القيم الروحية التي تنادي بها الديانات المختلفة.
وفي هذا الخصوص يشير "كمران مفيد" - مؤسس العولمة من أجل تحقيق المصلحة العامة - أن السياسات النيوليبرالية قد فشلت في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية - MDGs والقضاء على الفقر ، وستفشل - إذا استمرت في هذا النهج - في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 - SDGs بسبب مغالاتها في الفردية وتركيزها على تحقيق المصلحة الشخصية وتعظيم الربح.
ويقدم طرحاً آخر مغايراً يرى أن الاقتصاد لابد أن يكون قائماً على الروحانية ، والتعاطف والقيم الأخلاقية ، والعدالة الاجتماعية التي نصت عليها الأديان السماوية ، حيث تتفق جميعها في مراعاة العدالة الاجتماعية مقابل النفعية الاقتصادية واحترام الكرامة الإنسانية والتضامن المشترك.
وهذه الأديان لا تتفصل إنما تتداخل وتتشابك معاً فهي أساس تحقيق المصلحة العامة ، تحدد كيف نعمل معاً ومع بعضناً خاصة ً من الفقراء والفئات الأكثر احتياجاً ، فبناء المصلحة المشتركة هي الأساس الذي ترسخه هذه الأديان.
هذا مقابل النظام الاقتصادي القائم الذي خلق فجوة اقتصادية كبيرة طغت على الالتزامات الاجتماعية ، وعملت على تكريس الفقر ، فلم يكم "آدم سميث" يعي أن أخلاق السوق ستعم وتسود أخلاقيات المجتمع .
فالمشكلة الحالية ليست اقتصادية أو تكنولوجية - وفقاً له وإنما غياب الروحانيات والأخلاق عن الاقتصاد .
وعلى ذلك يرى أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة ستتأتى عبر دمج البعد الروحاني داخل علم الاقتصاد ، ومراعاة العدالة الاجتماعية عبر شمول وتعاون مختلف دول العالم التي تؤمن بقيمة الحب ، وتعلي من أهمية الحياة ، والعمل المشترك معاً ، ومن ثم سيصبح العالم أكثر حرية وليبرالية وأكثر مراعاة لحقوق الطبيعة ، ووضع الموارد الطبيعية ، عالم يسوده السلام ويتجه بعزم نحو القضاء على الفقر ونصرة الضعفاء والفقراء. (Mofid,2015) ، ومن ثم فإن الحديث عن الروحانيات أو الأخلاق والقيم أمر مطروح بين علماء الاقتصاد ، وهو يدور في الأساس حول دورها في تحسين فرص تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
فكل منهما يؤكد على المشترك والروابط المشتركة بين الشعوب للعيش المشترك وأهمية الشمول Inclusiveness أي شمول محتلف الطوائف لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ، وجميع دول العالم الفقيرة والغنية ، وأهمية انتقاء القادة الدينيين الذين يمكنهم أن يشاركوا في رفع راية التنمية في العالم ، فليس كل رجل دين مناسباً مؤهلاً لذلك ، وهذا ما تطلق عليه الدبلوماسية الروحية بالقادة الروحيين.
ويعمل كلاهما على علاج مسببات الفقر والقضايا التي تسبب النزاعات ، وتمثل تحدياً للتنمية المستدامة ، كاللامساواة والاستيعاب الاجتماعي وحقوق الإنسان والتطرف ، عبر أجندة أكثر رحابة واتساعاً تشمل الروابط المتكاملة بين الأفراد والأرض ، والماء ، والهواء ، والاجتماع ، والسياسة ، والاقتصاد ، والبنية التحتية للحياة.
ويعتبر أنصار الدبلوماسية الروحية أنها تمثل مدخلاً لتحقيق التنمية المستدامة كي لا تكون حكراً على المنظور العلماني للطرح ، وإنما تعبر عن مدخل جديد لمواجهة تحديات التنمية المستدامة عبر الجمع بين الأديان ، بل وتقديم ضمانة للعاملين في حقل التنمية من خلال اقترابهم من رجال دين مختارين بعناية قادرين على العمل على الأرض.
يتبع إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش :
[1] ويستشهد أنصار هذا الاتجاه بـ "آدم سميث" في كتابه حول "تطورات لتنظيم السلوك" الذي أكد خلاله أن البشر يعد النوع الأكثر تعاوناً على وجه البسيطة ، فمشاعرنا تطورت لدعم التعاون ووضع نحن قبل أنا ، ويرى "جورج برايس" أن التطور الدارويني جعلنا ربما نؤثر الغير على أنفسنا في التعامل مع الأشخاص الذين نعتبرهم في المجموعة التي نسميها نحن ، كما أن القيم واالمعتقدات والأخلاق قد تكون الدافع لتفسير سلوكنا الاقتصادي . فقد نعمل بجد أكثر لا لكسب المال أو للحصول على مكافأة وإنما لتحقيق الذات ولنيل الاحترام ، بل أحياناً يصرف صاحب العمل مكافآت لزيادة الإنتاجية لكن تكون النتيجة خلاف ما خطط إليه ، بسبب وصول رسالة خاطئة للعاملين من وراء هذا السلوك كوصفهم بالنفعية أو الكسل والتقصير . ويرى "صامويل باول" أن الحوافز المصاغة بشكل يراعي الاعتبارات الأخلاقية يمكن أن تحقق الحكم الرشيد ، ويسمى هذا الفكر بالاقتصاد الأخلاقي Moral Economy ، وفي المقابل يقدم اقتصاد الهوية طريقة لتفسير سلوك الإنسان والكشف عن الكيفية التي يمكن للهوية - وليس فقط الدوافع الاقتصادية - أن تكون محركة لقرارات الإنسان ، فمفهوم من نحن وماذا نريد ربما يشكل حياتنا الاقتصادية أكثر من أية عوامل أخرى فالقيود التي يضعها المجتمع ربما تكون محدد رئيسي لاختيارات الحياة الاقتصادية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق