بحث

الاثنين، 22 ديسمبر 2014

وثيقة كامبل السرية وتفتيت الوطن العربي . الحلقة الثالثة .

وفيما يلي نص التوصية: "إن إقامة حاجز بشري قوي غريب على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معاً بالبحر الأبيض المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها. هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة."

وبالرغم من وفرة المصادر التي تؤكد صدور هذا التقرير أو هذه الوثيقة، إلا أن عدم الإفراج عنه بشكل نهائي كما أشرنا، جعل بعض المؤرخين والباحثين يشكك بوجوده فعلاً أم أنه من إبداع الخيال، وكان من المفترض أن تقوم مراكز الأبحاث الفلسطيني والموسوعة الفلسطينية، بدراسته
والحديث عنه، وهذا الذي لم يتحقق.

والبحث الذي نحن بصدده، يعرض إلى الوثيقة كما وردت في المصادر المتعددة، ومناقشتها استنادًا
إلى المنظومات القيمية للغرب، بخلفياتها التاريخية وأصولها الفلسفية، كما يتعرض إلى الممارسات الاستعمارية للغرب قبل وخلال السياق الزمني الذي أعدت فيه هذه الوثيقة."

وثيقة كامبل .

"الوثيقة هي استراتيجية أوروبية لضمان سيادة الحضارة الغربية وطول أمدها:

لذلك فهي ترى العالم من خلال ثلاث مساحات:

المساحة الأولى: تتكون من الوحدات التي تقع في المنظومة المسيحية الغربية، وتقرر الوثيقة أن من واجب بريطانيا تجاه هذه المساحة من الحضارة – على أي حالٍ من الأحوال- ألا تكون السيادة على العالم خارج إطارها.

أي أن هذه المنظومة الحضارية هي التي تسيطر على العالم ويظل زمام الأمور بيدها.

 
فإذا كانت أي حضارة لا شك ستنتهي بحسب نظرة فلسفة التاريخ – فإنها يجب أن تضمن أن وريث هذه الحضارة من نفس المساحة ومن جوهر المنظومة الغربية.

المساحة الثانية:
 
وهي الحضارة الصفراء التي لم تتناقص مع الحضارة الغربية من الناحية القيمية لكنها قد تختلف معها في حساب المصالح.

وهذه الحضارة يمكن التعامل معها والتعاطي معها تجارياً . ويمكن غزوها ثقافياً لهشاشة منظوماتها القيمية ومن ثم فالتعامل معها يعتمد على الجانب المصلحي للكتلة المسيحية الغربية من العالم.

أما المساحة الثالثة :
 
فهي البقعة الخضراء أو الحضارة الخضراء فهذه المساحة من الأرض، تحتوي على منظومة قيمية منافسة للمنظومة الغربية، صارعتها في مناطق كثيرة وأخرجتها من مناطق كثيرة ومن واجب الحضارة الغربية المسيحية أخذ احتياجاتها وإجراءاتها لمنع أي تقدم محتمل لهذه المنظومة الحضارية أو إحدى دولها لأنها مهددة للنظام القيمي الغربي.

وفي الإجراءات التي تتخذ مع هذه المساحة الثالثة (الحضارة التي تتناقص مع الغرب) تقترح هذه الوثيقة ثلاثة إجراءات رئيسية :

أولاً: حرمان دولة المساحة الخضراء من المعرفة والتقنية أو ضبط حدود المعرفة.

ثانياً: إيجاد أو تعزيز مشاكل حدودية متعلقة بهذه الدول.

ثالثاً: تكوين أو دعم الأقليات بحيث لا يستقيم النسيج الاجتماعي لهذه الدول ويظل مرهوناً بالمحيط
الخارجي." (د.سلطان الجاسم فلسفة التاريخ ص ٦٢ وما بعدها)

لم تأت "وثيقة كامبل" من فراغ، فالغرب الاستعماري كان يعدها لأطروحة تمثل مراجعة شاملة لتاريخه وتاريخ العالم وعلاقاته الصدامية المستمرة مع العرب والمسلمين.

الوثيقة تمثل مراجعة نقدية للمفاهيم العلمية والمعرفية والقيمية التي بنى عليها تفوقه وذلك من أجل الاستمرار في بناء قدراته وتجاوز أزماته ووضع القواعد المستقبلية للتعامل مع الشعوب الأخرى في العالم حتى تبقى تحت سيطرته ونفوذه وفي حقل تأثيره المعرفي.

كانت أبرز الدراسات المطروحة على جدول أعمال المؤتمر منصبة على تفحص اللحظات الحاسمة في الصدام مع شرقنا العربي الإسلامي والتحولات الحاسمة الكبرى في منظوماته القيمية ونوجز ذلك فيما يلي :

أولاً: في حملات الفرنجة الصليبيين :

خاض الغرب تحت رايات الشعارات الدينية المضللة أشرس الحملات في محاولة منه للسيطرة على عالمنا الغني باءت في محصلتها النهائية إلى الفشل وكانت اللحظة الحاسمة فيها عند أسوار عكا.

"الزمان: كان قبل سبعمئة سنة، بالضبط في صباح ١٨ مايو/ أيار ١٢٩١ ميلادية.

المكان :مدينة عكا بأسوارها الدهرية ، حيث انتصر الجيش المملوكي الإسلامي وألقى في البحر آخر جندي فرنجي" (شاكر مصطفى:حكاية الصليبيات في ثلاثة تواريخ:الجمعية التاريخية ١٩٩١
( ص ١٤٢) .

الغرب على لسان المتحدثين بالمؤتمر، يرفض العودة إلى الشرق، تحت هذه الشعارات، ولايريد
التكرار للمشاهد الفاجعة بالنسبة إليه.

ثانياً: في البحث عن إسرائيل القديمة :

"ما إن تلاشت أصداء آخر حملة صليبية على بلاد الشام ومصر حتى عاد الغرب بدءاً من القرن السابع عشر يعد العدة لغزو المنطقة بأفكار جديدة أخطرها على الإطلاق : فكرة إعادة اليهود.

هذه الفكرة وجدت غذاءها الفكري في النظرية الألفية .

أخذت هذه النظرية اسمها من كلمة ("خلياس" اليونانية بمعنى ألف. الدكتور صالح حمارنة-الجمعية التاريخية ١٩٩١ ص ٢١) .

تتمحور هذه النظرية حول عودة وتملك المسيح أورشليم بعد الألف."من هذه الفكرة، وفكرة مكملة لها، أراد منها لوثر وتلاميذه أن يضعوا حداً للتفرقة العنصرية ضد اليهود أعاد طرح المسألة طرحاً لاهوتيًا من خلال السؤال:

ما موقع اليهود في المشروع الإلهي؟

المركزية الأوروبية وجدت في هذه الأفكار حصان طروادة من أجل غزو الشرق بذريعة تنطلي على الكثير ممن لا علم لهم بالتاريخ ومجرياته.

وهكذا بدأ الغرب بتوظيف أدواته المعرفية وأهمها الاستشراق من أجل البحث عن "إسرائيل القديمة" بوصفه مشروعاً معرفياً يؤسس لطور جديد للحضارة الغربية يرتكز على قراءة حرفية لنصوص التوراة.

هذه القراءة الحرفية تربط اليهود بأرض فلسطين على أنهم ورثة الوعد الإلهي، ومن ثم فالمسألة التي تدعى هي الصهيونية بمعنى العودة إلى فلسطين بمفهوم متعصب يحلّ دولة إسرائيل محل إله إسرائيل.

لقد كانت هذه القراءة نقيض وجهة نظر المذهب الرسمي للكنيسة بحسب القديس أوغسطين في
القرن الخامس الميلادي من أن ما ورد في العهد القديم بشأن مملكة الله إسرائيل قائم في السماء وليس على الأرض، ومن ثم فإن القدس وصهيون ليسا مكانين محددين على الأرض للسكان اليهود
أو السكن لليهود ولكنهما مكانان سماويان مفتوحان أمام كل المؤمنين بالله.

وثيقة كامبل باعتمادها فكرة إقامة الحاجز البشري الغريب من اليهود على أرض فلسطين، تكون قد التقت عبر لحظة حاسمة أخرى، في التأسيس لتحول الغرب إلى منشئ لمنظومة قيمية جديدة
تستثمر اليهودية وإسرائيل، من أجل أغراضه الاستعمارية والأهم من ذلك انجراف مراكز السلطة
في الغرب إلى الحديث عن اليهودية وإسرائيل على أنها منشأ الحضارة الغربية ومصدرها الأخلاقي.

لذلك كان استكشاف مصر وإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين عنواناً لأول غزو غربي يقوم به نابليون عام ١٧٩٩ ميلادية، ولغرض السيطرة على طرق العبور إلى الشرق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق