بحث

الاثنين، 14 أبريل 2014

التوثيق والإسناد



في الحقيقة قضية الإسناد تشير إلى أحد أهم مكونات عقلية المسلم حيث تشير إلى
(التوثيق).

فالتوثيق للمصادر من أهم خصائص تلك الأمة ؛ حيث وثقت الأمة كتاب ربها من جيل إلى جيل على أعلى مستويات الدقة في النقل ، حتى راعت النقل على مستوى الضبط ، والصوت ، والمد والترقيق والتفخيم ، فأعجزت وبهرت من حولها من الأمم.

وعلى مستوى السنة النبوية ، فالسند كان ولا يزال أهم الوسائل التي حفظ الله بها الحديث وصانه من الوضع والكذب والافتراء ، كما أنه المعيار الأول الذي تُقوم به الروايات وتوزن به الأخبار ؛ لمعرفة صحيحها من سقيمها وقويها من ضعيفها.[1]

فمبدأ إحالة القول إلى قائله عن طريق الرواة والنقلة – وهو روح الإسناد – موجود في أصل أدلة الشرع.

فالآيات تصرح بأن جبريل كان هو الواسطة في الوحي بين الله تعالى وبين سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول تعالى:{ نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 193، 194.]

وقال تعالى : {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى }(النجم / 4: 6) وهو جبريل عليه السلام . وقال الله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}(النمل:6).

وقد وردت أحاديث أخرى تفيد الإشارة إلى استعمال الإسناد في تبليغ الوحي ونقل النصوص.

فعن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأدّاها، فَرُبَّ حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.[2]

وعن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم". [3]

ومما يدل على أن مبدأ الإسناد كان شائعاً حديث الصحابي ضمام بن ثعلبة، وهو أعرابي كان في البادية، جاءه رسول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعرض عليه الإسلام، فجاء ضمام إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال:"يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك، قال: صدق..قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا.قال: صدق.[4]

- فكان هذا التوجيه النبوي والتطبيق العملي من الصحابة رضي الله عنهم من أسس نظرية الإسناد.

وقد روى الإمام مسلم بسنده عن ابن سيرين قال : لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم.فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ،وينظر إلى أهل البدع،فلا يؤخذ حديثهم.[5]

وفي رواية أخرى لمسلم عن ابن سيرين قال : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .[6]

وكذا روى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه (1/15) عن عبد الله بن المبارك أنه كان يقول:"الإسناد من الدين. ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء." اهـ

وعن الأعمش قال : جالست إياس بن معاوية ، فحدثني بحديث ، قلت : من يذكر هذا ، فضرب لي مثل رجل من الحرورية فقلت : إليّ تضرب هذا المثل ، تريد أن أكنس الطريق بثوبي ، فلا أدع بعرة ولا خنفساءة إلا حملتها؟ [7] .

- ولله در إمامنا الشافعي عندما قال :

العلم ما كان فيه: قال حدثنا وما سوى ذلك وسواس الشياطين
العلم ما كان فيه: قال حدثنا وما سوى ذلك وسواس الشياطين
العلم ما كان فيه: قال حدثنا وما سوى ذلك وسواس الشياطين
العلم ما كان فيه: قال حدثنا وما سوى ذلك وسواس الشياطين

 
- ولله در من قال :

والعلم إن فاته إسناد مسنده
كالبيت ليس له سقف ولاطنب

هامش.

[1]
البيان لما يشغل الأذهان جـ 1. الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية الأسبق.
[2] رواه الإمام الشافعي في كتاب« الرسالة» ص401 وأحمد بن حنبل في المسند (1/437) والترمذي في السنن(3/372) وابن ماجة (1/52) وابن حبان في صحيحه (1/226-227) وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/40) وقد أورده الإمام السيوطي في الأزهار المتناثرة و الكتاني في نظم المتناثرة وكذلك الزبيدي في لقط اللآلئ . وانظر : لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة . محمد مرتضى الزبيدي صـ161 .
[3]رواه الإمام أحمد (4/340) والرامهرمزي في المحدث الفاضل ص 206.
[4] رواه الإمام البخاري(1/ 2425).
[5] مقدمة الإمام مسلم (صـ84) .
[6] المرجع السابق (صـ84) .
[7] المرجع السابق (87) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق