هل
خلقت الـ «سي. آي. إيه» حركة طالبان وتنظيم القاعدة، وهل عزفت الولايات
المتحدة على وتر طالبان كورقة للترهيب أو التأديب. أسئلة يجيب عليها
كتاب
حروب الاشباح -السجل الخفي للـ «سي.اي إيه».. لإفغانستان.. ولابن لادن..
لمؤلفه ستيف كول .. كتاب يتجلى فيه الدور غير الاعتيادي للـ «سي.اي إيه» في
قصص بيع الصواريخ وإعادة شرائها..وقصص ضباط وكالة الاستخبارات الامريكية.. وصراعاتهم التي تفسر الحروب السرية التي سبقت «11/سبتمبر».. وتورط رؤساء.. ودبلوماسيين.. في فرع جديد يُسمى مكافحة الأرهاب ..
كتاب حائز على جائزة بوليتزر المرموقة مرتين.. وهو من أكثر الكتب مبيعاً في العالم..
جلس رجل امريكي ضخم البنية وواسع الوجه داخل مقصورة طائرة متداعية تابعة لخطوط أريانا الجوية الأفغانية، تحلّق فوق البنجاب في اتجاه كابول، وتتوزع فيها الحمولات في كل حدب وصوب. كان رجلاً ودوداً في أوائل الخمسينيات من العمر، يتكلم بلهجة الغرب الأوسط الباردة، وقد أشار أحد معارفه إلى أنه يوحي بأنه طبيب أسنان. خدم غاري شروين لستة وعشرين عاماً كضابط في الخدمات السرية لوكالات الاستخبارات الامريكية. ك
ان في ذلك الحين -أىلول/ سبتمبر 1996م- رئيساً لمركز الوكالة في إسلام أباد، عاصمة باكستان، كان يتحدث الفارسية واللغة الشبيهة بها، المعروفة باسم داري، وهي إحدي اللغتين الأساسيتين في أفغانستان. في مصطلحات قاموس الجاسوسية، كان شروين مشغلاً.
كان يستخدم عملاء الاستخبارات المأجورين، ويديرهم، ويقود عمليات تجسس، ويشرف على الأعمال السرية ضد الحكومات الأجنبية والمجموعات التي تسمها الإدارة الامريكية بصفة «الإرهابية». وقبل بضعة أسابيع، بموافقة من مقرّ وكالة المخابرات في لانغلي، في فرجينيا، اتصل عبر وسطاء بأحمد شاه مسعود، القائد الأفغاني الشهير للعمليات الحربية ضد السوفيات، والذي بات وزير دفاع في حكومة أفغانية تمزقها الحرب، وتتداعى من الداخل. طلب شروين موعداً، وحظى بموافقة مسعود.
لم يكونا قد تبادلا الكلام منذ خمس سنين. في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات، كانت الولايات المتحدة والمجاهدون الأفغان حلفاء يقاتلون قوات الاحتلال السوفياتي وعملاءهم الشيوعيين والأفغان، وقد ضخت وكالة الاستخبارات الامريكية مساعدات مالية وصلت إلى «002» ألف دولار شهرياً، إلى مسعود ومجموعاته الإسلامية المقاتلة، بالإضافة إلى تزويده بالأسلحة وغيرها من المؤن. وما بين العامين «1989-1991م سلم شروين شخصياً بعض الأموال.
لكن المساعدات توقفت في كانون الأول/ ديسمبر 1991م مع اندثار الاتحاد السوفياتي. قررت حينها الحكومة الامريكية انه لم يعد لها من مصالح في افغانستان.
كانت البلاد في هذه الأثناء، تنهار. فكابول التي كانت ذات يوم مدينة أنيقة واسعة الشوارع، ومكتسية بالحدائق المزروعة بشكل يُبهر النظر بين المرتفعات الصخرية القاحلة، قد تحولت بفعل أمراء الحرب فيها، إلى دولة لم يسلم فيها بشر أو حجر من الدمار أو البؤس، حتى باتت تعد بين أسوأ أماكن الأرض على الاطلاق.
كانت الفصائل المسلحة تنبت موسمياً ضمن المليشيات المسلحة في معارك مدينية شرسة تتفجر داخل مربعات مبنية من الاسمنت، واحدة تلو الأخرى، وذلك سعياً وراء مكاسب تكتيكة لا يراها عادة أحد سواهم.
وكانت الميليشيات، بقيادة رجال دين إسلاميين يختلفون في العمق على تفاصيل صغيرة، تتسبب في مقتل مئات من أسرى الحرب بسبب الحرارة بعد حجزهم داخل مستوعبات شحن قديمة. كانت المدينة محرومة من الكهرباء منذ العام 1993م. ويعتمد مئات الآلاف من أبنائها والقاطنون فيها، للحصول على خبزهم اليومي والشاي، على الجهود الكبيرة، لكن المحدودة، لمنظمات الإغاثة الدولية. وفي بعض أجزاء الريف، مات آلاف اللاجئين المهجرين بسبب سوء التغذية والأمراض القابلة للشفاء لأنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى العيادات ومحطات التغذية.
هذا كله بينما الدول المجاورة- باكستان، إىران، الهند، السعودية تسلم كميات ضخمة من الأسلحة والأموال إلى عملائها الأفغان. لقد سعت حكومات هذه البلدان إلى مكاسب على الأرض أمام جيرانها.
وتدفقت الأموال والأسلحة أيضاً من أشخاص أو جمعيات خيرية إسلامية تسعى الى توسيع نفوذها المعنوي ونفوذها السياسي، عبر التحول المذهبي لدى أبناء البلاد.
بقى أحمد شاه مسعود أشهر القادة العسكريين في أفغانستان، بات هذا الرجل القوي البنية، والخفيف الذقن، وصاحب العينين السوداوين الثاقبتين، قائداً شعبياً محبوباً، وخصوصاً في شمال شرق افغانستان، فهناك قاتل وفاوض بالقدرة التخيلية نفسها في الثمانينيات، حيث راح يعاقب الجنرالات السوفيات ويسبب لهم الإحباط. نظر مسعود إلى السياسة والحرب على أنهما صنوان. كان تلميذاً نبيهاً لماو وغيره من القادة التاريخيين والأسطوريين للمجموعات المقاتلة.
تساءل البعض مع مرور الوقت،إذا كان بإمكانه ان يتخيل الحياة من دون صراع مسلح. إلا أنه أثبت أيضاً، عبر مختلف المجالس والتحالفات، أنه قادر على الحصول على السلطة من خلال المشاركة فيها. وفي خلال حقبة الاحتلال السوفياتي المرعبة، بات مسعود يرمز، بالنسبة إلى الكثير من الأفغان -وخصوصاً أبناء قومه من الطاجيك- إلى الروح والقدرة للمقاومة الباسلة.
كان قبل كل شئ رجلاً مستقلا. أحاط نفسه بالكتب. كان يصلي بخشوع، ويقرأ الشعر الفارسي، ويدرس العلوم الدينية الإسلامية، وأغرق نفسه في تاريخ حروب العصابات. انجذب إلى عقائد الإسلام الثوري والسياسي، لكنه أثبت نفسه أيضاً كقومي أفغاني منفتح الذهن ومتسامح.
إلا أنه في شهر أيلول/ سبتمبر ذاك، سقط صيت مسعود إلى درك سفلي. فانتقاله من التمرد في الثمانينيات إلى الحكم في التسعينيات، قد تطور بشكل كارثي. بعد انهيار الحقبة الشيوعية الأفغانية، استلم حقيبة الدفاع في التحالف الاسلامي المنتصر حديثاً، وغير المستقر في الوقت نفسه.
وقد تعرض لهجوم مسلح من خصومه في باكستان، فلم يتوان عن شن هجوم مضاد، وأصبح بذلك يمثل قوة ملطخة بالدم، تقف خلف حكومة فاشلة تقدم أسباب انهيارها بنفسها.
راح حلفاؤه في الشمال يهربون الهيرويين. كان عاجزاً عن تحقيق الوحدة أو السلم في البلاد. وأظهرت قواته انضباطاً ضعيفاً، وراح بعضها يرتكب المجازر بدون رحمة بحق الخصوم، حين كانت تقاتل للسيطرة على أحياء كابول.
وابتداء من العام 1994م، راحت ميليشا جديدة تتقدم من جنوب أفغانستان، متوعدة بتطهير الأمة من أمراء الحرب فيها، بمن فيهم مسعود نفسه. وأعلن قادتها، معتمروا العمامات، ومكحلو العيون، ان القرآن سيبيد أسد بانشير، وهو لقب مسعود- حيث فشلت جميع الوسائل الأخرى.
كانوا يتنقلون خلف رايات بيضاء مرفوعة باسم مدرسة صارمة، بشكل غير مسبوق في الإسلام، تدعو إلى قواعد مضنية وغريبة للسلوك الشخصي. بات هؤلاء «الطالبان» أو التلامذة الدينيون، كما كانوا يطلقون على أنفسهم، يسيطرون على مناطق واسعة من غرب أفغانستان وجنوبها. أصيب مسعود بالصدمة من قوتهم المتنامية، كان الطالبان يتنقلون في شاحنات تويوتا رباعية الدفع، كبيرة الحجم، جديدة وبراقة، ويقتنون أسلحة حديثة، وكميات هائلة من الذخائر، وقد تمكنوا بشكل غامض من إعادة صيانة طائرات سوفياتية مقاتلة قديمة العهد، والإقلاع بها، بالرغم من الخبرة العسكرية البدائية لدى قادتهم.
كانت السفارة الامريكية في كابول مقفلة لأسباب أمنية منذ كانون الثاني/ يناير 1989م، لذا لم يتوافر مركز لوكالة المخابرات الامريكية يمكن منه جمع المعلومات حول الطالبان، أو مصادر قوتهم الناشئة حديثاً. لم يعد المركز الأقرب، في إسلام آباد، قادراً على الأهتمام بالمصالح الامريكية داخل افغانستان، ضمن التوجيه التشغيلي الخاص به، وهو اللائحة الرسمية لأولويات جمع المعلومات المرسلة كل سنة إلى مراكز وكالة الاستخبارات المركزية في أنحاء العالم.
ومن دون الموافقة الرسمية من التوجيه التشغيلي، كانت تنقص رئىس مركز، مثل غاري شروين، موارد الموازنة الضرورية لتجنيد العملاء، وتأمين معدات التواصل لهم، وإدارتهم في الميدان، ومعالجة تقاريرهم المخابراتية.
أبقت وكالة الاستخبارات على مجموعة من العملاء المأجورين في أفغانستان، لكن معظم هؤلاء كانوا مخصصين لتعقب مير آمال قاضي، وهو شاب باكستاني متمرد، عمد يوم 25 كانون الثاني/ يناير 1993م إلى فتح النار على موظفي وكالة الاستخبارات المركزية عند وصولهم إلى مقرها في لانغلي.
تسبب قاضي في مقتل ثلاثة وجرح اثنين، ثم هرب إلى باكستان. بات الاعتقاد سائداً بحلول العام 1996من، انه يتنقل دخولاً وخروجاً إلى افغانستان،لاجئاً في المناطق القبلية، حيث لا تستطيع الاستخبارات الامريكية وجواسيسها وعملاؤها العمل بسهولة.
لم يرفع عملاء الوكالة الذين كانوا يطاردون قاضي، تقارير حول حرب طالبان المتنامية ضد أحمد شاه مسعود، إلا بشكل عابر. كانت مهمة جمع المعلومات عن التطورات العسكرية والسياسية في أفغانستان، متروكة لمقر وكالة المخابرات الامريكية في فرجينيا البعيدة، وإحدى المهمات العامة لقسم الشرق الأدنى لمديرية العمليات.
بالكاد كان ذلك يشكل تطوراً غير اعتيادي بين الوكالات الحكومية الامريكية. كانت الوكالة الامريكية للتنمية الدولية قد أقفلت برنامجها الأفغاني للمساعدة الإنسانية العام 1994م.
لم يكن لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، سياسة أفغانية اكثر من تمن غامض للسلام والازدهار. وكانت وزارة الخارجية أكثر انخراطاً في الشؤون الأفغانية، لكن في المستويات المتوسطة حصراً من بيروقراطيتها. وبالكاد علق وزير الخارجية وارن كريستوفر حول أفغانستان في خلال «4» سنين من عهده.
أرسل مسعود مستشاراً مقرباً إليه يدعى مسعود خليلي، لمواكبة غاري شروين إلى داخل كابول. وقد عمدت شركة أريان الجوية الأفغانية إلى انتزاع معظم مقاعد الركاب لافساح المزيد من المساحة للحمولات الضرورية جداً، فامتلأت الأروقة بالصناديق والمستوعبات، ولم تكن أي منهما موثقة أو في وضع آمن. وقد طمأن خليلي شروين قائلاً: «لم يسبق أن تحطم أي منها».
ومع دخول أجواء افغانستان، مرت طائرتهم فوق القمم القاحلة السمراء النائمة، الواحدة على كتف الأخرى، امتدت الأرض العارية من أي أشجار في الأسفل متكتلة في لوحة مصبوغة بالبنى الرملي والأحمر الصلصالي. وفي اتجاه الشمال، راحت الأنهار تشق خطوطاً عميقة في قلب جبال هندوكوش. وارتفعت في اتجاه الجنوب، قمم على علو «11» ألف قدم بشكل حلقة فوق وادي كابول الذي يصل ارتفاعه إلى أكثر من ألف قدم. وعلى طول الطرق المحيطة، تركت الهياكل الصدئة لدبابات، وناقلات جند مدرعة، محترقة ومهجورة، وقد اصطفت على طول المضمار بقايا هياكل محطمة لطائرات مقاتلة وطائرات نقل.
استقبل مسؤولون في جهاز استخبارات مسعود الطائرة بآليات رباعية الدفع، اصعدوا إلى داخلها ضيفهم الأمريكي، لتبدأ رحلة تنخر العظام عبر سهول شومالي في اتجاه كابول. وفوجئ بعضهم بأن شروين ظهر ومعه مجرد حقيبة صغيرة على كتفه، من دون معدات اتصال ولا أمن شخصي، انبهروا بتصرفه المسترخي، وقدرته علي تكلم الداري، ومعرفته المفصلة بأفغانستان.
كان شروين معروفاً بظهوره في الماضي حاملاً حقائب مليئة بالدولارات الامريكية، ولهذه الناحية، يسهل عليه وعلى زملائه في الوكالة كسب ود المقاتلين الأفغان. وقد مرت ست عشرة سنة والوكالة تلاحق أهدافها في أفغانستان بواسطة صناديق كبيرة من الأموال. وشعر بعض ضباط الاستخبارات لدى مسعود، بالإحباط، إذ يبدو أن الوكالة تعتبر دائماً أن مسعوداً ورجاله محفزون بالمال.
قد تكون حربهم الأهلية معقدة وضارية، لكنهم كانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مقاتلون من أجل قضية وطنية، يجرحون ويقتلون كل يوم، مخاطرين بالقليل الذي يملكونه. تدفق ما يكفي من الأوراق النقدية غير القابلة للتعقب إلى منظمة مسعود عبر أعوام طويلة إلى درجة تكفي لتأمين تقاعد مريح لهم إن رغبوا في ذلك. وبرغم ذلك، فإن العديد منهم ما زالوا هنا في كابول، إلى جانب مسعود. بالرغم من المخاطر الكثيرة والحرمان الشديد. تساءل بعضهم باستياء لماذا كانت الوكالة غالباً تبدو أنها تعاملهم كأن المال أهم من القرابة والوطن. بالطبع، لم يكن معروفاً عنهم أيضاً رفضهم المال.
رافقوا غاري شروين إلى أحد المنازل الخفية التي يحتفظ بها مسعود في كابول. انتظروا استدعاء القائد الذي ورد قبل حوالي ساعة من انتصاف الليل. وتم اللقاء داخل منزل كان في السابق مسكناً لسفير النمسا، قبل ان تدفع المعارك بالأسلحة والصواريخ، معظم البلوماسيين الأوروبيين إلى الهرب إلى خارج البلاد.
كان مسعود يرتدي رداء أفغانياً تقليدياً أبيض، ويعتمر طاقية صوف خاصة بالبانشيريين. كان طويل القامة، لكن طلته لم تكن مهيبة، كان هادئاً ووقوراً، يشع وجهه، وتشي حركاته بقوة الشخصية.
سكب مساعده الشاي. جلسوا في ظل اضاءة خفيفة حول طاولة اجتماعات موقتة. تحدث مسعود بلغة الداري مع خليلي حول ضيفهما وخلفيته وما يعرفه خليلي عنه.
بدأ مسعود شكاكاً حول طلب الوكالة هذا اللقاء. كانت الوكالة الامريكية قد تجاهلت ما نظر إليه مسعود ورجاله على أنه تهديد متنام تمثله طالبان المتشددة.
كان البعض في دائرة مسعود يشك في ان الوكالة قد مررت السلاح والمال بشكل سري إلى طالبان. صحيح ان امريكا كانت صديقة لمسعود على مدى سنين، لكنها صديقة متقلبة. فما الذي تريده الوكالة الآن؟
بدأ شروين حديثه مذكراً «بات لنا سجل أنا وانت، بالرغم من أننا لم نلتق وجهاً لوجه أبداً». لم يكن سيبدأ بإطلاق الاتهامات، لكن في الحقيقة، لم يكن ذلك السجل بمفرح، بشكل عام.
ذكر شروين مسعود بأن الوكالة كانت تعمل عن كثب مع القائد في شتاء العام 1990م. كان مسعود يعمل وقتئذ في جبال شمال شرق أفغانستان. كانت كابول تحت سيطرة الرئىس نجيب الله، وهو رئيس سابق للشرطة السرية، وشيوعي يتميز بضخامة بنيته وبشاربيه، وقد بقى صامداً في السلطة بالرغم من انسحاب القوات السوفياتية في العام 1989م.
دعمت موسكو نجيب الله، بينما سعت السياسة الامريكية إلى هزيمته بالقوة العسكرية. وزود السوفيات عميلهم بكميات كبيرة من المساعدات العسكرية والاقتصادية، براً وجواً. وفي فصل الشتاء ذاك، توصلت وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية بالتعاون مع المخابرات العسكرية الباكستانية، إلى خطة لإطلاق هجمات متزامنة على خطوط الإمداد الأساسية حول أفغانستان.
كان ضباط الوكالة قد خططوا لدور حاسم لمسعود، لأن قواته كانت متمركزة قرب طريق سالانغ السريعة، وهي الطريق الأساسية بين الجنوب والشمال، المؤدية من الاتحاد السوفيتي إلى كابول.
سافر غاري شروين في شهر كانون الثاني/يناير1991م، إلى بيشاور في باكستان، حيث كان أحد أشقاء مسعود، ويدعى أحمد ضياء، يملك مجمعاً مجهزاً بنظام اتصال لاسلكي بمقرمسعود الشمالي الشرقي. تحدث شروين على الجهاز مع مسعود عن خطة هجوم الـ «سي. آي. إيه»: لقد أرادت الوكالة من أسد بانشير ان يتجه غرباً، ويقفل طريق سالانغ للشتاء.
وافق مسعود، لكنه قال إنه يحتاج إلى المساعدة المالية. سيضطر إلى شراء ذخيرة جديدة لقواته وملابس للشتاء لجنوده. وكان بحاجة إيضاً إلى نقل القرويين الذين يسكنون المكان من منطقة الهجمات لئلا يكونوا عرضة لأعمال انتقامية من قوات النظام. وقد طلب مساعدة لتسديد ثمن هذا كله، هي عبارة عن دفعة كبيرة فوق مساعدته الشهرية من الـ «سي. آي. إيه». توافق شروين والقائد الأفغاني على دفعة واحدة كاملة لمبلغ «500» ألف دولار امريكي نقداً. ولم يتأخر شروين في تسليم المال يداً بيد إلى شقيق مسعود في بيشاور.
مرت أسابيع. وقعت بعض الاشتباكات المحدودة، وأقفلت طريق سالانغ لبضعة أيام، لكنها سرعان ما فتحت من جديد. وبحسب ما حددته الـ «سي. آي. إيه»، لم يحرك مسعود أياً من قواته الأساسية، كما تم الاتفاق علىه. وقد اشتبه ضباط الـ «سي. آي. إيه» المعنيون، في أنهم تعرضوا للخداع، ولسرقة بقيمة نصف مليون دولار.
كانت سالانغ مصدراً حيوياً للتجارة والإىرادات بالنسبة إلى المدنيين في شمال أفغانستان، وقد تردد مسعود في الماضي في إقفال هذه الطريق خوفاً من خسارة أتباعه المحليين، وخاصة أن قواته كانت تجبي الضرائب على طولها.
وفي تبادلات لاحقة مع ضباط الـ ««سي. آي. إيه» دافع مسعود عن نفسه قائلاً: إن قادته المساعدين قد باشروا الهجمات المخطط لها، كما تم الاتفاق عليه ذاك الشتاء، لكنهم واجهوا إعاقات بسبب الشتاء ومشاكل أخرى. لم تجد الـ «سي. آي. إيه»أي إثباتات تدعم أقوال مسعود. وبحسب ما توصل عناصرها إليه، فإن قادة مسعود فضلوا البقاء خارج المعارك في سالانغ. أما الآن، فقد ذكر شروين مسعود باتفاقهما قبل ست سنين، وذكر أنه سلم شخصياً شقيقه مبلغ «500» ألف دولار.
«كم؟» سأله مسعود.
«خمسمائة ألف»، أجاب شروين.
بدأ مسعود ومساعدوه يتبادلون الأحاديث في ما بينهم. قال أحدهم بهدوء، بلغة الداري «لم نتلق 500 ألف دولار».
كرر مسعود دفاعه السابق أمام شروين.
كان المناخ مريعاً في شتاء 1990م ذاك، فعجز عن تحريك قواته بالفعالية التي كان يأملها. كانت تنقصه الذخيرة المناسبة، بالرغم من المبلغ الكبير المدفوع.
«بات هذا كله من الماضي»، أجابه أخيراً شروين.
أطلق مسعود شكواه الخاصة. كان متحدثاً مقنعاً وطلقاً، واضحاً وقوياً، لا يرفع صوته أو يكثر من الإشارات. قال إن الولايات المتحدة والـ «سي. آي. إيه» قد تخلتا عن أفغانستان، تاركتين شعبها لمصيره. نعم، كان مسعود ورفاقه ممتنين للمساعدة التي أمنتها الولايات المتحدة في سني الاحتلال السوفيتي لكنهم باتوا يشعرون بالمرارة إزاء ما نظرو إليه على أنه قرار أمريكي بالتخلي عن بلادهم.
«انظروا، نحن هنا»، أجاب شروين. «نريد إعادة فتح العلاقات. يتزايد الاهتمام الامريكي بأفغانستان». حاول تبرير تخلي بلاده عن أفغانستان، متذرعاً بأنه قد تمر سنة أو ربما سنتان، لكن الـ «سي. آي. إيه» ستعود. قال ان الأمور تتحرك علي هذا المنوال. فها قد بدأ يبرز هم واحد بالتحديد الإرهاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق