سيدة
منتقبة تهرول فى فزع حتى تقف أمام زوجها.. تلطم صدره بيديها، ثم تلكم وجهه
كيفما اتفق، ثم تخلع حذاءها، وتهوى به على رأسه وهى تصرخ فى هستيريا
«قتلوا الشيخ شوقى.. قتلوا الشيخ شوقى».
لماذا تلوم زوجها على مقتل «شوقى»؟ لعلها كانت تتمنى أن يفديه، أن يحول بينه وبين المنية، أن يتلقى عنه الرصاص، أن يفعل أى شىء.
لكن الأكيد أنها
مصدومة.. وكأنها تحب (شوقى) بصيغة ما، ليس متاحًا أمامنا إلى اللحظة فهمها فهمًا دقيقًا.لماذا تلوم زوجها على مقتل «شوقى»؟ لعلها كانت تتمنى أن يفديه، أن يحول بينه وبين المنية، أن يتلقى عنه الرصاص، أن يفعل أى شىء.
لكن الأكيد أنها
المكان: قرية كحك- محافظة الفيوم، جنوب القاهرة، بنحو 100 كيلومتر. الزمان: يوم مجهول من إبريل- نيسان عام 1990، والأجواء ملبدة بالذهول.
قبل أن تجرى هذه السيدة نحو زوجها راثيةً «شوقى» هذا، كان عدد من أتباعه فى قرية كحك بمركز أبشواى يجهزون أنفسهم لمعركة المصير، فإما الحياة مع شوقى، وإما الموت دونه.. لا خيار وسيطا.
عرف «الشوقيون»- نسبةً لسيدهم- أن الرجال ذوى الزى الأسود والدبابير والنسور النحاسية على الأكتاف يزحفون نحو «كحك» بأسلحتهم وعرباتهم المدرعة.
هُرع أصحاب شوقى إلى أسطح البيوت وجذوع النخل وفروع الأشجار، وكلٌ يقبض على سلاحه، ويجهز طلقاته، ويجيل ناظريه فى كل الاتجاهات.
المهمة التى تم تكليف قوات الداخلية بها أن تعود بشوقى حيًا أو ميتًا.. ووزير الداخلية اللواء عبدالحليم موسى بنفسه ينتظر اتصالا يفيد بنتائج العملية.
صمدت قرية كحك دفاعًا عن شوقى الشيخ الذى ستختار الذاكرة الشعبية لبعض أهالى الفيوم أن يكون اسمه «الشيخ شوقى»، فى «مبادلة» مقصودة يمكن اعتبارها أقرب لمكنون النفوس منها لضعف الذاكرة، فمن شيخٌ كشوقى؟ بل من أجدر منه بالمشيخة؟
قبل أن تزخ الداخلية المصرية وابل رصاصها فى جسم شوقى ونحو عشرين من أتباعه، وقبل أن تصل التعزيزات النوعية لحسم العملية العسكرية الفاصلة، سالت الكثير من الدماء.. دماء الجميع.
ويوم المواجهة الذى اختارته الدولة المصرية، كان بمثابة حساب شامل.. يوم قيامة لشوقى سيحاسبه فيه الرصاص عما مضى كله.
ومن طرف خفى، ينتظر عمر عبدالرحمن والجماعة الإسلامية من ورائه أى خبر يفيد بسحق شوقى، الابن العاق المنشق الذى تمرد على آبائه الروحيين، واختط نهجه الخاص ضاربًا عرض الحائط بكلام ضباع الجماعة الإسلامية، بل مبارزا لهم بالقول والفعل على أرض الواقع.
لكن هل شوقى وأمثاله يموتون بسهولة، هكذا كأنهم خرافٌ نُحرت؟
واهمٌ أنت إن ظننت هذا. لابد من لعنة ما فى الأمر.
هكذا تشير قواعد الدراما، لابد من أذيال لتستأنف الحكاية ذاتها، أو بمنظور مستقبلى، فإن لكل حكاية جذرا من الماضى يشكلها.
وكما تفيد نظرية «أجنحة الفراشة» التى يضرب بها المثل فيما يسمى (علم الفوضى أو علم الشواش فى الفيزياء) بأن رفة من جناح فراشة فى بكين يمكن أن تتسبب بعد أسبوعين بعاصفة فى نيويورك، ترك الشيخ شوقى أو شوقى الشيخ (أيهما أحب لك عزيزى القارئ فى هذه المرحلة من الحكاية) فراشاته ترف بأجنحتها حول جثمانه رفيفا سيفتح أبواب الجحيم، بعد ربع قرن من الزمان على الكوكب كله.
حسنًا لماذا نحكى هذه الحكاية على نحو قد يبدو ملغزًا؟
فى ذلك اليوم الغابر من 1990 كانت فراشات شوقى الشيخ ترفرف لما سيصبح فيما بعد «داعش»!
هل يبدو هذا السبب وجيهًا لنستأنف؟ أظن.
الخلافة الفيومية
حسنًا.. لقد أجرى الرجل بروفة تحضيرية لألعن ما ستشهده البشرية من تنظيمات إرهابية، فى زمن لم تكن الكاميرا فيه ولا الصحافة ولا وسائل التواصل الاجتماعى بواحد على مائة من قوتها الآن.
المرويات المتداولة تشير إلى أن داعش كانت فى طور الإطلاق التجريبى فى ذلك الوقت، على هيئة جماعة تكفيرية سميت بـ«الشوقيين» نسبة لمؤسسها المهندس شوقى الشيخ الذى تم اعتقاله فى مقتبل الثمانينيات بتهمة الانضمام لتنظيم «الجماعة الإسلامية»، وهناك فى قلب المعتقل وبشحنة من الأفكار «الجهادية» التى تعتمل فى نفسه، سيلتقى الرجل السر فى مسيرته.. «نجيب عبدالفتاح إسماعيل» ابن القيادى الإخوانى عبدالفتاح إسماعيل الذى نُفذ فيه حكم إعدام عام 1965 مع سيد قطب.
فقد استفزت أفكار نجيب الأب، المرشد الثانى لجماعة الإخوان حسن الهضيبى، للرد على أطروحاته بكتاب شهير «دعاة لا قضاة» يرد عن الإخوان- فى حينه- النَفَس التكفيرى الذى غلف أفكار عبدالفتاح إسماعيل.
حين التقى المهندس الشاب شوقى الشيخ، الابن «نجيب» كان الأخير- مستلهما أباه- ينتمى حينها إلى تنظيم «التوقف والتبين» وهو فرع تكفيرى من شجرة التفكير متعددة الفروع والضوابط والرؤى الفقهية فى حيثيات تكفير الناس.
ويرى الباحث فى شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلى أن هذا اللقاء كان الحلقة الفاصلة فى حياة شوقى الشيخ، ويتوقف أمامه فرغلى معتقدًا أن بذرة التكفير ستجد فى نفس شوقى تربة خصبة جدا فى مخاض النقاشات مع نجيب، ليبلورها بمعرفته بعد أقل من عشر سنوات على نحو أكثر تطرفًا من الآباء الأوائل للفكر التكفيرى، وربما بما يفوق قدراتهم على التصور.
بينما يرى الدكتور كمال حبيب الخبير فى الحركات الإسلامية أن شوقى الشيخ قريب فى تفكيره من مجموعة مجدى الصفتى التى دخلت فى مواجهة مع قوات الأمن فى بلدة الحرانية بالمنوفية، وحاولت قتل حسن أبوباشا، والاعتداء على مكرم محمد أحمد، مرجحًا تأثر شوقى بشكرى مصطفى (زعيم جماعة التكفير والهجرة) بخلاف تأثره بالقطبيين فى السجون.
سيصير شوقى الشيخ نجمًا بارزًا فى صفوف الجماعة الإسلامية، وسيتردد أن أبناء الجماعة كانوا يشبهونه بعمر بن الخطاب، وبالصحابى أبى دجانة، الرجل المقدام الذى ارتدى عُصابة حمراء على رأسه يوم أحد فى علامة جسارة واستبسال لا يخطئها العرب حين يرونها.
ومع نجومية ساطعة كهذه، ومع تحدر شوقى من عائلة مرموقة، وبدراسته الجامعية المتميزة، وبنفس تواقة للمجد وبقلب يجسر على التصادم.. لن يستمر شوقى هكذا.
سرعان ما ستنوء ضلوعه بما يعتمل فيها، فلم يعد عمر عبدالرحمن الشيخ المرموق رمزًا فى عينى المهندس الشاب، ولم تعد أطروحات الجماعة بأكلمها لتقنعه! لقد تبلور مشروعه تمامًا وحانت ساعة الفراق.. فقرر وفارق ولم يأسَ على ذلك ولم يلتفت وراءه حتى.
لماذا انشق بكل هذه السهولة عن الرجل الأسطورى عمر عبدالرحمن؟
يعتقد كمال حبيب أنه على هامش المجموعات الرئيسية للتيارات الإسلامية، تتكون دوما جماعات أصغر لديها أفكارها الخاصة الهامشية مثل التكفير والعزلة والمواجهة مع المجتمع والدولة، وهو ما حدث فى سيناريو شوقى، الذى لم يكن من صلب فكرة الجماعة الإسلامية بمقدار ما كانت محطة عابرة ومؤقتة له بطبيعة الحال.
وقد اختار شوقى «الفيوم» محلًا لملكه الموعود.
يقول محمد مسعد (اسم مستعار) (36 عامًا) ابن محافظة شوقى، والذى يتذكر تلك السنوات الغابرة جيدًا كأنها كانت بالأمس القريب:
لم يكن شوقى مجهولاً أبدًا، فعائلته ضخمة، وأعمامه موزعون على طول مركز «أبشواى» بالفيوم، ما بين عمدة وضابط ومسؤول حكومى، أما سمعته وسط الناس فكانت كـ«فارس» من أقطاب الجماعة الإسلامية، يعمل تحت إمرتها، وينفذ مخططاتها، ويدافع عنها، حتى الموت باعتبارها «جماعة المسلمين» بالمعنى الفقهى الأول. كان الجميع يعرفون صلاته الضخمة بعبود الزمر وعمر عبدالرحمن وغيرهما ممن كانوا فى مخيلة أهالى الفيوم «فوارس» تماماً كأبى زيد الهلالى، والزناتى خليفة.
يمضى مسعد مسترسلًا: قال الرجل- وهو خريج كلية الهندسة- إن اللغة العربية هى الوعاء الذى اختاره الله لبث نوره ممثلاً فى القرآن إلى العالمين، وبالتالى، قواعد الصرف تقول إن فعلين لا تدخل عليهما «أفعل التفضيل»، هما «مات وفنى»، ولأن اللغة ترفض أن يكون فلانا «أموت» أو «أفنى» من فلان، لذلك يجب ألا يقيم الموسرون دواوين عزاء ضخمة «سرادقات وصوانات»، وكل ما يقيم سرادقاً لتلقى العزاء، ستقوم جماعة الشيخ شوقى بحرقه فوراً.
فى البدء، لم يصدق الناس قدرة الشوقيين على فرض أمر واقع، فتحول عزاء المهندس أحمد مخلوف (كبير عائلة مخلوف وقتها)، إلى كتلة من النيران، بعدما تسلق أعضاء الشوقيين الأسطح، وأضرموا النيران فى صوان العزاء، بينما الناس جلوس داخله.
تكررت الواقعة مرات مع عائلات محرم ومحجوب والداودية وحتى مع أبناء قبائل بدوية عريقة لها من السلاح والرجال منعة ضخمة، فمن حرق صوان عزاء لآل الباسل فى «إطسا»، إلى شبه حرب شوارع جرت لمنع بناء سراق لقبائل عرب المرماح فى طامية، وصولاً إلى أولاد على فى أبشواى الذين فوجئوا بإنذار مكتوب بالدم على الصوان يحذرهم «قبل فوات الأوان».
لم يفرح أحد بما يفعله شوقى الشيخ سوى الغلابة، وهؤلاء هم الغالبية الساحقة والمسحوقة من أهالى الفيوم، فحين رأى الناس أخيراً أن بوسعهم دفن موتاهم بذات الطريقة التى يمكن للأكابر أن يدفنوا بها موتاهم، اقتربوا من «بطلهم الشعبى الموقر»، وطارت الأخبار فى البلاد، وانزعجت الجماعة الإسلامية (المسيطر الأكبر فى الفيوم وقتها)، من نمو شعبية هذا المتمرد الغرائبى الفريد.
وهو ربما ذات ما يرى من خلاله محمد حسين (55 عامًا) ابن محافظة الفيوم، أسباب شعبية شوقى، وقد عرف حسين طريقه للمعتقل على خلفية اعتناق أفكار دينية متطرفة، والتقى الشوقيين فى مطلع الألفية الجديدة فى سجون النطرون المشددة وعاش معهم عن قرب.
يقول حسين: فى بيئة شديدة الفقر كالفيوم، يأخذ أولئك الذين يمكنهم مواجهة الأمن/ الدولة/ القوة/ الهيمنة وضعًا خاصًا فى قلوب الناس، وقد كان شوقى أقرب لاحتياجات المخيلة الشعبية التى كانت بحاجة لبطل يخوض معركتها ضد الظلم والفقر.. والدولة التى هى- بنظرهم- سبب كل هذا.
ففى هذه الأيام الخالية من نهاية الثمانينيات تناقل الناس وقوف شوقى الشيخ فى وجه مدير أمن المحافظة موبخًا ومتوعدًا لأجل شىء يخص مصالح الناس، بقلب ميت وبقوة لا يعرف أحد مصدرها، ومن ثم كان شوقى أقرب لبطل شعبى قبل أن تدقق فى طرحه الدينى. فالأمور فى نفوس البسطاء فى قرية فقيرة نائية عام 1990 مرتبة على نحو غير الذى ترتبه أنت فى نفسك اليوم فى القاهرة العاصمة عام 2017، يقول الرجل ذو الـ55 عامًا!
هذا فراق بينى وبينك
نعود لمحمد مسعد الذى يفضل التركيز على الهيئة التى خرج بها الصراع بين شوقى ومشايخه الأوائل ورفاق الماضى من الجماعة الإسلامية:
كان الصدام بين الجماعتين يلعب على أوتارٍ مختلفة، لكن بروز الشوقيين بسبب تفضيلهم وتر الحاجة الاقتصادية وعوز الناس، فحين أفتى الشيخ عمر عبدالرحمن بمنع «تزغيط الطيور» باعتبار عملية «التزغيط» تدخلاً بشرياً فى إرادة الله للطير أن يأكل قدر حاجته فقط، ثارت ثائرة نساء القرى والنجوع، فالتزغيط وتربية الطيور وبيعها هو المورد الأساسى لدخلهن، فبعد أن أحكمت الجماعات سيطرتها على الشارع، ومنعت النساء من الخروج لكسب العمل فى الحقول، لم يكن أمامهن إلا «التزغيط»، لذلك طاردت النسوة قوافل «الدعوة» التى جابت القرى لتنبه على النسوة بعدم التزغيط.
فى المقابل، وقف شوقى فى مسجد الرحمة بأبشواى وخطب قائلا: «إن من يضيقون ما وسع الله من أرزاق على خلقه، هم والحاكم الكافر سواء بسواء، فيا أيها الناس من فتنكم فى معيشتكم، وضيق عليكم ما وسعه ربكم، وتنطع بحق الطيور على حق بنى آدم، فقاتلوه، وطاردوه، واقعدوا له كل مرصد»، فتناقل الناس الخطبة وشعرت الجماعة الإسلامية بالخطر.
ثم سرعان ما سرت الهمهات بين أتباع شوقى وأتباع عمر عبدالرحمن، إلى أن وصل شوقى للنقطة التى لا رجوع بعدها فى الخصومة. يقول أحمد رجب، الصحفى ابن محافظة الفيوم: «تساءل شوقى وسط أتباعه: من يأتينى برأس عمر عبدالرحمن وله الجنة؟!».
عند هذه النقطة، سيأخذنا الباحث ماهر فرغلى إلى الفرضية التى يطلقها البعض من أن وزارة الداخلية دعمت شوقى فى بداية المطاف لإحداث نوع من التوازن أمام الوحش مترامى الأطراف المدعو بالجماعة الإسلامية. كما كان للأمر رمزيته تمامًا، فانشقاق أحد أبناء عمر عبدالرحمن عنه، وفى محافظة الفيوم تحديدًا، حيث تتمركز قوته، وبكل هذه الكاريزما، أمرٌ يمكن أن يحدث زلزالًا داخل صفوف الجماعة. وقد كان بالفعل، ولكن بأى ثمن؟!
يأجوج ومأجوج
توطدت أركان مُلك شوقى وتبعه كثيرون، واعتقدوا فيه اعتقادًا يتراوح بين الدينى والشخصى والبطولى، حتى وصل لمرحلة طلب فيها من الناس أن تتحاكم بين يديه فى خصوماتها، وأن يؤدوا إليه الزكاة والمكوس، وفقاً لماهر فرغلى.
وتخلد الذاكرة الشعبية أن شوقى قد تمكن من أمور بلدة «كحك» تمامًا، وقد استوثق من فداء أنصاره له، ومن شعبيته وسط الناس حتى أقدم على حماقته الكبرى، حين أرسل للرئيس حسنى مبارك برقية مضمونها: «من والى كحك إلى والى مصر»، يدعو فيها شوقى الرئيس المخلوع إلى الإسلام أو القتال أو الجزية!
وقبل أن نصل لهذه الذروة الدراماتيكية وما ترتب عليها، نعود لأحمد رجب، الصحفى ابن محافظة الفيوم، الذى يتذكر تلك الأيام التى نشأ على سماع قصصها فى قرية مجاورة لقرية كحك عاصمة خلافة «شوقى»، فيقول: كان الشوقيون فى هذه الأيام يستبيحون كل شىء بعدما دان لهم ولاء الناس، يسرقون الأوز والبط والماعز التى ترعى فى الشوارع، بفتوى من شوقى نفسه الذى قسم الناس لكافر مسالم وكافر محارب.. يستوى الجميع فى الكفر عدا أبناء جماعته!
بلغ الأمر مبلغًا لا يتخيله أحد، فقد استباح الشوقيون ما تقع عليه أيديهم من حيوانات قابلة للأكل وكأنهم يأجوج ومأجوج التى لا تبقى ولا تذر، حتى أنك لو فقدت واحدة من ماعزك التى ترعى أمام بيتك، قد تجد بعد سويعات قليلة جلدها معلقًا على بابك، فى رسالة من أتباع شوقى أنهم أكلوها بالهناء والشفاء، فلا ترهق نفسك فى البحث عن معزتك المسكينة، يحكى لنا رجب.
وقامت قيامة شوقى
تسرب الغضب لقلوب كثيرين جراء توسع أتباع شوقى فى سرقة الدراجات النارية والبط والأوز والتعدى على الناس، فضلا عن القلق الذى سببه بابتزاز شخصيات قبطية مرموقة فى الفيوم، بخلاف تمركزه فى مربع واحد بجوار البلدة التى خرج منها يوسف والى، وزير الزراعة آنذاك، نائب رئيس الحزب الحاكم! فحانت ساعة الانتقام.
الداخلية تريد تصفيته جزاءً وفاقًا على مجمل جرائمه وأتباعه..
الجماعة الإسلامية تتمنى لو انطبقت السماء على الأرض فى مقابل أن يزول كابوس شوقى وجماعته.. خاصة بعد طلبه رأس الرجل الكبير «عمر عبدالرحمن»، وأتباعه مخابيل يطيعونه فى أى شىء وبجسارة منقطعة النظير.
الغلابة الذين فرحوا بشوقى فى بداية الأمر ثم فوجئوا به يأكل بطهم وأوزهم ويتدخل فى أمور الزواج والطلاق.. ويفتى فى أمور العلاقات الزوجية وضوابطها بين أفراد جماعته وبين غير المنتمين إليها.
هذه هى اللحظة الفاصلة التى تتنقل فيها الكاميرا لترصد تربص الجميع بشوقى، بينما يتناول المهندس الشاب سلاحه ويأمر الأتباع بالاستبسال فى مواجهة الحشود الأمنية الزاحفة لكحك.
ماذا حدث تحديدًا؟
بالطبع ستميل الذاكرة الشعبية إلى إجراء تعديلات كثيرة على الرواية الأصلية، يختلط التهويل بالخيال، ويمتزج ما جرى بما كان يمكن أن يجرى، ويتلاقى ما حصل مع ما تمنى البعض أن يحصل، لينتهى الحال بالرواية النهائية مزيجًا من كروموزمات هجينة لآباء كثيرين للروايات الشعبية المعتمدة.
الرواية الأولى: أمر مبارك بتحريك سلاح الطيران فتوجه إلى القرية ودك شوقى وأتباعه دكًا وصب عليهم اللهيب من السماء بعد البرقية إياها.
الرواية الثانية: حاصرت مدرعات ودبابات الجيش قرية كحك، وسوتها بالأرض، ثم تجول الجنود بين حطام البيوت ودخان النيران وأنين الأجساد التى تثوى على تخوم الاحتضار.
الرواية الثالثة: توجهت الشرطة بتشكيلات واسعة من قوات الأمن المركزى وقد صمدت القرية أيامًا وليالى كثيرات بينما يستبسل الجميع فى الدفاع عن شوقى.
لكن الرواية الأقرب للدقة حول دوافع تحرك الأمن ستكون بحوزة الداخلية نفسها بطبيعة الحال.
فقد تم حينها اختيار كادر أمنى ذى مواصفات خاصة جدًا لمهمة «شوقى»، ضابط قوى البنية صلب التكوين خشن اليدين حاد النظرة هادئ الطباع يحمل رتبة عميد فى الأمن المركزى (القوات الخاصة) حصل على دورات تدريبية فى مدرسة الصاعقة بالجيش، وفوق كل هذا خاض حربًا حقيقية من قبل، حين تم إلحاقه بكتائب الجيش المصرى فيما عرف بثغرة الدفرسوار فى حرب أكتوبر 1973 أمام إسرائيل، كما أنه خاض مواجهة شرسة قبل وقت قريب فى قرية مغلقة يسيطر عليها متطرفون فى محافظة بنى سويف.
الضابط هو العميد خيرى طلعت، قائد قوات الأمن المركزى لشمال الصعيد، ونقطة تمركزه مع جنوده الأشداء وضباطه من نخبة قوات الداخلية هى محافظة المنيا (240 كيلومتراً جنوب القاهرة) ونحو 140 كيلومتراً من الفيوم حيث مملكة شوقى وملكه.
صدفةٌ- ما أغربها وأسخاها- قادتنى للعميد خيرى الذى يشغل الآن منصب أستاذ التاريخ السياسى المعاصر بجامعة المنيا، بعدما اتجه للعمل الأكاديمى فور إنهاء خدمته الشرطية فى القوات الخاصة، وبدا ذهن الرجل حاضرًا كأنه اقتحم «كحك» بالأمس، وكأن رائحة البارود تزكم أنفه وهو يتكلم، والدم لم يزل لزجا دافئًا حوالينا.
يقول طلعت: تحركنا إلى كحك ومعى من 20 إلى 30 مجموعة قتالية، تضم كل مجموعة 10 أفراد، لكن الطريق إلى كحك لم يكن إلا من خلال ممر زراعى وحيد، ومع أول ضوء نهار تحركنا للاقتحام، لكن فوجئنا بوابل من الرصاص ينهال علينا من كل جانب.
حينها وبصورة فنية لم يعد ممكنا التقدم إلا من خلال المدرعات، لكن المدرعات لن تسمح لأحد برفع رأسه وتوجيه سلاحه، وإلا سيتم قنصه، لذلك عند نقطة معينة، قررت ورجالى دخول القرية على أرجلنا، فتحركنا وسط الزروع الكثيفة إلى أن بدأ الاشتباك.
كرجل عسكرى أدركت على الفور أننا نواجه ميليشيا عسكرية مدربة على نحو دقيق، فقد كان التصويب احترافيًا وإدارة المعركة من جانبهم تعكس وعيًا تكتيكيًا بأسس الاشتباك. لقد تمركزوا خلف سواتر، واحتموا بنقاط حصينة، وشيدوا أبراجاً فوق المنازل، واحتلوا نقاط تمركز مرتفعة عن الأرض وثبتوا قناصة مهرة، وأمطرونا بقنابل الجلدينايت شديدة الانفجار.
أضف على كل هذا أن وراءهم معتقدا دينيا صلبا، وقائدا ملهما اسمه «شوقى الشيخ» يقف وسطهم ويحارب مثلهم ويحمسهم!
يضيف طلعت: طلبت تعزيزات على الفور من الداخلية التى كانت تراقب عن كثب، فتم تحريك قرابة 500 جندى من قوات الأمن المركزى بالجيزة (نحو 90 كيلومتراً شمال الفيوم).
أخذنا نتحرك مترًا بمتر حتى اتخذنا سواتر من بيوت القرية، ثم تمكنا من اعتلاء أسطح بعض المنازل، وأخذنا نحكم الخناق ونقترب من بيت شوقى شيئًا فشيئا.
وبيت شوقى كان أحصن نقطة، حيث يعتليه فرد برشاش روسى ملحق به شريط عدد رصاصه 200 طلقة، فى حين لم يكن معنا إلا بنادقنا، أما باقى أسلحتنا فقد تخففنا منها فى المدرعات التى لم تتمكن من التقدم فى الأرض الزراعية الطينية اللينة وتحت وابل الرصاص.
لم يعد لدينا سوى تواصلنا الاحترافى بالنظر والإشارة، حتى تمكنا من اقتحام آخر نقطة حصينة حيث يقف شوقى وسط أتباعه ومن فوقهم أبراج التمركز والقناصة والسلاح الوفير والرصاص السخى.
كان الجو صيفًا ومرهقًا للجميع، ومع غروب الشمس سقط شوقى جثة هامدة ومعه نحو 14 من أتباعه، وبعدها استسلم من استسلم وهرب للزراعات من هرب.
وقفت مجموعة منا أمام جسد شوقى تتأمله والبنادق فى يدها والعرق على جبينها والدم ينزف من بعضنا، فى حين تم إسناد مهمة مطاردة الفارين للضباط الأصغر رتبة وللجنود.
كواليس المملكة السرية
وبينما لم يزل جثمان شوقى دافئًا والدم يسيل حواليه، جُنت النسوة من أتباعه وزوجات أتباعه صراخًا وعويلًا، حتى وصلنا للمشهد الذى بدأنا به الحكاية.
«سيدة منتقبة تهرول فى فزع حتى تقف أمام زوجها.. تلطم صدره بيدها، ثم تلكم وجهه كيفما اتفق، ثم تخلع حذاءها وتهوى به على رأسه وهى تصرخ فى هيستيريا: قتلوا الشيخ شوقى.. قتلوا الشيخ شوقى».. هكذا يحكى أحمد رجب.
وبينما تصرخ النسوة ويذهل الأهالى ويلملم رجال الأمن بنادقهم، سيرى قطاع من أهالى الفيوم أن القصة تعكس غدرًا من الجماعة الإسلامية التى قدمت شوقى (معلومات عنه) للداخلية على طبق من فضة، حتى أرداه الرصاص. وسيشعر كثيرون- حتى ممن رفضوا سلوكيات شوقى- أن الرجل مات مغدورًا بوشاية من رفاقه القدامى ذوى اللحى الطويلة والشوارب المحفوفة.
لكن دعنا نعود للعميد خيرى طلعت، شاهد العيان المحورى، والذى فوجئ بالعالم السرى الذى صنعه شوقى فى قرية كحك، ليتفهم هو أولًا لماذا حزن كثيرون على شوقى قبل أن نفهم نحن.
يقول طلعت: «بيوت أنصاره كانت ممتلئة بوسائل الرفاهية، لقد اعتنى شوقى بهم ووزع عليهم من غنائمه وابتزازاته لأموال لأطباء والصيادلة وتجار الذهب المسيحيين».
كما أسس وحدة صحية فى القرية، يجلب إليها أطباء- كرهًا أو طوعا- من قلب محافظة الفيوم للعناية بسكان كحك والكشف عليهم ومداواتهم، وعين عددًا من أتباعه ممرضين وممرضات، ومنع الكشف على السيدات إلا بوجود رجالهن معهن، تحكى السيدة عن وجعها للرجل ويحكى الرجل للطبيب!
أثناء دخولى لأحد منازل القرية- والكلام لطلعت- فوجئت بفتيات صغيرات فى عمر المرحلة الابتدائية بينما بطونهن منفوخة، فظننت أن هناك داءً فى هذا البيت فاستفسرت من الأم فصدمتنى بأن بناتها حوامل وأنها هى الأخرى حامل، بعدما أجبرها شوقى هى وبناتها على الزواج من أتباعه بعد وفاة زوجها!
يقول الصحفى أحمد رجب: يتداول الناس فى القرى المجاورة لكحك (سنرو وغيضان والحامولى) أن شوقى منع طبخ الملوخية بحجة أنها تزيد الشهوة الجنسية! وقد اخترع فتاوى تجيز تطليق المرأة من زوجها إذا غاب عنها أكثر من ثلاث ليال.
الشهادات المتاحة معنا من أطراف متعددة، تشير إلى أن شوقى تدخل كثيرا فى تفاصيل العلاقات الجنسية والزواج والطلاق، وكان مشغولا بهذه الأمور حد الهوس.
بل إنه حين حرم الاختلاط ومضى فى تطبيق تصوراته عن الشريعة لم يكن يسمح للنساء بمجالسة الرجال، إلا هو كان يجالسهن بنفسه ويجمعهن فى مواعيد متفق عليها بحجة تلقينهن أسس العقيدة!
وهى رواية بحاجة فى حد ذاتها للتأمل من زاوية نفسية عن الرجل الذى اهتم بشؤون النساء (ولو مجرد الاهتمام بمعزل عن سياقه ونتائجه!) إلى هذا الحد الفائق، فقد كان يتزوج من أهالى أتباعه وتابعاته، ويبدى اهتمامًا لكل ما يخص المرأة، بدءًا من فتوى تزغيط البط وصولا لترتيب الحياة الجنسية لمن يقعن داخل حدود ملكه، وربما بما جعل- كنتيجة متوقعة- من النساء عنصرًا فاعلًا فى دولته قصيرة الأمد.. سواء كن زوجات أتباعه أو مجرد رعاياه.
يندهش العميد خيرى حين يتذكر ردود أفعال الأهالى بعدما قتل هو ورجاله شوقى قائلا: كان بعضهم حزينا بعمق ويقولون لنا إن شوقى كان يذكرهم بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب لأنه كان عادلا وكان مهمومًا بشؤون رعيته.
يضيف خيرى: ما توفر أمامى عن شوقى أنه كان مثقفًا ولبقا وآسرًا ومقنعًا، يحفظ ابن تيمية وأبا الأعلى المودودى جيدًا، ولديه تخريجات لكل شىء تقريبًا.. رجل له حضوره وواثق من نفسه.
انتقام فلول الشوقيين
عقب مصرع «شوقى»، ولعدة أشهر، اندفع الباقون من أتباعه إلى عمليات السطو على محلات الذهب المملوكة للمسيحيين، ثم تورط اثنان من أبناء جماعته فى قتل اثنين من المهندسين الزراعيين لسرقة متعلقاتهما، الأمر الذى تلاه دفنهما فى أحد المصارف الزراعية.
ولما توصلت المباحث الجنائية للمتهمين، وقد أدركت أنهما من أتباع شوقى الشيخ، تولى أمن الدولة الأمر، وتوجه الضابط «أ. ع.» فى يوم مشهود من العام 1991 إلى منزل الشابين.
وهنا تختلف الروايات فى طبيعة ما حدث، البعض يقول إن الضابط ضرب أم الشابين، فى حين يقول آخرون إن الضابط أمرها بالسير عارية فى الطريق، والبعض يقول اغتصب زوجة أحد الشابين.. كل شخص ممن التقيتهم لديه رواية متباينة عما فعله «أ. ع.»، لكن المشترك أن الرواية الشعبية تتهم ضابط أمن الدولة بالتورط فى شىء ما مرفوض أخلاقيا أو قانونيا يخص سيدة من بيت الشابين القاتلين.
ثارت ثائرة الشابين، وتربصا بالضابط حتى قتلاه بوابل من الرصاص أمام عيون الجميع وبصورة وحشية وبوجه سافر وباستعراض وتحدٍ لكل من يدب على أرض الفيوم بقدمين.
يقول محمد حسين: أحيانًا كان يركب كل اثنين منهما موتوسيكل، أحدهما يتولى قيادته والآخر يعطيه ظهره ويتولى تصفية الأهداف التى يحددها التنظيم، برشاش آلى. وأحيانًا كانوا يدفنون بعض أفراد الشرطة أحياء وفقا لما سمعناه!
رفيق فراشات الجحيم
وبينما يساق الشوقيون إلى السجون والمعتقلات مكبلين فى الأصفاد، ويبدو أن النهاية أوشكت على الانسدال على هذه الحكاية التى لم تدم طويلا، لن يلاحظ أحد أن شوقى قد ترك لعنته لتأخذ مسراها من بعده، حتى تحرق الأخضر واليابس.
سيتعاقب على الإمارة من بعده ضابط شرطة سابق اسمه حلمى هاشم سيستلهم من خطى شوقى الكثير، سيقرؤها جيدًا ويتأملها مليًا ويختزنها فى نفسه إلى أن صار اليوم مفتيًا لداعش!
نعم ما قرأته صحيح وليس هناك أى خطأ مطبعى. مفتى داعش، شوقيٌ حتى النخاع وتلميذ روحى نجيب على منهج المهندس شوقى الشيخ.
أى مدخل يمكن أن يمت للمنطق بصلة ونحن نتحدث عن ابن شوقى البار وتلميذه النجيب، الضابط حلمى هاشم الذى لم يلتق شوقى، لكنه تقصى منهجه وبحث فى أفكاره وقابل تلاميذه (وكثير منهم أميون!) وأخذ يمحص فى طرح شوقى ويجيله فى ذهنه حتى انتهى لأمرين:
الأول أن يتوسع فى دراسة الفقه الجنائى الإسلامى كما يشير الذين عايشوه، ليضاف إلى حصيلته المعرفية كضابط شرطة درس القانون فى الكلية واستوعب فكرة تحييث وتكييف الاتهامات للمجرمين.
والثانى هو التملص من العمل الشرطى فى آخر محطة حل بها وهى مصلحة السجون ليتعاطف وينضم إلى الذين كان هو سجانهم يومًا ما،
حتى تم اعتقاله أكثر من مرة مع جماعات تكفيرية مختلفة، بينما يصر على المضى قدما فيما اختاره، مقتنعا تماما بدوره كمسجون ربما بأكثر من اقتناعه بما كان يقوم به وهو سجان.
وكدارس للقانون توسع فى التأصيل لأفكار أبيه الروحى شوقى الشيخ من متون الفقه الإسلامى القديمة، وكضابط سابق بدأ خدمته فى صفوف الأمن المركزى التى تعلمك أول ما تعلمك قواعد الاشتباك بالسلاح والتعارك تحت صوت الرصاص ووسط زخات الطلقات، انتهى هاشم إلى منتجه الفقهى الأكثر بشاعةً على الإطلاق.. «الذبح»!
يُنسب لهاشم تأصيله وحثه لأفراد تنظيم الدولة على تنفيذ الأحكام فى أسراهم «ذبحًا» أمام العالم كله، وبين قسمات وجه الضابط السابق، وبين طيات كلامه وفى ثنايا روحه، يقبع رجلٌ آخر يُحركه من تربته.. واسمه شوقى الشيخ.. أو الشيخ شوقى.
لأى مدى يمكن للصدفة أن تغير شكل التاريخ؟ لمدى بعيد جدًا إذا أردت الأمانة.
ففى العام 2004 وعلى خلفية تفجيرات طابا (فى سيناء) سيتم اعتقال قرابة 3 آلاف مشتبه فيه من أهالى سيناء، سيكون واحد منهم الشاب الخجول الانطوائى توفيق فريج زيادة.
سرعان ما سيميز ضباط أمن الدولة المخضرمون أن الولد الخجول الذى يشبه الزهور لايمكن أن تنتظر من ورائه شرًا يذكر وسيطلقون سراحه.
لكن الأمور لا تسير بهذه السهولة.. ستطلقون سراحه بعد ماذا؟
يقول ماهر فرغلى: احتك توفيق فى المعتقل عن قرب بالشوقيين والتكفيريين واقتنع بأفكارهم. دخل السجن وخرج منه وقد تسرب فى نفسه شيء من كلمات شوقى غير قابل لأن يتزحزح مستقبلا أبدا!
حسنًا الصدفة ليست هنا، ليست فى تحويل شاب انطوائى صامت حاصل على تعليم بسيط (دبلوم صنايع) إلى شوقى تكفيرى شرس على منهج رجل لم يره فى حياته مطلقا، بل فى هذا اليوم من أيام ثورة 25 يناير، بينما يتجول توفيق فريج بين صفوف الثوار والمحتجين، ليصطدم دون قصد بشابين، سيلتفت كلاهما وبينما يهم توفيق بالاعتذار سيتضح أنهما رفيقا المعتقل محمد عفيفى ومحمد هارون.
قليل من الكلام أو كثيره، وسينتهى الأمر بثلاثتهم وقد أقنعهما بالانضمام لتنظيم التوحيد والجهاد الذى كان يعمل على الأرض منذ سنوات، سيتمكن الخجول الصامت توفيق من رسم بناء تنظيمى محكم سيذهل أجهزة الأمن فيما بعد.
سيوزع المهام على أسس جغرافية ووفقا لتخصصات تتراوح بين العقائدى والحركى والتنظيمى واللوجيستى، وسيجعل من رفاقه الجدد كوادر مرعبة داخل تنظيم يتألف من سلفيين جهاديين وفلول أتباع رفاعى سرور وحشد غير متجانس من الإسلاميين الذين خرجوا من قماقمهم فى أعقاب ثورة يناير.
وسيعمل مؤقتًا هذا التنظيم بعدما دبت فيه الروح على يدى توفيق فريج حتى ينتهى به المطاف لاسم «أنصار بيت المقدس»، التى ستبايع داعش لتصبح داعش مصر!
هل كان توفيق فريج يدرك أن مزاجه التواق لمزاج داعش مفسرٌ جدا؟ لا نعلم فى حينها.
لكن ما ندركه جيدًا أن ما جال من أفكار فى نفس توفيق بعدما جالس الشوقيين وعايشهم، مربوطٌ بحبل سرى خفى، يجلس جوار أبى بكر البغدادى، واسمه حلمى هاشم.
يقول خيرى طلعت: حين أرى داعش وأتابع أخبار أبى بكر البغدادى، أرى هذا التشابه الغريب وتلك الروح المتطابقة بين ما يجرى الآن وبين ما رأيته بعينى حين اقتحمت كحك قبل 27 عامًا بالتمام والكمال.
وبرغم عشرات ممن لقوا حتفهم دفاعًا عن شوقى، أو سُجنوا بسبب اعتناقهم أفكاره، إلا أن أيا منهم لم يكن الابن البار، الحامل لتراث وأفكار الأب المؤسس.
رجلان لم يلتقيا شوقى.. حلمى وتوفيق، لكنهما حملا على عاتقهما تحضيره من قبره كما يحضر السحرة العفاريت والمردة من قماقمها.
وكأن شوقى الشيخ يخرج لنا لسانه من العالم الأخروى، وقد انتهت أفكاره إلى توفيق فريج زيادة ليحولها إلى داعش مصر، بينما يتولى حلمى هاشم الفتوى- على منهج شوقى- لداعش البغدادى كلها.
أما أنت أيتها السيدة التى كانت تجرى وتلطم وجهها وتضرب زوجها لأن «شوقى مات».. أظن أنك لو قرأتِ السطور أعلاه، سيتسرب لنفسك شيء من العزاء لو أنك مازلت تحبينه، لأنه لم يمت تمامًا كما ترين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق