بحث

الأربعاء، 19 فبراير 2014

في إبطال ضلالات الخوارج والجهلاء في النهي عن تقليد المذاهب الأربعة



قال ابن عباس : أقول قالَ النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويقول نهى أبو بكر وعمر .

جملة قد تسمعها أخي في الله من أحدهم إذا ناقشته في مسألة ما من أمور الدين واحتججت عليه بأمثال الشافعي ومالك وأحمد وأبو حنيفة ، أو بأمثال : الغزالي والنووي والسبكي والسيوطي وغيرهم من أعلام الأمة .

فتجده قد ساق لك حديثاً شريفاً أو آية من كتاب الله وهو لايدري عن دليله الذي ساقه أمقيد أم مطلق؟

عام أم خاص ، منسوخ أم محكم ، عليه العمل أم خلاف الأولى ، أهناك ما يعارضه قوةً ، أو هو مما جُمع مع غيره من الأدلة في الباب .

ولكن كل ما يدريه هذا الشخص وتسربل به ورسخ في ذهنه أنه:


كل يؤخذ منه ويرد ، وهم رجال ونحن رجال ، وإذا صح الحديث فهو مذهبي، وأقول قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويقول نهى أبو بكر وعمر، إلى آخر كلمات الحق هذه والتي يراد بها في زماننا هذا عين الباطل - إلا ما رحم ربي - .

والخلاف مع هذا الشخص وأمثاله ليس في صحة هذه الكلمات والتي لا يختلف عليها أحد من العقلاء.

ولكن الخلاف مع هذا الشخص وأمثاله في فهمهم المنكوس والمعوج لهذه الأقوال.

فمن قال هذه الكلمات النيرات هم أئمة المذاهب المتبوعة ، ومن يستدل بهذه الكلمات في زماننا هذا يستدل بها في سياق إثبات خطأ التمذهب بمذهب من المذاهب الأربعة.

من قال هذه الكلمات النيرات قالها في معرض البحث العلمي الرصين وفي مجالس التعليم مخاطباً بها تلامذته من قد أضحوا بعد ذلك  أئمة أعلام يشار لهم بالبنان .

فما قصد من قال هذه الكلمات - وحاشاهم حاشهم من ذلك - أن يأتي أي إنسان كان وهو لا يملك من أدوات النظر في أدلة الشرع شيئاً أو بمجرد أنه اطلع اطلاعاً يسيراً على مباديء العلوم ، ثم نجده قد هجم على ما لا يحسنه واقتحم ما لا يتقنه وأضحى يدعي أن له القدرة على أخذ الدليل من الكتاب والسنة مباشرةً  مناطحاً في ذلك أكابر الأئمة ، فتراه يرد قول هذا ويرجح قول ذاك ، ويخطيء هؤلاء ، ويبدع أولئك.
    

ولكن الأئمة الأعلام قد خطوا بأقوالهم تلك لمن يأتي بعدهم خطة التوفيق والسداد ، وألزموهم بالسير في طريق الكتاب والسنة ، وأعلنوا لأجيال الأمة جيلاً بعد جيل أن مذاهبنا متينة البنيان أركانها مشيدة بالكتاب والسنة بالفهم الصحيح الصائب ، بفهم من يحسن النظر في الدليل وله القدرة على استنباط الأحكام الشرعية ، لا بفهم كل عاميّ بليد أو متحامق عنيد .

فالموضوع إذن ليس كما يصوره البعض في زماننا من أن تقليد المذاهب فيه مخالفة للكتاب والسنة .

ولكن الموضوع في الأساس بعيداً عن التدليس والتلبيس على الغير يكمن فيمن هو أَتبع للكتاب والسنة وأعلم بهما ؟!!

أهم الأئمة الأربعة أم أحد العوام في زماننا هذا ؟!!

يعني كما يحصل للكثير منا في هذه الأيام إذا عَرَضت لأحدنا مسألة ما وكان عندنا فيها رأي لأمثال الأئمة الأربعة والغزالي والنووي والسبكي والسيوطي ، وأتى أحدهم من عوام هذا الزمان أو من المتفيهقة أو ممن تمشيخوا بين عشية وضحاها وأتى برأي يناقض به آراء هؤلاء - بل لا تستغرب أخي في الله إن وجدت هذا الرأي فيه تبديع أو تكفير لهؤلاء الأعلام -

فقل لي بربك ستأخذ ممن وترد قول من ؟!!

ستأخذ بقول هذا المتفيهق المتمشيخ أم ستأخذ بقول أمثال الأئمة الأربعة والغزالي والنووي والسبكي والسيوطي ؟!!!.

سترد قول هذا المتفيهق المتمشيخ أم سترد قول أمثال الأئمة الأربعة والغزالي والنووي والسبكي والسيوطي؟!!!.

هل هناك لهذا المتفيهق المتمشيخ نصيب من مقولة : هم رجال ونحن رجال ؟!!!

من هو المتحقق بمقولة : إذا صح الحديث فهو مذهبي ؟!!!!

أهم الأئمة الأربعة وأمثال الغزالي والنووي والسبكي والسيوطي أم هذا المتفيهق المتمشيخ أم ذاك العامي الذي قد يكون لا يحسن الوضوء ؟!!!!!

من أعلم بالكتاب والسنة وأتبع لهما ؟!!!

أهم الأئمة الأربعة وأمثال الغزالي والنووي والسبكي والسيوطي أم هذا المتفيهق المتمشيخ أم ذاك العامي الذي قد يكون لا يحسن الوضوء؟!!!!

فاعلم يا أخي رزقني الله وإياك حسن التوفيق والسداد أنك باتباعك وتقليدك للأئمة الأعلام لا تقلد الرجال ولكنك تقلد في هؤلاء علمهم بالكتاب والسنة واتباعهم لها بحال لم تصل له أنت ولا أنا ولا غيرنا من غير أهل الاختصاص بالنظر في أدلة الشرع الشريف والقدرة على الأخذ منها .

فأنت في حالتك هذه مقلد على التحقيق لقوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[لنحل:43] .

وعوداً على بدء ، فقد وجدت أن للمتمسلفة مزيد عناية بالأثر الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن حبر الأمة سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، واتخذوه عمدة لهم في مسألة الاحتجاج على الغير وإيهام العوام بأن في الأخذ برأي أحد الأئمة خطأ طالما رفع هذا المتمسلف عقيرته بآية كريمة أو حديث شريف وفق فهمه الخاطيء حتى لو استدل هذا المتمسلف بما هو أجنبي عن الموضوع محل النقاش .

وفي هذا الفعل ما فيه من تصريح ظاهر غير خاف على كل ذي لب من طعن في أئمة المسلمين واتهامهم بالبعد عن العمل بالكتاب والسنة .

وهذا الأثر في الأساس وعلى التحقيق فيه رد وافر على دعواهم تلك.

ولكنهم كمن قال : لاتقربوا الصلاة وأمسك .

فقد اعتمدوا على رواية لهذا الأثر في المُسند وأمسكوا عن الأخرى لأنها تظهر أن متعلق المسألة فيمن هو أعلم بالكتاب والسنة وأتبع لهما ، وليس فيه ما يرمي إليه هؤلاء من أنه لابأس لآحاد الناس إن هم تهجموا على الكتاب والسنة وأخذوا منهما ما شاءوا بلا ضابط ولا علم ولا مرجعية.

وليس فيه أن أقوال الأئمة الأعلام مخالفة للكتاب والسنة ، وليس فيه أن يقول من شاء ما شاء طالما استند للكتاب والسنة بفهمه الخاطيء .

فقد أورد الإمام أحمد في مسنده الأثر التالي: [حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أُرَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ الْمُتْعَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ قَالَ يَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ الْمُتْعَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ]اهـ

فتمسك بهذه الرواية أناس ظنوا فيها أنها تخدم فهمهم الخاطيء ، وتعضدد حجتهم في صرف عوام المسلمين عن صائب الفهم لنصوص الشريعة الغراء وفق آراء من هم أكثر علماً بالكتاب والسنة واتباعاً لهما من الأئمة الأعلام.

وأعرض هؤلاء عن رواية أخرى للأثر فيها شرحاً وتفصيلاً ملخصه أن الاتباع والتقليد لا يكون إلا لمن هم أكثر علماً بالكتاب والسنة واتباعاً لهما ، وليس لكل من يدعي الإمامة والمشيخة.

وهاكم أحبتي في الله هذه الرواية لذات الأثر من مسند الإمام أحمد :[حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : قَالَ عُرْوَةُ لِابْنِ عَبَّاسٍ حَتَّى مَتَى تُضِلُّ النَّاسَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَا ذَاكَ يَا عُرَيَّةُ قَالَ تَأْمُرُنَا بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِالْحَجِّ وَقَدْ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُرْوَةُ كَانَا هُمَا أَتْبَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْلَمَ بِهِ مِنْكَ]اهـ

وليس يعنينا أحبتي في الله من هذا الأثر إلا أن فيه تقرير أن الأعلم بالكتاب والسنة والأكثر اتباعاً لهما هو من يؤخذ منه ويعول على كلامه . 

وليس فيه ولا يفهم منه ما يرمي إليه البعض من أن يقول من شاء ما شاء طالما استند للكتاب والسنة بفهمه الخاطيء زاعماً تصريحاً أو تلميحاً بأنه أعلم بالكتاب والسنة وأكثر اتباعاً لهما من أئمة الأمة الأعلام كأمثال الأئمة الأربعة والغزالي والنووي والسبكي والسيوطي وأضرابهم .

وليس فيه أحبتي في الله ما يرمي إليه البعض تصريحاً أو تلميحاً من أن أئمة الأمة الأعلام كأمثال الأئمة الأربعة والغزالي والنووي والسبكي والسيوطي وأضرابهم قد قالوا في دين الله بغير علم ووفق آرائهم وأهوائهم وخالفوا نصوص الكتاب والسنة. 
 

فانظر أخي في الله واختر لنفسك هل تأخذ بقول هؤلاء ؟!!

أم أنك تعتقد أن أحد الزعانف في زماننا هذا أكثر علماً بالكتاب والسنة واتباعاً لهما من هؤلاء ؟!!! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق