بحث

الأحد، 14 يونيو 2015

ثورات شعوب أم استغلال واستغفال للشعوب ؟ - الحلقة الرابعة -

الانقلاب العثماني:

بينما كانت الماسونية ترسم الخطط العالمية، وجدت أنه من الضروري أن يتزامن القضاء على
روسيا القيصرية مع القضاء على الخلافة الإسلامية ممثلة في الدولة العثمانية.

ولكن لم تكن الطريق ممهدة لذلك فقد كان على رأس الخلافة الإسلامية في ذلك الوقت آخر الخلفاء الأقوياء وهو السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909)، الذي تولى الخلافة في ظروف حرجة بعد مقتل عمه السلطان عبد العزيز ثم جنون أخيه مراد.

لهذا عملت الماسونية على الضغط عليه بوسائل شتى. فكان رئيس وزرائه مدحت باشا هو الأب الروحي للماسونية العثمانية، وضغط عليه لكي يدخل في حرب مع روسيا القيصرية في وقت لم يكن فيه الجيش مستعدا لذلك.

وبعد الهزيمة الكبيرة أمام الروس تنبه السلطان لخطط مدحت باشا وأمر باعتقاله في عام 1878 وحكم عليه بالإعدام مع آخرين ولكن الحكم لم ينفذ لتدخل السفير البريطاني، واكتفي بنفيه إلى الطائف حيث توفي هناك فيما بعد.

بالإضافة إلى ذلك ظهرت شخصيات ماسونية كثيرة حرضت الشعوب العثمانية ضد الخليفة مثل نامق كمال بك الذي كان شاعرا شهيرا، ومثل جمال الدين الأفغاني، الذي أظهره التاريخ كمصلح مجدد بينما كان مؤسسا ورئيسا لمحفل ماسوني عامل بنظام ممفيس إبان وجوده بالقاهرة، وهو المحفل الذي ضم 300 عضو كانوا هم القائمين بما عرف بالحركة الوطنية وتحرير المرأة من أمثال سعد زغلول، قاسم أمين، محمود سامي البارودي، إبراهيم اليازجي، أديب إسحاق، والشيخ محمد عبده.

وهذا الأخير كان من أقرب طلابه اثنان هما رشيد رضا صاحب جريدة المنار، والشيخ عبدالرحمن البنا والد حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين.

فضلا عن ذلك تم تحريض الأقليات مثل الأرمن ضد العثمانيين فقاموا بمذابح بشعة ضد المسلمين وقطعوا أجسامهم وحرقوا المساجد، فاضطر السلطان للتدخل بحزم، وأنشأ فرق من الخيالة الأكراد لحماية المسلمين.

وفي ظل هذه الظروف قام الأرمن بأعمال شغب في استانبول في 1892 و1896 واشتركوا في مؤامرة لاغتيال السلطان في عام 1905 عن طريق تفجير عربته، لكنه نجا منها، وثبت تورط الماسونية في تدبير تلك المؤامرة كما بينت التحقيقات.

ولما لم يظهر أمل للماسونية في القضاء على السلطان، أقاموا ما عرف بلجنة الترقي والاتحاد التي تغير اسمها فيما بعد إلى لجنة الاتحاد والترقي أو الأتراك الشباب.

بدأت هذه الجمعية السرية في عام 1890، واكتشف أمرها في عام 1897 فنفي أعضاؤها. ثم أقاموا مؤتمرا لهم بباريس في عام 1902 عرف بمؤتمر الأحرار العثمانية، وخلص المؤتمر إلى تأسيس الإدارات المحلية للدولة على أساس القومية (مثلما حدث في العراق بعد الغزو الأمريكي).، وكذلك طلب المساعدة في إزاحة السلطان من الدول الأوروبية (وكأن التاريخ يعيد نفسه مع الفارق بين الشخصين).

وأنشأ الاتحاديون خلايا صغيرة كثيرة بحيث لا يعرف القيادة غير واحد من كل خلية. والتحق الكثير من الضباط بالاتحاديين حتى انضم إليهم كافة ضباط الجيش العثماني الثالث في البلقان.

وتغاضى الاتحاديون عن قتل المسلمين في البلقان على يد البلغار واليونانيين حتى يضعفوا نظام السلطان عبد الحميد.

واغتالوا الموظفين العثمانيين الذين لم يتعاونوا معهم. وأدت هذه الحوادث إلى انفصال بلغاريا وكريت والبوسنة والهرسك (كانت تعرف في تلك الفترة بالبغدان والأفلاق).

وبدأت أحداث الانقلاب العثماني في 31 مارس 1909 حينما حدثت اضطرابات باستانبول قتل فيها جنود من الاتحاد والترقي، فجاءت قواتهم من البلقان بدعوى الدفاع عن السلطان، ومنع السلطان الجيش الأول من الاشتباك معها.

وأعلنت تلك القوات الأحكام العرفية واتهمت السلطان بأنه وراء أحداث 31 مارس، واستصدرت فتوى من أحد الشيوخ واسمه موسى كاظم أفندي بخلع السلطان.

وقد أعلن المحفل الأعظم التركي مؤخرا على الصفحة الرئيسية لموقعه على الإنترنت أن السلطان مراد الخامس وشيوخ الإسلام موسى كاظم أفندي ومحمود أسعد أفندي وعدد ممن تولوا الصدارة العظمى مثل: فؤاد باشا ومدحت باشا وخير الدين باشا التونسي وأحمد وفيق باشا وإبراهيم حقي باشا والكاتب نامق كمال كانوا جميعا من أعضاء محفل برودوس في استانبول.

وأبلغت السلطان بالقرار لجنة من الاتحاديين مؤلفة من يهودي ماسوني (إيمانويل قره صو) وأرمني وألباني وكرجي.

وتم نفي السلطان إلى سالونيك المدينة العثمانية باليونان والتي كانت معقل اليهود والماسونية العثمانية. وتوفي بها في عام 1918. وقد رثاه أحد أعدائه رضا توفيق قائلا:

عندما يذكر التاريخ اسمك

يكون الحق في جانبك ومعك أيها السلطان العظيم

كنا نحن الذين افترينا دون حياء

على أعظم سياسي العصر

قلنا: إن السلطان ظالم، وإن السلطان مجنون

قلنا لا بد من الثورة على السلطان

وصدقنا كل ما قاله لنا الشيطان

ويكفي أن نعلم أن السلطان عبدالحميد منع الماسونية في عهده، ولم تتمكن المحافل التركية من العمل مرة أخرى إلا بعد إزاحة السلطان عبدالحميد فبدأت العمل في عام 1909 وحتى الآن.

وقد تولى الاتحاديون الحكم بواسطة مجموعة من قادتهم هم إسماعيل أنور باشا، ومحمد طلعت باشا الذي كان أول أستاذ أعظم للماسونية العثمانية بعد إعادة افتتاحها، وأحمد جمال باشا (الشهير بالسفاح).

فتنازلوا عن ليبيا للإيطاليين، وتوالت هزائمهم بالبلقان وتوجت بالهزيمة في الحرب العالمية الأولى وفقد فلسطين وسوريا لبريطانيا وفرنسا.

واحتلت استانبول من قبل الحلفاء وفرضت معاهدات مهينة على الدولة العثمانية. واغتيل قادة الاتحاديين في المنفى، حيث اغتيل محمد طلعت في برلين، واغتيل أحمد جمال في تبليسي بجورجيا، وقتل أنور باشا وهو يحارب الجيش السوفيتي الأحمر في تركستان (طاجيكستان الحالية).

وكان الهدف من المعاهدات المذلة هو التمهيد لتولي مصطفى كمال الذي عرف فيما بعد بأتاتورك (أبو الأتراك).

وهو أحد الماسونيين العثمانيين، الذي كان مجهول النسب وتبناه زوج أمه على رضا.

وأطلق عليه أستاذه للرياضيات اسم كمال لتفوقه.

والتحق بعد تخرجه من الكلية الحربية بحركة سرية للضباط اسمها فادان.

ثم انضم للاتحاديين في عام 1907. وفي عام 1915 انسحب الحلفاء أمامه في معركة جاليبولي لكي يظهروه كبطل حرب.

وحارب بعد ذلك في القوقاز ضد الروس، وفي الحجاز ضد حركة الشريف حسين.

ثم تولي قيادة الدفاع عن فلسطين الذي انتهى بتسليمها لبريطانيا. وكان نجاحه في طرد اليونانيين من تركيا عاملا حاسما لتوليه قيادة الدولة.

ثم أعلن إلغاء الخلافة. ومنع ارتداء العمامة واستبدلها بالقبعة الأوروبية. كما حل المدارس الدينية، ومنع ارتداء الحجاب. واضطهد المسلمين وعلى رأسهم العلامة بديع الزمان سعيد النورسي الذي قاد حركة لمقاومة أتاتورك فسجن هو ومن ساعدوه.

وإضافة لكون أتاتورك عضو بعدة محافل ماسونية فقد كان عدد كبير من وزرائه ومساعديه وجنرالات جيشه وشرطته ماسونا.

فضلا عن 60 عضوا من أعضاء البرلمان وكذلك طبيبه الخاص الذي كان نائبا للأستاذ الأعظم للماسونية التركية حينها.

وقد خطب اتاتورك في البرلمان التركي يوم إلغاء الخلافة في عام 1924 خطبة كان مما جاء فيها: "نحن الآن في القرن العشرين ، لا نستطيع أن نسير وراء كتاب تشريع يبحث عن التين والزيتون ".

وكانت الأسباب التي دعت الماسونية للتخلص من السلطان عبد الحميد هي رفضه الدائم لمنحهم أرض فلسطين، حيث اتصل به هرتزل في عام 1901 وقدم له العرض التالي:

"ترغب جماعتنا في عرض قرض متدرج من عشرين مليون جنيه إسترليني يقوم على الضريبة التي يدفعها اليهود المستعمرون في فلسطين إلى جلالته، تبلغ هذه الضريبة التي تضمنها جماعتنا مائة ألف جنية إسترليني في السنة الأولى وتزداد إلى مليون جنيه إسترليني سنوياً.

ويتعلق هذا النمو التدريجي في الضريبة بهجرة اليهود التدريجية إلى فلسطين. أما سير العمل فيتم وضعه في اجتماعات شخصية تعقد في القسطنطينية.

مقابل ذلك يهب جلالته الامتيازات التالية:

الهجرة اليهودية إلى فلسطين، التي لا نريدها غير محدودة فقط، بل تشجعها الحكومة السلطانية بكل وسيلة ممكنة. وتعطي المهاجرين اليهود الاستقلال الذاتي، المضمون في القانون الدولي، في الدستور والحكومة وإدارة العدل في الأرض التي تقرر لهم. (دولة شبه مستقلة في فلسطين).

ويجب أن يقرر في مفاوضات القسطنطينية، الشكل المفصل الذي ستمارس به حماية السلطات في فلسطين اليهودية وكيف سيحفظ اليهود أنفسهم النظام والقانون بواسطة قوات الأمن الخاصة بهم.

قد يأخذ الاتفاق الشكل التالي:

يصدر جلالته دعوة كريمة إلى اليهود للعودة إلى أرض آبائهم. سيكون لهذه الدعوة قوة القانون وتبلغ الدول بها مسبقا".

فلما رفض السلطان حاولوا مرة أخرى فأجابهم بالتالي:

"إن ديون الدولة ليست عاراً عليها ، وإن بيت المقدس الشريف افتتحه سيدنا عمر رضي الله عنه ، ولست مستعداً أن أتحمل تاريخياً وصمة بيع الأراضي المقدسة لليهود ، وخيانة الأمانة التي كلفني المسلمون بالحفاظ عليها.. ليحتفظ اليهود بأموالهم ، فالدولة العلية لا يمكن أن تحتمي وراء حصون بنيت بأموال أعداء الإسلام".

وإثر ذلك آثرت الماسونية خلعه. وقد أرسل السلطان رسالة إلى أستاذه وشيخه في الطريقة الشاذلية الشيخ ابو الشامات بعد خلعه جاء فيها:

"إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما ، سوى أنني – بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد وتهديدهم – اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة الإسلامية. إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا ، وأصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود ، في الأرض المقدسة فلسطين ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف.

وأخيراً وعدوا بتقديم (150) مئة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهباً ، فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضاً ، وأجبتهم بالجواب القطعي الآتي : إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً ، فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي ، لقد خدمت الملة الإسلامية ، والأمة المحمدية ، ما يزيد عن ثلاثين سنة ، فلن أسود صحائف المسلمين ، آبائي ، وأجدادي من السلاطين ، والخلفاء العثمانيين.

وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي ، وأبلغوني أنهم سيبعدوني إلى سلانيك ، فقبلت بهذا التكليف الأخير ، وحمدت المولى أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين وقد كان بعد ذلك ما كان. ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال.

وأعتقد أن ما عرضته كاف في هذا الموضوع ، وبه أختم رسالتي هذه..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(خادم المسلمين) عبد الحميد بن عبد المجيد في 22 أيلول 1329هـ"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق