بحث

الاثنين، 22 ديسمبر 2014

وثيقة كامبل السرية وتفتيت الوطن العربي : - الحلقة الرابعة - الأخيرة .

ثالثاً: بناء القدرات وتجاوز الأزمات :

تداول مؤتمر كامبل مراجعة
شاملة لقضايا النهوض العلمي والتقدم في المعرفة بالتأكيد على التوجهات الفكرية الداعية إلى التحول إلى العقلنة (ديكارت، فولتير) وإحلال الإنسان في الموقع المركزي الكوني.

لكن بالمقابل أوجب على الحضارة الغربية أخذ الاحتياطات والإجراءات لمنع أي تقدم محتمل لبقعتنا الخضراء – لأنها تهدد منظومته الحضارية الغربية.

وباتباع الغرب لمنهاج تاريخي محرف، وتفسير مغلوط للأحداث والمكونات والتراث، واجه العالم خلال قرون عديدة، قوانين جائرة عصفت بموارده وأمنه الاجتماعي والحضاري . وأبرز هذه القوانين :

١- قانون التفوق وهو ما كرسته العنصرية بما يسمح بتقسيم البشر وتصنيفهم إلى سادة وعبيد، وأن الجنس الأبيض الذي يشكل الساده حمله الله عبء الرسالة الحضارية.

٢- قانون المصلحة ويعني أنه ليس هناك من ثوابت قيمية وإنما هناك مصالح، فما يخدم الاستعمار في لحظة يجب التمسك به وإذا تعارض مع المصلحة في لحظة أخرى فلا بأس من تركه.

٣- قانون السيطرة ويعني التحكم وفرض الإرادة بما يخدم المصلحة وانعكست هذه القوانين على الشرق استعماراً وحشياً مقيتا لأن الشرق في حكم الغرب، "ينتمي إلى عرق محكوم لذلك ينبغي
له أن يُحكم."

لكن أخطر ما تداوله مؤتمر كامبل، مفهوم الوعي النقدي الضدي كامتداد لحقل المعرفة والعقلنة.

هذا المفهوم أخذ مساره في حقل فلسفة التاريخ على شكل رؤية لبناء المجتمعات ونمو الحياة البشرية، أخذ بها هيجل ١٧٧٠ م – ١٨٣١ م وتتلخص في أن كل المجتمعات تحتاج إلى أن تجدد
أفكارها، وأن تجد الأفكار حرية واسعة تستطيع فيها أن تمارس دورها في تطوير المجتمعات من
خلال الأفكار المتناقضة وصراع الأفكار الذي يولد الأفكار الجديدة ويحقق نمو الحياة البشرية.

هذا المفهوم يسمح بتداوله في المجتمعات الغربية لكنه خط أحمر ومحرم على المجتمعات الأخرى في شرقنا لاسيما شرقنا العربي والإسلامي.

"وهكذا تمكن الغرب من خلال ممارسته لهذا المفهوم وامتلاكه لثنائية المعرفة والسلطة من تجاوز
أزماته المستمرة من ديكارت وحتى اليوم" بينما استمر الشرق في تراجعه النسبي وغير قادر على
إدارة أزماته وهذا ما جعل "الثقافة الغربية متسلطة داخل أوروبا وخارجها على حد سواء."

رابعاً: العمل على استمرار تأخر المنطقة وتجزئتها إلى دول متناحرة وخلق دولة إسرائيل :

أهم ما واجه لجنة الاستعمار التي انبثقت عن مؤتمر كامبل تعقيدات العلاقات الدولية في مطلع القرن التاسع عشر، وأبرزها الوضع المضطرب لمنطقة شرق وجنوب البحر المتوسط المحكوم في
معظم أجزائه من قبل الدولة العثمانية.

هذه المنطقة تشكل وحدة جغرافية للوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، ووحدة تاريخية عريقة بلغة ودين مشترك، إضافة إلى ثقافة حضارية واحدة.

فمع انحسار السيطرة العثمانية على أقاليم المنطقة العربية وبروز الحركة القومية التركية، تنامت الحركات القومية الداعية إلى استقلال كل قومية على حده.

وفي ظل هذه التعقيدات ، انطلقت شعارات الثورة العربية وتصاعدت الأصوات الداعية إلى الوحدة العربية وإلى امتلاك العرب لثرواتهم الطبيعية ومواردهم البشرية.

دقت لجنة الاستعمار ناقوس الخطر، فالوضع خطير ويهدد مصالح الدول الاستعمارية وكانت بريطانيا أكبر هذه الدول وأكثرها خشية من المستقبل.

كان حلّ إقامة دولة إسرائيل لليهود، مشروعاً اعتمدته المركزية الأوروبية منذ القرن السابع عشر على خلفية قراءة حرفية للعهد القديم تربط اليهود بأرض فلسطين على أنهم ورثة الوعد الإلهي، واستثمار هذه الدولة مخفراً متقدماً للغرب في هذه المنطقة، قد لاقي المعارضة من معظم التجمعات اليهودية الأوروبية لأن المصالح اليهودية كانت مع الاندماج في المجتمعات الأوروبية التي وفرت لهم ذلك خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

أما يهود الدولة العثمانية فقد حصلوا على حقوقهم كافة إضافة إلى الرعوية العثمانية، وتمتعت
جالياتهم في كافة أنحاء الدولة برخاء اقتصادي، كان له أثر بالغ، في رفض دعوة نابليون لهم بالتوجه إلى فلسطين لإقامة دولة إسرائيل لكن المستجدات الجديدة في الدولة الروسية في أعقاب أحداث عام ١٨٨٢ م وتعرض ملايين اليهود إلى الطرد وامتداد عمليات الطرد لتشمل بولونيا ومعظم الدول الأوروبية الشرقية، والقيود التي فرضتها الدول الأوروبية للحيلولة دون تسرب كثيف لليهود إليها، طرح على القيادات اليهودية قضية التفتيش عن وطن خاص باليهود.

الوضع اليهودي المستجد، مع وضع الدولة العثمانية في حالة الاحتضار، وضع لجنة الاستعمار أمام هذه المتغيرات والمستجدات.

أعادت لجنة الاستعمار دراسة ملفات نابليون وبالمرستون وذررائيلي الذين نادوا بإقامة كيان يهودي على أرض فلسطين يشكل حاجزاً بشرياً يعمل لخدمة الاستعمار، وكان قرارها متوافقاً مع الحل الذي نادى به أباطرة الاستعمار، وعودة لتطبيق وتنفيذ المشروع الذي نادت به، المركزية الأوروبية منذ القرن السابع عشر.

وفيما يلي النص الذي اعتمد من قبل لجنة الاستعمار في هذا السبيل :

"على الدول ذات المصلحة أن تعمل على استمرار تأخر المنطقة وتجزئتها وإبقاء شعوبها مضللة جاهلة متناحرة وعلينا محاربة اتحاد هذه الشعوب وارتباطها بأي نوع من أنواع الارتباط الفكري أو الروحي أو التاريخي وإيجاد الوسائل العملية القوية لفصلها بعضها عن بعض وكوسيلة أساسية مستعجلة، ولدرء الخطر توصي اللجنة بضرورة العمل على فصل الجزء الافريقي من هذه المنطقة
عن جزئها الأسيوي وتقترح لذلك إقامة حاجز بشري قوي وغريب بحيث يشكل في هذه المنطقة
وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار عدوة لسكان المنطقة".

وهكذا يمكن اعتبار الجغرافية السياسية التي نشأت وفقاً لقانون إعادة تقسيم العالم ضمن مصالح
المشروع الامبريالي الغربي قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، متوافقة مع نصوص وثيقة كامبل.

"فقد كان الرأي الغربي مجمعاً على عدم السماح للعرب وبوادر اليقظة عليهم حين التحرر من العثمانيين بأن يستعيدوا وحدتهم أي أن يعودوا إلى وضعهم الطبيعي في التاريخ لئلا تضر عودتهم
هذه بالمجال الحيوي القادم لأوروبا".(د.فايز عز الدين شؤون سياسية دمشق 4/ 10 / 2007 م)

وبالتالي فقد نقض الاتفاق المبرم ما بين الشريف حسين ومكماهون القاضي بعدم إبرام أي صلح
إلا إذا كان ضمن شروطه : تحقيق حرية الشعوب وخلاصها.

عادت المركزية الأوروبية في صورتها الجديدة تعتبر أرض الوطن العربي، أرض عدو تجري عليه اتفاقيات توزيع الغنائم مما نقرؤه في اتفاقية سايكس بيكو (التسوية التاريخية) والتي جاءت كاستمرار وأول التطبيقات العملية لوثيقة كامبل.

أسس وعد بلفور ٢/١١/ ١٩١٧قاعدة الحاجز البشري القوي الغريب على أرض فلسطين دولة يهودية عدوة للعرب وصديقة وشريكة للغرب ومصالحه.

انصبت المناقشات خلال مؤتمر فرساي ما بين أول كانون الثاني إلى ٢٨ حزيران من عام ١٩١على اختيار نظرية أو قاعدة تقام عليها أسس الهيمنة والسيطرة الغربية على العالم، وكانت تسميات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وفي اختيار الوسائل الكفيلة باستمرار سيطرة الغرب على العالم وفقاً لوثيقة كامبل، اختيرت الوسيلة والاسم للاستعمار الجديد فأطلقوا عليه اسم الانتداب.

وقد نصت المادة ٢٢ من الميثاق على أنواعه وطريقة تطبيقه وأهدافه التي صنفت طبقاً للنظرية الداروينية في تسلسل الشعوب وقد كُرم العرب بإبقائهم وديعة مقدسة في عنق الحضارة الغربية، فالشعوب الأوروبية كاليونان مثلاً أعطيت الاستقلال والشعوب العربية وضعت تحت الانتداب .

أما الشعوب الإفريقية فقد أبقيت مصفدة بالسلاسل وتحت الاستعمار.

وقد تابع مجلس الحلفاء الأعلى التابع لمجلس عصبة الأمم إصدار القرارات التي أفضت إلى تهويد فلسطين وتجزئة الوطن العربي إلى كيانات إقليمية متعددة، وذلك ضمن نصوص الاتفاقات ، والمعاهدات التي صدرت عن المؤتمرات المتلاحقة سان ريمو 25 / 4 / 1920 ، سيفر 10 / 8 / 1920 ، لوزان 24 / 7 / 1923 م .

وبصدور القرار ١٨١ تاريخ ٢٩ /١١/ ١٩٤١م وإلغاء السيادة العربية على القدس، تكون منظمة الأمم المتحدة قد أكملت مسيرة الغرب الطويلة باتجاه التأسيس لدولة صهيونية، هي الجدار البشري القوي الغريب، قاعدة متقدمة للاستعمار، يزرع التجزئة ويبقى العرب في وضع مفكك جاهل متناحر.

• نشرت في مجلة "البحث التاريخي" التي تصدرها الجمعية التاريخية السورية العدد رقم ١٠ لعام ٢٠٠٨ م .

تم بحمد الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق