بحث

الأربعاء، 17 يونيو 2015

الماسونية وأقطاب جماعة الإخوان المسلمون.



حينما بدأت أولى أبحاثي عن الماسونية وتاريخها في مصر، كنت أتحفز كثيرا وأحتاط حينما أجد اسم عالم دين يتداول البعض اسمه أثناء الحديث عن الماسونية، ووسط كم الكتابات عنها وعن أهدافها وطرق الدخول فيها وغيرها من المسائل المهمة، كان
عقلي يرفض استيعاب فكرة أن رجل دين يمكنه قبول الانضمام إلى مثل تلك المحافل المشبوهة، إلا أنني مع الوقت وجلاء الصورة نتيجة اطلاعي على وثائق ومصادر تاريخية مختلفة، وجدت أن الماسونية في مجتمعنا ترتبط ارتباطا وثيقا بالوجاهة الاجتماعية أكثر منها اعتناقا لفكر، ولكن هل يعد هذا مبررا كافيا للانضام إليها...

على أية حال، ومع ذلك الارتباط بين الماسونية ومعظم وجهاء مصر الذين كانوا رؤساء وأعضاء في حركات وأحزاب وجماعات سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة، من رجال دين وفكر واقتصاد وسياسة، أدباء ومفكرين وفنانين، فإنه يبدو أيضا أن الشكوك في تورط أعضاء جماعة "الإخوان المسلمون" الأوائل بعلاقات مع الماسونية في مصر تزداد بمرور الوقت. خاصة وأن قطبا إخوانيا مهما مثل "سيد قطب" كان يكتب بعض مقالاته فى جريدة "التاج المصرى"، لسان حال المحفل الأكبر الوطنى المصرى الماسوني، وهو أول ما لفت نظري للبحث حول حقيقة انضمام بعض أقطاب الجماعة إلى الماسونية.

من المعروف أن "سيد قطب" خاض تجربة الانتساب إلى أحزاب سياسية مختلفة، قبل أن ينضم إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست على يد مرشدها الأول "حسن البنا" عام 1928، فعلى سبيل المثال انضم إلى حزب الوفد وحزب السعديين، إلا أنه أصيب بالملل من الأحزاب ورجالها، وعلل موقفه هذا قائلا: "لم أعد أرى في حزب من هذه الأحزاب ما يستحق عناء الحماسة له، والعمل من أجله". كذلك مرَّ "قطب" في حياته بمراحل عديدة، انتقل فيها من تيارات فكرية إلى أخرى. وفى عام 1934 نشرت جريدة الأهرام دعوته للعرى التام، وأن يعيش الناس عرايا كما ولدتهم أمهاتهم، وقد كان ذلك منتشرا في البلدان الأوربية آنذاك. وقد اعترف أكثر من مرة بمروره بمرحلة التيه في عقيدته الدينية، حتى انتهى به المطاف إلى جماعة الإخوان المسلمين التي انضم إليها عام 1954.

ولقد كتب الشيخ "محمد الغزالي" في كتابه (من ملامح الحق)، وهو من أكبر رجال الإخوان، والأقرب للمؤسس "حسن البنا"، أن "قطب" انحرف عن طريقة "البنا"، وأنه بعد مقتل الأخير وضعت الماسونية زعماء لحزب الإخوان المسلمين، وقالت لهم ادخلوا فيهم لتفسدوهم.

ويذكر الكاتب "تمام البرازي" أن المفكر والداعية السوري الدكتور "مصطفى السباعي" الذي ساهم في الحركة الوطنية المصرية كان من أنشط الأعضاء الماسون في بيروت. ولكن لأي مدى كان انتماؤه إلى الماسونية؟ وهل كان يتخذها وسيلة لخدمة أهداف الإخوان المسلمين في مصر والشام؟ خاصة وأنه انتخب بعد عام 1945 مراقبا عاما لحركة "الإخوان المسلمين" في سوريا، نظرا لموهبته في الكتابة والخطابة، وإسهاماته الواسعة في الحركة الوطنية المصرية والسورية. وقد ذكر في ثلاثة مواضع أنه ماسوني، وخاصة كتاب "عبد الحليم خوري" الذي نشره في عام 1954 ببيروت، وقال فيه أن كلا من "فارس الخوري" رئيس الوزراء السوري و"مصطفى السباعي"، كانا في محفل ماسوني واحد في سوريا مع "حسنى الزعيم".

وهكذا، فبعض الأعضاء في التنظيم الدولي لجماعة "الإخوان المسلمين" كانوا ضمن أعضاء الماسونية بالفعل. وهكذا، تزداد علامات الاستفهام التي لم تجد تفسيرا منطقيا بعد. فما مدى انتماء هؤلاء إلى الماسونية؟ وما هو الغرض من انضمامهم؟ ولأي مدى كان اقتناعهم بمبادئها؟ ونعلم أن العديد من الأسئلة المشابهة قد طرحت بدون إجابات، وكلها تدور حول كبار رجال مصر من الماسون (وزرائها وسفرائها وتجارها وأطبائها وضباطها ومعلميها)، لكن انضمام أعضاء من "الإخوان المسلمين" أو أي جماعات دينية أخرى إلى الماسونية لهو من الأمور الشائكة التي تحتاج إلى التفسير، والأكثر غموضا من ذلك هو حرص بعض الأعضاء الماسون السابقين على الانضمام إلى الجماعة، خاصة وكما رأينا أن الشيخ "محمد الغزالي" أكد ذلك. وهو أمر محير فمسألة مدى الانتماء إلى الماسونية، ومدى صدق ذلك الانتماء، ومدى الإيمان بمبادئها أمر غامض لا يباح به لأقرب الأقربين، كما لا تظهر المذكرات الشخصية لأي منهم أية علاقة من قريب أو بعيد بالماسونية، وكأنهم لم يقربونها قط.

على أية حال، احتوت أوراق الماسونية في مصر على قرار أصدره "إدريس راغب" الأستاذ الأعظم للمحفل الأكبر الوطني المصري، بتاريخ 29 أغسطس عام 1922، يعترض فيه بشدة على أمر إفشاء أعمال الماسونية في الجرائد السيارة، فالموضوعات الماسونية تناقش في صحف الماسون فقط، ويبدو أنه قصد بصحف الماسون تلك التي كان يمتلكها الماسون دون غيرها، أو المتخصصة التي تصدر عن الشروق الماسونية ومحافلها، تحت السلطة العامة للمحفل الأكبر الوطني المصري، وهي على سبيل المثال وليس الحصر (الأخبار الماسونية، الجريدة الماسونية، حيرام، الكشكول، المجلة الماسونية، الميثاق الماسونية، النصوح، النظام، التاج المصري)

ولقد صدر ذلك الأمر حينما نشر العضو الماسوني "محمد مصطفى عبده" مقالا بعنوان "في الماسونية" بجريدة "وادي النيل"، في عددها الصادر في 27 أغسطس 1922، وكانت غير متخصصة في الماسونية. وأمر "إدريس راغب" في نهاية اعتراضه الرسمي بإيقاف "محمد مصطفى عبده" عن الأعمال الماسونية، وأوصى بلزوم محاكمته. وأعلنت "المجلة الماسونية" في إحدى الأعداد بأنها ترجو كل أخ ماسونى يريد نشر أي مقالة علمية أو أدبية أو ماسونية، أن يرسلها على الجريدة مباشرة، وبالتالي لا يسمح أبدا لغير الماسون بالنشر في الصحف الماسونية، ولا يحق للماسوني بإفشاء أمر الماسونية في الصحف السيارة.

ولقد رحبت الصحف الماسونية مرارا بالباحثين الماسون، وحثتهم على الكتابة في الصحف الماسونية، وفي نفس الوقت لمحت أنها لا ترحب باستقبال أعمال العوام من غير الماسون، وهو التقليد المتبع في كل صحف الماسون في العالم، فلا تسمح الماسونية في مصر، كمثيلتها في دول العالم، لأحد من غير الماسون بالاقتراب من الماسونية بأي شكل من الأشكال، إلا إذا كانت الماسونية ترغب في اقترابه ليكون عضوا فيها، وهذا التقليد متبع إلى الوقت الحاضر، وبالتالي فإن أي شخص يُذكر في الصحف الماسونية مشاركا فيها، أو حتى مبديا رأيه في أي من الموضوعات العامةأو الماسونية فهو منها، فقوانين الماسونية صارمة أيا كانت طبيعة المجتمع الذي تعيش فيه، وتلك النظرية ستصبح من المسلمات حتى يظهر ما يفندها.

وهكذا، يقول الشيخ "محمد الغزالي": "فلم يشعر أحد بفراغ الميدان من الرجالات المقتدرة في الصف الأول من جماعة الإخوان المسلمين، إلا يوم قتل حسن البنا في الأربعين من عمره، لقد بدا الأقزام على حقيقتهم بعد أن ولى الرجل الذي طالما سد عجزهم. وكان في الصفوف التالية من يصلحون بلا ريب لقيادة الجماعة اليتيمة، ولكن المتحاقدين الضعاف من أعضاء مكتب الإرشاد حلوا الأزمة، أو حلت بأسمائهم الأزمة بأن استقدمت الجماعة رجلاً غريباً عنها ليتولى قيادتها، وأكاد أوقن بأن من وراء هذا الاستقدام أصابع هيئات سرية عالمية أرادت تدويخ النشاط الإسلامي الوليد، فتسللت من خلال الثغرات المفتوحة في كيان جماعة هذه حالها وصنعت ما صنعت. ولقد سمعنا كلاما كثيرا عن انتساب عدد من الماسون بينهم الأستاذ حسن الهضيبي نفسه لجماعة الإخوان، ولكنني لا أعرف بالضبط. استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخنق جماعة كبيرة على النحو الذي فعلته، وربما كشف المستقبل أسرار هذه المأساة".

ويبدو أنه بين الأمر المنشور لإدريس راغب في الصحف الماسونية، وما كتبه تمام البرازي في كتابه عن ماسونية "السباعي" أحد أعضاء الإخوان البارزين، وما ذكره "الغزالي" عن ماسونية بعض أعضاء الجماعة في مصر، علامات استفهام عديدة تتطلب الكثير من البحث لكي تتكشف الحقيقة عنها، فهؤلاء وغيرهم من الرموز يحتاجون الكثير من الجهد للدفاع عنهم أو إثبات ما عليهم.

المراجع:

- جريدة الأهرام، 17 مايو 1934، ص7؛ روز اليوسف، 29 يوليو 1986، ص34.
- محمد الغزالي، من ملامح الحق، ط2، دار الكتب الحديثة، القاهرة 1963، ص263.

- تمام البرازي، ملفات المعارضة السورية، ط1، مكتبة مدبولي، القاهرة 1994، ص82– 84.

- ذكرت إحدى الوثائق الماسونية أن ذلك المقال نشر في عدد جريدة "وادي النيل" رقم 3964؛ أنظر: أمر عال رقم514، 29 أغسطس1922 (وثائق عابدين، المحفل الماسوني، محفظة رقم579.)

- المجلة الماسونية، عدد 2، س1، 1 ديسمبر 1920، ص52.
- كافة إعلانات أعداد الصحف الماسونية التي كانت تصدر في مصر آنذاك.

* المصدر : - وائل إبراهيم الدسوقي، الماسونية والماسون في مصر، ص 280، 281.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق